76 - ولهذا (قال إن سألتك عن شيء بعدها) أي بعد هذه المرة (فلا تصاحبني) لا تتركني أتبعك (قد بلغت من لدني) بالتشديد والتخفيف من قبلي (عذرا) في مفارقتك لي
قال موسى له : " إن سألتك عن شيء بعدها" يقول : بعد هذه المرة " فلا تصاحبني " يقول : ففارقني ، فلا تكن لي مصاحبا " قد بلغت من لدني عذرا" يقول : قد بلغت العذر في شأني . واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء أهل المدينة من لدني عذرا بفتح اللام وضم الدال وتخفيف النون . وقرأه عامة قراء الكوفة والبصرة بفتح اللام وضم الدال وتشديد النون . وقرأه بعض قراء الكوفة بإشمام اللام الضم وتسكين الدال وتخفيف النون ، وكأن الذين شددوا النون طلبوا للنون التي في لدن السلامة من الحركة، إذ كانت في الأصل ساكنة، ولو لم تشدد لتحركت ، فشددوها كراهة منهم تحريكها، كما فعلوا في من ، وعن إذ أضافوهما إلى مكني المخبر عن نفسه ، فشددوهما ، فقالوا مني وعني . وأما الذين خففوها، فإنهم وجدوا مكني المخبر عن نفسه في حال الخفض ياء وحدها لا نون معها . فأجروا ذلك من لدن على حسب ما جرى به كلامهم في ذلك مع سائر الأشياء غيرها.
والصواب من القول في ذلك عندي أنهما لغتان فصيحتان ، قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القراء بالقرآن ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب ، غير أن أعجب القراءتين إلي في ذلك قراءة من فتح اللام وضم الدال وشدد النون ، لعلتين : إحداهما أنها أشهر اللغتين ، والأخرى أن محمد بن نافع البصري حدثنا، قال : ثناأمية بن خالد ، قال : ثناأبو الجارية العبدي ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن أبي بن كعب ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ " قد بلغت من لدني عذرا" مثقلة .
حدثني عبد الله بن أبي زياد ، قال : ثنا حجاج بن محمد ، عن حمزة الزيات ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عنأبي بن كعب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ، وذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية فقال استحيا في الله موسى .
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : ثنا بدل بن المحبر ، قال : ثنا عباد بن راشد ، قال : ثنا داود ، في قول الله عز وجل " إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا" قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : استحيا في الله موسى عندها.
حدثني عبد الله بن أبي زياد ، قال : ثنا حجاج بن محمد ، عن حمزة الزيات ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن أبي بن كعب ، قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذكر أحدا فدعا له بدأ بنفسه ، فقال ذات يوم : رحمة الله علينا وعلى موسى ، لو لبث مع صاحبه لأبصر العجب ولكنه قال : إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا مثقلة .
" قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا ". لفظ البخاري : وفي التفسير : إن الخضر مر بغلمان يلعبون فأخذ بيده غلاماً ليس فيهم أضوأ منه، وأخذ حجراً فضرب به رأسه حتى دمغه، فقتله. قال أبو العالية : لم يره إلا موسى، ولو رأوه لحالوا بينه وبين الغلام.
قلت: ولا اختلاف بين هذه الأحوال الثلاثة، فإنه يحتمل أن يكون دمغه أولاً بالحجر، ثم أضجعه فذبحه، ثم اقتلع رأسه، والله أعلم بما كان من ذلك، وحسبك بما جاء في الصحيح. وقرأ الجمهور: ( زاكية ) بالألف. وقرأ الكوفيون وابن عامر " زكية " بغير ألف وتشديد الياء، قيل: المعنى واحد، قاله الكسائي . وقال ثعلب : الزكية أبلغ. قال أبو عمرو: الزاكية التي لم تذنب قط، والزكية التي أذنبت ثم تابت.
قوله تعالى: " غلاما " اختلف العلماء في الغلام هل كان بالغاً أم لا؟ فقال الكلبي: كان بالغاً يقطع الطريق بين قريتين، وأبوه من عظماء أهل إحدى القريتين، وأمه من عظماء القرية الأخرى، فأخذه الخضر فصرعه، ونزع رأسه عن جسده. قال الكلبي: واسم الغلام شمعون. وقال الضحاك : حيسون. وقال وهب: اسم أبيه سلاس واسم أمه رحمى. وحكى السهيلي أن اسم أبيه كازير واسم أمه سهوى. وقال الجمهور: لم يكن بالغاً، ولذلك قال موسى زاكية لم تذنب. وهو الذي يقتضيه لفظ الغلام، فإن الغلام في الرجال يقال على من لم يبلغ، وتقابله الجارية في النساء. وكان الخضر قتله لما علم من سره، وأنه طبع كافراً كما في صحيح الحديث، وأنه لو أدرك لأرهق أبويه كفراً. وقتل الصغير غير مستحيل إذا أذن الله في ذلك، فإن الله تعالى الفعال لما يريد، القادر على ما يشاء. وفي كتاب العرائس إن موسى لما قال للخضر: " أقتلت نفسا زكية " - الآية - غضب الخضر واقتلع كتف الصبي الأيسر، وقشر اللحم عنه، وإذا في عظم كتفه مكتوب: كافر لا يؤمن بالله أبداً. وقد احتج أهل القول الأول بأن العرب تبقي على الشاب اسم الغلام، ومنه قول ليلى الأخيلية:
شفاها من الداء العضال الذي بها غلام إذا هز القناة سقاها
وقال صفوان لحسان:
تلق ذباب السيف عني فإنني غلام إذا هوجيت لست بشاعر
وفي الخبر إن هذا الغلام كان يفسد في الأرض، ويقسم لأبويه أنه ما فعل، فيقسمان على قسمه، ويحميانه ممن يطلبه، قالوا وقوله: " بغير نفس " يقتضي أنه لو كان عن قتل نفس لم يكن به بأس، وهذا يدل على كبر الغلام، وإلا فلو كان لم يحتلم لم يجب قتله بنفس، وإنما جاز قتله لأنه كان بالغاً عاصياً. قال ابن عباس: كان شاباً يقطع الطريق. وذهب ابن جبير إلى أنه بلغ سن التكليف لقراءة أبي وابن عباس ( وأما الغلام فكان كافرا وكان أبواه مؤمنين ) والكفر والإيمان من صفات المكلفين، ولا يطلق على غير مكلف إلا بحكم التبعية لأبويه، وأبوا الغلام كانا مؤمنين بالنص فلا يصدق عليه اسم الكافر إلا بالبلوغ، فتعين أن يصار إليه. والغلام من الاغتلام وهو شدة الشبق.
قوله تعالى: " نكرا " اختلف الناس أيهما أبلغ " إمرا " أو قوله " نكرا " فقالت فرقة: هذا قتل بين، وهناك مترقب، فـ" نكرا " أبلغ، وقالت فرقة: هذا قتل واحد وذاك قتل جماعة فـ" إمرا " أبلغ. قال ابن عطية : وعندي أنهما لمعنيين وقوله: " إمرا " أفظع وأهول من حيث هو متوقع عظيم، و " نكرا " بين في الفساد لأن مكروهه قد وقع، وهذا بين. قوله: " قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني " شرط وهو لازم، والمسلمون عند شروطهم، وأحق الشروط أو يوفى به ما التزمه الأنبياء، والتزم للأنبياء. وقوله: " قد بلغت من لدني عذرا " يدل على قيام الاعتذار بالمرة الواحدة مطلقاً، وقيام الحجة من المرة الثانية بالقطع، قاله ابن العربي. ابن عطية : ويشبه أن تكون هذه القصة أيضاً أصلاً للآجال في الأحكام التي هي ثلاثة، وأيام المتلوم ثلاثة، فتأمله.
قوله تعالى: " فلا تصاحبني " كذا قرأ الجمهور، أي تتابعني. وقرأ الأعرج ( تصحبني ) بفتح التاء والباء وتشديد النون. وقرىء ( تصحبني ) أي تتبعني. وقرأ يعقوب ( تصحبني ) بضم التاء وكسر الحاء، ورواها سهل عن أبي عمرو، قال الكسائي : معناه فلا تتركني أصحبك. " قد بلغت من لدني عذرا " أي بلغت مبلغاً تعذر به في ترك مصاحبتي. وقرأ الجمهور: " من لدني " بضم الدال، إلا أن نافعاً وعاصماً خففا النون، فهي ( لدن ) اتصلت بها ياء المتكلم التي في غلامي وفرسي، وكسر ما قبل الياء كما كسر في هذه. وقرأ أبو بكر عن عاصم " لدني " بفتح اللام وسكون الدال وتخفيف النون. وروي عن عاصم " لدني " بضم اللام وسكون الدال، قال ابن مجاهد : وهي غلط، قال أبو علي: هذا التغليط يشبه أن يكون من جهة الرواية، فأما على قياس العربية فهي صحيحة. وقرأ الجمهور " عذرا ". وقرأ عيسى " عذرا " بضم الذال. وحكى الداني أن أبيا روى عن النبي صلى الله عليه وسلم( عذري ) بكسر الراء وياء بعدها.
مسألة: أسند الطبري قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دعا لأحد بدأ بنفسه، فقال يوماً: رحمة الله علينا وعلى موسى لو صبر على صاحبه لرأى العجب ولكنه قال: " فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا ". " والذي في صحيح مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " رحمة الله علينا وعلى موسى لولا أنه عجل لرأى العجب ولكنه أخذته من صاحبه ذمامة ولو صبر لرأى العجب " قال: وكان إذا ذكر أحداً من الأنبياء بدأ بنفسه: " رحمة الله علينا وعلى أخي كذا ". وفي البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يرحم الله موسى لوددنا أنه صبر حتى يقص علينا من أمرهما ". الذمامة بالذال المعجمة المفتوحة، وهو بمعنى المذمة بفتح الذال وكسرها، وهي الرقة والعار من تلك الحرمة: يقال أخذتني منك مذمة ومذمة وذمامة. وكأنه استحيا من تكرار مخالفته، ومما صدر عنه من تغليظ الإنكار.
يقول تعالى: "فانطلقا" أي بعد ذلك "حتى إذا لقيا غلاماً فقتله" وقد تقدم أنه كان يلعب مع الغلمان في قرية من القرى, وأنه عمد إليه من بينهم, وكان أحسنهم وأجملهم وأضوأهم فقتله, وروي أنه احتز رأسه, وقيل رضخه بحجر, وفي رواية اقتلعه بيده, والله أعلم, فلما شاهد موسى عليه السلام هذا, أنكره أشد من الأول, وبادر فقال: "أقتلت نفساً زكية" أي صغيرة لم تعمل الحنث ولا عملت إثماً بعد فقتلته "بغير نفس" أي بغير مستند لقتله "لقد جئت شيئاً نكراً" أي ظاهر النكارة " قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا" فأكد أيضاً في التذكار بالشرط الأول, فلهذا قال له موسى: "إن سألتك عن شيء بعدها" أي إن اعترضت عليك بشيء بعد هذه المرة "فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذراً" أي أعذرت إلي مرة بعد مرة, قال ابن جرير : حدثنا عبد الله بن أبي زياد , حدثنا حجاج بن محمد عن حمزة الزيات عن أبي إسحاق , عن سعيد بن جبير عن ابن عباس , عن أبي بن كعب قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذكر أحداً فدعا له بدأ بنفسه, فقال ذات يوم: "رحمة الله علينا وعلى موسى لو لبث مع صاحبه لأبصر العجب, ولكنه قال: إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا".
76- "قال" موسى "إن سألتك عن شيء بعدها" أي بعد هذه المرة، أو بعد هذه النفس المقتولة "فلا تصاحبني" أي لا تجعلني صاحباً لك، نهاه عن مصاحبته مع حرصه على التعلم لظهور عذره، ولذا قال: "قد بلغت من لدني عذراً" يريد أنك قد أعذرت حيث خالفتك ثلاث مرات، وهذا كلام نادم شديد الندامة، اضطره الحال إلى الاعتراف وسلوك سبيل الإنصاف. قرأ الأعرج تصحبني بفتح التاء والباء وتشديد النون. وقرأ الجمهور "تصاحبني" وقرأ يعقوب " تصاحبني " بضم التاء وكسر الحاء ورواها سهل عن أبي عمرو. قال الكسائي: معناه لا تتركني أصحبك. وقرأ الجمهور "لدني" بضم الدال إلا أن نافعاً وعاصماً خففا النون، وشددها الباقون. وقرأ أبو بكر عن عاصم "لدني" بضم اللام وسكون الدال. قال ابن مجاهد: وهي غلط. قال أبو علي: هذا التغليظ لعله من جهة الرواية، فأما على قياس العربية فصحيحة. وقرأ الجمهور "عذراً" بسكون الذال. وقرأ عيسى بن عمر بضمر الذال. وحكى الداني أن أبياً روى عن النبي صلى الله عليه وسلم بكسر الراء وياء بعدها بإضافة العذر إلى نفسه.
76 - " قال " ، موسى ، " إن سألتك عن شيء بعدها " ، بعد هذه المرة ، " فلا تصاحبني " ، وفارقني ، وقرأ يعقوب : " فلا تصاحبني " بغير ألف من الصحبة .
" قد بلغت من لدني عذراً " ، قرأ أبو جعفر و نافع و أبو بكر " من لدني " خفيفة النون ، وقرأ الآخرون ، بتشديدها ، قال ابن عباس : أي قد أعذرت فيما بيني وبينك .
وقيل : حذرتني أني لا أستطيع معك صبراً . وقيل : اتضح لك العذر في مفارقتي .
أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أنبأنا عبد الغافر بن محمد ، أنبأنا محمد بن عيسى ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا محمد بن عبد الله القيسي ، حدثنا المعتمر بن سليمان ، عن أبيه عن رقية ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن أبي بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رحمة الله علينا وعلى موسى ، وكان إذا ذكر أحداً من الأنبياء بدأ بنفسه لولا أنه عجل لرأى العجب ، ولكنه أخذته من صاحبه ذمامة ، قال :" إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذراً " لو صبر لرأى العجب " .
76."قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني"وإن سألت صحبتك ،وعنيعقوب فلا تصحبني أي فلا تجعلني صاحبك ."قد بلغت من لدني عذراً"قد
وجدت عذراً من قبلي لما خالفتك ثلاث مرات . "وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم رحم الله أخي موسى استحيا فقال ذلك لو لبث مع صاحبه لأبصر أعجب الأعاجيب ".وقرأ نافعمن لدني بتحريك النون والاكتفاء بها عن نون الدعامة كقوله:
قدني من نصر الحبيبين قدى
وأبو بكر "لدني" بتحريك النون وإسكان الضاد من عضد.
76. (Moses) said: If I ask thee after this concerning aught, keep not company with `me. Thou hast received an excuse from me.
76 - (Moses) said: if ever I ask thee about anything after this, keep me not in thy company: then wouldst thou have received (full) excuse from my side.