76 - فلما أطال مجادلتهم قالوا (يا إبراهيم أعرض عن هذا) الجدال (إنه قد جاء أمر ربك) بهلاكهم (وإنهم آتيهم عذاب غير مردود)
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره ، مخبراً عن قول رسله لإبراهيم : "يا إبراهيم أعرض عن هذا" ، وذلك قيلهم له حين جادلهم في قوم لوط ، فقالوا :دع عنك الجدال في أمرهم والخصومة فيه ، فإنه "قد جاء أمر ربك" ، يقول : قد جاء أمر ربك بعذابهم . وحق عليهم كلمة العذاب ، ومضى فيهم بهلاكهم القضاء ، "وإنهم آتيهم عذاب غير مردود" ، يقول : وإن قوم لوط ، نازل بهم عذاب من الله غير مدفوع .
وقد مضى ذكر الرواية بما ذكرنا فيه عمن ذكر ذلك عنه .
قوله تعالى: " يا إبراهيم أعرض عن هذا " أي دع عنك الجدال في قوم لوط. " إنه قد جاء أمر ربك " أي عذابه لهم. " وإنهم آتيهم " أي نازل بهم. " عذاب غير مردود " أي غير مصروف عنهم ولا مدفوع.
يخبر تعالى عن إبراهيم عليه السلام أنه لما ذهب عنه الروع وهو ما أوجس من الملائكة خيفة حين لم يأكلوا وبشروه بعد ذلك بالولد وأخبروه بهلاك قوم لوط أخذ يقول كما قال سعيد بن جبير في الاية قال: لما جاءه جبريل ومن معه قالوا له: "إنا مهلكوا أهل هذه القرية" قال لهم: أتهلكون قرية فيها ثلثمائة مؤمن ؟ قالوا: لا, قال: أفتهلكون قرية فيها مائتا مؤمن ؟ قالوا: لا, قال أفتهلكون قرية فيها أربعون مؤمناً ؟ قالوا: لا, قال ثلاثون ؟ قالوا: لا, حتى بلغ خمسة قالوا: لا, قال: أرأيتكم إن كان فيها رجل مسلم واحد أتهلكونها ؟ قالوا: لا, فقال إبراهيم عليه السلام عند ذلك: "إن فيها لوطاً قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته" الاية. فسكت عنهم واطمأنت نفسه, وقال قتادة وغيره قريباً من هذا زاد ابن إسحاق أفرأيتم إن كان فيها مؤمن واحد ؟ قالوا: لا, قال: فإن كان فيها لوط يدفع به عنهم العذاب قالوا: "نحن أعلم بمن فيها" الاية, وقوله: "إن إبراهيم لحليم أواه منيب" مدح لإبراهيم بهذه الصفات الجميلة, وقد تقدم تفسيرها, وقوله تعالى: "يا إبراهيم أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربك" الاية, أي أنه قد نفذ فيهم القضاء وحقت عليهم الكلمة بالهلاك وحلول البأس الذي لا يرد عن القوم المجرمين.
قوله: 76- "يا إبراهيم أعرض عن هذا" هذا قول الملائكة له: أي أعرض عن هذا الجدال في أمر قد فرغ منه، وجف به القلم، وحق به القضاء "إنه قد جاء أمر ربك" الضمير للشأن، ومعنى مجيء أمر الله: مجيء عذابه الذي قدره عليهم، وسبق به قضاؤه "وإنهم آتيهم عذاب غير مردود" أي لا يرده دعاء ولا جدال، بل هو واقع بهم لا محالة، ونازل بهم على كل حال ليس بمصروف ولا مدفوع.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن عثمان بن محصن في ضيف إبراهيم قال: كانوا أربعة: جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، وروفائيل. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: "بعجل حنيذ" قال: نضيج. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال: مشوي. وأخرج أبو الشيخ عنه أيضاً قال: سميط. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك قال: الحنيذ الذي أنضج بالحجارة. وأخرج ابن أبي حاتم عن يزيد بن أبي يزيد البصري في قوله: "فلما رأى أيديهم لا تصل إليه" قال: لم ير لهم أيدياً فنكرهم. وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: "نكرهم" قال: كانوا إذا نزل بهم ضيف فلم يأكل من طعامهم ظنوا أنه لم يأت بخير، وأنه يحدث نفسه بشر، ثم حدثوه عند ذلك بما جاءوا فيه فضحكت امرأته. وأخرج ابن المنذر عن المغيرة قال: في مصحف ابن مسعود وامرأته قائمة وهو جالس. وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد "وامرأته قائمة" قال: في خدمة أضياف إبراهيم. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة قال: لما أوجس إبراهيم في نفسه خيفة حدثوه عند ذلك بما جاءوا فيه، فضحكت امرأته تعجباً مما فيه قوم لوط من الغفلة، ومما أتاهم من العذاب. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس "فضحكت" قال: فحاضت وهي بنت ثمان وتسعين سنة. وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله: "فضحكت" قال: حاضت وكانت ابنة بضع وتسعين سنة، وكان إبراهيم ابن مائة سنة. وأخرج أبو الشيخ عن عكرمة قال: حاضت. وأخرج أبو الشيخ عن ابن عمر مثله. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "ومن وراء إسحاق يعقوب" قال: هو ولد الولد. وأخرج ابن الأنباري في كتاب الوقف والابتداء عن حسان بن أبجر قال: كنت عند ابن عباس فجاء رجل من هذيل، فقال له ابن عباس: ما فعل فلان؟ قال: مات وترك أربعة من الولد وثلاثة من الوراء، فقال ابن عباس: "فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب" قال: ولد الولد. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وأبو الشيخ والبيهقي في الشعب من طرق عن ابن عباس أنه كان ينهى عن أن يزاد في جواب التحية على قولهم: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ويتلو هذه الآية "رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت". وأخرج البيهقي عن ابن عمر نحوه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: " فلما ذهب عن إبراهيم الروع " قال: الفرق "يجادلنا في قوم لوط" قال: يخاصمنا. وأخرج عبد الرزاق وأبو الشيخ عن قتادة في تفسير المجادلة قال: إنه قال لهم يومئذ: أرأيتم إن كان فيهم خمسون من المسلمين؟ قالوا: إن كان فيهم خمسون لم نعذبهم، قال: أربعون؟ قالوا: وأربعون، قال: ثلاثون؟ قالوا: وثلاثون حتى بلغوا عشرة، قالوا: إن كان فيهم عشرة لم نعذبهم، قال: ما قوم لا يكون فيهم عشرة فيهم خير؟ قال قتادة: إنه كان في قرية لوط أربعة آلاف ألف إنسان، أو ما شاء الله من ذلك. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال: لما جاءت الملائكة إلى إبراهيم قالوا لإبراهيم: إن كان فيها خمسة يصلون رفع عنهم العذاب. وأخرج أبو الشيخ عن عمرو بن ميمون قال: الأواه الرحيم. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: المنيب المقبل إلى طاعة الله. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال: المنيب المخلص.
76- "يا إبراهيم أعرض عن هذا"، أي:أعرض عن هذا المقال ودع عنك الجدال، "إنه قد جاء أمر ربك"، أي، عذاب ربك وحكم ربك، "وإنهم آتيهم"، نازل بهم، "عذاب غير مردود"أي: غير مصروف عنهم.
76."يا إبراهيم "على إرادة القول أي قالت الملائكة "يا إبراهيم""أعرض عن هذا "الجدال "إنه قد جاء أمر ربك"قدره بمقتضى قضائه الأزلي بعذابهم وهو أعلم بحالهم."وإنهم آتيهم عذاب غير مردود"مصروف بجدال ولا دعاء ولا غير ذلك .
76. (It was said) O Abraham! Forsake this! Lo! thy Lord's commandment hath gone forth, and lo! there cometh unto them a doom which cannot be repelled.
76 - O Abraham seek not this. the decree of thy Lord hath gone forth: for them there cometh a penalty that cannot be turned back