75 - (قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي) أي توليت خلقه وهذا تشريف لآدم فإن كل مخلوق تولى الله خلقه (أستكبرت) الآن عن السجود استفهام توبيخ (أم كنت من العالين) المتكبرين فتكبرت عن السجود لكونك منهم
يقول تعالى ذكره : "قال" الله لإبليس ، إذ لم يسجد لآدم ، وخالف أمره: "يا إبليس ما منعك أن تسجد" يقول : أي شيء منعك من السجود "لما خلقت بيدي" يقول : لخلق يدي ، يخبر تعالى ذكره بذلك أنه خلق آدم بيديه.
كما حدثنا ابن المثنى، قال : ثنا محمد بن جعفر، قال : ثنا شعبة، قال : أخبرني عبيد المكتب، قال : سمعت مجاهدا يحدث عن ابن عمر، قال : خلق الله أربعة بيده : العرش ، وعدن ، والقلم ، وآدم، ثم قال لكل شيء كن فكان.
وقوله "أستكبرت" يقول لإبليس : تعظمت عن السجود لآدم ، فتركت السجود له استكباراً عليه ، ولم تكن من المتكبرين العالين قبل ذلك "أم كنت من العالين" يقول : أم كنت كذلك من قبل ذا علو وتكبر على ربك.
قوله تعالى : " قال يا إبليس ما منعك " أي صرفك وصدك " أن تسجد " أي عن أن تسجد " لما خلقت بيدي " أضاف خلقه إلى نفسه تكريماً له ، وإن كان خالق كل شيء وهذا كما أضاف إلى نفسه الروح والبيت والناقة والمساجد ، فخاطب الناس بما يعرفونه في تعاملهم ، فإن الرئيس من المخلوقين لا يباشر شيئاً بيده إلا على سبيل الإعظام والتكرم ، فذكر اليد هنا بمعنى هذا . قال مجاهد : اليد ها هنا بمعنى التأكد والصلة ، مجازه لما خلقت أنا كقوله : " ويبقى وجه ربك " [ الرحمن : 27 ] أي يبقى ربك . وقيل : التشبيه في اليد في خلق الله تعالى دليل على أنه ليس بمعنى النعمة والقوة والقدرة ، وإنما هما صفتان من صفات ذاته تعالى . وقيل : أراد باليد القدرة ، يقال : ما لي بهذا الأمر يد . وما لي بالحمل الثقيل يدان . ويدل عليه أن الخلق لا يقع إلا بالقدرة بالإجماع . وقال الشاعر :
تحملت من عفراء ما ليس لي به ولا للجبال الراسيات يدان
وقيل : < لما خلقت بيدي > لما خلقت بغير واسطة . " استكبرت " أي عن السجود " أم كنت من العالين " أي المتكبرين على ربك . وقرأ محمد بن صالح عن شبل عن ابن كثير وأهل مكة < بيدي استكبرت > موصولة الألف على الخبر وتكون أم منقطعة بمعنى بل مثل : < أم يقولون افتراه > وشبهه . ومن استفهم فـ < أم > معادلة لهمزة الاستفهام وهو تقرير وتوبيخ . أي استكبرت بنفسك حين أبيت عن السجود لآدم ، أم كنت من القوم الذين يتكبرون فتكبرت لهذا .
هذه القصة ذكرها الله تبارك وتعالى في سورة البقرة وفي أول سورة الأعراف وفي سورة الحجر وسبحان والكهف وههنا وهي أن الله سبحانه وتعالى أعلم الملائكة قبل خلق آدم عليه الصلاة والسلام بأنه سيخلق بشراً من صلصال من حمأ مسنون وتقدم إليهم بالأمر متى فرغ من خلقه وتسويته فليسجدوا له إكراماً وإعظاماً واحتراماً وامتثالاً لأمر الله عز وجل فامتثل الملائكة كلهم ذلك سوى إبليس ولم يكن منهم جنساً. كان من الجن فخانه طبعه وجبلته أحوج ما كان إليه فاستنكف عن السجود لادم وخاصم ربه عز وجل فيه وادعى أنه خير من آدم فإنه مخلوق من نار وآدم خلق من طين والنار خير من الطين في زعمه, وقد أخطأ في ذلك وخالف أمر الله تعالى وكفر بذلك فأبعده الله عز وجل وأرغم أنفه وطرده عن باب رحمته ومحل أنسه, وحضرة قدسه, وسماه إبليس إعلاماً له بأنه قد أبلس من الرحمة وأنزله من السماء مذموماً مدحوراً إلى الأرض فسأل الله النظرة إلى يوم البعث فأنظره الحليم الذي لا يعجل على من عصاه. فلما أمن الهلاك إلى يوم القيامة تمرد وطغى
وقال: "فبعزتك لأغوينهم أجمعين * إلا عبادك منهم المخلصين" كما قال عز وجل: " أرأيتك هذا الذي كرمت علي لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا " وهؤلاء هم المستثنون في الاية الأخرى وهي قوله تعالى: "إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلاً".
وقوله تبارك وتعالى: "قال فالحق والحق أقول * لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين" قرأ ذلك جماعة منهم مجاهد برفع الحق الأول وفسره مجاهد بأن معناه أنا الحق والحق أقول, وفي رواية عنه: الحق مني وأقول الحق, وقرأ آخرون بنصبهما قال السدي هو قسم أقسم الله به (قلت) وهذه الاية كقوله تعالى: "ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين" وكقوله عز وجل: "قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفوراً".
قل مآ أسألكم عليه من أجر ومآ أنآ من المتكلفين * إن هو إلا ذكر للعالمين * ولتعلمن نبأه بعد حين
يقول تعالى قل يا محمد لهؤلاء المشركين ما أسألكم على هذا البلاغ وهذا النصح أجراً تعطونيه من عرض الحياة الدنيا "وما أنا من المتكلفين" أي وما أريد على ما أرسلني الله تعالى به ولا أبتغي زيادة عليه بل ما أمرت به أديته لا أزيد عليه ولا أنقص منه, وإنما أبتغي بذلك وجه الله عز وجل والدار الاخرة, قال سفيان الثوري عن الأعمش ومنصور عن أبي الضحى عن مسروق قال: أتينا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقال يا أيها الناس من علم شيئاً فليقل به ومن لم يعلم فليقل الله أعلم فإن من العلم أن يقول الرجل لما لا يعلم, الله أعلم, فإن الله عز وجل قال لنبيكم صلى الله عليه وسلم: "قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين" أخرجاه من حديث الأعمش, به وقوله تعالى: "إن هو إلا ذكر للعالمين" يعني القرآن ذكر لجميع المكلفين به من الإنس والجن, قاله ابن عباس رضي الله عنهما, وروى ابن أبي حاتم عن أبيه عن أبي غسان مالك بن إسماعيل: حدثنا قيس عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: "للعالمين" قال: الجن والإنس, وهذه الاية الكريمة كقوله تعالى: "لأنذركم به ومن بلغ" وكقوله عز وجل: "ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده" وقوله تعالى: "ولتعلمن نبأه" أي خبره وصدقه "بعد حين" أي عن قريب قال قتادة بعد الموت وقال عكرمة يعني يوم القيامة, ولا منافاة بين القولين فإن من مات فقد دخل في حكم القيامة, وقال قتادة في قوله تعالى: "ولتعلمن نبأه بعد حين" قال الحسن يا ابن آدم عند الموت يأتيك الخبر اليقين.
ثم إن الله سبحانه سأله عن سبب تركه للسجود الذي أمره به فـ 75- "قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي" أي ما صرفك وصدك عن السجود لما توليت خلقه من غير واسطة، وأضاف خلقه إلى نفسه تكريماً له وتشريفاً، مع أنه سبحانه خالق كل شيء أضاف إلى نفسه الروح، والبيت، والناقة، والمساجد. قال مجاهد: اليد هنا بمعنى التأكيد والصلة مجازاً كقوله: "ويبقى وجه ربك". وقيل أراد باليد القدرة، يقال: مالي بهذا الأمر يد، ومالي به يدان: أي قدرة، ومنه قول الشاعر:
تحملت من ذلفاء ما ليس لي يد ولا للجبال الراسيات يدان
وقيل التثنية في اليد للدلالة على أنها ليس بمعنى القوة والقدرة، بل للدلالة على أنهما صفتان من صفات ذاته سبحانه، و ما في قوله لما خلقت هي المصدرية أو الموصولة. وقرأ الجحدري لما بالتشديد مع فتح اللام على أنها ظرف بمعنى حين كما قال أبو علي الفارسي. وقرئ بيدي على الإفراد "أستكبرت" قرأ الجمهور بهمزة الاستفهام، وهو استفهام توبيخ وتقريع و "أم" متصلة. وقرأ ابن كثير في رواية عنه وأهل مكة بألف وصل، ويجوز أن يكون الاستفهام مراداً فيوافق القراءة الأولى كما في قول الشاعر:
تروح من الحي أم تبتكر
وقول الآخر:
بسبع رمين الجمر أم بثمانيا
ويحتمل أن يكون خبراً محضاً من غير إرادة للاستفهام فتكون أم منقطعة، والمعنى: استكبرت عن السجود الذي أمرت به بل أ "كنت من العالين" أي المستحقين للترفع عن طاعة أمر الله المتعالين عن ذلك، وقيل المعنى: استكبرت عن السجود الآن أم لم تزل من القوم الذين يتكبرون عن ذلك.
75. " قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت "، ألف استفهام دخلت على ألف الوصل، " أم كنت من العالين "، المتكبرين، استفهام توبيخ وإنكار، يقول: أستكبرت بنفسك حتى أبيت السجود؟ أم كنت منالقوم الذين يتكبرون فتكبرت عن السجود لكونك منهم؟.
75-" قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي " خلقته بنفسي من غير توسط كأب وأم ، والتنبيه لما في خلقه من مزيد القدرة واختلاف الفعل ، وقرئ على التوحيد وترتيب الإنكار عليه للإشعار بأنه المستدعي للتعظيم ، أو بأنه الذي تشبث به في تركه وهو لا يصلح مانعاً إذ للسيد أن يستخدم بعض عبيده لبعض سيما وله مزيد اختصاص . " أستكبرت أم كنت من العالين " تكبرت من غير استحقاق أو كنت ممن علا واستحق التفوق ، وقيل استكبرت الآن أم لم تزل منذ كنت من المستكبرين ، وقرئ " استكبرت " بحذف الهمزة لدلالة " أم " عليها أو بمعنى الإخبار .
75. He said: O Iblis! What hindereth thee from falling prostrate before that which I have created with both My hands? Art thou too proud or art thou of the high
75 - (God) said: O Iblis. What prevents thee from prostrating thyself to one whom I have created with My hands? Art thou haughty? Or art thou one of the high (and mighty) ones?