قال تعالى: (فليقاتل في سبيل الله) لإعلاء دينه (الذين يشرون) يبيعون (الحياة الدنيا بالآخرة ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل) يستشهد (أو يغلب) يظفر بعدوه (فسوف نؤتيه أجرا عظيما) ثوابا جزيلا
قال أبو جعفر: وهذا حض من الله المؤمنين على جهاد عدوه من أهل الكفر به على أحايينهم، غالبين كانوا أو مغلوبين، والتهاون بأقوال المنافقين في جهاد من جاهدوا من المشركين، وأن لهم في جهادهم إياهم -مغلوبين كانوا أو غالبين- منزلة من الله رفيعة.
يقول الله لهم جل ثناؤه: "فليقاتل في سبيل الله"، يعني: في دين الله والدعاء إليه، والدخول فيما أمر به أهل الكفر به، "الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة"، يعني: الذين يبيعون حياتهم الدنيا بثواب الآخرة وما وعد الله أهل طاعته فيها. وبيعهم إياها بها: إنفاقهم أموالهم في طلب رضى الله، لجهاد من أمر بجهاده من أعدائه وأعداء دينه، وبذلهم مهجهم له في ذلك.
أخبر جل ثناؤه بما لهم في ذلك إذا فعلوه فقال: "ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما"، يقول: ومن يقاتل -في طلب إقامة دين الله وإعلاء كلمة الله- أعداء الله، "فيقتل"، يقول: فيقتله أعداء الله، أو يغلبهم فيظفر بهم، "فسوف نؤتيه أجرا عظيما"، يقول: فسوف نعطيه في الآخرة ثواباً وأجراً عظيماً. وليس لما سمى جل ثناؤه "عظيما"، مقدار يعرف مبلغه عباد الله.
وقد دللنا على أن الأغلب على معنى: شريت، في كلام العرب: بعت، بما أغنى عن إعادته، وقد:
حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة"، يقول: يبيعون الحياة الدنيا بالآخرة.
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: "يشرون الحياة الدنيا بالآخرة"، فـ يشري: يبيع، و يشري: يأخذ، وإن الحمقى باعوا الآخرة بالدنيا.
فيه ثلاث مسائل
الأولى- قوله تعالى :" فليقاتل في سبيل الله " الخطاب للمؤمنين أي فليقاتل في سبيل الله الكفار " الذين يشرون " أي يبيعون أي يبذلون أنفسهم وأموالهم لله عز وجل " بالآخرة " أي بثوب الآخرة .
الثانية -قوله تعالى:" ومن يقاتل في سبيل الله " شرط " فيقتل أو يغلب " عطف عليه والمجازاة " فسوف نؤتيه أجرا عظيما" ومعنى فيقتل فيستشهد أو يغلب يظفر فيغنم وقرأت طائفة ومن يقاتل فليقاتل بسكون لام الأمر وقرأت فرقة فليقاتل بكسر لام الأمر فذكر تعالى غايتي حالة المقاتل واكتفى بالغايتين عما بينهما ذكره ابن عطية.
الثالثة - ظاهر الآية يقتضي التسوية بين من قتل شهيداً أو انقلب غانماً وفي صحيح مسلم "عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله علهي وسلم :
تضمن الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلى جهاد في سبيلي وإيمان بي وتصديق برسلي فهو علي ضامن أن أدخله الجنة أو أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه نائلاً ما نال من أجر أو غنيمة " وذكر الحديث وفيه "عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
ما من غازية تغزو في سبيل الله فيصيبون الغنيمة إلا تعجلوا ثلثي أجرهم من الآخر ويبقى لهم الثلث وإن لم يصيبوا غنيمة تم لهم أجرهم " فقوله : "نائلاً ما نال من أجر أو غنيمة " يقتضي أن لمن لم يستشهد من المجاهدين أحد الأمرين، إما الأجرة إن لم يغنم، وإما الغنية ولا أجر ، بخلاف حديث عبد الله بن عمرو، ولما كان هذا قال قوم: حديث عبد الله بن عمرو ليس بشيء لأن في إسناده حميد بن هانئ وليس بمشهور ورجحوا الحديث الأول عليه لشهرته وقال آخرون ليس: بينهما تعارض ولا اختلاف و أو في حديث أبي هريرة بمعنى الواو كما يقوله الكوفيون وقد دلت عليه رواية أبي داود فإنه قال فيه :
"من أجر وغنيمة " بالواو الجامعة وقد رواه بعض رواة مسلم بالواو الجامعة أيضاً وحميد بن هانئ مصري سمع أبا عبد الرحمن الحلبي وعمرو بن مالك وروى عنه حيوة بن شريح وابن وهب فالحديث الأول محمول على مجرد النية والإخلاص في الجهاد فذلك الذي ضمن الله له إما الشهادة، وإما رده إلى أهله مأجوراً غانماً، ويحمل الثاني على ما إذا نوى الجهاد ولكن مع نيل المغنم فلما انقسمت نيته انحط أجره فقد دلت السنة على أن للغانم أجراً كما دل عليه الكتاب فلا تعارض ثم قيل: إن نقص أجر الغانم على من يغنم إنما هو بما فتح الله عليه من الدنيا فتمتع به وأزال عن نفسه شظف عيشه ومن أخفق فلم يصب شيئاً بقي على شظف عيشه والصبر على حالته فبقي أجره موفراً بخلاف الأول ومثله قوله في الحديث الآخر:
" فمنا من مات لم يأكل من أجره شيئاً -منهم مصعب بن عمير- ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها "
يأمر الله تعالى عباده المؤمنين بأخذ الحذر من عدوهم, وهذا يستلزم التأهب لهم بإعداد الأسلحة والعدد, وتكثير العدد بالنفير في سبيل الله "ثبات" أي جماعة بعد جماعة وفرقة بعد فرقة وسرية بعد سرية, والثباب جمع ثبة, وقد تجمع الثبة على ثبين, قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: قوله: "فانفروا ثبات" أي عصباً يعني, سرايا متفرقين "أو انفروا جميعاً" يعني كلكم, وكذا روي عن مجاهد وعكرمة والسدي وقتادة والضحاك وعطاء الخراساني ومقاتل بن حيان وخصيف الجزري.
وقوله تعالى: "وإن منكم لمن ليبطئن" قال مجاهد وغير واحد: نزلت في المنافقين, وقال مقاتل بن حيان: "ليبطئن" أي ليتخلفن عن الجهاد, ويحتمل أن يكون المراد أنه يتباطأ هو في نفسه, ويبطىء غيره عن الجهاد كما كان عبد الله بن أبي بن سلول ـ قبحه الله ـ يفعل, يتأخر عن الجهاد ويثبط الناس عن الخروج فيه. وهذا قول ابن جريج وابن جرير, ولهذ قال تعالى إخباراً عن المنافق أنه يقول: إذا تأخر عن الجهاد "فإن أصابتكم مصيبة" أي قتل وشهادة وغلب العدو لكم لما لله في ذلك من الحكمة " قال قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا " أي إذ لم أحضر معهم وقعة القتال يعد ذلك من نعم الله عليه, ولم يدر ما فاته من الأجر في الصبر أو الشهادة إن قتل.
"ولئن أصابكم فضل من الله" أي نصر وظفر وغنيمة "ليقولن كأن لم تكن بينكم وبينه مودة" أي كأنه ليس من أهل دينكم "يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزاً عظيماً" أي بأن يضرب لي بسهم معهم فأحصل عليه. وهو أكبر قصده وغاية مراده.
ثم قال تعالى: "فليقاتل" أي المؤمن النافر " في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة " أي يبيعون دينهم بعرض قليل من الدنيا, وما ذلك إلا لكفرهم وعدم إيمانهم, ثم قال تعالى: "ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجراً عظيماً" أي كل من قاتل في سبيل الله سواء قتل أو غلب عند الله مثوبة عظيمة وأجر جزيل, كما ثبت في الصحيحين: وتكفل الله للمجاهد في سبيله إن توفاه أن يدخله الجنة أو يرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه بما نال من أجر أو غنيمة.
قوله 74- "فليقاتل في سبيل الله" هذا أمر للمؤمنين وقدم الظرف على الفاعل للاهتمام به، "الذين يشترون" معناه يبيعون وهم المؤمنون، والفاء في قوله "فليقاتل" جواب الشرط مقدر أي: إن لم يقاتل هؤلاء المذكورون سابقاً الموصوفون بين منهم لمن ليبطئن، فليقاتل المخلصون الباذلون أنفسهم البائعون للحياة الدنيا بالآخرة، ثم وعد المقاتلين في سبيل الله بأنه سيؤتيهم أجراً عظيماً لا يقادر قدره، وذلك أنه إذا قتل فاز بالشهادة التي هي أعلى درجات الأجور، وإن غلب وظفر كان له أجر من قاتل في سبيل الله مع ما قد ناله من العلو في الدنيا والغنيمة، وظاهر هذا يقتضي التسوية بين من قتل شهيداً أو انقلب غانماً، وربما يقال إن التسوية بينهما إنما هي في إيتاء الأجر العظيم، ولا يلزم أن يكون أجرهما مستوياً، فإن كون الشيء عظيماً هو من الأمور النسبية التي يكون بعضها عظيماً بالنسبة إلى ما هو دونه وحقيراً بالنسبة إلى ما هو فوقه.
74-قوله تعالى:" فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة" قيل: نزلت في المنافقين، ومعنى يشرون أي: يشترون، يعني الذين يختارون الدنيا على الآخرة ، معناه: آمنوا ثم قاتلوا وقيل: نزلت في المؤمنين المخلصين ،معناه فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون أي: يبيعون الحياة الدنيا بالآخرة ويختارون الآخرة" ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل "، يعني يستشهد،"أو يغلب" يظفر، "فسوف نؤتيه"، في كلا الوجهين "أجراً عظيماً"، ويدغم أبو عمرو والكسائي الباء في الفاء حيث كان.
أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد السرخسي أنا زاهر بن احمد بن أحمد أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن أبي الزناد عنالأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"تكفل الله لمن جاهد في سبيله لا يخرجه من بيته إلا الجهاد في سبيله وتصديق كلمته أن يدخله الجنة أو يرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه مع ما نال من أجر وغنيمة".
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الخرقي أنا أبو الحسن علي بن عبد الله الطيسفوني أنا أبو عبد الرحمن عبد الله بن عمر الجوهري أنا أحمد بن علي الكشميهني أنا علي بن حجر أنا إسماعيل بن جعفر أنا محمد بن عمرو بن علقمة عن ابي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنهما أن الني صلى الله عليه وسلم قال:" مثل المجاهد في سبيل الله كمثل القانت الصائم الذي لا يفتر من صلاة ولا صيام حتى يرجعه الله إلى أهله بما يرجعه من غنيمة وأجر ،أو يتوفاه فيدخله الجنة".
74"فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة" أي الذين يبيعونها بها، والمعنى إن بطأ هؤلاء عن القتال فليقاتل المخلصون الباذلون أنفسهم في طلب الآخرة، أو الذين يشترونها ويختارونها على الآخرة وهم المبطئون، والمعنى حثهم على ترك ما حكي عنهم. "ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجراً عظيماً" وعد له الأجر العظيم غلب أو غلب، ترغيباً في القتال وتكذيباً لقولهم "قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيداً" وإنما قال "فيقتل أو يغلب" تنبيهاً على أن المجاهد ينبغي أن يثبت في المعركة حتى يعز نفسه بالشهادة أو الدين، بالظفر والغلبة وأن لا يكون قصده بالذات إلى القتل، بل إلى إعلاء كلمة الحق وإعزاز الدين.
74. Let those fight in the way of Allah who sell the life of this world for the other. Whoso fighteth in the way of Allah, be he slain or be he victorious, on him We shall bestow a vast reward.
74 - Let those fight in the cause of God who sell the life of this world for the hereafter. to him who fighteth in the cause of God, whether he is slain or gets victory soon shall we give him a reward of great (value).