73 - (لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث) آلهة (ثلاثة) أي أحدها والآخران عيسى وأمه وهم فرقة من النصارى (وما من إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون) من التثليث ويوحدوا (ليمسن الذين كفروا) أي ثبتوا على الكفر (منهم عذاب أليم) مؤلم وهو النار
قال أبو جعفر: وهذا أيضاً خبر من الله تعالى ذكره عن فريق آخر من الإسرائيليين الذين وصف صفتهم في الآيات قبل : أنه لما ابتلاهم بعد حسبانهم أنهم لا يبتلون ولا يفتنون ، قالوا كفراً بربهم وشركاً: "الله ثالث ثلاثة".
وهذا قول كان عليه جماهير النصارى قبل افتراق اليعقوبية والملكية والنسطورية . كانوا فيما بلغنا . يقولون: (الإله القديم جوهر واحد يعم ثلاثة أقانيم: أباً والداً غير مولود، وابناً مولوداً غير والد، وزوجاً متتبعة بينهما).
يقول الله تعالى ذكره ، مكذباً لهم فيما قالوا من ذلك: "وما من إله إلا إله واحد"، يقول: ما لكم معبود، أيها الناس ، إلا معبود واحد، وهو الذي ليس بوالد لشيء ولا مولود، بل هو خالق كل والد ومولود، "وإن لم ينتهوا عما يقولون"، يقول : إن لم ينتهوا قائلو هذه المقالة عما يقولون من قولهم: "الله ثالث ثلاثة"، "ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم"، يقول : ليمسن الذين يقولون هذه المقالة ، والذين يقولون المقالة الأخرى: "هو المسيح ابن مريم"، لأن الفريقين كلاهما كفرة مشركون ، فلذلك رجع في الوعيد بالعذاب إلى العموم، ولم يقل: ليمسنهم عذاب أليم، لأن ذلك لو قيل كذلك ، صار الوعيد من الله تعالى ذكره خاصاً لقائل القول الثاني ، وهم القائلون: "الله ثالث ثلاثة"، ولم يدخل فيهم القائلون: (المسيح هو الله). فعم بالوعيد تعالى ذكره كل كافر، ليعلم المخاطبون بهذه الآيات أن وعيد الله قد شمل كلا الفريقين من بني إسرائيل ، ومن كان من الكفار على مثل الذي هم عليه.
فإن قال قائل: وإن كان الأمر على ما وصفت ، فعلى من عادت (الهاء والميم) اللتان في قوله: "منهم"؟
قيل: على بني إسرائيل.
فتأويل الكلام ، إذ كان الأمر على ما وصفنا: وإن لم ينته هؤلاء الإسرائيليون عما يقولون في الله من عظيم القول، ليمسن الذين يقولون منهم: (إن المسيح هو الله)، والذين يقولون : (إن الله ثالث ثلاثة)، وكل كافر سلك سبيلهم، عذاب أليم ، بكفرهم بالله.
وقد قال جماعة من أهل التأويل بنحو قولنا، في أنه عنى بهذه الآيات النصارى.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط، عن السدي: "لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة"، قال: قالت النصارى: (هو والمسيح وأمه)، فذلك قول الله تعالى: "أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله" [المائدة: 116].
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال ، قال مجاهد: "لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة"، نحوه.
قوله تعالى : "لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة" أي أحد ثلاثة ولا يجوز فيه التنوين عن الزجاج وغيره وفيه للعرب مذهب آخر يقولون: رابع ثلاثة فعلى هذا يجوز الجر والنصب، لأن معناه الذي صير الثلاثة أربعة بكونه منهم وكذلك إذا قلت: ثالث اثنين جاز التنوين وهذا قول فرق النصارى من الملكية والنسطورية واليعقوبية لأنه يقولون أب وابن وروح القدس إله واحد ولا يقولون ثلاثة آلهة وهو معنى مذهبهم وإنما يمتنعون من العبارة وهي لازمة لهم وما كان هكذا صح أن يحكى بالعبارة اللازمة، وذلك أنهم يقولون : إن الابن إله والأب إله وروح القدس إله وقد تقدم القول في هذا النساء فأكفرهم الله بقولهم هذا وقال : " وما من إله إلا إله واحد" أي أن الإله لا يتعدد وهم يلزمهم القول بثلاثة آلهة كما تقدم وإن لم يصرحوا بذلك لفظاً وقد مضى في البقرة معنى الواحد ومن زائدة ويجوز في غير القرآن إلها واحداً على الاستثناء وأجاز الكسائي الخفض على البدل .
قوله تعالى : " وإن لم ينتهوا " أي يكفوا عن القول بالتثليث ليمسنهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة .
يقول تعالى حاكماً بتكفير فرق النصارى من الملكية واليعقوبية والنسطورية, ممن قال منهم: بأن المسيح هو الله, تعالى الله عن قولهم وتنزه وتقدس علواً كبيراً, هذا وقد تقدم لهم أن المسيح عبد الله ورسوله, وكان أول كلمة نطق وهو صغير في المهد أن قال: إني عبد الله, ولم يقل أنا الله ولا ابن الله, بل قال "إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبياً" إلى أن قال "وإن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم" وكذلك قال لهم في حال كهولته ونبوته آمراً لهم بعبادة ربه وربهم, وحده لا شريك له, ولهذا قال تعالى: "وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله" أي فيعبد معه غيره "فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار" أي فقد أوجب له النار وحرم عليه الجنة كما قال تعالى: "إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء". وقال تعالى: "ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرمهما على الكافرين", وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث منادياً ينادي في الناس: إن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة, وفي لفظ: مؤمنة, وتقدم في أول سورة النساء عند قوله: إن الله لا يغفر أن يشرك به, حديث يزيد بن بابنوس عن عائشة: الدواوين ثلاثة, فذكر منه ديواناً لا يغفره الله, وهو الشرك بالله, قال الله تعالى: " من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ", والحديث في مسند أحمد, ولهذا قال تعالى إخباراً عن المسيح أنه قال لبني إسرائيل "إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار" أي وما له عند الله ناصر ولا معين ولا منقذ مما هو فيه .
وقوله "لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة" قال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسن الهسنجاني, حدثنا سعيد بن الحكم بن أبي مريم, حدثنا الفضل, حدثني أبو صخر في قول الله تعالى "لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة" قال: هو قول اليهود عزير ابن الله, وقول النصارى: المسيح ابن الله, فجعلوا الله ثالث ثلاثة, وهذا قول غريب في تفسير الآية أن المراد بذلك طائفتا اليهود والنصارى, والصحيح أنها نزلت في النصارى خاصة, قاله مجاهد وغير واحد, ثم اختلفوا في ذلك فقيل: المراد بذلك كفارهم في قولهم بالأقانيم الثلاثة: وهو أقنوم الأب, وأقنوم الابن, وأقنوم الكلمة المنبثقة من الأب إلى الابن, تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً, قال ابن جرير وغيره: والطوائف الثلاثة من الملكية واليعقوبية والنسطورية تقول بهذه الأقانيم, وهم مختلفون فيها اختلافاً متبايناً ليس هذا موضع بسطه, وكل فرقة منهم تكفر الأخرى, والحق أن الثلاثة كافرة .
وقال السدي وغيره: نزلت في جعلهم المسيح وأمه إلهين مع الله, فجعلوا الله ثالث ثلاثة بهذا الاعتبار, قال السدي: وهي كقوله تعالى في آخر السورة "وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك" الآية, وهذا القول هو الأظهر ـ والله أعلم ـ قال الله تعالى: "وما من إله إلا إله واحد" أي ليس متعدداً بل هو وحده لا شريك له, إله جميع الكائنات وسائر الموجودات, ثم قال تعالى متوعداً لهم ومتهدداً "وإن لم ينتهوا عما يقولون" أي من هذا الافتراء والكذب "ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم" أي في الآخرة من الأغلال والنكال, ثم قال "أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم" وهذا من كرمه تعالى وجوده ولطفه ورحمته بخلقه مع هذا الذنب العظيم, وهذا الافتراء والكذب والإفك, يدعوهم إلى التوبة والمغفرة, فكل من تاب إليه تاب عليه .
وقوله تعالى: "ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل" أي له سوية أمثاله من سائر المرسلين المتقدمين عليه, وأنه عبد من عباد الله ورسول من رسله الكرام, كما قال "إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل". وقوله " وأمه صديقة " أي مؤمنة به مصدقة له, وهذا أعلى مقاماتها, فدل على أنها ليست بنبية كما زعمه ابن حزم وغيره ممن ذهب إلى نبوة سارة أم إسحاق, ونبوة أم موسى, ونبوة أم عيسى, استدلالاً منهم بخطاب الملائكة لسارة ومريم, وبقوله "وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه" وهذا معنى النبوة, والذي عليه الجمهور أن الله لم يبعث نبياً إلا من الرجال, قال الله تعالى: " وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى " وقد حكى الشيخ أبو الحسن الأشعري رحمه الله الإجماع على ذلك .
وقوله تعالى: "كانا يأكلان الطعام" أي يحتاجان إلى التغذية به, وإلى خروجه منهما, فهما عبدان كسائر الناس, وليسا بإلهين كما زعمت فرق النصارى الجهلة, عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة, ثم قال تعالى: "انظر كيف نبين لهم الآيات" أي نوضحها ونظهرها "ثم انظر أنى يؤفكون" أي ثم انظر بعد هذا البيان والوضوح والجلاء أين يذهبون, وبأي قول يتمسكون, وإلى أي مذهب من الضلال يذهبون .
قوله: 73- "لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة" وهذا كلام أيضاً مبتدأ لبيان بعض مخازيهم، والمراد بثالث ثلاثة واحد من ثلاثة، ولهذا يضاف إلى ما بعده، ولا يجوز التنوين كا قال الزجاج وغيره، وإنما ينون وينصب ما بعده إذا كان ما بعده دونه بمرتبة نحو ثالث اثنين ورابع ثلاثة، والقائل بأنه سبحانه وتعالى ثالث ثلاثة هم النصارى، والمراد بالثلاثة: الله سبحانه، وعيسى، ومريم كما يدل عليه قوله: "أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين" وهذا هو المراد بقولهم ثلاثة أقانيم: إقنيم الأب وإقنيم الابن، وإقنيم روح القدس، وقد تقدم في سورة النساء كلام في هذا، ثم رد الله سبحانه عليهم هذه الدعوى الباطلة فقال: " وما من إله إلا الله الواحد " أي ليس في الوجود إلا الله سبحانه، وهذه الجملة حالية، والمعنى: قالوا تلك المقالة، والحال أنه لا موجود إلا الله، ومن في قوله: "من إله" لتأكيد الاستغراق المستفاد من النفي "وإن لم ينتهوا عما يقولون" من الكفر "ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم" جواب قسم محذوف ساد مسد جواب الشرط، ومن في "منهم" بيانية أو تبعيضية.
73-" لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة " ، يعني : المرقوسية ، وفيه إضمار معناه : ثالث ثلاثة آلهة ، لأنهم يقولون : الإلهية مشتركة بين الله تعالى ومريم وعيسى ، وكل واحد من هؤلاء إله فهم ثلاثة آلهة ، يبين هذا قوله عز وجل للمسيح : " أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله " ؟ ( المائدة 116 ) ، ومن قال : إن الله ثالث ثلاثة لم يرد به الإلهية لا يكفر ، فإن الله يقول : " ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم " ( المجادلة ، 7 ) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه : " ما ظنك بإثنين الله ثالثهما " . ثم قال رداً عليهم : " وما من إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن " ، [ ليصيبن ] ، " الذين كفروا منهم عذاب أليم " ، خص الذين كفروا لعلمه أن بعضهم يؤمنون .
73" لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة " أي أحد ثلاثة، وهي حكاية عما قاله النسطورية والملكانية منهم القائلون بالأقانيم الثلاثة وما سبق قول اليعقوبية القائلين بالاتحاد. " وما من إله إلا إله واحد " وما في الوجود ذات واجب مستحق للعبادة من حيث إنه مبدئ جميع الموجودات إلا إله واحد، موصوف بالوحدانية متعال عن قبول الشركة ومن مزيدة للاستغراق. " وإن لم ينتهوا عما يقولون " ولم يوحدوا. " ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم " أي ليمسن الذين بقوا منهم على الكفر، أو ليمسن الذين كفروا من النصارى، وضعه موضع ليمسنهم تكريراً للشهادة على كفرهم وتنبيهاً على أن العذاب على من دام على الكفر ولم ينقلع عنه فلذلك عقبه بقوله:
73. They surely disbelieve who say: Lo! Allah is the third of three; when there is no God save the One God. If they desist not from so saying a painful doom will fall on those of them who disbelieve.
73 - They do blaspheme who say: God is one of three in a trinity: for there is no God except one God. if they desist not from their word (of blasphemy), verily a grievous penalty will befall the blasphemers among them.