73 - (قالوا أتعجبين من أمر الله) قدرته (رحمة الله وبركاته عليكم) يا (أهل البيت) بيت إبراهيم (إنه حميد) محمود (مجيد) كريم
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : قالت سارة لما بشرت بإسحاق أنها تلد ، تعجباً مما قيل لها من ذلك ، إذ كانت قد بلغت السن التي لا يلد من كان قد بلغها من الرجال والنساء .
وقيل : إنها كانت يومئذ ابنة تسع وتسعين سنة ، وإبراهيم ابن مئة سنة ، وقد ذكرت الرواية فيما روي في ذلك عن مجاهد قبل :
وأما ابن إسحاق فإنه قال في ذلك ما :
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : كانت سارة يوم بشرت بإسحاق ، فيما ذكر لي بعض أهل العلم ، ابنة تسعين سنة ، وإبراهيم ابن عشرين ومئة سنة .
"يا ويلتى" ، وهي كلمة تقولها العرب عند التعجب من الشيء ،والاستنكار للشيء . فيقولون عند التعجب : ويل أمه رجلاً ما أرجله .
وقد اختلف أهل العربية في هذه الألف التي في "يا ويلتى" .
فقال بعض نحويي البصرة : هذه الف حقيقة ، إذا وقفت قلت : يا ويلتاه ، وهي مثل ألف الندبة ، فلطفت من أن تكون في السكت ،وجعلت بعدها الهاء ، لتكون أبين لها ، وأبعد في الصوت . ذلك لأن الألف إذا كانت بين حرفين ، كان لها صدى ، كنحو الصوت يكون في جوف الشيء فيتردد فيه ، فتكون أكثر وأبين .
وقال غيره : هذه ألف الندبة ، فإذا وقفت عليها فجائز ، وإن وقفت على الهاء فجائز .
وقال : ألا ترى أنهم قد وقفوا على قوله : ( ويدعو الإنسان ) ، فحذفوا الواو وأثبتوها ، وكذلك :( ما كنا نبغي ) ، بالياء ، وغير الياء . قال : وهذا أقوى من ألف الندبة وهائها .
قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندي أن هذه الألف ألف الندبة ، والوقف عليها بالهاء وغير الهاء جائز في الكلام ، لاستعمال العرب ذلك في كلامهم .
وقوله : "أألد وأنا عجوز" ، تقول : أنى يكون لي ولد ، "وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا" .
و البعل ، في هذا الموضع ، الزوج . وسمي بذلك ، لأنه قيم أمرها ، كما سموا مالك الشيء بعله ، وكما قالوا للنخل التي تستغني بماء السماء عن سقي ماء الأنهار والعيون البعل ، لأن مالك الشيء القيم به ، والنخل البعل ، بماء السماء حياته .
وقوله : "إن هذا لشيء عجيب" ، يقول : إن كون الولد من مثلي ومثل بعلي ، على السن التي بها نحن ، لشيء عجيب ، "قالوا أتعجبين من أمر الله" ، يقول الله تعالى ذكره : قالت الرسل لها : أتعجبين من أمر أمر الله به أن يكون ، وقضاء قضاه الله فيك وفي بعلك .
وقوله : "رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت" ، يقول : رحمة الله وسعادته لكم أهل بيت إبراهيم ، وجعلت الألف واللام ، خلفاً من الإضافة ، وقوله : "إنه حميد مجيد" ، يقول : إن الله محمود في تفضله عليكم بما تفضل به من النعم عليكم وعلى سائر خلقه ، "مجيد" ، يقول : ذو مجد ومدح وثناء كريم .
يقال في فعل منه : مجد الرجل يمجد مجادة ، إذا صار كذلك . وإذا أردت أنك مدحته قلت : مجدته تمجيدا .
فيه أربع مسائل:
الأولى: قوله تعالى: " قالوا أتعجبين من أمر الله " لما قالت: ( وأنا عجوز وهذا بعلي شيخاً) وتعجبت، أنكرت الملائكة عليها تعجبها من أمر الله، أي من قضائه وقدره، أي لا عجب من أن يرزقكما الله الولد، وهو إسحاق. وبهذه الآية استدل كثير من العلماء على أن الذبيح إسماعيل، وأنه أسن من إسحاق، لأنها بشرت بأن إسحاق يعيش حتى يولد له يعقوب. وسيأتي الكلام في هذا، وبيانه في ( الصافات) إن شاء الله تعالى.
الثانية: قوله تعالى: " رحمة الله وبركاته " مبتدأ، والخبر " عليكم ". وحكى سيبويه ( عليكم) بكسر الكاف لمجاورتها الياء. وهل هو خبر أو دعاء؟ وكونه إخباراً أشرف، لأن ذلك يقتضي حصول الرحمة والبركة لهم، المعنى: أوصل الله لكم رحمته وبركاته أهل البيت. وكونه دعاء إنما يقتضي أنه أمر يترجى ولم يتحصل بعد. ونصب " أهل البيت " على الاختصاص، وهذا مذهب سيبويه . وقيل: على النداء.
الثالثة: هذه الآية تعطي أن زوجة الرجل من أهل البيت، فدل هذا على أن أزوج الأنبياء من أهل البيت، فعائشة رضي الله عنها وغيرها من جملة أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، ممن قال الله فيهم: " ويطهركم تطهيرا " وسيأتي.
الرابعة: ودلت الآية أيضاً على أن منتهي السلام ( وبركاته) كما أخبر الله عن صالحي عباده ( رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت). والبركة النمو والزيادة، ومن تلك البركات أن جميع الأنبياء والمرسلين كانوا في ولد إبراهيم وسارة. وروى مالك عن وهب بن كيسان أبي نعيم عن محمد بن عمرو بن عطاء قال: كنت جالساً عند عبد الله بن عباس فدخل عليه رجل من أهل اليمن فقال: السلام عليك ورحمة الله وبركاته، ثم زاد شيئاً مع ذلك، فقال ابن عباس - وهو يومئذ قد ذهب بصره - من هذا؟ فقالوا اليماني الذي يغشاك، فعرفوه إياه، فقال: إن السلام انتهى إلى البركة. " وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال: دخلت المسجد فإذا أنا بالنبي صلى الله عليه وسلم في عصبة من أصحابه، فقلت: السلام عليك، فقال: ( وعليك السلام ورحمة الله عشرون لي وعشرة لك. قال: ودخلت الثانية، فقلت: السلام عليكم ورحمة الله فقال: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ثلاثون لي وعشرون لك. فدخلت الثالثة فقلت: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فقال: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ثلاثون لي وثلاثون لك أنا وأنت في السلام سواء" " إنه حميد مجيد " أي محمود ماجد. وقد بيناهما في ( الأسماء الحسنى).
يقول تعالى: "ولقد جاءت رسلنا" وهم الملائكة إبراهيم بالبشرى قيل تبشره بإسحاق وقيل بهلاك قوم لوط ويشهد للأول قوله تعالى: "فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط" "قالوا سلاماً قال سلام" أي عليكم قال علماء البيان: هذا أحسن مما حيوه به لأن الرفع يدل على الثبوت والدوام "فما لبث أن جاء بعجل حنيذ" أي ذهب سريعاً فأتاهم بالضيافة وهو عجل فتى البقر, حنيذ: مشوي على الرضف وهي الحجارة المحماة. هذا معنى ما روي عن ابن عباس وقتادة وغير واحد كما قال في الاية الأخرى " فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين * فقربه إليهم قال ألا تأكلون " وقد تضمنت هذه الاية آداب الضيافة من وجوه كثيرة وقوله: "فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم" تنكرهم "وأوجس منهم خيفة" وذلك أن الملائكة لا همة لهم إلى الطعام ولا يشتهونه ولا يأكلونه فلهذا رأى حالهم معرضين عما جاءهم به فارغين عنه بالكلية فعند ذلك نكرهم "وأوجس منهم خيفة" قال السدي: لما بعث الله الملائكة لقوم لوط أقبلت تمشي في صور رجال شبان حتى نزلوا على إبراهيم فتضيفوه, فلما رآهم أجلهم "فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين" فذبحه ثم شواه في الرضف وأتاهم به فقعد معهم وقامت سارة تخدمهم فذلك حين يقول ـ وامرأته قائمة وهو جالس ـ في قراءة ابن مسعود " فقربه إليهم قال ألا تأكلون " قالوا: يا إبراهيم إنا لا نأكل طعاماً إلا بثمن, قال فإن لهذا ثمناً, قالوا: وما ثمنه ؟ قال تذكرون اسم الله على أوله وتحمدونه على آخره فنظر جبريل إلى ميكائيل فقال حق لهذا أن يتخذه ربه خليلاً "فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم" يقول فلما رآهم لا يأكلون فزع منهم وأوجس منهم خيفة, فلما نظرت سارة أنه قد أكرمهم وقامت هي تخدمهم ضحكت وقالت: عجبا لأضيافنا هؤلاء نخدمهم بأنفسنا كرامة لهم وهم لا يأكلون طعامنا.
وقال ابن حاتم حدثنا علي بن الحسين حدثنا نصر بن علي حدثنا نوح بن قيس عن عثمان بن محصن في ضيف إبراهيم قال كانوا أربعة: جبريل وميكائيل وإسرافيل ورفائيل. قال نوح بن قيس فزعم نوح بن أبي شداد أنهم لما دخلوا على إبراهيم فقرب إليهم العجل مسحه جبريل بجناحه فقام يدرج حتى لحق بأمه وأم العجل في الدار, وقوله تعالى إخباراً عن الملائكة: "قالوا لا تخف" أي قالوا لا تخف منا إنا ملائكة أرسلنا إلى قوم لوط لنهلكهم, فضحكت سارة استبشاراً بهلاكهم لكثرة فسادهم وغلظ كفرهم فلهذا جوزيت بالبشارة بالولد بعد الإياس, وقال قتادة ضحكت وعجبت أن قوماً يأتيهم العذاب وهم في غفلة, وقوله: "ومن وراء إسحاق يعقوب" قال العوفي عن ابن عباس فضحكت أي حاضت, وقول محمد بن قيس: إنها إنما ضحكت من أنها ظنت أنهم يريدون أن يعملوا كما يعمل قوم لوط. وقول الكلبي: إنها إنما ضحكت لما رأت من الروع بإبراهيم ضعيفان ووجداً وإن كان ابن جرير قد رواهما بسنده إليهما فلا يلتفت إلى ذلك والله أعلم. وقال وهب بن منبه: إنما ضحكت لما بشرت بإسحاق وهذا مخالف لهذا السياق فإن البشارة صريحة مرتبة على ضحكها "فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب" أي بولد لها يكون له ولد وعقب ونسل فإن يعقوب ولد إسحاق كما قال في آية البقرة " أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون ".
ومن ههنا استدل من استدل بهذه الاية على أن الذبيح إنما هو إسماعيل, وأنه يمتنع أن يكون هو إسحاق لأنه وقعت البشارة به وأنه سيولد له يعقوب فكيف يؤمر إبراهيم بذبحه وهو طفل صغير ولم يولد له بعد يعقوب الموعود بوجوده ووعد الله حق لا خلف فيه فيمتنع أن يؤمر بذبح هذا والحالة هذه, فتعين أن يكون إسماعيل وهذا من أحسن الاستدلال وأصحه وأبينه و لله الحمد "قالت يا ويلتى أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخاً" الاية حكى قولها في هذه الاية كما حكى فعلها في الاية الأخرى فإنها "قالت يا ويلتى أألد وأنا عجوز" وفي الذاريات "فأقبلت امرأته في صرة فصكت وجهها وقالت عجوز عقيم" كما جرت به عادة النساء في أقوالهن وأفعالهن عند التعجب "قالوا أتعجبين من أمر الله" أي قالت الملائكة لها لا تعجبي من أمر الله فإنه إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون. فلا تعجبي من هذا وإن كنت عجوزاً عقيماً وبعلك شيخاً كبيراً فإن الله على ما يشاء قدير "رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد" أي هو الحميد في جميع أفعاله وأقواله محمود ممجد في صفاته وذاته, ولهذا ثبت في الصحيحين أنهم قالوا:" قد علمنا السلام عليك فكيف الصلاة عليك يا رسول الله ؟ قال قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم, وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد".
وجملة 73- "قالوا أتعجبين من أمر الله" مستأنفة جواب سؤال مقدر، والاستفهام فيها للإنكار: أي كيف تعجبين من قضاء الله وقدره، وهو لا يستحيل عليه شيء، وإنما أنكروه عليها مع كون ما تعجبت منه من خوارق العادة لأنها من بيت النبوة، ولا يخفى على مثلها أن هذا من مقدوراته سبحانه، ولهذا قالوا: "رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت" أي الرحمة التي وسعت كل شيء والبركات وهي النمو والزيادة قيل الرحمة: النبوة، والبركات: الأسباط من بني إسرائيل لما فيهم من الأنبياء، وانتصاب أهل البيت على المدح أو الاختصاص، وصرف الخطاب من صيغة الواحدة إلى الجمع لقصد التعميم "إنه حميد" أي يفعل موجبات حمده من عباده على سبيل الكثرة "مجيد" كثير الإحسان إلى عباده بما يفيضه عليهم من الخيرات، والجملة تعليل لقوله: "رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت".
73- "قالوا"، يعنى الملائكة، "أتعجبين من أمر الله"، معناه: لا تعجبي من أمر الله، فإن الله عز وجل إذا أراد شيئا كان. "رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت"، أي: بيت إبراهيم عليه السلام. قيل: هذا على معنى الدعاء من الملائكة، وقيل: معنى الخير والرحمة والنعمة. والبركات جمع البركة، وهي ثبوت الخير. وفيه دليل على أن الأزواج من أهل البيت.
"إنه حميد مجيد"، فالحميد: المحمود في أفعاله، والمجيد: الكريم، والأصل المجد الرفعة.
73."قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت"منكرين عليها فإن خوارق العادات باعتبار أهل بيت النبوة ومهبط المعجزات ، وتخصيصهم بمزيد النعم والكرامات ليس ببدع ولا حقيق بأن يستغربه عاقل فضلاً عمن نشأت وشابت في ملاحظة الآيات ، وأهل البيت نصب على المدح أو النداء لقصد التخصيص قولهم :اللهم اغفر لنا أيتها العصابة."إنه حميد"فاعل ما يستوجب به الحمد ."مجيد"كثير الخير والإحسان.
73. They said: Wonderest thou at the commandment of Allah? The mercy of Allah and His blessings be upon you, O people of the house! Lo! He is Owner of Praise, Owner of Glory!
73 - They said: dost thou wonder at God's decree? the grace of God and his blessings on you, O ye people of the house for he is indeed worthy of all praise, full of all glory