72 - (وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن) إقامة (ورضوان من الله أكبر) أعظم من ذلك كله (ذلك هو الفوز العظيم)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وعد الله الذين صدقوا الله ورسوله، وأقروا به وبما جاء به من عند الله، من الرجال والنساء، " جنات تجري من تحتها الأنهار "، يقول: بساتين تجري تحت أشجارها الأنهار، " خالدين فيها "، يقول: لابثين فيها أبداً، مقيمين لا يزول عنهم نعيمها ولا يبيد، " ومساكن طيبة "، يقول: ومنازل يسكنونها طيبةً.
و((طيبها)) أنها، فيما ذكر لنا، كما:
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا إسحق بن سليمان، عن جسر، " عن الحسن قال: سألت عمران بن حصين وأبا هريرة عن آية في كتاب الله تبارك وتعالى: " ومساكن طيبة في جنات عدن "، فقالا: على الخبير سقطت! سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: قصر في الجنة من لؤلؤ، فيه سبعون داراً من ياقوتة حمراء، في كل دار سبعون بيتاً من زمردة خضراء، في كل بيت سبعون سريراً ".
حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري قال، حدثنا قرة بن حبيب، عن جسر بن فرقد، عن الحسن عن عمران بن حصين وأبي هريرة قالا: " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية: " ومساكن طيبة في جنات عدن "، قال: قصر من لؤلؤة، في ذلك القصر سبعون داراً من ياقوتة حمراء، في كل دار سبعون بيتاً من زبرجدة خضراء، في كل بيت سبعون سريراً، على كل سرير سبعون فراشاً من كل لون، على كل فراش زوجة من الحور العين، في كل بيت سبعون مائدة، على كل مائدة سبعون لوناً من طعام، في كل بيت سبعون وصيفة، ويعطى المؤمن من القوة في غداة واحدة ما يأتي على ذلك كله أجمع ".
وأما قوله: " في جنات عدن "، فإنه يعني: وهذه المساكن الطيبة التي وصفها جل ثناؤه، " في جنات عدن ".
و" في " من صلة " مساكن ".
وقيل: " جنات عدن "، لأنها بساتين خلد وإقامة، لا يظعن منها أحد.
وقيل: إنما قيل لها " جنات عدن "، لأنها دار الله التي استخلصها لنفسه، ولمن شاء من خلقه، من قول العرب: ((عدن فلان بأرض كذا))، إذا أقام بها وخلد بها، ومنه ((المعدن))، ويقال: ((هو في معدن صدق))، يعني به: أنه في أصل ثابت. وقد أنشد بعض الرواة بيت الأعشى:
وإن يستضيفوا إلى حلمه يضافوا إلى راجح قد عدن
وينشد: ((قد وزن)).
وكالذي قلنا في ذلك كان ابن عباس وجماعة معه، فيما ذكر، يتأولونه.
حدثني إسحق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد قال، حدثنا عتاب بن بشير، عن خصيف، عن عكرمة، عن ابن عباس: " جنات عدن "، قال: ((معدن الرجل))، الذي يكون فيه.
حدثنا محمد بن سهل بن عسكر قال، حدثنا ابن أبي مريم قال، حدثنا الليث بن سعد، عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله يفتح الذكر في ثلاث ساعات يبقين من الليل، في الساعة الأولى منهن ينظر في الكتاب الذي لا ينظر فيه أحد غيره، فيمحوا ما يشاء ويثبت. ثم ينزل في الساعة الثانية إلى جنة عدن، وهي في داره التي لم ترها عين ولم تخطر على قلب بشر، وهي مسكنه، ولا يسكن معه من بني آدم غير ثلاثة: النبيين، والصديقين، والشهداء، ثم يقول: طوبى لمن دخلك، وذكر في الساعة الثالثة ".
حدثني موسى بن سهل قال، حدثنا آدم قال، حدثنا الليث بن سعد قال، حدثنا زيادة بن محمد، عن محمد بن كعب القرظي، عن فضالة بن عبيد، عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " عدن داره - يعني: دار الله - التي لم ترها عين ولم تخطر على قلب بشر، وهي مسكنه، ولا يسكنها معه من بني آدم غير ثلاثة: النبيين، والصديقين، والشهداء، يقول الله تبارك وتعالى: طوبى لمن دخلك ".
وقال آخرون: معنى " جنات عدن "، جنات أعناب وكروم.
ذكر من قال ذلك:
حدثني أحمد بن أبي سريج الرازي قال، حدثنا زكريا بن عدي قال، حدثنا عبيد الله بن عمرو، عن زيد بن أبي أنيسة، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الله بن الحارث: أن ابن عباس سأل كعباً عن جنات عدن، فقال: هي الكروم والأعناب، بالسريانية.
وقال آخرون: هي اسم لبطنان الجنة ووسطها.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا حميد بن مسعدة قال، حدثنا بشر بن المفضل قال، حدثنا شعبة، عن سليمان الأعمش، عن عبد الله بن مرة، عن مسروق، عن عبد الله قال: " عدن "، بطنان الجنة.
حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المثنى قالا، حدثنا يحيى بن سعيد، عن سفيان وشعبة، عن الأعمش، عن عبد الله بن مرة، عن مسروق، عن عبد الله في قوله: " جنات عدن "، قال: بطنان الجنة. قال ابن بشار في حديثه، فقلت: ما بطنانها؟ وقال ابن المثنى في حديثه، فقلت للأعمش: ما بطنان الجنة؟قال:وسطها.
حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن عبد الله بن مرة، وأبي الضحى، عن مسروق، عن عبد الله: " جنات عدن "، قال: بطنان الجنة.
... قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا شعبة، عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عبد الله، بمثله.
حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا ابن أبي عدي، عن شعبة، عن سليمان، عن عبد الله بن مرة، عن مسروق، عن عبد الله، مثله.
حدثنا أحمد بن أبي سريج قال، حدثنا أبو أحمد الزبيري قال، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي الضحى، وعبدالله بن مرة، عنهما جميعاً، أو عن أحدهما، عن مسروق، عن عبد الله: " جنات عدن "، قال: بطنان الجنة.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عبد الله بن مسعود في قول الله:" جنات عدن "، قال:بطنان الجنة.
وقال آخرون: ((عدن))، اسم لقصر.
ذكر من قال ذلك:
حدثني علي بن سعيد الكندي قال، حدثنا عبدة أبو غسان، عن عون بن موسى الكناني، عن الحسن قال: " جنات عدن "، وما أدراك ما جنات عدن؟ قصر من ذهب، لا يدخله إلا نبي، أو صديق، أو شهيد، أو حكم عدل. ورفع به صوته.
حدثنا أحمد بن أبي سريج قال، حدثنا عبد الله بن عاصم قال، حدثنا عون بن موسى قال: سمعت الحسن بن أبي الحسن يقول: جنات عدن، وما أدراك ما جنات عدن؟ قصر من ذهب، لا يدخله إلا نبي، أو صديق، أو شهيد، أو حكم عدل. رفع الحسن به صوته.
حدثنا أحمد قال، حدثنا يزيد قال، أخبرنا حماد بن سلمة، عن يعلى بن عطاء، عن نافع بن عاصم، عن عبد الله بن عمرو قال: إن في الجنة قصراً يقال له ((عدن))، حوله البروج والروح، له خمسون ألف باب، على كل باب حبرة، لا يدخله إلا نبي أو صديق.
حدثنا الحسن بن ناصح قال، حدثنا أبو داود قال، حدثنا شعبة، عن يعلى بن عطاء قال سمعت يعقوب بن عاصم يحدث، عن عبد الله بن عمرو: إن في الجنة قصراً يقال له ((عدن))، له خمسة آلاف باب، على كل باب خمسة آلاف حبرة، لا يدخله إلا نبي أو صديق أو شهيد.
وقيل: هي مدينة الجنة.
ذكر من قال ذلك:
حدثت عن عبد الرحمن المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك ، في " جنات عدن "، قال: هي مدينة الجنة، فيها الرسل والأنبياء والشهداء، وأئمة الهدى، والناس حولهم بعد، والجنات حولها.
وقيل: إنه اسم نهر.
ذكر من قال ذلك:
حدثت عن المحاربي، عن واصل بن السائب الرقاشي، عن عطاء قال: ((عدن)) نهر في الجنة، جناته على حافتيه.
وأما قوله: " ورضوان من الله أكبر "، فإن معناه: ورضى الله عنهم أكبر من ذلك كله، بذلك جاء الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال: أخبرنا ابن المبارك، عن مالك بن أنس، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة! فيقولون: لبيك ربنا وسعديك! فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: ما لنا لا نرضى، وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك؟ فيقول: أنا أعطيكم أفضل من ذلك. قالوا:يا رب، وأي شيء أفضل من ذلك؟قال: أحل عليكم رضواني، فلا أسخط عليكم بعده أبداً ".
حدثنا ابن حميد قال، حدثني يعقوب، عن حفص، عن شمر قال: يجيء القرآن يوم القيامة في صورة الرجل الشاحب، إلى الرجل حين ينشق عنه قبره، فيقول: أبشر بكرامة الله! أبشر برضوان الله! فيقول: مثلك من يبشر بالخير؟ ومن أنت؟ فيقول: أنا القرآن الذي كنت أسهر ليلك، وأظمىء نهارك! فيحمله على رقبته حتى يوافي به ربه، فيمثل بين يديه فيقول: يا رب، عبدك هذا، اجزه عني خيراً! فقد كنت أسهر ليله، وأظمىء نهاره، وآمره فيطيعني، وأنهاه فيطيعني. فيقول الرب تبارك وتعالى: فله حلة الكرامة. فيقول: أي رب، زده، فإنه أهل ذلك! فيقول: فله رضواني. قال: " ورضوان من الله أكبر ".
وابتدىء الخبر عن ((رضوان الله)) للمؤمنين والمؤمنات أنه أكبر من كل ما ذكر جل ثناؤه، فرفع، وإن كان ((الرضوان)) فيما قد وعدهم. ولم يعطف به في الإعراب على ((الجنات)) و((المساكن الطيبة))، ليعلم بذلك تفضيل الله رضوانه عن المؤمنين، على سائر ما قسم لهم من فضله، وأعطاهم من كرامته، نظير قول القائل في الكلام الآخر: ((أعطيتك ووصلتك بكذا، وأكرمتك، ورضاي بعد عنك أفضل لك)).
" ذلك هو الفوز العظيم "، هذه الأشياء التي وعدت المؤمنين والمؤمنات، " هو الفوز العظيم ". يقول: هو الظفر العظيم، والنجاء الجسيم، لأنهم ظفروا بكرامة الأبد، ونجوا من الهوان في سقر، فهو الفوز العظيم الذي لا شيء أعظم منه.
قوله تعالى: "وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات" أي بساتين "تجري من تحتها الأنهار" أي من تحت أشجارها وغرفها الأنهار. وقد تقدم في البقرة أنها تجري منضبطة بالقدرة في غير أخدود. "خالدين فيها ومساكن طيبة" قصور من الزبرجد والدر والياقوت يفوح طيبها من مسيرة خمسمائة عام. "في جنات عدن" أي في دار إقامة. يقال: عدن بالمكان إذا أقام به، ومنه المعدن. وقال عطاء الخراساني: جنات عدن هي قصبة الجنة، وسقفها عرش الرحمن جل وعز. وقال ابن مسعود: هي بطنان الجنة، أي وسطها. وقال الحسن: هي قصر من ذهب لا يدخلها إلا نبي أو صديق أو شهيد أو حكم عدل، ونحوه عن الضحاك. وقال مقاتل و الكلبي: عدن أعلى درجة في الجنة، وفيها عين التسنيم، والجنان حولها محفوفة بها، وهي مغطاة من يوم خلقها الله حتى ينزلها الأنبياء والصديقون والشهداء والصالحون ومن يشاء الله. "ورضوان من الله أكبر" أي أكبر من ذلك. "ذلك الفوز العظيم".
يخبر تعالى بما أعده للمؤمنين به والمؤمنات من الخيرات والنعيم المقيم في "جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها" أي ماكثين فيها أبداً "ومساكن طيبة" أي حسنة البناء طيبة القرار, كما جاء في الصحيحين من حديث أبي عمران الجوني عن أبي بكر بن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما, وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما, وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن" وبه قال, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها ستون ميلاً في السماء! للمؤمن فيها أهلون يطوف عليهم لا يرى بعضهم بعضاً" أخرجاه في الصحيحين, وفيهما أيضاً عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من آمن بالله ورسوله وأقام الصلاة وصام رمضان, فإن حقاً على الله أن يدخله الجنة هاجر في سبيل الله أو حبس في أرضه التي ولد فيها" قالوا: يا رسول الله أفلا نخبر الناس ؟ قال: "إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله بين كل درجتين كما بين السماء والأرض, فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أعلى الجنة وأوسط الجنة, ومنه تفجر أنهار الجنة, وفوقه عرش الرحمن" وعند الطبراني والترمذي وابن ماجه من رواية زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن معاذ بن جبل رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكر مثله.
وللترمذي عن عبادة بن الصامت مثله. وعن أبي حازم عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أهل الجنة ليتراءون الغرف في الجنة كما ترون الكوكب في السماء" أخرجاه في الصحيحين, ثم ليعلم أن أعلى منزلة في الجنة مكان يقال له الوسيلة لقربه من العرش وهو مسكن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجنة, كما قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق أخبرنا سفيان عن ليث عن كعب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا صليتم علي فسلوا الله لي الوسيلة" قيل يا رسول الله وما الوسيلة ؟ قال "أعلى درجة في الجنة لا ينالها إلا رجل واحد وأرجو أن أكون أنا هو".
وفي صحيح مسلم من حديث كعب بن علقمة: عن عبد الرحمن بن جبير عن عبد الله بن عمرو بن العاص, أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشراً, ثم سلوا لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله. وأرجو أن أكون هو, فمن سأل الله لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة يوم القيامة" وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني: حدثنا أحمد بن علي الأبار, حدثنا الوليد بن عبد الملك الحراني, حدثنا موسى بن أعين عن ابن أبي ذئب عن محمد بن عمرو بن عطاء عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سلوا الله لي الوسيلة فإنه لم يسألها لي عبد في الدنيا إلا كنت له شهيداً أو شفيعاً يوم القيامة" رواه الطبراني. وفي مسند الإمام أحمد من حديث سعد بن مجاهد الطائي عن أبي المدله عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قلنا يا رسول الله حدثنا عن الجنة ما بناؤها ؟ قال: "لبنة ذهب ولبنة فضة, وملاطها المسك وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت, وترابها الزعفران. من يدخلها ينعم لا يبأس ويخلد لا يموت, لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه" وروي عن ابن عمر مرفوعاً نحوه, وعند الترمذي من حديث عبد الرحمن بن إسحاق عن النعمان بن سعد عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن في الجنة لغرفاً يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها" فقام أعرابي فقال: يا رسول الله لمن هي ؟ فقال: "لمن طيب الكلام, وأطعم الطعام, وأدام الصيام, وصلى بالليل والناس نيام" ثم قال: حديث غريب ورواه الطبراني من حديث عبد الله بن عمرو وأبي مالك الأشعري كل منهما عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه, وكل من الإسنادين جيد وحسن, وعنده أن السائل هو أبو مالك الأشعري, فالله أعلم.
وعن أسامة بن زيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا هل من مشمر إلى الجنة ؟ فإن الجنة لا خطر لها, هي ورب الكعبة نور يتلألأ وريحانة تهتز, وقصر مشيد, ونهر مطرد, وثمرة نضيجة, وزوجة حسناء جميلة. وحلل كثيرة, ومقام في أبد في دار سليمة, وفاكهة وخضرة وحبرة ونعمة في محلة عالية بهية" قالوا: نعم يا رسول الله نحن المشمرون لها, قال: "قولوا إن شاء الله" فقال القوم: إن شاء الله, رواه ابن ماجه. وقوله تعالى: "ورضوان من الله أكبر" أي رضا الله عنهم أكبر وأجل وأعظم مما هم فيه من النعيم, كما قال الإمام مالك رحمه الله عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله عز وجل يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة فيقولون: لبيك ربنا وسعديك والخير في يديك. فيقول: هل رضيتم ؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى يا رب وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك, فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك ؟ فيقولون يا رب وأي شيء أفضل من ذلك ؟ فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً" أخرجاه من حديث مالك, وقال أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل المحاملي: حدثنا الفضل الرجائي, حدثنا الفريابي عن سفيان عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دخل أهل الجنة الجنة قال الله عز وجل هل تشتهون شيئاً فأزيدكم ؟ قالوا يا ربنا ما خير مما أعطيتنا ؟ قال: رضواني أكبر" ورواه البزار في مسنده من حديث الثوري, وقال الحافظ الضياء المقدسي في كتابه صفة الجنة: هذا عندي على شرط الصحيح, والله أعلم.
ثم ذكر تفصيل ما يدخل تحت الرحمة إجمالاً باعتبار الرحمة في الدار الآخرة فقال: 72- "وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار" والإظهار في موقع الإضمار لزيادة التقرير، ومعنى جري الأنهار من تحت الجنات أنها تجري تحت أشجارها وغرقها، وقد تقدم تحقيقه في البقرة "ومساكن طيبة" أي منازل يسكنون فيها من الدر والياقوت، و "جنات عدن" يقال: عدن بالمكان: إذا أقام به، ومنه المعدن، قيل هي أعلى الجنة، وقيل أوسطها، وقيل قصور من ذهب لا يدخلها إلا نبي أو صديق أو شهيد، وصف الجنة بأوصاف: الأول: جري الأنهار من تحتها، والثاني: أنهم فيها خالدون، والثالث: طيب مساكنها، والرابع: أنها دار عدن: أي إقامة غير منقطعة، هذا على ما هو معنى عدن لغة، وقيل هو علم، والتنكير في رضوان للتحقير: أي "ورضوان" حقير يستر "من" رضوان "الله أكبر" من ذلك كله الذي أعطاهم الله إياه، وفيه دليل على أنه لا شيء من النعم وإن جلت وعظمت يماثل رضوان الله سبحانه، وأن أدنى رضوان منه لا يساويه شيء من اللذات الجسمانية وإن كانت على غاية ليس وراءها غاية، اللهم ارض عنا رضاً لا يشوبه سخط ولا يكدره نكد، يا من بيده الخير كله دقه وجله، والإشارة بقوله: "ذلك" إلى ما تقدم مما وعد الله به المؤمنين والمؤمنات "هو الفوز العظيم" دون كل فوز مما يعده الناس فوزاً.
وقد أخرج أبو الشيخ عن الضحاك في قوله: "يأمرون بالمعروف" قال: يدعون إلى الإيمان بالله ورسوله والنفقات في سبيل الله وما كان من طاعة الله "وينهون عن المنكر" عن الشرك والكفر قال: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة من فرائض الله كتبها الله على المؤمنين. وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: "بعضهم أولياء بعض" قال: إخاؤهم في الله يتحابون بجلال الله والولاية لله، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الأحاديث ما هو معروف. وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن الحسن قال: سألت عمران بن حصين وأبا هريرة عن تفسير قوله تعالى: "ومساكن طيبة في جنات عدن" قالا: على الخبير سقطت، سألنا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: قصر من لؤلؤة في الجنة، في ذلك القصر سبعون داراً من ياقوتة حمراء، في كل دار سبعون بيتاً من زمردة خضراء، في كل بيت سبعون سريراً، على كل سرير سبعون فراشاً من كل لون، على كل فراش امرأة من الحور العين، في كل بيت سبعون مائدة، في كل مائدة سبعون لوناً من كل طعام، في كل بيت سبعون وصيفاً فيعطى المؤمن من القوة في كل غداة ما يأتي على ذلك كله. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: "جنات عدن" قال: معدن الرجل الذي يكون فيه. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال: معدنهم فيها أبداً. وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير في قوله: "ورضوان من الله أكبر" يعني: إذا أخبروا أن الله عنهم راض، فهو أكبر عندهم من التحف والتسنيم. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة، فيقولون لبيك ربنا وسعديك والخير في يديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: ربنا وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعطه أحداً من خلقك، فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ قالوا: يا ربنا وأي شيء أفضل من ذلك؟ قال: أحل عليكم رضواني، فلا أسخط عليكم بعده أبداً".
72-"وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة"، منازل طيبة، "في جنات عدن" أي: بساتين خلد وإقامة، يقال: عدن بالمكان إذا أقام به.
قال ابن مسعود: هي بطنان الجنة، أي: وسطها.
قال عبد الله بن عمرو بن العاص: إن في الجنة قصرا يقال له: "عدن" حوله البروج والمروج، له خمسة آلاف باب لا يدخله إلا نبي أو صديق أو شهيد.
وقال الحسن: قصر من ذهب لا يدخله إلا نبي أو صديق أو شهيد أو حكم عدل.
وقال عطاء بن السائب: "عدن" نهر في الجنة جنانه على حافتيه.
وقال مقاتل و الكلبي: "عدن" أعلى درجة في الجنة، وفيها عين التسنيم، والجنان حولها، محدقة بها، وهى مغطاة من حين خلقها الله تعالى حتى ينزلها أهلها: الأنبياء والصديقون والشهداء والصالحون، ومن شاء الله، وفيها قصور الدر واليواقيت والذهب، فتهب ريح طيبة من تحت العرش فتدخل عليهم كثبان المسك الأذفر الأبيض.
"ورضوان من الله أكبر". أي: رضا الله عنهم أكبر من ذلك، "ذلك هو الفوز العظيم". روينا عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يقول الله عز وجل لأهل الجنة يا أهل الجنة هل رضيتم؟ فيقولون: ربنا ما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعطه أحدا من خلقك، فيقول: أفلا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: ربنا أي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا".
72."وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبةً" تستطيبها النفس أو يطيب فيها العيش وفي الحديث أنها قصور من اللؤلؤ والزبرجد والياقوت الأحمر."في جنات عدن"إقامة وخلود . "وعنه عليه الصلاة والسلام عدن دار الله التي لم ترها عين ولم تخطر على قلب بشر لا يسكنها غير ثلاثة النبيون والصديقون والشهداء يقول الله تعالى : طوبى لمن دخلك ".ومرجع العطف فيها يحتمل أن يكون إلى تعدد الموعود لكل واحد أو للجميع على سبيل التوزيع ، أو إلى تغاير وصفه فكأنه وصفه أولاً بأنه من جنس ما هو أبهى الأماكن التي يعرفونها لتميل إليه طباعهم أول ما يقرع أسماعهم ، ثم وصفه بأنه محفوف بطيب العيش معرى عن شوائب الكدورات التي لا تخلو عن شيء منها أماكن الدنيا وفيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين ، ثم وصفه بأنه جار إقامة وثبات في جوار عليين لا يعتريهم فيها فناء ولا تغير ،ثم وعدهم بما هو أكبر من ذلك فقال"ورضوان من الله أكبر" لأنه المبدأ لكل سعادة وكرامة والمؤدي إلى نيل الوصول والفوز باللقاء ، "وعنه صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى يقول لأهل الجنة هل رضيتم فيقولون: وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك فيقول : أنا أعطيكم أفضل من ذلك ن فيقولون :وأي شيء من ذلك فيقول أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم أبداً"." ذلك" أي الرضوان أو جميع ما تقدم ."هو الفوز العظيم"الذي تستحقر دونه الدنيا وما فيها .
72. Allah promiseth to the believers, men and women, Gardens underneath which rivers flow, wherein they will abide blessed dwellings in Gardens of Eden. And greater (far)! acceptance from Allah. That is the supreme triumph.
72 - God hath promised to believers, men and women, gardens under which rivers flow. to dwell therein, and beautiful mansions in gardens of everlasting bliss. is the God pleasure of God: that is the supreme felicity.