71 - (وامرأته) أي امرأة إبراهيم سارة (قائمة) تخدمهم (فضحكت) استبشاراً بهلاكهم (فبشرناها بإسحاق ومن وراء) بعد (إسحاق يعقوب) ولده تعيش إلى أن تراه
قال ابو جعفر : يقول تعالى ذكره :فبشرنا سارة ، امرأة إبراهيم ، ثواباً منا لها على نكيرها وعجبها من فعل قولم لوط ، "بإسحاق" ، ولداً لها ، "ومن وراء إسحاق يعقوب" ، يقول : ومن خلف إسحاق يعقوب ، من ابنها إسحاق .
و الوراء ، في كلام العرب ، ولد الولد ، وكذلك تأوله أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا حميد بن مسعدة قال ، حدثنا بشر ين المفضل قال ، حدثنا داود ، عن عامر قال : "ومن وراء إسحاق يعقوب" ، قال : الوراء ولد الولد .
حدثنا عمرو بن علي ، ومحمد بن المثنى ، قال كل واحد منهما ، حدثني أبو اليسع إسماعيل بن حماد بن أبي المغيرة مولى الأشعري قال : كنت إلى جنب جدي ، أبي المغيرة بن مهران ، في مسجد علي بن زيد ، فمر بنا الحسن بن ابي الحسن فقال : يا ابا المغيرة ، من هذا الفتى ؟ قال : ابن من ورائي . فقال الحسن : "فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب" .
حدثنا عمرو بن علي ، ومحمد بن المثنى قالا ، حدثنا محمد بن أبي عدي قال ، حدثنا داود بن أبي هند ، عن الشعبي في قوله : "فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب" ، قال : ولد الولد وهو الوراء .
حدثني إسحاق بن شاهين قال ، حدثنا خالد ، عن داود ، عن عامر في قوله : "ومن وراء إسحاق يعقوب" ، قال : الوراء ، ولد الولد .
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا ابن علية ، عن داود ، عن الشعبي ، مثله .
حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا أبو عمرو الأزدي قال : سمعت الشعبي يقول : ولد الولد ، هم الولد من الوراء .
حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا سفيان ، عن حبيب بن ابي ثابت قال : جاء رجل إلى ابن عباس ومعه ابن ابنه ، فقال : من هذا معك ؟ قال : هذا ابن ابني . قال : هذا ولدك من الوراء ، قال : فكأنه شق على ذلك الرجل ، فقال ابن عباس : إن الله يقول : "فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب" ، فولد الولد هم من الوراء .
حدثني موسى بن هرون قال ، حدثنا عمرو بن حماد قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي قال : لما ضحكت سارة ، وقالت : عجباً لأضيافنا هؤلاء ، إنا نخدمهم بأنفسنا تكرمة لهم ، وهم لا يأكلون طعامنا ، قال لها جبريل : أبشري بولد اسمه إسحاق ، ومن وراء إسحاق يعقوب . فضربت وجهها عجباً ، فذلك قوله : ( فصكت وجهها ) ، وقالت : "أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب" ، قالوا : "أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد" ، قالت : سارة : ما آية ذلك ؟ قال : فأخذ بيده عوداً يابساً فلواه بين أصابعه ، فاهتز أخضر . فقال إبراهيم : هو لله إذاً ذبيحاً .
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : "فضحكت" ، يعني سارة ، لما عرفت من أمر الله جل ثناؤه ، ولما تعلم من قوم لوط ، فبشروها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ، بابن ، وبابن ابن . فقالت ، وصكت وجهها ـ يقال : ضربت على جبينها ـ "يا ويلتى أألد وأنا عجوز" ، إلى قوله : "إنه حميد مجيد" .
واختلفت القرأة في قراءة ذلك :
فقرأته عامة قرأة العراق والحجاز : ومن وراء إسحاق يعقوب ، برفع يعقوب ، ويعيد ابتداء الكلام بقوله : ومن وراء إسحاق يعقوب ، وذلك ، وإن كان خبراً مبتداً ، ففيه دلالة على معنى التبشير .
وقرأة بعض أهل الكوفة والشأم ، "ومن وراء إسحاق يعقوب" ، نصباً .
فأما الشأمي منهما ، فذكر أنه كان ينحو بـ "يعقوب" ، نحو النصب ، بإضمار فعل آخر مشاكل للبشارة ، كأنه قال : ووهبنا له من وراء إسحاق يعقوب . فلما لم يظهر وهبنا ، عمل فيه التبشير ، وعطف به على موضع إسحاق . إذ كان إسحاق ، وإن كان محفوظاً ، فإنه بمعنى المنصوب بعمل بشرنا فيه ، كما قال الشاعر :
جئني بمثل بني بدر لقومهم أو مثل أسرة منظور بن سيار
أو عامر بن طفيل في مركبه أو حارثا ، يوم نادى القوم : يا حار
وأما الكوفي منهما ، فإنه قرأه بتأويل الخفض ، فيما ذكر عنه ، غير أنه نصبه لأنه لا يجرى . وقد أنكر ذلك أهل العلم بالعربية ، من أجل دخول الصفة بين حرف العطف والاسم . وقالوا : خطأ أن يقال : مررت بعمرو في الدار وفي الدار زيد ، وأنت عاطف بـ زيد على عمرو ، إلا بتكرير الباء وإعادتها . فإن لم تعد ، كان وجه الكلام عندهم الرفع ، وجاز النصب . فإن قدم الاسم على الصفة ، جاز حنيئذ الخفض . وذلك إذا قلت : مررت بعمرو في الدار ، وزيد في البيت . وقد أجاز الخفض ، والصفة معترضة بين حرف العطف والاسم بعض نحويي البصرة .
قال أبو جعفر : وأولى القراءتين في ذلك بالصواب عندي ، قراءة من قرأه رفعاً ، لأن ذلك هو الكلام المعروف من كلام العرب ،والذي لا يتناكره أهل العلم بالعربية ، وما عليه قرأة الأمصار ، فأما النصب فيه ، فإن له وجها ، غير أني لا أحب القراءة به ، لأن كتاب الله نزل بأفصح ألسن العرب ، والذي هو أولى بالعلم بالذي نزل به من الفصاحة .
الثامنة: قوله تعالى: " وامرأته قائمة " ابتداء وخبر، أي قائمة بحيث ترى الملائكة. قيل: كانت من وراء الستر. وقيل: كانت تخدم الملائكة وهو جالس. وقال محمد بن إسحق: قائمة تصلي. وفي قراءة عبد الله بن مسعود ( وامرأته قائمة وهو قاعد).
التاسعة: قوله تعالى: " فضحكت " قال مجاهد وعكرمة: حاضت، وكانت آيسة، تحقيقاً للبشارة، وأنشد على ذلك اللغويون:
وإني لآتي العرس عند طهورها وأهجرها يوماً إذا تك ضاحكاً
وقال آخر:
وضحك الأرانب فوق الصفا كمثل دم الجوف يوم اللقا
والعرب تقول: ضحكت الأرنب إذا حاضت، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما وعكرمة، أخذا من قولهم: ضحكت الكافورة - وهي قشرة الطلعة - إذا انشقت. وقد أنكر بعض اللغويين أن يكون في كلام العرب ضحكت بمعنى حاضت. وقال الجمهور: هو الضحك المعروف، واختلفوا فيه، فقيل: هو ضحك التعجب، قال أبو ذؤيب فجاء بمزح لم ير الناس مثله هو الضحك إلا أنه عمل النحل
وقال مقاتل: ضحكت من خوف إبراهيم، ورعدته من ثلاثة نفر، وإبراهيم في حشمه وخدمه، وكان إبراهيم يقوم وحده بمائة رجل. قال: وليس الضحاك الحيض في اللغة بمستقيم. وأنكر أبو عبيد والفراء ذلك، قال الفراء: لم أسمعه من ثقة، وإنما هو كناية. وروي أن الملائكة مسحت العجل، فقام من موضعه فلحق بأمه، فضحكت سارة عند ذلك فبشروها بإسحق. ويقال: كان إبراهيم عليه السلام إذا أراد أن يكون أضيافه أقام سارة تخدمهم، فذلك قوله: " وامرأته قائمة " أي قائمة في خدمتهم. ويقال: ( قائمة) لروع إبراهيم ( فضحكت) لقولهم: ( لا تخف) سروراً بالأمن. وقال الفراء: فيه تقديم وتأخير، المعنى: فبشرناها بإسحاق فيه أقوال: أحسنها - أنهم لما لم يأكلوا أنكرهم وخافهم، فلما قالوا لا تخف، وأخبروه أنهم رسل الله، فرح بذلك، فضحكت امرأته سروراً بفرحه. وقيل: إنها كانت قالت له: أحسب أن هؤلاء القوم سينزل بهم عذاب فضم لوطاً إليك، فلما جاءت الرسل بما قالته سرت به فضحكت، قاله النحاس : وهذا إن صح إسناده فهو حسن. والضحك انكشاف الأسنان. ويجوز أن يكون الضحك إشراق الوجه، تقول: رأيت فلاناً ضاحكاً، أي مشرقاً. وأتيت على روضة تضحك، أي مشرقة. وفي الحديث: " إن الله سبحانه يبعث السحاب فيضحك أحسن الضحك ". جعل انجلاءه عن البرق ضحكا، وهذا كلام مستعار. وروي عن رجل من قراء مكة يقال له محمد بن زياد الأعرابي. ( فضحكت) بفتح الحاء، قال المهدوي : وفتح ( الحاء) من ( فضحكت) غير معروف. وضحك يضحك ضحكاً وضحكاً وضحكاً وضحكا أربع لغات. والضحكة المرة الواحدة، ومنه قول كثير:
غلقت لضحكته رقاب المال
قاله الجوهري .
العاشرة: روى مسلم" عن سهل بن سعد قال: دعا أبو أسيد الساعدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في عرسه، فكانت امرأته يومئذ خادمهم وهي العروس . قال سهل: أتدرون ما سقت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أنقعت له تمرات من الليل في تور، فلما أكل سقته إياه" وأخرجه البخاري وترجم له ( باب قيام المرأة على الرجال في العرس وخدمتهم بالنفس). قال علماؤنا: فيه جواز خدمة العروس زوجها وأصحابه في عرسها. وفيه أنه لا بأس أن يعرض الرجل أهله على صالح أخوانه، ويستخدمهن لهم. ويحتمل أن يكون هذا قبل نزول الحجاب. والله أعلم.
الحادية عشرة: ذكر الطبري أن إبراهيم عليه السلام لما قدم العجل قالوا: لا نأكل طعاماً إلا بثمن، فقال لهم: ( ثمنه أن تذكروا الله في أوله وتحمدوه في آخره) فقال جبريل لأصحابه: بحق اتخذ الله هذا خليلاً. قال علماؤنا: ولم يأكلوا لأن الملائكة لا تأكل. وقد كان من الجائز كما يسر الله للملائكة أن يتشكوا في صفة الآدمي جسداً وهيئة أن ييسر لهم أكل الطعام، إلا أنه في قول العلماء أرسلهم في صفة الآدمي وتكلف إبراهيم عليه السلام الضيافة حتى إذا رأى التوقف وخاف جاءته البشرى فجأة.
الثانية عشرة: ودل هذا على أن التسمية في أول الطعام، والحمد في آخره مشروع في الأمم قبلنا، وقد جاء في الإسرائيليات أن إبراهيم عليه السلام كان لا يأكل وحده، فإذا حضر طعامه أرسل يطلب من يأكله معه، فلقي يوماً رجلاً، فلما جلس معه على الطعام، فلما خرج نزل إليه جبريل فقال له: يقول الله إنه يرزقه على كفره مدى عمره وأنت بخلت عليه بلقمة، فخرج إبراهيم فزعاً يجر رداءه، وقال: ارجع، فقال: لا أرجع حتى تخبرني لم تردني لغير معنى؟ فأخبره بالأمر، هذا رب كريم، آمنت، ودخل وسمى الله وأكل مؤمناً.
الثالثة عشرة: قوله تعالى: " فبشرناها بإسحاق " لما ولد لإبراهيم إسماعيل من هاجر تمنت سارة أن يكون لها ابن، وأيست لكبر سنها، فبشرت بولد يكون نبياً ويلد نبياً، فكان هذا بشارة لها بأن ترى ولد ولدها.
الرابعة عشرة: قوله تعالى: " ومن وراء إسحاق يعقوب " قرأ حمزة وعبد الله بن عامر ( يعقوب) بالنصب. ورفع الباقون، فالرفع على معنى: ويحدث لها من وراء إسحاق يعقوب. ويجوز أن يرتفع بالفعل الذي يعمل في ( من) كأن المعنى: وثبت لها من وراء إسحاق يعقوب. ويجوز أن يرتفع بالابتداء، ويكون في موضع الحال، أي بشروها بإسحاق مقابلاً له يعقوب. والنصب على معنى: ووهبنا لها من وراء إسحاق يعقوب. وأجاز الكسائي و الاخفش وأبو حاتم أن يكون ( يعقوب) في موضع جر على معنى: وبشرناها من وراء إسحاق بيعقوب. قال الفراء: ولا يجوز الخفض إلا بإعادة الحرف الخافض، قال سيبويه ولو قلت: مررت بزيد أول من أمس وأمس عمرو كان قبيحاً خبيثاً، لأنك فرقت بين المجرور وما يشركه وهو الواو، كما تفرق بين الجار والمجرور، لأن الجار لا يفصل بينه وبين المجرور، ولا بينه وبين الواو.
يقول تعالى: "ولقد جاءت رسلنا" وهم الملائكة إبراهيم بالبشرى قيل تبشره بإسحاق وقيل بهلاك قوم لوط ويشهد للأول قوله تعالى: "فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط" "قالوا سلاماً قال سلام" أي عليكم قال علماء البيان: هذا أحسن مما حيوه به لأن الرفع يدل على الثبوت والدوام "فما لبث أن جاء بعجل حنيذ" أي ذهب سريعاً فأتاهم بالضيافة وهو عجل فتى البقر, حنيذ: مشوي على الرضف وهي الحجارة المحماة. هذا معنى ما روي عن ابن عباس وقتادة وغير واحد كما قال في الاية الأخرى " فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين * فقربه إليهم قال ألا تأكلون " وقد تضمنت هذه الاية آداب الضيافة من وجوه كثيرة وقوله: "فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم" تنكرهم "وأوجس منهم خيفة" وذلك أن الملائكة لا همة لهم إلى الطعام ولا يشتهونه ولا يأكلونه فلهذا رأى حالهم معرضين عما جاءهم به فارغين عنه بالكلية فعند ذلك نكرهم "وأوجس منهم خيفة" قال السدي: لما بعث الله الملائكة لقوم لوط أقبلت تمشي في صور رجال شبان حتى نزلوا على إبراهيم فتضيفوه, فلما رآهم أجلهم "فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين" فذبحه ثم شواه في الرضف وأتاهم به فقعد معهم وقامت سارة تخدمهم فذلك حين يقول ـ وامرأته قائمة وهو جالس ـ في قراءة ابن مسعود " فقربه إليهم قال ألا تأكلون " قالوا: يا إبراهيم إنا لا نأكل طعاماً إلا بثمن, قال فإن لهذا ثمناً, قالوا: وما ثمنه ؟ قال تذكرون اسم الله على أوله وتحمدونه على آخره فنظر جبريل إلى ميكائيل فقال حق لهذا أن يتخذه ربه خليلاً "فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم" يقول فلما رآهم لا يأكلون فزع منهم وأوجس منهم خيفة, فلما نظرت سارة أنه قد أكرمهم وقامت هي تخدمهم ضحكت وقالت: عجبا لأضيافنا هؤلاء نخدمهم بأنفسنا كرامة لهم وهم لا يأكلون طعامنا.
وقال ابن حاتم حدثنا علي بن الحسين حدثنا نصر بن علي حدثنا نوح بن قيس عن عثمان بن محصن في ضيف إبراهيم قال كانوا أربعة: جبريل وميكائيل وإسرافيل ورفائيل. قال نوح بن قيس فزعم نوح بن أبي شداد أنهم لما دخلوا على إبراهيم فقرب إليهم العجل مسحه جبريل بجناحه فقام يدرج حتى لحق بأمه وأم العجل في الدار, وقوله تعالى إخباراً عن الملائكة: "قالوا لا تخف" أي قالوا لا تخف منا إنا ملائكة أرسلنا إلى قوم لوط لنهلكهم, فضحكت سارة استبشاراً بهلاكهم لكثرة فسادهم وغلظ كفرهم فلهذا جوزيت بالبشارة بالولد بعد الإياس, وقال قتادة ضحكت وعجبت أن قوماً يأتيهم العذاب وهم في غفلة, وقوله: "ومن وراء إسحاق يعقوب" قال العوفي عن ابن عباس فضحكت أي حاضت, وقول محمد بن قيس: إنها إنما ضحكت من أنها ظنت أنهم يريدون أن يعملوا كما يعمل قوم لوط. وقول الكلبي: إنها إنما ضحكت لما رأت من الروع بإبراهيم ضعيفان ووجداً وإن كان ابن جرير قد رواهما بسنده إليهما فلا يلتفت إلى ذلك والله أعلم. وقال وهب بن منبه: إنما ضحكت لما بشرت بإسحاق وهذا مخالف لهذا السياق فإن البشارة صريحة مرتبة على ضحكها "فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب" أي بولد لها يكون له ولد وعقب ونسل فإن يعقوب ولد إسحاق كما قال في آية البقرة " أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون ".
ومن ههنا استدل من استدل بهذه الاية على أن الذبيح إنما هو إسماعيل, وأنه يمتنع أن يكون هو إسحاق لأنه وقعت البشارة به وأنه سيولد له يعقوب فكيف يؤمر إبراهيم بذبحه وهو طفل صغير ولم يولد له بعد يعقوب الموعود بوجوده ووعد الله حق لا خلف فيه فيمتنع أن يؤمر بذبح هذا والحالة هذه, فتعين أن يكون إسماعيل وهذا من أحسن الاستدلال وأصحه وأبينه و لله الحمد "قالت يا ويلتى أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخاً" الاية حكى قولها في هذه الاية كما حكى فعلها في الاية الأخرى فإنها "قالت يا ويلتى أألد وأنا عجوز" وفي الذاريات "فأقبلت امرأته في صرة فصكت وجهها وقالت عجوز عقيم" كما جرت به عادة النساء في أقوالهن وأفعالهن عند التعجب "قالوا أتعجبين من أمر الله" أي قالت الملائكة لها لا تعجبي من أمر الله فإنه إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون. فلا تعجبي من هذا وإن كنت عجوزاً عقيماً وبعلك شيخاً كبيراً فإن الله على ما يشاء قدير "رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد" أي هو الحميد في جميع أفعاله وأقواله محمود ممجد في صفاته وذاته, ولهذا ثبت في الصحيحين أنهم قالوا:" قد علمنا السلام عليك فكيف الصلاة عليك يا رسول الله ؟ قال قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم, وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد".
وجملة 71- "وامرأته قائمة فضحكت" في محل نصب على الحال، قيل: كانت قائمة عند تحاورهم وراء الستر، وقيل: كانت قائمة تخدم الملائكة وهو جالس، والضحك هنا هو الضحك المعروف الذي يكون للتعجب أو للسرور كما قاله الجمهور. وقال مجاهد وعكرمة: إنه الحيض، ومنه قول الشاعر:
وإني لآتي العرس عند طهورها وأهجرها يوماً إذا تك ضاحكا
وقال الآخر:
وضحك الأرانب فوق الصفا كمثل دم الخوف يوم اللقا
والعرب تقول: ضحكت الأرنب: إذا حاضت. وقد أنكر بعض اللغويين أن يكون في كلام العرب ضحكت بمعنى حاضت "فبشرناها بإسحاق" ظاهره أن التبشير كان بعد الضحك. وقال الفراء: فيه تقديم وتأخير. والمعنى: فبشرناها فضحكت سروراً بالولد. وقرأ محمد بن زياد من قراء مكة فضحكت بفتح الحاء، وأنكره المهدوي "ومن وراء إسحاق يعقوب". قرأ حمزة وابن عامر وحفص بنصف "يعقوب" على أنه مفعول فعل دل عليه "فبشرناها"، كأنه قال: ووهبنا لها من وراء إسحاق يعقوب. وأجاز الكسائي والأخفش وأبو حاتم أن يكون يعقوب في موضع جر. وقال الفراء: لا يجوز الجر إلا بإعادة حرفه. قال سيبويه: ولو قلت مررت بزيد أول من أمس، وأمس عمر كان قبيحاً خبيثاً، لأنك فرقت بين المجرور وما يشركه كما يفرق بين الجار والمجرور. وقرأ الباقون برفع يعقوب على أنه مبتدأ وخبره الظرف الذي قبله، وقيل: الرفع بتقدير فعل محذوف: أي ويحدث لها، أو وثبت لها. وقد وقع التبشير هنا لها، ووقع لإبراهيم في قوله تعالى: "فبشرناه بغلام حليم" "وبشروه بغلام عليم"، لأن كل واحد منهما مستحق للبشارة به لكونه منهما.
71- "وامرأته" سارة بنت هاران بن أحور وهي ابنة عم إبراهيم. "قائمة" من وراء الستر تسمع كلامهم. وقيل: كانت قائمة تخدم الرسل، وإبراهيم جالس معهم. "فضحكت"، قال مجاهد وعكرمة: ضحكت أي: حاضت في الوقت، تقول العرب: ضحكت الأرنب، أي: حاضت والأكثرون على أن المراد منه الضحك المعروف.
واختلفوا في سبب ضحكها، قيل: ضحكت لزوال الخوف عنها وعن إبراهيم حين قالوا لا تخف.
وقالالسدي: لما قرب إبراهيم الطعام إليهم فلم يأكلوا خاف إبراهيم وظنهم لصوصا فقال لهم: ألا تأكلون؟ قالوا: إنا لا نأكل طعاما إلا بثمن، قال إبراهيم: فإن له ثمنا، قالوا وما ثمنه؟ قال تذكرون اسم الله على أوله وتحمدونه على آخره ، فنظر جبريل إلى ميكائيل وقال: حق لهذا أن يتخذه ربه خليلا. فلما رأى إبراهيم وسارة أيديهم لا تصل إليه ضحكت سارة، وقالت: يا عجبا لأضيافنا إنا نخدمهم بأنفسنا تكرمة لهم وهم لا يأكلون طعامنا.
وقال قتادة: ضحكت من غفلة قوم لوط وقرب العذاب منهم.
وقال مقاتل و الكلبي: ضحكت من خوف إبراهيم من ثلاثة في بيته وهو فيما بين خدمه وحشمه.
وقيل: ضحكت سرورا بالبشارة.
وقال ابن عباس و وهب: ضحكت تعجبا من أن يكون لها ولد على كبر سنها وسن زوجها.
وعلى هذا القول تكون الآية على التقديم والتأخير، تقديره: وأمرأته قائمة فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب، فضحكت، وقالت: يا ويلتي أألد وأنا عجوز؟.
قوله تعالى: "فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق"، أي: من بعد إسحاق، "يعقوب"، أراد به والد الولد فبشرت أنها تعيش حتى ترى ولد ولدها قرأ ابن عامر وحمزة و حفص ويعقوب بنصب الباء، أي: من وراء إسحاق يعقوب. وقيل: بإضمار فعل، أي: ووهبنا له من وراء يعقوب. وقرأ الباقون بالرفع على حذف حرف الصفة. وقيل: ومن بعد إسحاق يحدث يعقوب، فلما بشرت بالولد ضحكت فصكت وجهها، أي: ضربت وجهها تعجبا.
71."وامرأته قائمة"وراء الستر تسمع محاورتهم أو على رؤوسهم للخدمة."فضحكت"سروراً بزوال الخيفة أو بهلاك أهل الفساد أو بإصابة رأيها فإنها كانت تقول لإبراهيم:اضمم إليك لوطاً فإن أعلم أن العذاب ينزل بهؤلاء القوم .وقيل فضحكت فحاضت قال الشاعر:
وعهدي بسلمى ضاحكاً في لبابة ولم يعد حقا ثديها أن تحلما
ومنه ضحكت السمرة إذا سال صمغها وقرئ بفتح الحاء ."فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب"نصبه ابن عامر وحمزة وحفصبفعل يفسره ما دل عليه الكلام وتقديره :ووهبناها من وراء إسحاق يعقوب . وقيل إنه معطوف على موضع "بإسحاق"أو على لفظ"إسحاق"،وفتحته للجر فإنه غير مصروف ورد للفصل بينه وبين ما عطف عليه بالظرف.وقرأ الباقون بالرفع على أنه مبتدأ.وخبره الظرف أي و"يعقوب"مولود من بعده.وقيل الوراء ولد الولد ولعله سمي به لأنه بعد الولد وعلى هذا تكون إضافته إلى"إسحاق"ليس من حيث أن يعقوب عليه الصلاة والسلام وراءه، بل من حيث إنه وراء إبراهيم من جهته وفيه نظر.والاسمان يحتمل وقوعهما في البشارة كحيي، ويحتمل وقوعهما في الحكاية بعد أن ولدا فسميا به ، وتوجيه البشارة إليها للدلالة على أن الولد المبشر به يكون منها لا من هاجر ولأنها كانت عقيمة حريصة على الولد.
71. And his wife, standing by, laughed when We gave her good tidings (of the birth) of Isaac, and, after Isaac, of Jacob.
71 - And his wife was standing (there), and she laughed: but we gave her glad tidings of Isaac, and after him, of Jacob.