7 - (إلا ما شاء الله) أن تنساه بنسخ تلاوته وحكمه وكان صلى الله عليه وسلم يجهر بالقراءة مع قراءة جبريل خوف النسيان فكأنه قيل له لا تعجل بها إنك لا تنسى فلا تتعب نفسك بالجهر بها (إنه) تعالى (يعلم الجهر) من القول والفعل (وما يخفى) منهما
قوله تعالى : " إلا ما شاء الله إنه يعلم الجهر وما يخفى " يقول تعالى ذكره : إن الله يعلم الجهر يا محمد من عملك ، ما أظهرته ، وأعلنته " وما يخفى " يقول : وما يخفى منه فلم تظهره مما كتمته ، يقول : هو يعلم جميع أعمالك ، سرها وعلانيتها ، يقول : فاحذره أن يطلع عليك وأنت عامل في حال من أحوالك بغير الذي أذن لك به .
قوله تعالى:" إنه يعلم الجهر" أي الإعلان من القول والعمل. " وما يخفى" من السر. وعن ابن عباس: ما في قلبك ونفسك. وقال محمد بن حاتم: يعلم إعلان الصدقة وإخفاءها. وقيل : الجهر ما حفظته من القرآن في صدرك. ((وما يخفى))هو ما نسخ من صدرك.
قال الإمام أحمد : حدثنا أبو عبد الرحمن حدثنا موسى يعني ابن أيوب الغافقي , حدثنا عمي إياس بن عامر سمعت عقبة بن عامر الجهني : لما نزلت "فسبح باسم ربك العظيم" قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اجعلوها في ركوعكم" فلما نزلت "سبح اسم ربك الأعلى" قال: "اجعلوها في سجودكم" ورواه أبو داود وابن ماجه من حديث ابن المبارك عن موسى بن أيوب به. وقال الإمام أحمد : حدثنا وكيع حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ "سبح اسم ربك الأعلى" قال: "سبحان ربي الأعلى" وهكذا رواه أبو داود عن زهير بن حرب عن وكيع به قال وخولف فيه وكيع رواه أبو وكيع وشعبة عن أبي إسحاق عن سعيد عن ابن عباس موقوفاً. وقال الثوري عن السدي عن عبد خير قال: سمعت علياً قرأ "سبح اسم ربك الأعلى" فقال: سبحان ربي الأعلى.
وقال ابن جرير : حدثنا ابن حميد , حدثنا حكام عن عنبسة عن أبي إسحاق الهمداني أن ابن عباس كان إذا قرأ "سبح اسم ربك الأعلى" يقول: سبحان ربي الأعلى, وإذا قرأ "لا أقسم بيوم القيامة" فأتى على آخرها "أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى" يقول: سبحانك وبلى, وقال قتادة "سبح اسم ربك الأعلى" ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأها قال: سبحان ربي الأعلى, وقوله تعالى: "الذي خلق فسوى" أي خلق الخليقة وسوى كل مخلوق في أحسن الهيئات. وقوله تعالى: "والذي قدر فهدى" قال مجاهد : هدى الإنسان للشقاوة والسعادة وهدى الأنعام لمراتعها وهذه الاية كقوله تعالى إخباراً عن موسى أنه قال لفرعون: "ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى" أي قدر قدراً وهدى الخلائق إليه, كما ثبت في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء" وقوله تعالى: "والذي أخرج المرعى" أي من جميع صنوف النباتات والزروع "فجعله غثاء أحوى" قال ابن عباس : هشيماً متغيراً, وعن مجاهد وقتادة وابن زيد نحوه.
قال ابن جرير : وكان بعض أهل العلم بكلام العرب يرى أن ذلك من المؤخر الذي معناه التقديم, وأن معنى الكلام والذي أخرج المرعى, أحوى: أخضر إلى السواد فجعله غثاء بعد ذلك, ثم قال ابن جرير : وهذا وإن كان محتملاً إلا أنه غير صواب لمخالفته أقوال أهل التأويل, وقوله تعالى: "سنقرئك" أي يا محمد "فلا تنسى" وهذا إخبار من الله تعالى ووعد منه له. بأنه سيقرئه قراءة لا ينساها "إلا ما شاء الله" وهذا اختيار ابن جرير . وقال قتادة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينسى شيئاً إلا ما شاء الله: وقيل: المراد بقوله: "فلا تنسى" طلب, وجعل معنى الاستثناء على هذا ما يقع من النسخ أي لا تنسى ما نقرئك إلا ما شاء الله رفعه فلا عليك أن تتركه. وقوله تعالى: "إنه يعلم الجهر وما يخفى" أي يعلم ما يجهر به العباد وما يخفونه من أقوالهم وأفعالهم لا يخفى عليه من ذلك شيء.
وقوله تعالى: "ونيسرك لليسرى" أي نسهل عليك أفعال الخير وأقواله ونشرع لك شرعاً سهلاً سمحاً مستقيماً عدلاً لا اعوجاج فيه ولا حرج ولا عسر. وقوله تعالى: "فذكر إن نفعت الذكرى" أي ذكر حيث تنفع التذكرة, ومن ههنا يؤخذ الأدب في نشر العلم فلا يضعه عند غير أهله كما قال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه: ما أنت بمحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان فتنة لبعضهم, وقال: حدث الناس بما يعرفون أتحبون أن يكذب الله ورسوله, وقوله تعالى: "سيذكر من يخشى" أي سيتعظ بما تبلغه يا محمد من قلبه يخشى الله ويعلم أنه ملاقيه " ويتجنبها الأشقى * الذي يصلى النار الكبرى * ثم لا يموت فيها ولا يحيا " أي لا يموت فيستريح ولا يحيى حياة تنفعه بل هي مضرة عليه, لأن بسببها يشعر ما يعاقب به من أليم العذاب وأنواع النكال. قال الإمام أحمد : حدثنا ابن أبي عدي عن سليمان يعني التيمي عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما أهل النار الذين هم أهلها لا يموتون ولا يحيون وأما أناس يريد الله بهم الرحمة فيميتهم في النار فيدخل عليهم الشفعاء فيأخذ الرجل أنصاره فينبتهم ـ أو قال ـ ينبتون ـ في نهر الحيا ـ أو قال الحياة ـ أو قال الحيوان ـ أو قال نهر الجنة ـ فينبتون نبات الحبة في حميل السيل" قال: وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أما ترون الشجرة تكون خضراء ثم تكون صفراء ثم تكون خضراء ؟ قال: فقال بعضهم: كأن النبي صلى الله عليه وسلم كان بالبادية " .
وقال أحمد أيضاً: حدثنا إسماعيل , حدثنا سعيد بن يزيد عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون ولكن أناس ـ أو كما قال ـ تصيبهم النار بذنوبهم ـ أو قال بخطاياهم ـ فيميتهم إماتة حتى إذا صاروا فحماً أذن في الشفاعة, فجيء بهم ضبائر ضبائر فنبتوا على أنهار الجنة فيقال: يا أهل الجنة أفيضوا عليهم, فينبتون نبات الحبة تكون في حميل السيل" قال: فقال رجل من القوم حينئذ: كأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بالبادية, ورواه مسلم من حديث بشر بن المفضل وشعبة كلاهما عن أبي سلمة سعيد بن يزيد به مثله, ورواه أحمد أيضاً عن يزيد عن سعيد بن إياس الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن أهل النار الذين لا يريد الله إخراجهم لا يموتون فيها ولا يحيون, وإن أهل النار الذين يريد الله إخراجهم يميتهم فيها إماتة حتى يصيروا فحماً, ثم يخرجون ضبائر فيلقون على أنهار الجنة فيرش عليهم من أنهار الجنة فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل". وقد قال الله تعالى إخباراً عن أهل النار: "ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون" وقال تعالى: "لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها" إلى غير ذلك من الايات في هذا المعنى.
وقوله: 7- "إلا ما شاء الله" استثناء مفرغ من أعم المفاعيل: أي لا تنسى مما تقرأه شيئاً من الأشياء إلا ما شاء الله أن تنساه. قال الفراء: وهو لم يشأ سبحانه أن ينسى محمد صلى الله عليه وسلم شيئاً كقوله: "خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك" وقيل إلا ما شاء الله أن تنسى ثم تذكر بعد ذلك، فإذن قد نسي ولكنه يتذكر ولا ينسى شيئاً نسياناً كلياً. وقيل بمعنى النسخ: أي إلا ما شاء الله أن ينسخ تلاوته. وقيل معنى فلا تنسى: فلا تترك العمل إلا ما شاء الله أن تتركه لنسخه ورفع حكمه. وقيل المعنى: إلا ما شاء الله أن يؤخر أنزاله. وقيل لا في قوله: "فلا تنسى" للنهي. والألف مزيدة لرعاية الفاصلة، كما في قوله: "فأضلونا السبيلا" يعني فلا تغفل قراءته وتذكره "إنه يعلم الجهر وما يخفى" الجملة تعليل لما قبلها: أي يعلم ما ظهر وما بطن والإعلان والإسرار، وظاهره العموم فيندرج تحته ما قيل إن الجهر ما حفظه رسول الله صلى الله عليه وسلم من القرآن، وما يخفى هو ما نسخ من صدره، ويدخل تحته أيضاً ما قيل من أن الجهر هو إعلان الصدقة، وما يخفى هو إخفاؤها، ويدخل تحته أيضاً ما قيل إن الجهر جهره صلى الله عليه وسلم بالقرآن مع قراءة جبريل مخافة أن يتفلت عليه، وما يخفى: ما في نفسه مما يدعوه إلى الجهر.
7- "إلا ما شاء الله" أن تنساه، وما نسخ الله تلاوته من القرآن، كما قال: "ما ننسخ من آية أو ننسها" (البقرة- 106)، والإنساء نوع من النسخ.
وقال مجاهد، والكلبي: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه جبريل عليه السلام، لم يفرغ من آخر الآية حتى يتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأولها، مخافة أن ينساها، فأنزل الله تعالى: "سنقرئك فلا تنسى" فلم ينسى بعد ذلك شيئاً.
"إنه يعلم الجهر"، من القول والفعل، "وما يخفى"، منهما، والمعنى: أنه يعلم السر والعلانية.
7-" إلا ما شاء الله " نسيانه بأن نسخ تلاوته ،وقيل أراد به القلة والنذرة ، لما روي "أنه عليه الصلاة والسلام أسقط آية في قراءته في الصلاة فحسب أبي أنها نسخت فسأله فقال : نسيتها " أو نفى لسان رأساً فإن القلة تستعمل للنفي . " إنه يعلم الجهر وما يخفى " ما ظهر من أحوالكم وما بطن ، أو جهرك بالقراءة مع جبريل عليه الصلاة والسلام وما دعاك إليه من مخافة النسيان فيعلم ما فيه صلاحكم من ابقاء وإنساء .
7. Save that which Allah willeth. Lo! He knoweth the disclosed and that which still is hidden;
7 - Except as God wills: for He knoweth what is manifest and what is hidden.