7 - (عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم) من كفار مكة طاعة لله تعالى (مودة) بأن يهديهم للايمان فيصيروا لكم أولياء (والله قدير) على ذلك وقد فعله بعد فتح مكة (والله غفور) لهم ما سلف (رحيم) بهم
يقول تعالى ذكره : عسى الله أيها المؤمنون أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم من أعدائي من مشركي قريش مودة ، ففعل الله ذلك بهم ، بأن أسلم كثير منهم ، فصاروا لهم أولياء وأحزاباً .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التاويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة " قال : هؤلاء المشركون قد فعل ، قد أدخلهم في السلم وجعل بينهم مودة حين كان الإسلام حين الفتح .
وقوله " والله قدير " يقول : والله ذو قدرة على أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم من المشركين مودة " والله غفور رحيم " يقول : والله غفور لخطيئه من ألقى إلى المشركين بالمودة إذا تاب منها ، رحيم بهم أن يعذبهم بعد توبتهم منها .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله " عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة والله قدير " على ذلك " والله غفور رحيم " يغفر الذنوب الكثيرة رحيم بعباده .
ولما نزلت عادى المسلمون أقرباءهم من المشركين ، فعلم الله شدة وجد المسلمين في ذلك فنزلت : " عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة " وهذا بأن يسلم الكافر ، وقد أسلم قوم منهم بعد فتح مكة وخالطهم المسلمون ، كأبي سفيان بن حرب ، والحارث بن هشام ، وسهيل بن عمرو ، وحكيم بن حزام ، وقيل : المودة تزويج النبي صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان ، فلانت عند ذلك عريكة أبي سفيان ، واسترخت شكيمته في العداوة ، قال ابن عباس : كانت تحت عبد الله بن جحش ، وكانت هي وزوجها من مهاجرة الحبشة ، فأما زوجها فتنصر وسألها أن تتابعه على دينه فأبت وصبرت على دينها ، ومات زوجها على النصرانية ، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي فخطبها ، فقال النجاشي لأصحابه : من أولاكم بها ؟ قالوا : خالد بن سعيد بن العاص ، قال فزوجها من نبيكم ، ففعل ، وأمهرها النجاشي من عنده أربعمائة دينار ، وقيل : خطبها النبي صلى الله عليه وسلم وبعث بها إليه فقال أبو سفيان وهو مشرك لما بلغه تزويج النبي صلى الله عليه وسلم ابنته : ذلك الفحل لا يقدع أنفه (( يقدع )) بالدال غير المعجمة ، يقال : هذا فحل لا يقدع أنفه ، أي لا يضرب أنفه . وذلك إذا كان كريماً .
يقول تعالى لعباده المؤمنين بعد أن أمرهم بعداوة الكافرين "عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة" أي محبة بعد البغضة ومودة بعد النفرة وألفة بعد الفرقة "والله قدير" أي على ما يشاء من الجمع بين الأشياء المتنافرة والمتباينة والمختلفة فيؤلف بين القلوب بعد العداوة والقساوة فتصبح مجتمعة متفقة, كما قال تعالى ممتناً على الأنصار "واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها" الاية. وكذا قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: "ألم أجدكم ضلالاً فهداكم الله بي وكنتم متفرقين فألفكم الله بي ؟" وقال الله تعالى: " هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين * وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم " وفي الحديث "أحبب حبيبك هوناً ما فعسى أن يكون بغيضك يوماً ما, وأبغض بغيضك هوناً ما فعسى أن يكون حبيبك يوماً ما" وقال الشاعر:
وقد يجمع الله الشتيتين بعدما يظنان كل الظن أن لا تلاقيا
وقوله تعالى: "والله غفور رحيم" أي يغفر للكافرين كفرهم إذا تابوا منه وأنابوا إلى ربهم وأسلموا له, وهو الغفور الرحيم بكل من تاب إليه من أي ذنب كان.
وقد قال مقاتل بن حيان: إن هذه الاية نزلت في أبي سفيان صخر بن حرب, فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ابنته, فكانت هذه مودة ما بينه وبينه, وفي هذا الذي قاله مقاتل نظر, فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج بأم حبيبة بنت أبي سفيان قبل الفتح, وأبو سفيان إنما أسلم ليلة الفتح بلا خلاف, وأحسن من هذا ما رواه ابن أبي حاتم حيث قال: قرى على محمد بن عزيز, حدثني سلامة, حدثني عقيل, حدثني ابن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل أبا سفيان صخر بن حرب على بعض اليمن, فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل فلقي ذا الخمار مرتداً فقاتله, فكان أول من قاتل في الردة وجاهد عن الدين, قال ابن شهاب: وهو ممن أنزل الله فيه "عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة" الاية. وفي صحيح مسلم عن ابن عباس أن أبا سفيان قال: يا رسول الله ثلاث أعطنيهن قال: "نعم" قال: تأمرني أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين, قال: "نعم" قال: ومعاوية تجعله كاتباً بين يديك, قال: "نعم" قال: وعندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجكها ـ الحديث ـ وقد تقدم الكلام عليه.
وقوله تعالى: " لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم " أي يعاونوا على إخراجكم أي لا ينهاكم عن الإحسان إلى الكفرة الذين لا يقاتلونكم في الدين كالنساء والضعفة منهم "أن تبروهم" أي تحسنوا إليهم "وتقسطوا إليهم" أي تعدلوا "إن الله يحب المقسطين" قال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية حدثنا هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: قدمت أمي وهي مشركة في عهد قريش إذ عاهدوا, فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله إن أمي قدمت وهي راغبة أفأصلها ؟ قال: "نعم صلي أمك" أخرجاه. وقال الإمام أحمد: حدثنا عارم, حدثنا عبد الله بن المبارك, حدثنا مصعب بن ثابت, حدثنا عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال: قدمت قتيلة على ابنتها أسماء بنت أبي بكر بهدايا صناب وأقط وسمن وهي مشركة, فأبت أسماء أن تقبل هديتها وأن تدخلها بيتها. فسألت عائشة النبي صلى الله عليه وسلم, فأنزل الله تعالى: "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين" إلى آخر الاية. فأمرها أن تقبل هديتها وأن تدخلها بيتها.
وهكذا رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من حديث مصعب بن ثابت به, وفي رواية لأحمد ولابن جرير قتيلة بنت عبد العزى بن عبد أسعد من بني مالك بن حسل, وزاد ابن أبي حاتم في المدة التي كانت بين قريش ورسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار: حدثنا عبد الله بن شبيب حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو قتادة العدوي عن ابن أخي الزهري عن الزهري عن عروة عن عائشة وأسماء أنهما قالتا: قدمت علينا أمنا المدينة وهي مشركة في الهدنة التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش فقلنا يا رسول الله إن أمنا قدمت علينا المدينة وهي راغبة أفنصلها ؟ قال: "نعم فصلاها ؟" ثم قال: وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن الزهري عن عروة عن عائشة إلا من هذا الوجه.
(قلت): وهو منكر بهذا السياق لأن أم عائشة هي أم رومان وكانت مسلمة مهاجرة وأم أسماء غيرها كما هو مصرح باسمها في هذه الأحاديث المتقدمة والله أعلم. وقوله تعالى: "إن الله يحب المقسطين" قد تقدم تفسير ذلك في سورة الحجرات وأورد الحديث الصحيح "المقسطون على منابر من نور عن يمين العرش, الذين يعدلون في حكمهم وأهاليهم وما ولوا".
وقوله تعالى: "إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم" أي إنما ينهاكم عن موالاة هؤلاء الذين ناصبوكم بالعداوة فقاتلوكم وأخرجوكم وعاونوا على إخراجكم ينهاكم الله عز وجل عن موالاتهم ويأمركم بمعاداتهم, ثم أكد الوعيد على موالاتهم فقال: "ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون" كقوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين".
7- "عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة" وذلك بأن يسلموا فيصيروا من أهل دينكم، وقد أسلم قوم منهم بعد فتح مكة، وحسن إسلامهم، ووقعت بينهم وبين من تقدمهم في الإسلام مودة وجاهدوا وفعلوا الأفعال المقربة إلى الله. وقيل المراد بالمودة هنا تزويج النبي صلى الله عليه وسلم بأم حبيبة بنت أبي سفيان. ولا وجه لهذا التخصيص وإن كان من جملة ما صار سبباً إلى المودة. فإن أبا سفيان بعد ذلك ترك ما كان عليه من العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنها لم تحصل المودة إلا بإسلامه يوم الفتح وما بعده "والله قدير" أي بليغ القدرة كثيرها "والله غفور رحيم" أي بليغهما كثيرهما.
قال مقاتل: فلما أمر الله المؤمنين بعداوة الكفار عادى المؤمنون أقرباءهم المشركين، وأظهروا لهم العداوة والبراءة. ويعلم الله شدة وجد المؤمنين بذلك فأنزل الله:
7- "عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم"، أي من كفار مكة، "مودةً"، ففعل الله ذلك بأن أسلم كثير منهم، فصاروا لهم أولياء وإخواناً، وخالطوهم وناكحوهم، "والله قدير والله غفور رحيم".
7-" عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودةً " لما نزل " لا تتخذوا " عادى المؤمنون أقاربهم المشركين وتبرؤوا عنهم ، فوعدهم الله بذلك وأنجز إذ أسلم أكثرهم وصاروا لهم أولياء . " والله قدير " على ذلك . " والله غفور رحيم " لما فرط منكم في موالاتهم من قبل ولما بقي في قلوبكم من ميل الرحم .
7. It may be that Allah will ordain love between you and those of them with whom ye are at enmity. Allah is Mighty, and Allah is Forgiving, Merciful.
7 - It may be that God will grant love (and friendship) between you and those whom ye (now) hold as enemies. For God has power (over all things); and God is Oft Forgiving, Most Merciful.