ونزل رداً لما كان عليه الجاهلية من عدم توريث النساء والصغار: (للرجال) الأولاد والأقرباء (نصيبٌ) حظٌ (مما ترك الوالدان والأقربون) المتوفون (وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه) أي المال (أو كثر) جعله الله (نصيباً مفروضاً) مقطوعاً بتسليمه إليهم
قوله تعالى للرجال نصيب أخرج أبو الشيخ وابن حبان في كتاب الفرائض من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال كان أهل الجاهلية لا يورثون البنات ولا الصغار الذكور حتى يدركوا فمات رجل من الأنصار يقال له أوس بن ثابت وترك ابنتين وابنا صغيرا فجاء إبنا عمه خالد وعرطفة وهما عصبة فأخذوا ميراثه كله فأتت امرأته رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك فقال ما أدري ما أقول فنزلت للرجال نصيب مما ترك الوالدان الآية
قال أبو جعفر: يعني بذلك تعالى ذكره : للذكور من أولاد الرجل الميت حصة من ميراثه ، وللإناث منهم حصة منه، من قليل ما خلف بعده وكثيره، حصة مفروضة، واجبة معلومة مؤقتة.
وذكر أن هذه الآية نزلت من أجل أن أهل الجاهلية كانوا يورثون الذكور دون الإناث، كما:
حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر، عن قتادة قال: كانوا لا يورثون النساء، فنزلت: "وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون".
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عكرمة قال : نزلت في أم كحلة وابنة كحلة، وثعلبة وأوس بن سويد، وهم من الأنصار. كان أحدهم زوجها والآخر عم ولدها، فقالت : يا رسول الله ، توفي زوجي وتركني وابنته ، فلم نورث! فقال عم ولدها : يا رسول الله ، لا تركب فرساً، ولا تحمل كلاً، ولا تنكي عدواً، يكسب عليها ولا تكتسب! فنزلت: "للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا".
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله: "للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون"، قال: كان النساء لا يورثن في الجاهلية من الآباء، وكان الكبير يرث، ولا يرث الصغير وإن كان ذكراً، فقال الله تبارك وتعالى: "للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون" إلى قوله: "نصيبا مفروضا".
قال أبو جعفر: ونصب قوله: "نصيبا مفروضا"، وهو نعت للنكرة، لخروجه مخرج المصدر، كقول القائل : لك علي حق واجباً. ولو كان مكان قوله : "نصيبا مفروضا" اسم صحيح ، لم يجز نصبه. لا يقال: لك عندي حق درهماً. فقوله : "نصيبا مفروضا"، كقوله: نصيباً فريضة وفرضاً، كما يقال: عندي درهم هبةً مقبوضة.
فيه خمس مسائل :
الأولى- لما ذكر الله تعالى أمر اليتامى وصله بذكر المواريث ونزلت الآية في أوس بن ثابت الأنصاري توفي وترك امرأة يقال لها: كجة وثلاث بنات له منها، فقام رجلان هما ابنا عم الميت ووصياه يقال لهما: سويد وعرفجة فأخذ ماله ولم يعطيا امرأته وبناته شيئاً، وكانوا في الجاهلية لا يورثون النساء ولا الصغير وإن كان ذكراً ويقولون.
لا يعطى إلا من قاتل على ظهور الخيل، وطاعن بالرمح، وضارب بالسيف وحاز الغنيمة "فذكرت أم كجة ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاهما فقالا: يا رسول الله ، ولدها لا يركب فرساً، ولا يحمل كلا ولا ينكأ عدواً. فقال عليه السلام: انصرفا حتى أنظر ما يحدث الله لي فيهن" فأنزل الله هذه الآية رداً عليهم، وأبطالاً لقولهم وتصرفهم بجهلهم، فإن الورثة الصغار كان ينبغي أن يكونوا أحق المال من الكبار، لعدم تصرفهم والنظر في مصالحهم فعكسوا الحكم وأبطلوا الحكم، فضلوا بأهوائهم واخطأو في آرائهم وتصرفاتهم .
الثانية- قال علماؤنا : في هذه الآية فوائد ثلاث : إحداها - بيان علة الميراث وهي القرابة الثانية - عموم القرابة كيفما تصرفت من قريب أو بعيد. الثالثة - إجمال النصيب المفروض وذلك مبين في آية المواريث، فكان في هذه الآية توطئه للحكم، وإبطال لذلك الرأي الفاسد حتى وقع البيان الشافي .
الثالثة - ثبت "أن أبا طلحة لما تصدق بماله - بيرحاء - وذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم قال له:
اجعلها في فقراء أقاربك " فجعلها لحسان وأبي قال أنس : وكانا أقرب إليه منى قال أبو داود: بلغني عن محمد بن عبد الله الأنصاري أنه قال : أبو طلحة الأنصاري زيد بن سهل بن الأسود وبن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار. وحسان بن ثابت بن المنذر بن حرام يجتمعان في الأب الثالث وهو حرام. وأبي بن كعب بن قيس بن عبيد بن يزيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار قال الأنصاري بين أبي طلحة وأبي ستة آباء. قال: وعمرو بن مالك يجمع حسان وأبي بن كعب : قال أبو عمر: في هذا ما يقضي على القرابة أنا ما كانت في هذا القعدد ونحوه وما كان دونه فهو أحرى أن يلحقه اسم القرابة.
الرابعة- قوله تعالى :" مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا" أثبت الله تعلى للبنات نصيبا في الميراث ولم يبين كم هو فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى سويد وعرفجة ألا يفرقا من مال أوس شيئاً، فإن الله جعل لبناته نصيباً ولم يبين كم هو حتى أنظر ما ينزل ربنا فنزلت " يوصيكم الله في أولادكم " [ النساء: 1] إلى قوله تعالى " الفوز العظيم " [النساء:13] فأرسل إليهما "أن أعطيا أم كجة الثمن مما ترك أوس ولبناته الثلثين ولكما بقيمة المال"
الخامسة - استدل علماؤنا بهذه الآية في قسمة المتروك على الفرائض إذا كان فيه تغيير عن حالة كالحمام والبيت وبيدر الزيتون والدار التي تبطل منافعها بإقرار أهل السهام فيها. فقال مالك: يقسم ذلك وإن لم يكن في نصيب أحدهم ما ينتفع به لقوله تعالى :" مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا" وهو قول ابن كنانة، وبه قال الشافعي ونحوه قول أبي حنيفة: قال أبو حنيفة في الدار الصغيرة بين اثنين، فطلب أحدهما القسمة وأبي صاحبه: قسمت له وقال ابن أبي ليلى: إن كان فيهم من لا ينتفع بما يقسم له فلا يقسم . وكل قسم يدخل فيه الضرر على أحدهما دون الآخر فإنه لا يقسم، وهو قول أبي ثور: قال ابن المنذر: وهو أصح القولين ورواه ابن القاسم عن مالك فيما ذكر ابن العربي. قال ابن القاسم: وأن أرى أن كل ما لا ينقسم من الدور والمنازل والحمامات وفي قسمته الضرر ولا ينتفع به إذا قسم، أن يباع ولا شفعة فيه، "لقوله عليه السلام:
الشفعة في كل ما لا يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة" فجعل عليه السلام الشفعة في كل ما يتأتى فيه إيقاع الحدود، وعلق الشفعة فيما لم يقسم ما يمكن إيقاع الحدود فيه . هذا دليل الحديث .
قلت: ومن الحجة لهذا القول ما خرجه الدارقطني من حديث ابن جريج أخبرني صديق بن موسى عن محمد بن أبي بكر عن أبيه "عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
لا تعضية على أهل الميراث إلا ما حمل القسم " قال أبو عبيد: هو أن يموت الرجل ويدع شيئاً، إن قسم بين ورثته كان في ذلك ضرر على جميعهم أو على بعضهم يقول: فلا يقسم: وذلك مثل الجوهرة والحمام والطيلسان وما أشبه ذلك والتعضية التفريق يقال: عضيت الشيء إذا فرقته. ومنه قوله تعالى ، " الذين جعلوا القرآن عضين " [الحجر:91] وقال تعالى : " غير مضار " [ النساء :12] فنفى المضارة وكذلك "قال عليه السلام: لا ضرار ولا ضرار " وأيضاً فإن الآية ليس فيها تعرض للقسمة، وإنما اقتضيت الآية وجوب الحظ والنصيب للصغير والكبير قليلاً كان أو كثيراً رداً على الجاهلية فقال:" للرجال نصيب " " وللنساء نصيب" وهذا ظاهر جداً. فأما إبراز ذلك النصيب فإنما يؤخذ من دليل آخر، وذلك بأن يقول الوارث: قد وجب لي نصيب بقول الله عز وجل فمكنوني منه، فيقول له شريكه: أما تمكينك على الاختصاص فلا يمكن لأن يؤدي إلى ضرر بيني وبينك من إفساد المال، وتغيير الهيئة، وتنقيص القيمة فيقع الترجيح. والأظهر سقوط القسمة فيما يبطل المنفعة، وينقص المال مع ما ذكرناه من الدليل والله الموفق .
قال الفراء: "نصيبا مفروضا" هو كقولك قسماً واجباً وحقاً لازماً، فهو اسم في معنى المصدر فلهذا انتصب الزجاج: انتصب على الحال. أي لهؤلاء أنصباء في حال الفرض الأخفش : أي جعل الله ذلك لهم نصيباً والمفروض، المقدر الواجب .
قال سعيد بن جبير وقتادة: كان المشركون يجعلون المال للرجال الكبار ولا يورثون النساء ولا الأطفال شيئاً, فأنزل الله: "للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون" الاية, أي الجميع فيه سواء في حكم الله تعالى, يستوون في أصل الوراثة, وإن تفاوتوا بحسب ما فرض الله لكل منهم بما يدلي به إلى الميت من قرابة, أو زوجية, أو ولاء, فإنه لحمة كلحمة النسب. وقد روى ابن مردويه من طريق ابن هراسة عن سفيان الثوري عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر قال: جاءت أم كجة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن لي ابنتين قد مات أبوهما وليس لهما شيء, فأنزل الله تعالى: "للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون" الاية, وسيأتي هذا الحديث عند آيتي الميراث بسياق آخر, والله أعلم, وقوله "وإذا حضر القسمة" الاية, قيل: المراد وإذا حضر قسمة الميراث ذوو القربى ممن ليس بوارث "واليتامى والمساكين" فليرضخ لهم من التركة نصيب, وإن ذلك كان واجباً في ابتداء الاسلام, وقيل يستحب. واختلفوا هل هو منسوخ أم لا على قولين, فقال البخاري: حدثنا أحمد بن حميد, أخبرنا عبيد الله الأشجعي عن سفيان عن الشيباني عن عكرمة عن ابن عباس: " وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين ". قال: هي محكمة وليست بمنسوخة. تابعه سعيد عن ابن عباس. وقال ابن جرير: حدثنا القاسم, حدثنا الحسين, حدثنا عباد بن العوام عن الحجاج عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس قال: هي قائمة يعمل بها, وقال الثوري عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في هذه الاية, قال: هي واجبة على أهل الميراث ما طابت به أنفسهم, وهكذا روي عن ابن مسعود وأبي موسى وعبد الرحمن بن أبي بكر وأبي العالية والشعبي والحسن, وقال ابن سيرين وسعيد بن جبير ومكحول وإبراهيم النخعي وعطاء بن أبي رباح والزهري ويحيى بن يعمر: إنها واجبة, وروى ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الأشج, عن إسماعيل ابن علية عن يونس بن عبيد عن ابن سيرين قال: ولي عبيدة وصية فأمر بشاة فذبحت فأطعم أصحاب هذه الاية وقال: لولا هذه الاية لكان هذا من مالي, وقال مالك فيما يروى عنه من التفسير في جزء مجموع عن الزهري: أن عروة أعطى من مال مصعب حين قسم ماله, وقال الزهري: هي محكمة. وقال مالك: عن عبد الكريم عن مجاهد قال: هي حق واجب ما طابت به الأنفس.
ذكر من ذهب إلى أن ذلك أمر بالوصية لهم
قال عبد الرزاق: أخبرنا ابن جريج, أخبرني ابن أبي مليكة: أن أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق والقاسم بن محمد أخبراه أن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر, قسم ميراث أبيه عبد الرحمن وعائشة حية, قالا: فلم يدع في الدار مسكيناً ولا ذا قرابة إلا أعطاه من ميراث أبيه, قالا: وتلا " وإذا حضر القسمة أولو القربى ", قال القاسم: فذكرت ذلك لابن عباس, فقال: ما أصاب, ليس ذلك له إنما ذلك إلى الوصية وإنما هذه الاية في الوصية يريد الميت يوصي لهم, رواه ابن أبي حاتم.
ذكر من قال هذه الاية منسوخة بالكلية
قال سفيان الثوري, عن محمد بن السائب الكلبي, عن أبي صالح, عن ابن عباس رضي الله عنهما "وإذا حضر القسمة" قال: منسوخة, وقال إسماعيل بن مسلم المكي عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس, قال في هذه الاية " وإذا حضر القسمة أولو القربى " نسختها الاية التي بعدها "يوصيكم الله في أولادكم". وقال العوفي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في هذه الاية " وإذا حضر القسمة أولو القربى " كان ذلك قبل أن تنزل الفرائض, فأنزل الله بعد ذلك الفرائض فأعطى كل ذي حق حقه, فجعلت الصدقة فيما سمى المتوفى, رواهن ابن مردويه. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح, حدثنا حجاج عن ابن جريج وعثمان بن عطاء عن عطاء, عن ابن عباس في قوله: " وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين " نسختها آية الميراث فجعل لكل إنسان نصيبه مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر. وحدثنا أسيد بن عاصم, حدثنا سعيد بن عامر عن همام, حدثنا قتادة عن سعيد بن المسيب أنه قال: إنها منسوخة, كانت قبل الفرائض كان ما ترك الرجل من مال أعطى منه اليتيم والفقير والمسكين وذوي القربى إذا حضروا القسمة ثم نسخ بعد ذلك نسختها المواريث فألحق الله بكل ذي حق حقه, وصارت الوصية من ماله يوصي بها لذوي قرابته حيث شاء. وقال مالك, عن الزهري, عن سعيد بن المسيب: هي منسوخة, نسختها المواريث والوصية. وهكذا روي عن عكرمة وأبي الشعثاء والقاسم بن محمد وأبي صالح وأبي مالك وزيد بن أسلم والضحاك وعطاء الخراساني ومقاتل بن حيان وربيعة بن أبي عبد الرحمن أنهم قالوا: إنها منسوخة, وهذا مذهب جمهور الفقهاء والأئمة الأربعة وأصحابهم, وقد اختار ابن جرير ههنا قولاً غريباً جداً وحاصله أن معنى الاية عنده "وإذا حضر القسمة" أي وإذا حضر قسمة مال الوصية أولو قرابة الميت "فارزقوهم منه وقولوا" لليتامى والمساكين إذا حضروا "قولاً معروفاً" هذا مضمون ما حاوله بعد طول العبارة والتكرار, وفيه نظر, والله أعلم. وقال العوفي عن ابن عباس "وإذا حضر القسمة" هي قسمة الميراث, وهكذا قال غير واحد, والمعنى على هذا لا على ما سلكه ابن جرير رحمه الله, بل المعنى أنه إذا حضر هؤلاء الفقراء من القرابة الذين لا يرثون واليتامى والمساكين قسمة مال جزيل, فإن أنفسهم تتوق إلى شيء منه إذا رأوا هذا يأخذ وهذا يأخذ, وهم يائسون لا شيء يعطونه, فأمر الله تعالى وهو الرؤوف الرحيم أن يرضخ لهم شيء من الوسط يكون براً بهم وصدقة عليهم, وإحساناً إليهم وجبراً لكسرهم. كما قال الله تعالى: "كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده" وذم الذين ينقلون المال خفية خشية أن يطلع عليهم المحاويج وذوو الفاقة. كما أخبر عن أصحاب الجنة "إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين" أي بليل. وقال "فانطلقوا وهم يتخافتون * أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين" فـ "دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها" فمن جحد حق الله عليه عاقبه في أعز ما يملكه, ولهذا جاء في الحديث "ما خالطت الصدقة مالاً إلا أفسدته" أي منعها يكون سبب محق ذلك المال بالكلية, وقوله تعالى: "وليخش الذين لو تركوا من خلفهم" الاية. قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: هذا في الرجل يحضره الموت, فيسمعه رجل يوصي بوصية تضر بورثته, فأمر الله تعالى الذي يسمعه أن يتقي الله ويوفقه ويسدده للصواب. فينظر لورثته كما كان يحب أن يصنع بورثته إذا خشي عليهم الضيعة, وهكذا قال مجاهد وغير واحد, وثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل على سعد بن أبي وقاص يعوده, قال: يا رسول الله, إني ذو مال ولا يرثني إلا ابنة, أفأتصدق بثلثي مالي ؟ قال "لا". قال: فالشطر ؟ قال "لا". قال: فالثلث ؟ قال: "الثلث, والثلث كثير". ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس" وفي الصحيح عن ابن عباس قال: لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع, فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "الثلث, والثلث كثير" قال الفقهاء: إن كان ورثة الميت أغنياء, استحب للميت أن يستوفي في وصيته الثلث, وإن كانوا فقراء استحب أن ينقص الثلث, وقيل: المراد بالاية فليتقوا الله في مباشرة أموال اليتامى " ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا ", حكاه ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس, وهو قول حسن يتأيد بما بعده من التهديد في أكل أموال اليتامى ظلماً, أي كما تحب أن تعامل ذريتك من بعدك, فعامل الناس في ذراريهم إذا وليتهم, ثم أعلمهم أن من أكل أموال اليتامى ظلماً, فإنما يأكل في بطنه ناراً، ولهذا قال "إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً" أي إذا أكلوا أموال اليتامى بلا سبب فإنما يأكلون ناراً تتأجج في بطونهم يوم القيامة. وفي الصحيحين من حديث سليمان بن بلال عن ثور بن زيد, عن سالم أبي الغيث, عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اجتنبوا السبع الموبقات" قيل: يا رسول الله, وما هن ؟ قال: "الشرك بالله, والسحر, وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق, وأكل الربا, وأكل مال اليتيم, والتولي يوم الزحف, وقذف المحصنات الؤمنات الغافلات" وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا عبيدة, أخبرنا أبو عبد الصمد عبد العزيز بن عبد الصمد العمي, حدثنا أبو هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري, قال: قلنا: يا رسول الله, ما رأيت ليلة أسري بك ؟ قال "انطلق بي إلى خلق من خلق الله كثير. رجال كل رجل منهم له مشفران كمشفري البعير, وهو موكل بهم رجال يفكون لحاء أحدهم, ثم يجاء بصخرة من نار فتقذف في في أحدهم حتى يخرج من أسفله, ولهم جوار وصراخ, قلت: يا جبريل, من هؤلاء ؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً, إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً" وقال السدي: يبعث آكل مال اليتيم يوم القيامة ولهب النار يخرج من فيه ومن مسامعه وأنفه وعينيه, يعرفه كل من رآه بأكل مال اليتيم. وقال ابن مردويه: حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن زيد, حدثنا أحمد بن عمرو, حدثنا عقبة بن مكرم, حدثنا يونس بن بكير, حدثنا زياد بن المنذر عن نافع بن الحارث, عن أبي برزة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "يبعث يوم القيامة القوم من قبورهم تأجج أفواههم نارا ، قيل :يا رسول الله, من هم ؟ قال : ألم تر أن الله قال "إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً" الاية", رواه ابن أبي حاتم عن أبي زرعة, عن عقبة بن مكرم, وأخرجه ابن حبان في صحيحه عن أحمد بن علي بن المثنى عن عقبة بن مكرم. وقال ابن مردويه: حدثنا عبد الله بن جعفر, حدثنا أحمد بن عصام, حدثنا أبو عامر العبدي, حدثنا عبد الله بن جعفر الزهري, عن عثمان بن محمد, عن المقبري, عن أبي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أحرج مال الضعيفين المرأة واليتيم" أي أوصيكم باجتناب مالهما, وتقدم في سورة البقرة من طريق عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما, قال: لما نزلت "إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً" الاية, انطلق من كان عنده يتيم فعزل طعامه من طعامه وشرابه من شرابه, فجعل يفضل الشيء فيحبس له حتى يأكله أو يفسد, فاشتد ذلك عليهم, فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم, فأنزل الله "ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير" الاية, قال: فخلطوا طعامهم بطعامهم وشرابهم بشرابهم.
لما ذكر سبحانه حكم أموال اليتامى وصله بأحكام المواريث وكيفية قسمتها بين الورثة. وأفرد سبحانه ذكر النساء بعد ذكر الرجال، ولم يقل للرجال والنساء نصيب، للإيذان بأصالتهن في هذا الحكم، ودفع ما كانت عليه الجاهلية من عدم توريث النساء، وفي ذكر القرابة بيان لعلة الميراث مع التعميم لما يصدق عليه مسمى القرابة من دون تخصيص. وقوله 7- " مما قل منه أو كثر " بدل من قوله "مما ترك" بإعادة الجر، والضمير في قوله "منه" راجع إلى المبدل منه. وقوله "نصيباً" منتصب على الحال أو على المصدرية أو على الاختصاص، وسيأتي ذكر السبب في نزول هذه الآية إن شاء الله تعالى، وقد أجمل الله سبحانه في هذه المواضع قدر النصيب المفروض، ثم أنزل قوله "يوصيكم الله في أولادكم" فتبين ميراث كل فرد.
7-قوله تعالى:"للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون"الآية: نزلت في أوس بن ثابت الأنصاري/ توفي وترك امرأة يقال لها أم كجة وثلاث بنات له منها، فقام رجلان هما ابنا عم الميت ووصياه وسويد وعرفجة ، فأخذا ماله ولم يعطيا امرأته ولا بناته شيئاً، وكانوا في الجاهلية لا يورثون النساء ولا الصغار، وإن كان الصغير ذكراً وإنما كانوا يورثون الرجال، ويقولون: لا نعطي إلا من قاتل وحاز الغنيمة ، فجاءت أم كجة فقالت: يارسول الله إن أوس بن ثابت مات وترك علي بنات وأنا امرأته ، وليس عندي ما أنفق عليهن، وقد ترك أبوهن مالاً حسناً ، وهو عند سويد وعرفجة ، ولم يعطياني ولا بناتي شيئاً وهن في حجري، لا يطعمن ولا يسقين فدعاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالا: يا رسول الله ولدها لا يركب فرساً ولا يحمل كلاً ولا ينكأ عدواً ، فأنزل الله عز وجل ،"للرجال"يعني: للذكور من أولاد الميت وأقربائه"نصيب" حظ "مما ترك الوالدان والأقربون"من الميراث،"وللنساء" ، للإناث منهم، "نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه"، أي: من المال،"أو كثر" منه"نصيباً مفروضاً"، نصب على القطع، وقيل: جعل ذلك نصيباً فأثبت لهن الميراث ، ولم يبين كم هو ، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سويد وعرفجة لا تفرقا من مال أوس بن ثابت شيئاً ،فإن الله تعالى جعل لبناته نصيباً مما ترك ، ولم يبين كم هو حتى انظر ما ينزل فيهن، فانزل الله تعالى"يوصيكم الله في أولادكم" فلما نزلت أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سويد وعرفجة " أن ادفع إلى أم كجة الثمن مما ترك وإلى بناته الثلثين ، ولكما باقي المال".
7" للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون " يريد بهم المتوارثين بالقرابة. " مما قل منه أو كثر " بدل مما ترك بإعادة العامل. " نصيبا مفروضا " نصب عل أنه مصدر مؤكد كقوله تعالى: " فريضة من الله " أو حال إذ المعنى: ثبت لهم مفروضاً نصيب، أو على الإختصاص بمعنى أعني نصيباً مقطوعاً واجباً لهم، وفيه دليل على أن الوارث لو أعرض عن نصيبه لم يسقط حقه. روي "أن أوس بن الصامت الأنصاري خلف زوجته أم كحة وثلاث بنات، فزوى ابنا عمه سويد وعرفطة. أو قتادة وعرفجة ميراثه عنهن على سنة الجاهلية، فإنهم ما كانوا يورثون النساء والأطفال ويقولون: إنما يرث. من يحارب ويذب عن الحوزة، فجاءت أم كحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد الفضيخ فشكت إليه فقال: ارجعي حتى أنظر ما يحدث الله. فنزلت فبعث إليهما: لا تفرقا من مال أوس شيئاً فإن الله قد جعل لهن نصيباً ولم يبين حتى يبين. فنزلت " يوصيكم الله " فأعطى أم كحة الثمن والبنات الثلثين والباقي ابن العم". وهو دليل عل جواز تأخير البيان عن وقف الخطاب.
7. Unto the men (of a family) belongeth a share of that which parents and near kindred leave, and unto the women a share of that which parents and near kindred leave, whether it be little or much a legal share.
7 - From what is left by parents and those nearest related there is a share for men and a share for women, whether the property be small or large, a determinate share.