إنا جعلنا ما على الأرض) من الحيوان والنبات والشجر والأنهار وغير ذلك (زينة لها لنبلوهم) لنختبر الناس ناظرين إلى ذلك (أيهم أحسن عملا) فيه أي أزهد له
وقوله " إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها" يقول عز ذكره : إنا جعلنا ما على الأرض زينة للأرض " لنبلوهم أيهم أحسن عملاً " يقول : لنختبر عبادنا أيهم أترك لها وأتبع لأمرنا ونهينا وأعمل فيها بطاعتنا . وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ح ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد " ما على الأرض زينةً لها" قال : ماعليهامن شيء .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله " إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها" ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم : إن الدنيا خضرة حلوة، وإن الله مستخلفكم فيها، فناظر كيف تعملون ، فاتقوا الدنيا ، واتقوا النساء، .
وأما قوله " لنبلوهم أيهم أحسن عملاً " فإن أهل التأويل قالوا في تأويله نحوقولنا فيه .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا أبو عاصم العسقلاني ، قال " لنبلوهم أيهم أحسن عملاً " قال : أترك لها .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق " إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملاً " اختباراً لهم أيهم أتبع لأمري وأعمل بطاعتي .
وقوله " وإنا لجاعلون ما عليها صعيداً جرزاً " يقول عز ذكره : وإنا لمخربوها بعد عمارتناها بما جعلنا عليها من الزينة، فمصيروها صعيداً جرزاً لا نبات عليها ولا زرع ولا غرس . وقد قيل : إنه أريد بالصعيد في هذا الموضع : المستوي بوجه الأرض ، وذلك هوشبيه بمعنى قولنا فى ذلك .
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، وبمعنى الجرز، قال أهل التأويل .
قوله تعالى : " إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها " فيه مسألتان :
الأولى : قوله تعالى : " إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها " (ما ) و( زينة ) مفعولان كل ما على وجه الأرض ، فهو عموم لأنه دال على بارئه . وقال ابن جبير عن ابن عباس : أراد بالزينة الرجال ، قال مجاهد . وروى عكرمة عن ابن عباس : أن الزينة الخلفاء والأمراء . وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس في قوله تعالى : " إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها " قال : العلماء زينة الأرض . وقالت فرقة : أراد النعم والملابس والثمار والخضرة والماءه ، ونحو هذا مما فيه زينة ، ولم يدخل فيه الجبال الصم وكل ما زينة فيه كالحيات والعقارب . والقوم بالعموم أولى ، وأن كل ما على الأرض فيه زينة من جهة خلقه وصنعه وإحكامه . والآية بسط في التسلية ، أي لا تهتم يا محمد للدنيا وأهلها فإنا إنما جعلنا ذلك امتحاناً واختباراً لأهلها ، فمنهم من يتدبر ويؤمن ، ومنهم من يكفر ، ثم يوم القيامة بين أيدهم ، فلا يعظمن عليك كفرهم فإنا نجازيهم .
الثانية : معنى هذه الآية ينظر إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الدنيا خضرة وحلوة والله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعلمون " وقوله صلى الله عليه وسلم " إن أخوف ما أخاف عليكم ما يخرج الله لكم من زهرة الدنيا قالوا : وما زهرة الدنيا ؟ قال : بركات الأرض " خرجهما مسلم من حديث أبي سعيد الخدري . والمعنى : أن الدنيا مستطابة في ذوقها تمعجبة في منظرها كالثمر المستحلى المعجب المرأى ، فابتلى الله بها عباده لينظر أيهم أحسن عملاً . أي من أزهد فيها وأترك لها ، ولا سبيل للعاد إلى معصية ما زينه الله إلا أن يعينه على ذلك . ولهذا كان عمر يقول فيها ذكر البخاري : اللهم إنا لا نستطيع إلا أن نفرح بما زينته لنا ، اللهم إني أسألك أن أنفقه في حقه . فدعا الله أن يعينه على إنفاقه في حقه . وقهذا معنى قوله عليه السلام : " فمن أخذه بطيب نفس بورك له فيه ومن أخذه بإشراف نفس كان كالذي يأكل ولا يشبع " وهكذا هو المكثر من الدنيا لا يقنع بما يحصل له منها بل همته جمعها ، وذلك لعدم الفهم عن الله تعالى ورسوله، فإن الفتنة معها حاصلة وعدم لاسلامة غالبة ، وقد أفلح من أسلم ورزق كفافاً وقتقه الله بما آتاه . وقال ابن عطية : كان أبي رضي الله عنه يقول في قوله : ( أحسن عملاً ) أحسن العمل أخذ بحق وإنفاق في حق مع الإيمان ، وأداء الفرائض واجتناب المحارم والإكثار من المندوب إليه . قلت : هذا قول حسن ، وجيز في ألفاظه بليغ في معناه ، وقد جمعه النبي صلى الله عليه وسلم في لفظ واحد وهو قوله لسفيان بن عبد الله الثقفي لما قال : يا رسول الله ، قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً بعدك في رواية : غيرك : قال : " قل آمنت بالله ثم استقم " خرجه مسلم وقال سفيان الثوري : ( أحسن عملاً ) أزهدهم فيها . وكذلك قال أبو عصام العسقلاني (أحسن عملاً) أترك لها وقد اختلفت عبارات العلماء في الزهد ، فقال قوم : قصر الأمل وليس بأكل الخشن ولبس العباء ، قاله سفيان الثوري . وقال علماؤنا : وصدق رضي الله عنه ! فإن من قصر أمله لم يتأنق في المطعومات ولا يتفنن في الملبوسات ، وأخذ من الدنيا ما تيسر ، واجتزأ منها بما يبلغ . وقال قوم : بغض المحمدة وحب الثناء . وهو قول الأوزاعي ومن ذهب إليه . وقال قوم : ترك الدنيا كلها هو الزهد ،أحب تركها أم كره . وهو قول فضيل . وعن بشر بن الحارث قال : حب الدنيا حب لقاء الناس ، والزهد في الدنيا الزهد في لقاء الناس . وعن الفضل أيضاً : علامة الزهد في الدنيا الزهد في الناس . وقال قوم : لا يكون الزاهد زاهداً حتى يكون ترك الدنيا أحب إليه من أخذها ، قاله إبراهيم بن أدهم . وقال قوم : الزهد أن يزهد في الدنيا بقلبك ، قاله ابن مبارك . وقالت فرقة : الزهد حب الموت . والقول الأول يعم هذه الأقوال بالمعنى فهو أولى .
يقول تعالى مسلياً لرسوله صلوات الله وسلامه عليه في حزنه على المشركين لتركهم الإيمان وبعدهم عنه كما قال تعالى: "فلا تذهب نفسك عليهم حسرات" وقال: "ولا تحزن عليهم" وقال: " لعلك باخع نفسك أن لا يكونوا مؤمنين " باخع أي مهلك نفسك بحزنك عليهم, ولهذا قال: "فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث" يعني القرآن "أسفاً" يقول: لا تهلك نفسك أسفاً. قال قتادة : قاتل نفسك غضباً وحزناً عليهم, وقال مجاهد : جزعاً, والمعنى متقارب, أي لا تأسف عليهم, بل أبلغهم رسالة الله, فمن اهتدى فلنفسه, ومن ضل فإنما يضل عليها, ولا تذهب نفسك عليهم حسرات, ثم أخبر تعالى أنه جعل الدنيا داراً فانية مزينة بزينة زائلة, وإنما جعلها دار اختبار لا دار قرار, فقال: "إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملاً" قال قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الدنيا حلوة خضرة, وإن الله مستخلفكم فيها فناظر ماذا تعملون, فاتقوا الدنيا, واتقوا النساء, فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء", ثم أخبر تعالى بزوالها وفنائها وفراغها وانقضائها وذهابها وخرابها, فقال تعالى: "وإنا لجاعلون ما عليها صعيداً جرزاً" أي وإنا لمصيروها بعد الزينة إلى الخراب والدمار, فنجعل كل شيء عليها هالكاً صعيداً جرزاً لا ينبت ولا ينتفع به.
كما قال العوفي عن ابن عباس في قوله تعالى: "وإنا لجاعلون ما عليها صعيداً جرزا" يقول: يهلك كل شيء عليها ويبيد. وقال مجاهد : صعيداً جرزاً بلقعاً, وقال قتادة : الصعيد الأرض التي ليس فيها شجر ولا نبات, وقال ابن زيد : الصعيد الأرض التي ليس فيها شيء, ألا ترى إلى قوله تعالى: "أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز فنخرج به زرعاً تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفلا يبصرون" وقال محمد بن إسحاق : "وإنا لجاعلون ما عليها صعيداً جرزاً" يعني الأرض وأن ما عليها لفان وبائد, وأن المرجع لإلى الله, فلا تأس ولا يحزنك ما تسمع وترى.
7- "إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها" هذه الجملة استئناف. والمعنى: إنا جعلنا ما على الأرض مما يصلح أن يكون زينة لها من الحيوانات والنبات والجماد كقوله سبحانه: "هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً" وانتصاب زينة على أنها مفعول ثان لجعل، واللام في "لنبلوهم أيهم أحسن عملاً" متعلقة بجعلنا، وهي إما للغرض أو للعاقبة، والمراد بالابتلاء أنه سبحانه يعاملهم معاملة لو كانت تلك المعاملة من غيره لكانت من قبيل الابتلاء والامتحان. وقال الزجاج "أيهم" رفع بالابتداء إلا أن لفظه لفظ الاستفهام، والمعنى: لنمتحن أهذا أحسن عملاً أم ذاك؟ قال الحسن: أيهم أزهد، وقال مقاتل: أيهم أصلح فيما أوتي من العلم.
7 - " إنا جعلنا ما على الأرض زينةً لها " ، فإن قيل: أي : زينة في الحيات والعقارب والشياطين ؟
قيل : فيها زينة على معنى أنها تدل على وحدانية الله تعالى .
وقال مجاهد : أراد به الرجال خاصة ، وهم زينة الأرض . وقيل: أراد بهم العلماء والصلحاء . وقيل : الزينة بالنبات والأشجار والأنهار ، كما قال : " حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت " ( يونس - 24 )
" لنبلوهم " ، لنختبرهم ، " أيهم أحسن عملاً " ، أي : أصلح عملاً . وقيل: أيهم أترك للدنيا .
7."إنا جعلنا ما على الأرض"من الحيوان والنبات والمعادن. "زينةً لها " ولأهلها "لنبلوهم أيهم أحسن عملاً"في تعاطيه ،وهو من زهد فيه ولم يغتر به وقنع منه بما يزجي به أيامه وصرفه على ما ينبغي ، وفيه تسكين لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
7. Lo! We have placed all that is in the earth as an ornament thereof that we may try them: which of them is best in conduct.
7 - That which is on earth we have made but as a glittering show for the earth, in order that we may test them as to which of them are best in conduct.