69 - (ما كان لي من علم بالملأ الأعلى) الملائكة (إذ يختصمون) في شأن آدم حين قال الله إني جاعل في الأرض خليفة الخ
وقوله "ما كان لي من علم بالملإ الأعلى" يقول لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد لمشركي قومك "ما كان لي من علم بالملإ الأعلى إذ يختصمون"، في شأن آدم من قبل أن يوحي إلي ربي فيعلمني ذلك ، يقول : ففي إخباري لكم عن ذلك دليل واضح على أن هذا القرآن وحي من الله وتنزيل من عنده ، لأنكم تعلمون أن علم ذلك لم يكن عندي قبل نزول هذا القرآن، ولا هو مما شاهدته فعاينته ، ولكني علمت ذلك بإخبار الله إياي به.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس، قوله "ما كان لي من علم بالملإ الأعلى إذ يختصمون" قال : الملأ الأعلى : الملائكة حين شووروا في خلق آدم ، فاختصموا فيه، وقالوا: لا تجعل في الأرض خليفة.
حدثنا محمد، قال : ثنا أحمد، قال : ثنا أسباط ، عن السدي "بالملإ الأعلى إذ يختصمون" هو "إذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة".
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة، قوله "ما كان لي من علم بالملإ الأعلى" قال : هم الملائكة، كانت خصومتهم في شأن آدم حين قال ربك للملائكة : "إني خالق بشرا من طين". حتى بلغ "ساجدين"، وحين قال : "إني جاعل في الأرض خليفة" حتى بلغ "ويسفك الدماء"، ففي هذا اختصم الملأ الأعلى.
قوله تعالى : " ما كان لي من علم بالملإ الأعلى إذ يختصمون " الملأ الأعلى هم الملائكة في قول ابن عباس و السدي اختصموا في أمر آدم حين خلق فـ " قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها " [ البقرة : 30 ] وقال إبليس : " أنا خير منه " وفي هذا بيان محمداً صلى الله عليه وسلم أخبر عن قصة آدم وغيره ، وذلك لا يتصور إلا بتأييد إلهي ، فقد قامت المعجزة على صدقة ، فما بالهم أعرضوا عن تدبر القرآن ليعرفوا صدقه ، ولهذا وصل قوله بقوله : " قل هو نبأ عظيم * أنتم عنه معرضون " . " وقول ثان رواه أبو الأشهب عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سألني ربي فقال يا محمد فيم اختم الملأ الأعلى قلت في الكفارات والدرجات قال وما الكفارات قلت المشي على الأقدام إلى الجماعات وإسباغ الوضوء في السبرات والتعقيب في المساجد بانتظار الصلاة بعد الصلاة قال وما الدرجات قلت : إفشاء الكلام وأطعام الطعام والصلاة بالليل والناس نيام " خرجه الترمذي بمعناه عن ابن عباس ، وقال فيه حديث غريب . وعن معاذ بن جبل أيضاً وقال حديث حسن صحيح . وقد كتبناه بكماله في كتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى ، وأوضحنا إشكاله والحمد لله . وقد مضى في < يس > القول في المشي إلى المساجد ، وأن الخطا تكفر السيئات ، وترفع الدرجات . وقيل : الملأ الأعلى الملائكة والضمير في < يختصمون > لفرقتين . يعني قول من قال منهم الملائكة بنات الله ، ومن قال آلهة تعبد . وقيل : الملأ الأعلى ها هنا قريش ، يعني اختصامهم فيما بينهم سراً ، فأطلع الله نبيه على ذلك .
يقول تعالى آمراً رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول للكفار بالله المشركين به المكذبين لرسوله إنما أنا منذر لست كما تزعمون "وما من إله إلا الله الواحد القهار" أي هو وحده قد قهر كل شيء وغلبه "رب السموات والأرض وما بينهما" أي هو مالك جميع ذلك ومتصرف فيه "العزيز الغفار" أي غفار مع عظمته وعزته "قل هو نبأ عظيم" أي خبر عظيم وشأن بليغ وهو إرسال الله تعالى إياي إليكم "أنتم عنه معرضون" أي غافلون, قال مجاهد وشريح القاضي والسدي في قوله عز وجل: "قل هو نبأ عظيم" يعني القرآن.
وقوله تعالى: " ما كان لي من علم بالملإ الأعلى إذ يختصمون " أي لولا الوحي من أين كنت أدري باختلاف الملأ الأعلى ؟ يعني في شأن آدم عليه الصلاة والسلام وامتناع إبليس من السجود له ومحاجته ربه في تفضيله عليه. فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد حيث قال: حدثنا أبو سعيد مولى بني هشام حدثنا جهضم اليمامي عن يحيى بن أبي كثير عن زيد بن أبي سلام عن أبي سلام عن عبد الرحمن بن عائش عن مالك بن يخامر عن معاذ رضي الله عنه قال: احتبس علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة من صلاة الصبح حتى كدنا نتراءى قرن الشمس فخرج صلى الله عليه وسلم سريعاً فثوب بالصلاة فصلى وتجوز في صلاته فلما سلم قال صلى الله عليه وسلم: "كما أنتم" ثم أقبل إلينا فقال: "إني قمت من الليل فصليت ما قدر لي فنعست في صلاتي حتى استيقظت فإذا أنا بربي عز وجل في أحسن صورة فقال: يا محمد أتدري فيم يختصم الملأ الأعلى, قلت لا أدري يا رب ـ أعادها ثلاثاً ـ فرأيته وضع كفه بين كتفي حتى وجدت برد أنامله بين صدري فتجلى لي كل شيء وعرفت فقال: يا محمد فيم يختصم الملأ الأعلى ؟ قلت: في الكفارات. قال: وما الكفارات ؟ قلت: نقل الأقدام في الجماعات والجلوس في المساجد بعد الصلوات وإسباغ الوضوء عند الكريهات. قال: وما الدرجات ؟ قلت: إطعام الطعام ولين الكلام والصلاة والناس نيام, قال: سل, قلت: اللهم إني أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وأن تغفر لي وترحمني, وإذا أردت فتنة بقوم فتوفني غير مفتون, وأسألك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقربني إلى حبك ـ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ إنها حق فادرسوها وتعلموها" فهو حديث المنام المشهور, ومن جعله يقظة فقد غلط وهو في السنن من طرق, وهذا الحديث بعينه قد رواه الترمذي من حديث جهضم بن عبد الله اليمامي به, وقال الحسن صحيح وليس هذا الاختصام هو الاختصام المذكور في القرآن فإن هذا قد فسر, وأما الاختصام الذي في القرآن فقد فسر بعد هذا وهو في قوله تعالى:
وقوله: 69- "ما كان لي من علم بالملإ الأعلى" استئناف مسوق لتقرير أنه نبأ عظيم، والملأ الأعلى هم الملائكة "إذ يختصمون" أي وقت اختصامهم، فقوله: "بالملإ الأعلى" متعلق بعلم على تضمينه معنى الإحاطة، وقوله إذ يختصمون متعلق بمحذوف: أي ما كان لي فيما سبق علم بوجه من الوجوه بحال الملإ الأعلى وقت اختصامهم، والضمير في يختصمون راجع إلى الملأ الأعلى، والخصومة الكائنة بينهم هي في أمر آدم كما يفيده ما سيأتي قريباً.
69. " ما كان لي من علم بالملإ الأعلى "، يعني: الملائكة، " إذ يختصمون " يعني: في شأن آدم عليه السلام، حين قال الله تعالى: " إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها " (البقرة-30).
69-" ما كان لي من علم بالملإ الأعلى إذ يختصمون " فإن إخباره عن تقاول الملائكة وما جرى بينهم على ما ورد في الكتب المتقدمة من غير سماع ومطالعة كتاب لا يتصور إلا بالوحي ، و" إذ " متعلق بـ"علم " أو بمحذوف إذ التقرير من علم بكلام الملأ الأعلى.
69. I had no knowledge of the Highest Chiefs when they disputed;
69 - No knowledge have I of the Chiefs on high, when they discuss (matters) among themselves.