68 - (ونفخ في الصور) النفخة الأولى (فصعق) مات (من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله) من الحور والولدان وغيرهما (ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم) جميع الخلائق الموتى (قيام ينظرون) ينتظرون ما يفعل بهم
يقول تعالى ذكره : ونفخ إسرافيل في القرن . وقد بينا معنى الصور فيما مضى بشواهده ، وذكرنا اختلاف أهل العلم فيه ، والصواب من القول فيه بشواهده ، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع .
وقوله " فصعق من في السماوات ومن في الأرض " يقول : مات ، وذلك في النفخة الأولى .
كما حدثنا محمد قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي " ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض " قال : مات .
وقوله : " إلا من شاء الله " اختلف أهل التأويل في الذي عنى الله بالاستثناء في هذه الآية ، فقال : بعضهم عنى به جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي " ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله " قال : جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت .
حدثني هارون بن إدريس الأصم ، قال : ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي ، قال : ثنا محمد بن إسحاق ، قال : ثنا الفضل بن عيسى ، عن عمه يزيد الرقاشي ، عن أنس بن مالك قال : " قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله " فقيل : من هؤلاء الذين استثنى الله يا رسول الله ؟ قال : جبرائيل وميكائيل ، وملك الموت ، فإذا قبض أرواح الخلائق قال : يا ملك الموت من بقي ؟ وهو أعلم ، قال : يقول : سبحانك تباركت ربي ذا الجلال والإكرام ، بقي جبريل وميكائيل وملك الموت ، قال : يقول : يا ملك الموت خذ نفس ميكائيل ، قال : فيقع كالطود العظيم ، قال : ثم يقول : يا ملك الموت من بقي ؟ فيقول : سبحانك ربي يا ذا الجلال والإكرام ، بقي جبريل وملك الموت ، قال : فيقول : يا ملك الموت مت ، قال : فيموت ، قال : ثم يقول : يا جبريل من بقي ؟ قال : فيقول جبريل : سبحانك ربي يا ذا الجلال والإكرام ، بقي جبريل . وهو من الله بالمكان الذي هو به ، قال : فيقول : يا جبريل لا بد من موته ، قال : فيقع ساجداً يخفق بجناحيه يقول : سبحانك ربي تباركت وتعاليت يا ذا الجلال والإكرام ، أنت الباقي وجبريل الميت الفاني ، قال : ويأخذ روحه في الحلقة التي خلق منها ، قال : فيقع على ميكائيل أن فضل خلقه على خلق ميكائيل كفضل الطود العظيم على الظرب من الظراب " .
وقال آخرون عنى بذلك الشهداء .
حدثني محمد بن المثنى ، قال : ثني وهب بن جرير ، قال : ثنا شعبة بن عمارة ، عن ذي حجر اليحمدي ، عن سعيد بن جبير ، في قوله : " فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله " قال : الشهداء ثنية الله حول العرش ، متقلدين السيوف .
وقال آخرون : عني بالاستثناء في الفزع : الشهداء ، وفي الصعق : جبريل ، وملك الموت ، وحملة العرش .
ذكر من قال ذلك ، والخبر الذي جاء به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
حدثنا أبو كريب قال : ثنا المحاربي عبد الرحمن بن محمد ، عن إسماعيل بن رافع المدني ، عن يزيد عن رجل من الأنصار ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن رجل من الأنصار ، عن أبي هريرة أنه قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفخ في الصور ثلاث نفخات : الأولى : نفخة الفزع ، والثانية : نفخة الصعق ، والثالثة : نفخة القيام لرب العالمين تبارك وتعالى ، يأمر الله إسرافيل بالنفخة الأولى ، فيقول أنفخ نفخة الفزع ، فتفزع أهل السماوات وأهل الأرض إلا من شاء الله ، قال أبو هريرة : يا رسول الله ، فمن استثنى حين يقول : " ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله " قال : أولئك الشهداء ، وإنما يصل الفزع إلى الأحياء ، أولئك أحياء عند ربهم يرزقون ، وقاهم الله فزع ذلك اليوم وأمنهم ، ثم يأمر الله إسرافيل بنفخة الصعق ، فيقول : انفخ نفخة الصعق ، فيصعق أهل السماوات والأرض إلا من شاء الله فإذا هم خامدون ، ثم يأتي ملك الموت إلى الجبار تبارك وتعالى فيقول : يارب قد مات أهل السماوات والأرض إلا من شئت ، فيقول له وهو أعلم : فمن بقي ؟ فيقول : بقيت أنت الحي الذي لا يموت ، وبقي حملة عرشك ، وبقي جبريل وميكائيل ، فيقول الله له : اسكت إني كتبت الموت على من كان تحت عرشي ، ثم يأتي ملك الموت فيقول يا رب قد مات جبريل وميكائيل ، فيقول الله وهو أعلم : فمن بقي ؟ فيقول : بقيت أنت الذي لا يموت ، وبقي حملة عرشك ، وبقيت أنا ، فيقول الله : فليمت حملة العرش ، فيموتون ، ويأمر الله تعالى العرش فيقبض الصور ، فيقول : أي رب قد مات حملة عرشك ، فيقول : من بقي ؟ وهو أعلم فيقول : بقيت أنت الحي الذي لا يموت وبقيت أنا ، قال : فيقول الله : أنت من خلقي خلقك لما رأيت ، فمت لا تحيى ، فيموت " .
وهذا القول الذي روي في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى بالصحة ، لأن الصعقة في هذا الموضع : الموت . والشهداء وإن كانوا عند الله أحياء كما أخبر الله تعالى ذكره فإنهم قد ذاقوا الموت قبل ذلك .
وإنما عنى جل ثناؤه بالاستثناء في هذا الموضع ، الإستثناء من الذين صعقوا عند نفخة الصعق ، لا من الذين قد ماتوا قبل ذلك بزمان ودهر طويل ، وذلك أنه لو جاز أن يكون المراد بذلك من قد هلك ، وذاق الموت قبل وقت نفخه الصعق ، وجب أن يكون المراد بذلك من قد هلك ، فضاق الموت من قبل ذلك ، لأنه ممن لا يصعق في ذلك الوقت إذا كان الميت لا يجدد له موت آخر في تلك الحال .
وقال آخرون في ذلك :
ما حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد عن قتادة ، قوله : " فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله " قال الحسن يستثني الله وما يدع أحداً من أهل السماوات ولا من أهل الأرض إلا أذاقه الموت ؟ قال : قتادة : قد استثنى الله والله أعلم إلى ما صارت ثنيته ، قال : " ذكر لنا أن نبي الله قال : أتاني ملك فقال : يا محمد اختر نبياً ملكاً ، أو نبياً عبداً ، فأومأ إلي أن تواضع قال : نبياً عبداً ، قال : فأعطيت خصلتين : أن جعلت أول من تنشق عنه الأرض ، وأول شافع ، فأرفع رأسي فأجد موسى آخذاً بالعرش ، فالله أعلم أصعق بعد الصعقة الأولى أم لا " .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا عبدة بن سليمان ، قال : ثنا محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو سلمة ، عن أبي هريرة ، قال : " قال يهودي بسوق المدينة ، والذي اصطفى موسى على البشر ، قال : فرفع رجل من الأنصار يده ، فصك بها وجهه ، فقال : تقول هذا وفينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون فأكون أنا أول من يرفع رأسه ، فإذا موسى آخذ بقائمة من قوائم العرش ، فلا أدري أرفع رأسه قبلي أو كان ممن استثنى الله " .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن عطاء عن الحسن ، قال : " قال النبي صلى الله عليه وسلم : كأني أنفض رأسي من التراب أول خارج ، فالتفت فلا أرى أحداً إلا موسى متعلقاً بالعرش ، فلا أدري أممن استثنى الله ألا تصيبه النفخة أو بعث قبلي " .
وقوله : " ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون " يقول تعالى ذكره : ثم نفخ في الصور نفخة أخرى ، والهاء التي في < فيه > من ذكر الصور .
كما حدثنا محمد قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي " ثم نفخ فيه أخرى " قال : في الصور ، وهي نفخة البعث .
وذكر أن بين النفختين أربعين سنة .
ذكر من قال ذلك : حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما بين النفختين أربعون - قالوا : يا أبا هريرة أربعون يوماً ؟ قال : أبيت ، قالوا : أربعون شهراً ؟ قال : أبيت ، قالوا : أربعون سنة ؟ قال : أبيت - ثم ينزل الله من السماء ماءً فتنبتون كما ينبت البقل ، قال : وليس من الإنسان شيء إلا يبلى ، إلا عظماً واحداً وهو عجب الذنب ، ومنه يركب الخلق يوم القيامة " .
حدثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا البلخي بن إياس ، قال : سمعت عكرمة يقول : في قوله : " فصعق من في السماوات ومن في الأرض " ... الآية ، قال : الأولى من الدنيا ، والأخيرة من الآخرة .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون " " قال نبي الله : بين النفختين أربعون " - قال : قال أصحابه : فما سألناه عن ذلك , ولا زادنا على ذلك غير أنهم كانوا يرون من رأيهم أنها أربعون سنة .
وذكر لنا أنه يبعث في تلك الأربعين مطراً يقال له مطر الحياة ، حتى تطيب الأرض وتهتز ، وتنبت أجساد الناس نبات البقل ، ثم ينفخ فيه الثانية " فإذا هم قيام ينظرون " قال : ذكر لنا " أن معاذ بن جبل ، سأل نبي الله صلى الله عليه وسلم : كيف يبعث المؤمنون يوم القيامة ؟ قال : يبعثون جرداً مرداً مكحلين بني ثلاثين سنة " .
وقوله " فإذا هم قيام ينظرون " يقول : فإذا من صعق عند النفخة التي قبلها وغيرهم من جميع خلق الله الذين كانوا أمواتاً قبل ذلك قيام من قبورهم وأماكنهم من الأرض أحياء كهيئتهم قبل مماتهم ينظرون أمر الله فيهم .
كما حدثنا محمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي " فإذا هم قيام ينظرون " قال : حين يبعثون .
قوله تعالى : " ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون "بين ما يكون بعد قبض الأرض وطي السماء وهو النفخ في الصور ، وإنا هنا نفختان ، يموت الخلق في الأولى منهما ويحيون في الثانية وقد مضى الكلام في هذا في ( النمل) و(الأنعام ) أيضاً . والذي ينفخ في الصور هو إسرافيل عليه السلام . وقد قيل : إنه يكون معه جبريل لحديث أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن صاحبي الصور بأيديهما _ أو في أيديهما _ قرنان يلاظان النظر متى يؤمران " خرجه ابن ماجه في السنن . وفي كتاب أبي داود "عن أبي سعيد الخدري قال : ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحب الصور ، وقال : عن يمينه جبرائيل وعن يساره ميكائيل " واختلف في المستثنى من هم ؟ فقيل : هم الشهداء متقلدين أسيافهم حول العرش . وروي مرفوعاً من حديث أبي هريرة فيما ذكر القشيري ، ومن حديث عبد الله بن عمر فيما ذكر الثعلبي . وقيل : جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت عليهم السلام . وروي من حديث أنس : أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا " ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله " فقالوا : يا نبي الله من هم استثنى الله تعالى ؟ قال : ( هم جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت فيقول الله تعالى لملك الموت من بقى من خلقي وهو أعلم فيقول يا رب بقي جبريل وميكائيل وإسرافيل وعبدك الضعيف ملك الموت فيقول الله تعالى خذ نفس إسرافيل وميكائيل فيخران ميتين كالطودين العظيمين فيقول مت يا ملك الموت فيموت فيقول الله تعالى لجبريل يا جبريل من بقي فيقول تباركت وتعاليت يا ذا الجلال والإكرام وجهك الباقي الدائم وجبريل الميت الفاني فيقول الله تعالى يا جبريل لا بد من موتك فيقع ساجداً يخفق بجناحيه يقول سبحانك ربي تبارك وتعاليت يا ذا الجلال والإكرام ) فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن فضل خلقه على خلق ميكائيل كالطود العطيم على الظرب من الظراب " ذكره الثعلبي . وذكره النحاس أيضاً من حديث محمد بن إسحاق ، عن يزيد الرقاشي ، عن أنس بن مالك ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في وقوله جل وعز :
" فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله " قال : ( جبريل وميكائيل وحملة العرش ومالك الموت وإسرافيل ) وفي هذا الحديث : " إن آخرهم موتاً جبريل عليه السلام " وحديث أبي هريرة في الشهداء أصح على ما تقدم في ( النمل ) وقال الضحاك : هو رضوان والحور ومالك والزبانية . وقيل : عقارب أهل النار وحياتها . وقال الحسن : هو الله والواحد القهار وما يدع أحداً من أهل السماء والأرض إلا أذاقه الموت . وقال قتادة : الله أعلم بثنياه . وقيل : الاستثناء في قوله : " إلا من شاء الله " يرجع إلى من مات قيل النفخة الأولى ، أي فيموت من في السماوات والأرض إلا من سبق موته ، لأنهم كانوا قد ماتوا . وفي الصحيحين و ابن ماجه واللفظ له عن أبي هريرة قال : قال رجل من اليهود بسوقي المدينة : والذي اصطفى موسى على البشر ،فرفع رجل من الأنصار يده فلظمه ، قال : تقول هذا وفينا رسول الله صلى الله عليه وسلم . فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " قال الله عز وجل : " ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون " فأكون أول نم رفع رأسه فإذا أنا بموسى أخذ بقائمة من قوائم العرش فلا أدري أرفع رأسه قبلي أو كان ممن استثني الله ، ومنم قال أنا خير من يونس بن متى فقد كذب " وخرجه الترمذي أيضاً وقال فيه: حديث حسن صحيح . وقال القشيري : ومن حمل الاستثناء على موسى والشهداء فهؤلاء قد ماتوا غير أنهم أحياء عند الله . وفيجوز أن تكون الصعقة بزوال العقل دون زوال الحياة ، ويجوز أن تكون بالموت ، ولا يبعد أن يكون الموت والحياة فكل ذلك مما يجوزه العقل ، والأمر في وقوعه موقوف على خير صدق . قلت : حاء في عض طرق أبي هريرة أنه عليه السلام قال : " لاتخيروني على موسى فإن الناس يصعقون فأكون أول من يفيق فإذا موسى باطش بجانب العرش فلا أدري أكان فيمن صعق فأفاق قبلي أم كان ممن استثنى الله " خرجه مسلم . ونحوه عن أبي سعيد الخدري ، والإفاقة إنما تكون عن غشية وزوال عقل لا عن موت برد الحياة . والله أعلم .
قوله تعالى : " فإذا هم قيام ينظرون " أي فإذا الأموا من أهل الأرض والسماء أحياء بعثوا من قبورهم ، وأعيدت إليهم أبدانهم وأرواحهم ، فقاموا ينظرون ماذا يؤمرون . وقيل : قيام على أرجلهم ينظرون إلى البعث الذي وعدوا به . وقيل : هذا النظر بمعنى الانتظار ، أي ينتظرون ما يفعل لهم . وأجاز الكسائي قياماً بالنصب ، كما تقول : خرجت فإذا زيد جالساً .
يقول تبارك وتعالى مخبراً عن هول يوم القيامة ومايكون فيه من الايات العظيمة والزلازل الهائلة فقوله تعالى: "ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله" هذه النفخة هي الثانية وهي نفخة الصعق وهي التي يموت بها الأحياء من أهل السموات والأرض إلا من شاء الله كما جاء مصرحاً به مفسراً في حديث الصور المشهور ثم يقبض أرواح الباقين حتى يكون آخر من يموت ملك الموت وينفرد الحي القيوم الذي كان أولاً وهو الباقي آخراً بالديمومة والبقاء ويقول (لمن الملك اليوم) ثلاث مرات ثم يجيب نفسه بنفسه فيقول "لله الواحد القهار" أنا الذي كنت وحدي وقد قهرت كل شيء وحكمت بالفناء على كل شيء, ثم يحيي أول من يحيي إسرافيل ويأمره أن ينفخ بالصور مرة أخرى وهي النفخة الثالثة نفخة البعث قال الله عز وجل: "ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون" أي أحياء بعدما كانوا عظاماً ورفاتاً صاروا أحياء ينظرون إلى أهوال يوم القيامة, كما قال تعالى: " فإنما هي زجرة واحدة * فإذا هم بالساهرة ". وقال عز وجل: "يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثتم إلا قليلا" وقال جل وعلا: "ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون" قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن النعمان بن سالم قال: سمعت يعقوب بن عاصم بن عروة بن مسعود قال سمعت رجلاً قال لعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما إنك تقول الساعة تقوم إلى كذا وكذا قال لقد هممت أن لا أحدثكم شيئاً إنما قلت سترون بعد قليل أمراً عظيماً ثم قال عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يخرج الدجال في أمتي فيمكث فيهم أربعين لا أدري أربعين يوماً أو أربعين شهراً أو أربعين عاماً أو أربعين ليلة فيبعث الله تعالى عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام كأنه عروة بن مسعود الثقفي فيظهر فيهلكه الله تعالى ثم يلبث الناس بعده سنين سبعاً ليس بين اثنين عداوة ثم يرسل الله تعالى ريحاً باردة من قبل الشام فلا يبقى أحد في قلبه مثقال ذرة من إيمان إلا قبضته حتى لو أن أحدهم كان في كبد جبل لدخلت عليه" قال سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم "ويبقى شرار الناس في خفة الطير وأحلام السباع لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً قال فيتمثل لهم الشيطان فيقول ألا تستجيبون فيأمرهم بعبادة الأوثان فيعبدونها وهم في ذلك دارة أرزاقهم حسن عيشهم ثم ينفخ في الصور فلا يسمعه أحد إلا أصغى له وأول من يسمعه رجل يلوط حوضه فيصعق ثم لا يبقى أحد إلا صعق, ثم يرسل الله تعالى أو ينزل الله عز وجل مطراً كأنه الطل ـ أو الطل شك نعمان ـ فتنبت منه أجساد الناس ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون, ثم يقال أيها الناس هلموا إلى ربكم "وقفوهم إنهم مسؤولون" قال ثم يقال أخرجوا بعث النار قال فيقال كم ؟ فيقال من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين فيومئذ تبعث الولدان شيباً ويومئذ يكشف عن ساق" انفرد بإخراجه مسلم في صحيحه.
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه)
وقال البخاري حدثنا عمر بن حفص بن غياث حدثنا أبي حدثنا الأعمش قال سمعت أبا صالح قال قال سمعت أبا هريرة رضي الله تعالى عنه يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال "ما بين النفختين أربعون" قالوا يا أبا هريرة أربعون يوماً ؟ قال رضي الله تعالى عنه أبيت, قالوا أربعون سنة ؟ قال أبيت, قالوا أربعون شهراً ؟ قال أبيت ويبلى كل شيء من الإنسان إلا عجب ذنبه فيه يركب الخلق.
وقال أبو يعلي: حدثنا يحيى بن معين حدثنا أبو اليمان حدثنا إسماعيل بن عياش عن عمر بن محمد عن زيد بن أسلم عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سألت جبريل عليه الصلاة والسلام عن هذه الاية "ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله" من الذين لم يشأ الله تعالى أن يصعقهم ؟ قال هم الشهداء يتقلدون أسيافهم حول عرشه تتلقاهم ملائكة يوم القيامة إلى المحشر بنجائب من ياقوت نمارها ألين من الحرير مد خطاها مد أبصار الرجال يسيرون في الجنة يقولون عند طول النزهة انطلقوا بنا إلى ربنا لننظر كيف يقضي بين خلقه يضحك إليهم إلهي وإذا ضحك إلى عبد في موطن فلا حساب عليه" رجاله كلهم ثقات إلا شيخ إسماعيل بن عياش فإنه غير معروف والله سبحانه وتعالى أعلم. وقوله تبارك وتعالى: "وأشرقت الأرض بنور ربها" أي أضاءت يوم القيامة إذا تجلى الحق جل وعلا للخلائق لفصل القضاء "ووضع الكتاب" قال قتادة كتاب الأعمال "وجيء بالنبيين" قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يشهدون على الأمم بأنهم بلغوا رسالات الله إليهم "والشهداء" أي الشهداء من الملائكة الحفظة على أعمال العباد من خير وشر "وقضي بينهم بالحق" أي بالعدل "وهم لا يظلمون" قال الله تعالى: "ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين" وقال جل وعلا: "إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجراً عظيماً" ولهذا قال عز وجل: "ووفيت كل نفس ما عملت" أي من خير وشر "وهو أعلم بما يفعلون".
68- "ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض" هذه هي النفخة الأولى، والصور هو القرن الذين ينفخ فيه إسرافيل، وقد تقدم غير مرة، ومعنى صعق: زالت عقولهم فخروا مغشياً عليهم، وقيل ماتوا. قال الواحدي: قال المفسرون مات من الفزع وشدة الصوت أهل السموات والأرض. قرأ الجمهور "الصور" بسكون الواو، وقرأ قتادة وزيد بن علي بفتحها جمع صورة، والاستثناء في قوله: "إلا من شاء الله" متصل، والمستثنى جبريل وميكائيل وإسرافيل، وقيل رضوان وحملة العرش وخزنة الجنة والنار "ثم نفخ فيه أخرى" يجوز أن يكون أخرى في محل رفع على النيابة وهي صفة لمصدر محذوف: أي نفخة أخرى، ويجوز أن يكون في محل نصب والقائم مقام الفاعل فيه "فإذا هم قيام ينظرون" يعني الخلق كلهم قيام على أرجلهم ينظرون ما يقال لهم أو ينتظرون ذلك. قرأ الجمهور قيام بالرفع على أنه خبر، وينظرون في محل نصب على الحال وقرأ زيد بن علي بالنصب على أنه حال، والخبر ينظرون، والعامل في الحال ما عمل في إذا الفجائية. قال الكسائي كا تقول خرجت فإذا زيد جالساً.
68. قوله عز وجل: " ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض "، ماتوا من الفزع، وهي النفخة الأولى، " إلا من شاء الله "، اختلفوا في الذين استثناهم الله عز وجل، وقد ذكرناهم في سورة النمل، قال الحسن : إلا من شاء الله يعني الله وحده، " ثم نفخ فيه "، أي: في الصور، " أخرى "، أي: مرة أخرى، " فإذا هم قيام ينظرون "، [ من قبورهم ] ينتظرون أمر الله فيهم..
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا محمد ، حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بين النفختين أربعون ، قالوا: أربعون يوماً؟ قال: أبيت قالوا: أربعون شهراً؟ قال: أبيت ، قالوا: أربعون سنة؟ قال:أبيت، قال ثم ينزل الله من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل ليس من الإنسان شيء إلا يبلى إلا عظم واحد، وهو عجب الذنب ومنه يتركب الخلق يوم القيامة ".
68-" ونفخ في الصور " يعني المرة الأولى " فصعق من في السموات ومن في الأرض " خر ميتاً أو مغشياً عليه " إلا من شاء الله " قيل جبريل ومكائيل وإسرافيل فإنهم يموتون بعد .وقيل حملة العرش . " ثم نفخ فيه أخرى " نفخة أخرى وهي تدل على أن المراد بالأولى ونفخ في الصور نفخة واحدة كما صرح به في مواضع ،وأخرى تحتمل النصب الرفع " فإذا هم قيام " قائمون من قبورهم أو متوقفون ، وقرئ بالنصب على أن الخبر " ينظرون " وهو حال من ضميره والمعنى : يقلبون أبصارهم في الجوانب كالمبهوتين أو ينتظرون ما يفعل بهم .
68. And the trumpet is blown, and all who are in the heavens and the earth swoon away, save him whom Allah willeth. Then it is blown a second time, and behold them standing waiting!
68 - The Trumpet will (just) be sounded, when all that are in the heavens and on earth will swoon, except such as it will please God (to exempt). then will a second one be sounded, when, behold, they will be standing and looking on.