64 - (وأزلفنا) قربنا (ثم) هناك (الآخرين) فرعون وقومه حتى سلكوا مسالكهم
يعني بقوله تعالى ذكره " وأزلفنا ثم الآخرين " : وقربنا هنالك آل فرعون من البحر ، وقدمناهم إليه ، ومنه قوله " وأزلفت الجنة للمتقين " (الشعراء : 90 ـ ق : 31 )، بمعنى : قربت وأذنت ، ومنه قول العجاج :
طي الليالي زلفا فزلفا سماؤه الهلال حتى احقوقفا
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عطاء الخراساني ، عن ابن عباس ، قوله " وأزلفنا ثم الآخرين " قال : قربنا .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ن قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله " وأزلفنا ثم الآخرين " قال : هو قوم فرعون قربهم الله حتى أغرقهم في البحر .
حدثنا موسى ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي ، قال : دنا فرعون وأصحابه بعد ما قطع موسى ببني إسرائيل البحر من البحر ، فلما نظر فرعون إلى البحر منفلقا ، قال : ألا ترون البحرفرق مني ، قد تفتح لي حتى أدرك أعدائي فأقتلهم ، فذلك قول الله " وأزلفنا ثم الآخرين " يقول : قربنا ثم الآخرين هم آل فرعون ، فلما قام فرعون على الطرق ، وأبت خيله أن تتقحم ، فنزل جبرائيل صلى الله عليه وسلم على ماذيانة ، فتشامت الحصن ريح الماذيانة فاقتحمت في أثرها حتى إذا هم أولهم أن يخرج ودخل آخرهم أمر البحر أن يأخذهم ، فالتطم عليهم ، وتفرد جبرائيل بمقلة من مقل البحر ، فجلع يدسها في فيه .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا حجاج ، عن أبي بكر بن عبدالله ، قال : أقبل فرعون فلما أشرف على الماء ، قال أصحاب موسى : يا مكلم الله إن القوم يتبعوننا في الطريق ، فاضرب بعصاك البحر فاخلطه ، فأراد موسى أن يفعل ، فأوحى الله إليه : أن اترك البحر رهوا : يقول : أمره على سكناته "إنهم جند مغرقون " الدخان : 24 إنما أمكر بهم ، فإذا سلكوا طريقكم غرقتهم ، فلما نظر فرعون إلى البحر قال : ألا ترون البحر فرق مني حتى تفتح لي حتى أدرك أعدائي فأقتلهم ، فلما وقف على أفواه الطرق وهو على حصان ، فرأى الحصان البحر فيه أمثال الجبال هاب وخاف ، وقال فرعون : أنا راجع فمكر به جبرائيل عليه السلام ، فأقبل على فرس أنثى ، فأدناها من حصان فرعون ، فطفق فرسه لا يقر ، وجعل جبرائيل يقول : تقدم ، ويقول : ليس أحد أحق بالطرق منك ، فتشامت الحصن الماذيانة ، فما ملك فرعون فرسه أن ولج على أثره ، فلما انتهى فرعون إلى وسط البحر ، أوحى الله إلى البحر : خذ عبدي الظالم وعبادي الظلمة ، سلطاني فيك ، فإني قد سلطتك عليهم ، قال : فتغطمطت تلك الفرق من الأمواج كأنها الجبال ، وضرب بعضها بعضا ، فلما أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين يونس : 90 وكان جبرائيل صلى الله عليه وسلم شديد الأسف عليه لما رد من آيات الله ، ولطول علاج موسى إياه ، فدخل في أسفل البحر ، فأخرج طينا ، فحشاه في فم فرعون لكيلا يقولها الثانية ، فتدركه الرحمة ، قال : فبعث الله إليه ميكائيل يعيره "آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين " يونس : 91 وقال جبرائيل : يا محمد ما أبغضت أحدا من خلق الله ما أبغضت اثنين أحدهما من الجن وهو إبليس ، والآخر فرعون " قال أنا ربكم الأعلى " النازعات : 24 ولقد رأيتني يا محمد ، وأنا أحشو في فيه مخافة أن يقول كلمة يرحمه الله بها . وقد زعم بعضهم أن معنى قوله " وأزلفنا ثم الآخرين " وجمعنا ، قال : ومنه ليلة المزدلفة ، قال : ومعنى ذلك : أنها ليلة جمع . وقال بعضهم : وأزلفنا ثم وأهلكنا . وقوله " وأنجينا موسى ومن معه أجمعين " يقول تعالى ذكره : وأنجينا موسى مما أتبعنا به فرعون وقومه من الغرق في البحر ومن مع موسى من بني إسرائيل أجمعين ، وقوله " ثم أغرقنا الآخرين " يقول : ثم أغرقنا فرعون وقومه من القبط في البحر بعد أن أنجينا موسى منه ومن معه ، وقوله " إن في ذلك لآية " يقول تعالى ذكره : إن فيما فعلت بفرعون ومن معه من تغريقي إياهم في البحر إذ كذبو رسولي موسى ، وخالفوا أمري بعد الإعذار إليهم والإنذار لدلالة بينة يا محمد لقومك من قريش على أن ذلك سنتي فيمن سلك سبيلهم من تكذيب رسلي ، وعظة لهم وعبرة أن ادكروا واعتبروا أن يفعلوا مثل فعلهم من تكذيبك مع البرهان والآيات التي قد آتيتهم ، فيحل بهم من العقوبة نظير ما حل بهم ، ولك آية في فعلي يموسى ، وتنجيتي إياه بعد طول علاجه فرعون وقومه منه ، وإظهاري إياه وتوريثه وقومه دورهم وأرضهم وأموالهم ، على أني سالك فيك سبيله ، إن إنت صبرت صبره ، قمت من تبليغ الرسالة إلى من أرسلت إليه قيامه ، ومظهرك على مكذبيك ومعليك عليهم .
" وما كان أكثرهم مؤمنين " يقول : وما كان أكثر قومك يا محمد مؤمنين بما آتاك الله من الحق المبين ، فسابق في علمي أنهم لا يؤمنون " وإن ربك لهو العزيز " في انتقامه ممن كفر به وكذب رسله من أعدائه ، " الرحيم " يمن أنجى من رسله وأتباعهم من الغرق والعذاب الذي عذب به الكفرة .
قوله تعالى : " وأزلفنا ثم الآخرين" أي قربناهم إلى البحر ، يعني فرعون وقومه . قاله ابن عباس وغيره ، قال الشاعر :
وكل يوم مضى أو ليلة سلفت فيها النفوس إلى الآجال تزدلف
أبو عبيدة : " أزلفنا " جمعنا ومنه قيل لليلة المزدلفة ليلة جمع . وقرأ أبو عبد الله بن الحارث وأبي كعب وابن عباس : وأزلقنا بالقاف على معنى أهلكناهم ، من قوله أزلقت الناقة وأزلقت الفرس فهي مزلق إذا أزلقت ولدها .
ذكر غير واحد من المفسرين أن فرعون خرج في جحفل عظيم وجمع كبير, هو عبارة عن مملكة الديار المصرية في زمانه, أولي الحل والعقد والدول من الأمراء والوزراء والكبراء والرؤساء والجنود, فأما ما ذكره غير واحد من الإسرائيليات من أنه خرج في ألف ألف وستمائة ألف فارس, منها مائة ألف على خيل دهم, وقال كعب الأحبار : فيهم ثمانمائة ألف حصان أدهم, وفي ذلك نظر, والظاهر أن ذلك من مجازفات بني إسرائيل, والله سبحانه وتعالى أعلم, والذي أخبر به القرآن هو النافع, ولم يعين عدتهم إذ لا فائدة تحته, إلا أنهم خرجوا بأجمعهم "فأتبعوهم مشرقين" أي وصلوا إليهم عند شروق الشمس, وهو طلوعها, " فلما تراء الجمعان " أي رأى كل من الفريقين صاحبه, فعند ذلك "قال أصحاب موسى إنا لمدركون" وذلك أنهم انتهى بهم السير إلى سيف البحر, وهو بحر القلزم, فصار أمامهم البحر وقد أدركهم فرعون بجنوده, فلهذا قالوا "إنا لمدركون * قال كلا إن معي ربي سيهدين" أي لا يصل إليكم شيء مما تحذرون, فإن الله سبحانه هو الذي أمرني أن أسير ههنا بكم, وهو سبحانه وتعالى لا يخلف الميعاد, وكان هارون عليه السلام في المقدمة, ومعه يوشع بن نون, ومؤمن آل فرعون, وموسى عليه السلام في الساقة, وقد ذكر غير واحد من المفسرين أنهم وقفوا لا يدرون ما يصنعون, وجعل يوشع بن نون أو مؤمن آل فرعون, يقول لموسى عليه السلام: يا نبي الله ههنا أمرك ربك أن تسير ؟ فيقول, نعم, فاقترب فرعون وجنوده ولم يبق إلا القليل, فعند ذلك أمر الله نبيه موسى عليه السلام أن يضرب بعصاه البحر, فضربه وقال: انفلق بإذن الله.
وروى ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة , حدثنا صفوان بن صالح , حدثنا الوليد , حدثنا محمد بن حمزة بن محمد بن يوسف عن عبد الله بن سلام أن موسى عليه السلام لما انتهى إلى البحر قال: يا من كان قبل كل شيء, والمكون لكل شيء, والكائن بعد كل شيء, اجعل لنا مخرجاً, فأوحى الله إليه "أن اضرب بعصاك البحر". وقال قتادة : أوحى الله تلك الليلة إلى البحر أن إذا ضربك موسى بعصاه فاسمع له وأطع, فبات البحر تلك الليلة وله اضطراب, ولا يدري من أي جانب يضربه موسى, فلما انتهى إليه موسى, قال له فتاه يوشع بن نون: يا نبي الله أين أمرك ربك عز وجل ؟ قال: أمرني أن أضرب البحر, قال: فاضربه. وقال محمد بن إسحاق , أوحى الله ـ فيما ذكر لي ـ إلى البحر أن إذا ضربك موسى بعصاه فانفلق له, قال: فبات البحر يضطرب ويضرب بعضه بعضاً فرقاً من الله تعالى, وانتظاراً لما أمره الله, وأوحى الله إلى موسى "أن اضرب بعصاك البحر" فضربه بها, ففيها سلطان الله الذي أعطاه, فانفلق, ذكر غير واحد أنه جاء فكناه, فقال: انفلق علي أبا خالد بحول الله.
قال الله تعالى: "فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم" أي كالجبل الكبير, قاله ابن مسعود وابن عباس ومحمد بن كعب والضحاك وقتادة وغيرهم. وقال عطاء الخراساني : هو الفج بين الجبلين. وقال ابن عباس صار البحر اثني عشر طريقاً لكل سبط طريق, وزاد السدي : وصار فيه طاقات ينظر بعضهم إلى بعض, وقام الماء على حيلة كالحيطان. وبعث الله الريح إلى قعر البحر فلفحته, فصار يبساً كوجه الأرض, قال الله تعالى: "فاضرب لهم طريقاً في البحر يبساً لا تخاف دركاً ولا تخشى". وقال في هذه القصة " وأزلفنا ثم الآخرين " أي هنالك. قال ابن عباس وعطاء الخراساني وقتادة والسدي "وأزلفنا" أي قربنا من البحر فرعون وجنوده, وأدنيناهم إليه " وأنجينا موسى ومن معه أجمعين * ثم أغرقنا الآخرين " أي أنجينا موسى وبني إسرائيل ومن اتبعهم على دينهم, فلم يهلك منهم احد, وأغرق فرعون وجنوده فلم يبق منهم رجل إلا هلك.
وروى ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين , حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة , حدثنا شبابة , حدثنا يونس بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عبد الله هو ابن مسعود أن موسى عليه السلام حين أسرى ببني إسرائيل بلغ فرعون ذلك, فأمر بشاة فذبحت, وقال: لا والله لا يفرغ من سلخها حتى يجتمع إلي ستمائة ألف من القبط, فانطلق موسى حتى انتهى إلى البحر, فقال له: انفرق, فقال له البحر: قد استكبرت يا موسى, وهل انفرقت لأحد من ولد آدم, فأنفرق لك ؟ قال, ومع موسى رجل على حصان له, فقال له ذلك الرجل, أين أمرت يا نبي الله ؟ قال: ما أمرت إلا بهذا الوجه, قال: والله ما كذب ولا كذبت, ثم اقتحم الثانية فسبح ثم خرج, فقال: أين أمرت يا نبي الله ؟ قال: ما أمرت إلا بهذا الوجه. قال: والله ما كذب ولا كذبت, قال: فأوحى الله إلى موسى: أن اضرب بعصاك البحر, فضربه موسى بعصاه, فانفلق, فكان فيه اثنا عشر سبطاً لكل سبط طريق يتراءون, فلما خرج أصحاب موسى, وتتام أصحاب فرعون, التقى البحر عليهم فأغرقهم.
وفي رواية إسرائيل عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عبد الله قال: فلما خرج آخر أصحاب موسى, وتكامل أصحاب فرعون, انطم عليهم البحر, فمارئي سواد أكثر من يومئذ, وغرق فرعون لعنه الله, ثم قال تعالى: " إن في ذلك لآية " أي في هذه القصة وما فيها من العجائب والنصر والتأييد لعباد الله المؤمنين, لدلالة وحجة قاطعة وحكمة بالغة " وما كان أكثرهم مؤمنين * وإن ربك لهو العزيز الرحيم " تقدم تفسيره.
64- "وأزلفنا ثم الآخرين" أي قربناهم إلى البحر: يعني فرعون وقومه. قال الشاعر:
وكل يوم مضى أو ليلة سلفت فيها النفوس إلى الآجال تزدلف
قال أبو عبيدة: أزلفنا جمعنا، ومنه قيل لليلة المزدلفة ليلة جمع، وثم ظرف مكان للبعيد. وقيل إن المعنى: وأزلفنا قربنا من النجاة، والمراد بالآخرين موسى وأصحابه، والأول أولى، وقرأ الحسن وأبو حيوة وزلفنا ثلاثياً، وقرأ أبي وابن عباس وعبد الله بن الحارث وأزلقنا بالقاف: أي أزللنا وأهلكنا من قولهم: أزلقت الفرس إذا ألقت ولدها.
64- "وأزلفنا"، يعني: وقربنا "ثم الآخرين"، يعني: قوم فرعون، يقول: قدمناهم إلى البحر، وقربناهم إلى الهلاك، وقال أبو عبيدة: زأزلفنا جمعنا، ومنه ليلة المزدلفة أي: ليلة الجمع. وفي القصة أن جبريل كان بين بني إسرائيل وقوم فرعون وكان يسوق بني إسرائيل، ويقولون: ما رأينا أحسن سياقة من هذا الرجل، وكان يزع قوم فرعون، وكانوا يقولون: ما رأينا أحسن زعة من هذا.
64 -" وأزلفنا " وقربنا . " ثم الآخرين " فرعون وقومه حتى دخلوا على أثرهم مداخلهم .
64. Then brought We near the others to that place.
64 - Then We told Moses by inspiration: Strike the sea with thy rod. So it divided, and each separate part became like the huge, firm mass of a mountain.