63 - هم (الذين آمنوا وكانوا يتقون) الله بامتثال أمره ونهيه
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: الذين صدقوا الله ورسوله وما جاء به من عند الله، وكانوا يتقون الله بأداء فرائضه واجتناب معاصيه.
وقوله: " الذين آمنوا "، من نعت ((الأولياء))، ومعنى الكلام: ألا إن أولياء الله الذين آمنوا وكانوا يتقون، لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
فإن قال قائل: فإذ كان معنى الكلام ما ذكرت عندك، أفي موضع رفع " الذين آمنوا "، أم في موضع نصب؟.
قيل:في موضع رفع. وإنما كان كذلك، وإن كان من نعت ((الأولياء))، لمجيئه بعد خبر ((الأولياء))، والعرب كذلك تفعل خاصة في ((إن))، إذا جاء نعت الاسم الذي عملت فيه بعد تمام خبره، رفعوه فقالوا: ((إن أخاك قائم الظريف))، كما قال الله: " قل إن ربي يقذف بالحق علام الغيوب " [سبأ: 48]، وكما قال: " إن ذلك لحق تخاصم أهل النار " [ص: 64].
وقد اختلف أهل العربية في العلة التي من أجلها قيل ذلك كذلك، مع أن إجماع جميعهم على أن ما قلناه هو الصحيح من كلام العرب. وليس هذا من مواضع الإبانة عن العلل التي من أجلها قيل ذلك كذلك.
هذه صفة أولياء الله تعالى، فيكون: "الذين" في موضع نصب على البدل من اسم إن وهو أولياء. وإن شئت على أعني. وقيل: هو ابتداء، وخبره. "لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة"، فيكون مقطوعاً مما قبله. أي يتقون الشرك والمعاصي.
يخبر تعالى أن أولياءه هم الذين آمنوا وكانوا يتقون كما فسرهم ربهم, فكل من كان تقياً كان لله ولياً "فلا خوف عليهم" أي فيما يستقبلونه من أهوال الاخرة "ولا هم يحزنون" على ما وراءهم في الدنيا, وقال عبد الله بن مسعود وابن عباس وغير واحد من السلف أولياء الله الذين إذا رؤوا ذكر الله, وقد ورد هذا في حديث مرفوع كما قال البزار حدثنا علي بن حرب الرازي حدثنا محمد بن سعيد بن سابق حدثنا يعقوب بن عبد الله الأشعري وهو القمي عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رجل: يا رسول الله من أولياء الله ؟ قال "الذين إذا رؤوا ذكر الله" ثم قال البزار وقد روي عن سعيد مرسلاً, وقال ابن جرير حدثنا أبو هشام الرفاعي حدثنا أبو فضيل حدثنا أبي عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن عمرو بن جرير البجلي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن من عباد الله عباداً يغبطهم الأنبياء والشهداء" قيل من هم يا رسول الله لعلنا نحبهم ؟ قال: "هم قوم تحابوا في الله من غير أموال ولا أنساب وجوههم نور على منابر من نور لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس" ثم قرأ "ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون" ثم رواه أيضاً أبو داود من حديث جرير عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن عمرو بن جرير عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله وهذا أيضاً إسناد جيد إلا أنه منقطع بين أبي زرعة وعمر بن الخطاب والله أعلم, وفي حديث الإمام أحمد عن أبي النضر عن عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يأتي من أفناء الناس ونوازع القبائل قوم لم تتصل بينهم أرحام متقاربة تحابوا في الله وتصافوا في الله يضع الله لهم يوم القيامة منابر من نور فيجلسهم عليها يفزع الناس ولايفزعون وهم أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون" والحديث مطول.
وقال الإمام أحمد حدثنا عبد الرزاق أخبرنا سفيان عن الأعمش عن ذكوان أبي صالح عن رجل عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: " لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة " قال "الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له" وقال ابن جرير: حدثني أبو السائب حدثنا معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن عطاء بن يسار عن رجل من أهل مصر عن أبي الدرداء في قوله: " لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة " قال سأل رجل أبا الدرداء عن هذه الاية فقال: لقد سألت عن شيء ما سمعت أحداً سأل عنه بعد رجل سأل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "هي الرؤيا الصالحة يراها الرجل المسلم أو ترى له بشراه في الحياة الدنيا وبشراه في الاخرة الجنة" ثم رواه ابن جرير عن سفيان عن ابن المنكدر عن عطاء بن يسار عن رجل من أهل مصر أنه سأل أبا الدرداء عن هذه الاية فذكر نحو ما تقدم ثم قال ابن جرير حدثني المثنى حدثنا حجاج بن منهال حدثنا حماد بن زيد عن عاصم بن بهدلة عن أبي صالح قال: سمعت أبا الدرداء سئل عن هذه الاية " الذين آمنوا وكانوا يتقون * لهم البشرى " فذكر نحوه سواء وقال الإمام أحمد حدثنا عفان حدثنا أبان حدثنا يحيى عن أبي سلمة عن عبادة بن الصامت أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أرأيت قول الله تعالى: " لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة " فقال: "لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد من أمتي أو قال أحد قبلك ـ تلك الرؤيا الصالحة يراها الرجل أو ترى له" وكذا رواه أبو داود الطيالسي عن عمران القطان عن يحيى بن أبي كثير به, ورواه الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير فذكره ورواه علي بن المبارك عن يحيى عن أبي سلمة قال: نبئنا عن عبادة بن الصامت سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الاية فذكره.
وقال ابن جرير حدثني أبو حميد الحمصي حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا عمر بن عمرو بن عبد الأحموسي عن حميد بن عبد الله المزني قال: أتى رجل عبادة بن الصامت فقال: آية في كتاب الله أسألك عنها قول الله تعالى: "لهم البشرى في الحياة الدنيا" فقال عبادة ما سألني عنها أحد قبلك سألت عنها نبي الله فقال مثل ذلك "ما سألني عنها أحد قبلك الرؤيا الصالحة يراها العبد المؤمن في المنام أو ترى له" ثم رواه من حديث موسى بن عبيدة عن أيوب بن خالد بن صفوان عن عبادة بن الصامت أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: " لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة " فقد عرفنا بشرى الاخرة الجنة فما بشرى الدنيا ؟ قال "الرؤيا الصالحة يراها العبد أو ترى له. وهي جزء من أربعة وأربعين جزءاً أو سبعين جزءاً من النبوة" وقال الإمام أحمد أيضاً حدثنا بهز حدثنا حماد حدثنا أبو عمران عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر أنه قال يا رسول الله: الرجل يعمل العمل ويحمده الناس عليه, ويثنون عليه به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تلك عاجل بشرى المؤمن" رواه مسلم, وقال أحمد أيضاً حدثنا حسن يعني الأشيب حدثنا بن لهيعة حدثنا دراج عن عبد الرحمن بن جبير عن عبد الله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "" لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة " ـ قال ـ الرؤيا الصالحة يبشرها المؤمن جزء من تسعة وأربعين جزءاً من النبوة فمن رأى ذلك فليخبر بها, ومن رأى سوى ذلك فإنما هو من الشيطان ليحزنه فلينفث عن يساره ثلاثاً وليكبر ولا يخبر بها أحداً" لم يخرجوه. وقال ابن جرير حدثني يونس أنبأنا ابن وهب حدثني عمرو بن الحارث أن دراجاً أبا السمح حدثه عن عبد الرحمن بن جبير عن عبد الله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لهم البشرى في الحياة الدنيا الرؤيا الصالحة يبشرها المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة" وقال أيضاً ابن جرير حدثني محمد بن أبي حاتم المؤدب حدثنا عمار بن محمد حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم "" لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة " ـ قال ـ في الدنيا الرؤيا الصالحة يراها العبد أو ترى له وهي في الاخرة الجنة" ثم رواه عن أبي كريب عن أبي بكر بن عياش عن أبي حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة أنه قال: الرؤيا الحسنة بشرى من الله, وهي من المبشرات هكذا رواه من هذا الطريق موقوفاً, وقال أيضاً حدثنا أبو كريب حدثنا أبو بكر حدثنا هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الرؤيا الحسنة هي البشرى يراها المسلم أو ترى له".
وقال ابن جرير حدثني أحمد بن حماد الدولابي حدثنا سفيان عن عبيد الله بن أبي يزيد عن أبيه عن سباع بن ثابت عن أم كريز الكعبية سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ذهبت النبوة وبقيت المبشرات" وهكذا روي عن ابن مسعود وأبي هريرة وابن عباس ومجاهد وعروة بن الزبير ويحيى بن أبي كثير وإبراهيم النخعي وعطاء بن أبي رباح وغيرهم أنهم فسروا ذلك بالرؤيا الصالحة. وقيل: المراد بذلك بشرى الملائكة للمؤمن عند احتضاره بالجنة والمغفرة كقوله تعالى: " إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون * نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون * نزلا من غفور رحيم " وفي حديث البراء رضي الله عنه أن المؤمن إذا حضره الموت جاءه ملائكة بيض الوجوه بيض الثياب فقالوا اخرجي أيتها الروح الطيبة إلى روح وريحان ورب غير غضبان فتخرج من فمه كما تسيل القطرة من فم السقاء وأما بشراهم في الاخرة فكما قال تعالى: "لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون" وقال تعالى: "يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم" وقوله: "لا تبديل لكلمات الله" أي هذا الوعد لا يبدل ولا يخلف ولا يغير بل هو مقرر مثبت كائن لا محالة "ذلك هو الفوز العظيم".
وقد فسر سبحانه هؤلاء الأولياء بقوله: 63- "الذين آمنوا وكانوا يتقون" أي يؤمنون بما يجب الإيمان به، ويتقون ما يجب عليهم اتقاؤه من معاصي الله سبحانه، والمراد بنفي الخوف عنهم أنهم لا يخافون أبداً كما يخاف غيرهم، لأنهم قد قاموا بما أوجب الله عليهم، وانتهوا عن المعاصي التي نهاهم عنها، فهم على ثقة من أنفسهم وحسن ظن بربهم، وكذلك لا يحزنون على فوت مطلب من المطالب، لأنهم يعلمون أن ذلك بقضاء الله وقدره فيسلمون للقضاء والقدر، ويريحون قلوبهم عن الهم والكدر، فصدورهم منشرحة، وجوارحهم نشطة، وقلوبهم مسرورة، ومحل الموصول النصب على أنه بدل من أولياء أو الرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف، أو هو مبتدأ وخبره لهم البشرى، فيكون غير متصل بما قبله، أو النصب أيضاً على المدح أو على أنه وصف لأولياء.
63-"الذين آمنوا وكانوا يتقون"، وقال قوم: هم المتحابون في الله عز وجل.
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي، أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن بشران، أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار، حدثنا أحمد بن منصور الرمادي، حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن ابن أبي حسين عن شهر بن حوشب، عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "إن لله عبادا ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم النبيون والشهداء لقربهم ومقعدهم من الله يوم القيامة، قال: وفي ناحية القوم أعرابي فجثا على ركبتيه ورمى بيديه ثم قال: حدثنا يا رسول الله عنهم من هم؟ قال: فرأيت في وجه النبي صلى الله عليه وسلم البشر، فقال: هم عباد من عباد الله من بلدان شتى وقبائل، لم يكن بينهم أرحام يتواصلون بها، ولا دنيا يتباذلون بها، يتحابون بروح الله، يجعل الله وجوههم نورا، ويجعل لهم منابر من لؤلؤ قدام الرحمن، يفزع الناس ولا يفزعون، ويخاف الناس ولا يخافون".
ورواه عبد الله بن المبارك عن عبد الحميد بن بهرام قال: حدثنا شهر بن حوشب، حدثني عبد الرحمن بن غنم عن أبي مالك الأشعري، عن النبي صلى الله عليه وسلم" سئل! من أولياء الله؟ فقال: الذين إذا رؤوا ذكر الله".
ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم: "قال الله تعالى: إن أوليائي من عبادي الذين يذكرون بذكري وأذكر بذكرهم".
63."الذين آمنوا وكانوا يتقون"وقيل الذين آمنوا وكانوا يتقون بيان لتوليهم إياه .
63. Those who believe and keep their duty (to Allah),
63 - Those who believe and (constantly) guard against evil;