62 - (وإن يريدوا أن يخدعوك) بالصلح ليستعدوا لك (فإن حسبك) كافيك (الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وإن يرد، يا محمد، هؤلاء الذين أمرتك بأن تنبذ إليهم على سواء إن خفت منهم خيانة، وبمسالمتهم إن جنحوا للسلم، خداعك والمكر بك، " فإن حسبك الله "، يقول: فإن الله كافيكهم وكافيك خداعهم إياك، لأنه متكفل بإظهار دينك على الأديان، ومتضمن أن يجعل كلمته العليا وكلمة أعدائه السفلى، " هو الذي أيدك بنصره "، يقول: الله الذي قواك بنصره إياك على أعدائه، " وبالمؤمنين "، يعني: بالأنصار.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد : " وإن يريدوا أن يخدعوك "، قال: قريظة.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحق : " وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله "، هو من وراء ذلك.
حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي : " هو الذي أيدك بنصره "، قال: بالأنصار.
قوله تعالى: "وإن يريدوا أن يخدعوك" أي بأن يظهروا لك السلم، ويبطنوا الغدر والخيانة، فاجنح فما عليك من نياتهم الفاسدة. "فإن حسبك الله" كافيك الله، أي يتولى كفايتك وحياطتك. قال الشاعر:
إذا كانت الهيجاء وانشقت العصا فحسبك والضحاك سيف مهند
أي كافيك وكافي الضحاك سيف.
قوله تعالى: "هو الذي أيدك بنصره" أي قواك بنصره. يريد يوم بدر. "وبالمؤمنين" قال النعمان بن بشير: نزلت في الأنصار.
يقول تعالى: إذا خفت من قوم خيانة, فانبذ إليهم عهدهم على سواء, فإن استمروا على حربك ومنابذتك, فقاتلهم "وإن جنحوا" أي مالوا "للسلم" أي المسالمة والمصالحة والمهادنة, "فاجنح لها" أي فمل إليها واقبل منهم ذلك, ولهذا لما طلب المشركون, عام الحديبية الصلح, ووضع الحرب بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم, تسع سنين, أجابهم إلى ذلك مع ما اشترطوا من الشروط الأخر. وقال عبد الله بن الإمام أحمد: حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي, حدثني فضيل بن سليمان يعني النميري, حدثنا محمد بن أبي يحيى, عن إياس بن عمرو الأسلمي, عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه سيكون اختلاف أو أمر فإن استطعت أن يكون السلم فافعل" وقال مجاهد: نزلت في بني قريظة, وهذا فيه نظر, لأن السياق كله في وقعة بدر, وذكرها مكتنف لهذا كله, وقال ابن عباس ومجاهد وزيد بن أسلم وعطاء الخراساني وعكرمة والحسن وقتادة: إن هذه الاية منسوخة بآية السيف في براءة " قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر " الاية, وفيه نظر أيضاً, لأن آية براءة فيها الأمر بقتالهم إذا أمكن ذلك, فأما إن كان العدو كثيفاً فإنه يجوز مهادنتهم, كما دلت عليه هذه الاية الكريمة, وكما فعل النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية, فلا منافاة ولا نسخ ولا تخصيص, والله أعلم. وقوله "وتوكل على الله" أي صالحهم وتوكل على الله, فإن الله كافيك وناصرك ولو كانوا يريدون بالصلح خديعة, ليتقووا ويستعدوا "فإن حسبك الله" أي كافيك وحده, ثم ذكر نعمته عليه مما أيده به من المؤمنين المهاجرين والأنصار, فقال: " هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين * وألف بين قلوبهم " أي جمعها على الإيمان بك, وعلى طاعتك ومناصرتك وموازرتك, "لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم" أي لما كان بينهم من العداوة والبغضاء فإن الأنصار كانت بينهم حروب كثيرة في الجاهلية, بين الأوس والخزرج, وأمور يلزم منها التسلسل في الشر, حتى قطع الله ذلك بنور الإيمان, كما قال تعالى: " واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون ".
وفي الصحيحين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خطب الأنصار, في شأن غنائم حنين, قال لهم: "يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلالاً فهداكم الله بي, وعالة فأغناكم الله بي, وكنتم متفرقين فألفكم الله بي" كلما قال شيئاً قالوا الله ورسوله أمن, ولهذا قال تعالى: "ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم" أي عزيز الجناب, فلا يخيب رجاء من توكل عليه, حكيم في أفعاله وأحكامه, وقال الحافظ أبو بكر البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ, أنبأنا علي بن بشر الصيرفي القزويني في منزلنا, أنبأنا أبو عبد الله محمد بن الحسين القنديلي الاستراباذي, حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن النعمان الصفار, حدثنا ميمون بن الحكم, حدثنا بكر بن الشرود, عن محمد بن مسلم الطائفي, عن إبراهيم بن ميسرة عن طاوس, عن ابن عباس, قال: قرابة الرحم تقطع, ومنة النعمة تكفر, ولم ير مثل تقارب القلوب, يقول الله تعالى: "لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم" وذلك موجود في الشعر:
إذا بت ذو قربى إليك بزلـــــــــة فغشك واستغنى فليس بذي رحم
ولكن ذا القربى الذي إن دعوته أجاب وأن يرمي العدو الذي ترمي
قال: ومن ذلك قول القائل:
ولقد صحبت الناس ثم سبرتهم وبلوت ما وصلوا من الأسباب
فإذا القرابة لا تقرب قاطعــــــاً وإذا المودة أقرب الأسباب
قال البيهقي: لا أدري هذا موصول بكلام ابن عباس أو هو من قول من دونه من الرواة, وقال أبو إسحاق السبيعي عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه, سمعه يقول: "لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم" الاية, قال هم المتحابون في الله. وفي رواية نزلت في المتحابين في الله. رواه النسائي والحاكم في مستدركه وقال: صحيح, وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه, عن ابن عباس, قال: إن الرحم لتقطع, وإن النعمة لتكفر, وإن الله إذا قارب بين القلوب لم يزحزحها شيء, ثم قرأ "لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم" رواه الحاكم أيضاً, وقال أبو عمرو الأوزاعي: حدثني عبدة بن أبي لبابة عن مجاهد, ولقيته فأخذ بيدي فقال: إذا التقى المتحابان في الله فأخذ أحدهما بيد صاحبه وضحك إليه, تحاتت خطاياهما كما تحات ورق الشجر. قال عبدة: فقلت له: إن هذا ليسير, فقال: لا تقل ذلك فإن الله يقول "لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم" قال عبدة: فعرفت أنه أفقه مني, وقال ابن جرير: حدثنا أبو كريب, حدثنا ابن يمان, عن إبراهيم الجزري عن الوليد بن أبي مغيث, عن مجاهد, قال: إذا التقى المسلمان فتصافحا غفر لهما, قال قلت لمجاهد بمصافحة يغفر لهما ؟ قال مجاهد: أما سمعته يقول: "لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم" فقال الوليد لمجاهد: أنت أعلم مني, وكذا روى طلحة بن مصرف عن مجاهد, وقال ابن عون عن عمير بن إسحاق, قال: كنا نتحدث أن أول ما يرفع من الناس الإلفة, وقال الحافظ أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني رحمه الله: حدثنا الحسين بن إسحاق التستري, حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري, حدثنا سالم بن غيلان, سمعت جعداً أبا عثمان, حدثني أبو عثمان النهدي, عن سلمان الفارسي, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن المسلم إذا لقي أخاه المسلم فأخذ بيده, تحاتت عنهما ذنوبهما, كما تحات الورق عن الشجرة اليابسة في يوم ريح عاصف, وإلا غفر لهما ذنوبهما ولو كانت مثل زبد البحار".
62- "وإن يريدوا أن يخدعوك" بالصلح، وهم مضمرون الغدر والخدع "فإن حسبك الله" أي كافيك ما تخافه من شرورهم بالنكث والغدر، وجملة "هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين" تعليلية: أي لا تخف من خدعهم ومكرهم فإن الله الذي قواك عليهم بالنصر فيما مضى، وهو يوم بدر هو الذي سينصرك ويقويك عليهم عند حدوث الخدع والنكث، والمراد بالمؤمنين المهاجرين والأنصار.
62 - " وإن يريدوا أن يخدعوك " ، يغدروا بك . قال مجاهد : يعني بني قريظة . " فإن حسبك الله " ، كافيك الله ، " هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين " ، أي : بالأنصار .
62. " وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله" فإن محسبك الله وكافيك قال جرير:
إني وجدت من المكارم حسبكم أن تلبسوا حر الثياب وتشبعوا
" هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين " جميعاً .
62. And if they would deceive thee, then lo! Allah is sufficient for thee. He it is Who supporteth thee with His help and with the believers,
62 - Should they intend to deceive thee, verily God sufficeth thee: he it is that hath strengthened thee with his aid and with (the company of) the believers;