62 - (أبْلِغُكم) بالتخفيف والتشديد (رسالات ربي وأنصح) أريد الخير (لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون)
قال أبو جعفر : وهذا خبر من الله جل ثناؤه عن نبيه نوح عليه السلام أنه قال لقومه الذين كفروا بالله وكذبوه : " ولكني رسول من رب العالمين " ، أرسلني إليكم ، فانا أبلغكم رسالات ربي ، وأنصح لكم في تحذيري إياكم عقاب الله على كفركم به ، وتكذيبكم إياي ، وردكم نصيحتي ، " وأعلم من الله ما لا تعلمون " ، من أن عقابه لا يرد عن القوم المجرمين .
"أبلغكم" بالتشديد من التبليغ، وبالتخفيف من الإبلاغ. وقيل: هما بمعنىً واحد لغتان، مثل كرمه وأكرمه. "وأنصح لكم" النصح: إخلاص النية من شوائب الفساد في المعاملة، بخلاف الغش. يقال: نصحته ونصحت له نصيحةً ونصاحة ونصحا. وهو باللام أفسح. قال الله تعالى: وأنصح لكم والاسم النصيحة. والنصيح الناصح، وقوم نصحاء. ورجل ناصح الجيب أي نقي القلب. قال الأصمعي: الناصح الخالص من العسل وغيره. مثل الناصع. وكل شيء خلص فقد نصح. وانتصح فلان أقبل على النصيحة. يقال: انتصحني إنني لك ناصح. والناصح الخياط. والنصاح السلك يخاط به. والنصاحات أيضاً الجلود. قال الأعشى:
فترى الشرب نشاوى كلهم مثل ما مدت نصاحات الربح
الربح لغة في الربع، وهو الفصيل. والربح أيضاً طائر. وسيأتي لهذا زيادة معنىً في براءة إن شاء الله تعالى.
لما ذكر تعالى قصة آدم في أول السورة وما يتعلق بذلك وما يتصل به وفرغ منه شرع تعالى في ذكر قصص الأنبياء عليهم السلام الأول فالأول فابتدأ بذكر نوح عليه السلام فإنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض بعد آدم عليه السلام وهو نوح بن لامك بن متوشلح بن أخنوخ وهو إدريس النبي عليه السلام فيما يزعمون وهو أول من خط بالقلم ابن برد بن مهليل بن قنين بن يانش بن شيث بن آدم عليهم السلام هكذا نسبه محمد بن إسحاق وغير واحد من أئمة النسب.
قال محمد بن إسحاق ولم يلق نبي من قومه من الأذى مثل نوح إلا نبي قتل وقال يزيد الرقاشي إنما سمي نوح لكثرة ما ناح على نفسه وقد كان بين آدم إلى زمن نوح عليهما السلام عشرة قرون كلهم على الإسلام قال عبد اللهبن عباس وغير واحد من علماء التفسير وكان أول ما عبدت الأصنام أن قوماً صالحين ماتوا فبنى قومهم عليهم مساجد وصوروا صورة أولئك فيها ليتذكروا حالهم وعبادتهم فيتشبهوا بهم فلما طال الزمان جعلوا أجساداً على تلك الصور فلما تمادى الزمان عبدوا تلك الأصنام وسموها بأسماء أولئك الصالحين وداً وسواعاً ويغوث ويعوق ونسراً فلما تفاقم الأمر بعث الله سبحانه وتعالى وله الحمد والمنة رسوله نوحاً فأمرهم بعبادة الله وحده لا شريك له فقال " يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم " أي من عذاب يوم القيامة إذا لقيتم الله وأنتم مشركون به "قال الملأ من قومه" أي الجمهور والسادة والقادة والكبراء منهم "إنا لنراك في ضلال مبين" أي في دعوتك إيانا إلى ترك عبادة هذه الأصنام التي وجدنا عليها آباءنا وهكذا حال الفجار إنما يرون الأبرار في ضلالة كقوله " وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون " "وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيراً ما سبقونا إليه وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم" إلى غير ذلك من الايات "قال يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين" أي ما أنا ضال ولكن أنا رسول من رب العالمين رب كل شيء ومليكه "أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون" وهذا شأن الرسول أن يكون مبلغاً فصيحاً ناصحاً عالماً بالله لا يدركهم أحد من خلق الله في هذه الصفات كما جاء في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يوم عرفة وهم أوفر ما كانوا وأكثر جمعاً "أيها الناس إنكم مسؤولون عني فما أنتم قائلون ؟" قالوا نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت فجعل يرفع أصبعه إلى السماء وينكسها عليهم ويقول "اللهم اشهد اللهم اشهد".
وجملة 62- "أبلغكم رسالات ربي" في محل رفع على أنها صفة لرسول، أو هي مستأنفة مبينة لحال الرسول. والرسالات: ما أرسله الله به إليهم مما أوحاه إليه "وأنصح لكم" عطف على "أبلغكم" يقال: نصحته ونصحت له، وفي زيادة اللام دلالة على المبالغة في إمحاض النصح. وقال الأصمعي: الناصح: الخالص من الغل، وكل شيء خلص فقد نصح، فمعنى أنصح هنا: أخلص النية لكم عن شوائب الفساد، والاسم النصيحة وجملة "وأعلم من الله ما لا تعلمون" معطوفة على الجملة التي قبلها مقررة لرسالته ومبينة لمزيد علمه، وأنه يختص بعلم الأشياء التي لا يعلمونها بإخبار الله له بذلك.
62- " أبلغكم " قرأ أبو عمرو: " أبلغكم " بالتخفيف حيث كان من الإبداع. لقوله: " لقد أبلغتكم " [ الأعراف-93 ] " رسالات ربي "، [ " ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم " وقرأ الآخرون بالتشديد من التبليغ لقوله تعالى: " بلغ ما أنزل إليك " [ المائدة-67 ]، رسالات ربي ] " وأنصح لكم "، يقال نصحته ونصحت له. والنصح أن يريد لغيره من الخير ما يريد لنفسه، " وأعلم من الله ما لا تعلمون "، أن عقابه لا يرد عن القوم المجرمين.
62." أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون " صفات لرسول أو استئناف ، ومساقها على الوجهين لبيان كونه رسولاً . وقرأ أبو عمرو " أبلغكم " بالتخفيف وجمع الرسالات لاختلاف أوقاتها أو لتنوع معانيها كالعقائد والمواعظ والأحكام ، أو لأن المراد بها ما أوحي إليه وإلى الأنبياء قبله ، كصحف شيث وإدريس وزيادة اللام في لكم للدلالة على إمحاض النصح لهم ، وفي أعلم من الله تقريراً لما أوعدهم به فإن معناه أعلم من قدرته وشدة بطشه أو من جهته بالوحي أشياء لا علم لكم بها.
62. I convey unto you the messages of my Lord and give good counsel unto you, and know from Allah that which ye know not.
62 - I but fulfil towards you the duties of my Lord's mission: sincere is my advice to you, and I know from God something that ye know not.