61 - (وينجي الله) من جهنم (الذين اتقوا) الشرك (بمفازتهم) بمكان فوزهم من الجنة بأن يجعلوا فيه (لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون)
يقول تعالى ذكره : وينجي الله من جهنم وعذابها ، الذين اتقوه بأداء فرائضه ، واجتناب معاصيه في الدنيا ، بمفازتهم : يعني بفوزهم ، وهي مفعلة منه .
وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل ، وإن خالفت ألفاظ بعضهم اللفظة التي قلناها في ذلك .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي ، في قوله : " وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم " قال : بفضائلهم .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : " وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم " قال : بأعمالهم ، قال : والآخرون يحملون أوزارهم يوم القيامة " ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون " [ النحل : 25 ] .
واختلف القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء المدينة ، وبعض قراء مكة والبصرة " بمفازتهم " على التوحيد . وقرأته عامة قراء الكوفة < بمفازتهم > على الجماع .
والصواب عندي من القول في ذلك أنهما قراءتان مستفيضتان ، قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القراء فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب ، لاتفاق معنييهما ، والعرب توحد مثل ذلك أحياناً وتجمع بمعنى واحد ، فيقول أحدهم : سمعت صوت القوم ، وسمعت أصواتهم ، كما قال جل ثناؤه : " إن أنكر الأصوات لصوت الحمير " [ لقمان : 19 ] ، ولم يقل : أصوات الحمير ، ولو جاء ذلك كذلك كان صواباً .
وقوله : " لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون " يقول تعالى ذكره : لا يمس المتقين من أذى جهنم شيء ، وهو السوء الذي أخبر جل ثناؤه أنه لن يمسهم ، ولا هم يحزنون : يقول : ولا هم يحزنون على ما فاتهم من آراب الدنيا ، إذ صاروا إلى كرامة الله ونعم الجنان .
قوله تعالى : " وينجي الله الذين اتقوا " وقرئ : ( وينجى ) أي من الشرك والمعاصي . " بمفازتهم " على الوحيد قراءة العامة لأنها مصدر . وقرأ الكوفيون : ( بمفازاتهم ) وهو جائز كما تقول بسعاداتهم . وعن النبي صلى الله عليه وسلم تفسير هذه الآية من حديث أبي هريرة ، قال : " يحشر الله مع كل امرئ عمله فيكون عمل المؤمن معه في أحسن صورة وأطيب ريح فكلما كان رعب أو خوف قال له لا ترع فما أنت بالمراد به ولا أنت بالمعنى به فإذا كثر ذلك عليه قال فما أحسنك فمن أنت فيقول أما تعرفني أنا عملك الصالح حملتني على ثقلي فوالله لأحملنك ولأدفعن عنك فهو التي قال الله : " وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون " ". " الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل "أي حافظ وقائم به . وقد تقدم .
يوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة أليس في جهنم مثوًى للمتكبرين * وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون يخبر تعالى عن يوم القيامة أنه تسود فيه وجوه وتبيض فيه وجوه, تسود وجوه أهل الفرقة والاختلاف, وتبيض وجوه أهل السنة والجماعة قال تعالى ههنا: "ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله" أي في دعواهم له شريكاً وولداً "وجوههم مسودة" أي بكذبهم وافترائهم وقوله تعالى: " أليس في جهنم مثوى للمتكبرين " أي أليست جهنم كافية لهم سجناً وموئلاً لهم فيها الخزي والهوان بسبب تكبرهم وتجبرهم وإبائهم عن الانقياد للحق. قال ابن أبي حاتم حدثنا أبو عبيد الله ابن أخي ابن وهب حدثنا عمي حدثنا عيسى بن أبي عيسى الخياط عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن المتكبرين يحشرون يوم القيامة أشباه الذر في صور الناس يعلوهم كل شيء من الصغار حتى يدخلوا سجنا من النار في واد يقال له بولس من نار الأنيار ويسقون من عصارة أهل النار ومن طينة الخبال". وقوله تبارك وتعالى: "وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم" أي بما سبق لهم من السعادة والفوز عند الله "لا يمسهم السوء" أي يوم القيامة "ولا هم يحزنون" أي ولا يحزنهم الفزع الأكبر بل هم آمنون من كل فزع مزحزحون عن كل شر نائلون كل خير.
61- "وينجي الله الذين اتقوا" أي اتقوا الشرك ومعاصي الله، والباء في "بمفازتهم" متعلقة بمحذوف هو حال من الموصول: أي ملتبسين بمفازتهم. قرأ الجمهور "بمفازتهم" بالإفراد على أنها مصدر ميمي والفوز: الظفر باخير والنجاة من الشر. قال المبرد: المفازة مفعلة من الفوز وهو السعادة، وإن جمع فحسن: كقولك السعادة والسعادات. والمعنى ينجيهم الله بفوزهم: أي بنجاتهم من النار وفوزهم بالجنة. وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر "بمفازتهم" جمع مفازة، وجمعها مع كونها مصدراً لاختلاف الأنواع، وجملة "لا يمسهم السوء" في محل نصب على الحال من الموصول، وكذلك جملة "ولا هم يحزنون" في محل نصب على الحال: أي ينفي السوء والحزن عنهم، يوجوز أن تكون الباء في بمفازتهم للسببية: أي بسبب فوزهم مع انتفاء مساس السوء لهم وعدم وصول الحزن إلى قلوبهم لأنهم رضوا بثواب الله وأمنوا من عقابه.
وقد أخرج ابن أبي حاتم قال السيوطي بسند صيحيح وابن مردويه عن ابن عباس قال: أنزلت "قل يا عبادي الذين أسرفوا" الآية في مشركي أهل مكة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عمر قال: كنا نقول ليس لمفتتن توبة وما الله بقابل منه شيئاً، عرفوا الله وآمنوا به وصدقوا رسوله ثم رجعوا عن ذلك لبلاء أصابهم، وكانوا يقولونه لأنفسهم، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أنزل الله فيهم "يا عبادي الذين أسرفوا" الآيات، قال ابن عمر: فكتبتها بيدي، ثم بعثت بها إلى هشام بن العاصي. وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي سعيد قال: لما أسلم وحشي أنزل أنزل الله "والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق" قال وحشي وأصحابه: قد ارتكبنا هذا كله، فأنزل الله "قل يا عبادي الذين أسرفوا" الآية. وأخرج البخاري في الأدب المفرد عن أبي هريرة قال: "خرج النبي صلى الله عليه وسلم على رهط من أصحابه وهم يضحكون ويتحدثون فقال: والذي نفسي بيده لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، ثم انصرف وأبكى القوم، وأوحى الله إليه: يا محمد لم تقنط عبادي فرجع النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أبشروا وسددوا وقاربوا". وأخرج ابن مردويه والبيهقي في سننه عن عمر بن الخطاب أنها نزلت فيمن أفتن. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس أنها نزلت في مشركي مكة لما قالوه إن الله لا يغفر لهم ما قد اقترفوه من الشرك وقتل الأنفس وغير ذلك. وأخرج أحمد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه واليبيهقي في الشعب عن ثوبان: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما أحب أن لي الدنيا وما فيها بهذه الآية "يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم" إلى آخر الآية، فقال رجل ومن أشرك؟ فسكت النبي صلى الله عليه وسلم، قال ألا ومن أشرك ثلاث مرات". وأخرج أحمد وعبد بن حيمد وأبو داود والترمذي وحسنه وابن المنذر وابن الأنباري في المصاحف والحاكم وابن مردويه عن أسماء بنت يزيد" سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً ولا يبالي إنه هو الغفور الرحيم". وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا في حسن الظن بالله وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود أنه مر على قاض يذكر الناس فقال: يا مذكر الناس لا تقنط الناس، ثم قرأ "يا عبادي الذين أسرفوا" الآية. وأخرج ابن جرير عن ابن سيرين قال: قال علي: أي آية أوسع؟ فجعلوا يذكرون آيات من القرآن "من يعمل سوءاً أو يظلم نفسه" الآية ونحوها، فقال علي: ما في القرآن أوسع من "يا عبادي" الآية. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: "يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم" الآية قال: قد دعا الله إلى مغفرته من زعم أن المسيح ابن الله، ومن زعم أن عزيزاً ابن الله، ومن زعم أن الله فقير، ومن زعم أن يد الله مغلولة، ومن زعم أن الله ثالث ثلاثة يقول لهؤلاء "أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم" ثم دعا إلى توبته من هو أعظم قولاً من هؤلاء من "قال أنا ربكم الأعلى" وقال "ما علمت لكم من إله غيري" قال ابن عباس، ومن آيس العباد من التوبة بعد هذا فقد جحد كتاب الله، ولكن لا يقدر العبد أن يتوب حتى يتوب الله عليه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "أن تقول نفس" قال: أخبر الله ما العباد قائلون قبل أن يقولوا، وعلمهم قبل أن يعلموا.
61. " وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم "، قرأ حمزة ، و الكسائي ، و أبو بكر : (( بمفازتهم )) بالألف على الجمع، أي: بالطرق التي تؤديهم إلى الفوز والنجاة، وقرأ الآحرون: (( بمفازتهم )) على الواحد لأن المفازة بمعنى الفوز، أي: ينجيهم بفوزهم من النار بأعمالهم الحسنة. قال المبرد : المفازة مفعلة من الفوز، والجمع حسن كالسعادة والسعادات. " لا يمسهم السوء "، لا يصيبهم المكروه، " ولا هم يحزنون ".
61-" وينجي الله الذين اتقوا " وقرئ وينجي " بمفازتهم " بفلاحهم مفعلة من الفوز وتفسيرها بالنجاة تخصيصها بأهم أقسامه وبالسعادة والعمل الصالح إطلاق لها على السبب ، وقرأ الكوفيون غير حفص بالجمع تطبيقاً لهم بالمضاف إليه والباء فيها للسببية صلة لينجي أو قوله : " لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون " وهو حال أو استئناف لبيان المفازة .
61. And Allah delivereth those who ward off (evil) because of their deserts. Evil toucheth them not, nor do they grieve.
61 - But God will deliver the righteous to their place of salvation: no evil shall touch them, nor shall they grieve.