61 - (ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم) بالمعاصي (ما ترك عليها) أي الأرض (من دابة) نسمة تدب عليها (ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون) عنه (ساعة ولا يستقدمون) عليه
يقول تعالى ذكره : "ولو يؤاخذ الله" عصاة بني آدم بمعاصيهم "ما ترك عليها" يعني على الأرض "من دابة" تدب عليها "ولكن يؤخرهم" يقول : ولكن بحلمه يؤخر هؤلاء الظلمة فلا يعاجلهم بالعقوبة "إلى أجل مسمى" يقول : إلى وقتهم الذي وقت لهم ، "فإذا جاء أجلهم" يقول :فإذا جاء الوقت الذي وقت لهلاكهم "لا يستأخرون" عن الهلاك ساعة فيمهلون "ولا يستقدمون" له حتى يستوفوا آجالهم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، قال :كاد الجعل أن يعذب بذنب بني آدم ،وقرأ "لو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة" .
حدثنا محمد بن المثنى ، قال :حدثنا إسماعيل بن حكيم الخزاعي ،قال : حدثنا محمد بن جابر الجعفي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، قال : سمع أبو هريرة رجلاً وهو يقول : إن الظالم لا يضر إلا نفسه ،قال : فالتفت إليه فقال : بلى ، والله إن الحبارى لتموت في وكرها هزالاً بظلم الظالم .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا أبو عبيدة الحداد ، قال :حدثنا قرة بن خالد السدوسي ، عن الزبير ابن عدي ، قال : قال ابن مسعود : خطيئة ابن آدم قتلت الجعل .
حدثنا أبو السائب ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة ، قال : قال عبد الله : كاد الجعل أن يهلك في جحره بخطيئة ابن آدم .
حدثني المثنى ، قال : أخبرنا إسحاق ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، قال الله : "فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون" قال :نرى أنه إذا حضر أجله فلا يؤخر ساعة ، ولا يقدم ، ما لم يحضر أجله ، فإن الله يؤخر ما شاء ، ويقدم ما شاء .
قوله تعالى: " ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم " أي بكفرهم وافترائهم، وعاجلهم. " ما ترك عليها " أي على الأرض فهو كناية عن غير مذكور، لكن دل عليه قوله: " من دابة " فإن الدابة لا تدب إلا على الأرض. والمعنى المراد من دابة كافرة، فهو خاص. وقيل: المعنى أنه لو أهلك الآباء بكفرهم لم تكن الأبناء. وقيل: المراد بالآية العموم، أي لو آخذ الله الخلق بما كسبوا ما ترك على ظهر هذه الأرض من دابة من نبي ولا غيره، وهذا قول الحسن. وقال ابن مسعود وقرأ هذه الآية: لو آخذ الله الخلائق بذنوب المذنبين لأصاب العذاب جميع الخلق حتى الجعلان في جحرها، ولأمسك الأمطار من السماء والنبات من الأرض فمات الدواب، ولكن الله يأخذ بالعفو والفضل، كما قال: " ويعفو عن كثير " ( الشورى: 30). " فإذا جاء أجلهم " أي أجل موتهم ومنتهى أعمارهم. " لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون " وقد تقدم. فإن قيل: كيف يعم بالهلاك مع أن فيهم مؤمناً ليس بظالم؟ قيل: يجعل هلاك الظالم انتقاماً وجزاء، وهلاك المؤمن معوضاً بثواب الأخرة. وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إذا أراد الله بقوم عذاباً أصاب العذاب من كان فيهم ثم بعثوا على نياتهم". وعن أم سلمة وسئلت عن الجيش الذي يخسف به وكان ذلك في أيام ابن الزبير، فقالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يعوذ بالبيت عائذ فيبعث إليه بعث فإذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بهم" فقلت: يا رسول الله، فكيف بمن كان كارهاً؟ قال: " يخسف به معهم ولكنه يبعث يوم القيامة على نيته". وقد أتينا على هذا المعنى مجوداً في كتاب التذكرة وتقدم في ( المائدة) وآخر ( الأنعام) ما فيه كفاية، والحمد لله. وقيل: ( فإذا جاء أجلهم) أي فإذا جاء يوم القيامة. والله أعلم.
يخبر تعالى عن حلمه بخلقه مع ظلمهم وأنه لو يؤاخذهم بما كسبوا ما ترك على ظهر الأرض من دابة أي لأهلك جميع دواب الأرض تبعاً لإهلاك بني آدم, ولكن الرب جل جلاله يحلم ويستر, وينظر إلى أجل مسمى أي لا يعاجلهم بالعقوبة, إذ لو فعل ذلك بهم لما أبقى أحداً. قال سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص أنه قال: كاد الجعل أن يعذب بذنب بني آدم, وقرأ الاية "ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة" وكذا روى الأعمش عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة قال: قال عبد الله: كاد الجعل أن يهلك في جحره بخطيئة بني آدم. وقال ابن جرير: حدثني محمد بن المثنى, حدثنا إسماعيل بن حكيم الخزاعي, حدثنا محمد بن جابر الحنفي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة قال: سمع أبو هريرة رجلاً وهو يقول: إن الظالم لا يضر إلا نفسه, قال: فالتفت إليه, فقال: بلى والله حتى إن الحباري لتموت في وكرها بظلم الظالم.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين, أنبأنا الوليد بن عبد الملك, حدثنا عبيد الله بن شرحبيل, حدثنا سليمان بن عطاء عن مسلمة بن عبد الله عن عمه أبي مشجعة بن ربيعة عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: ذكرنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إن الله لا يؤخر شيئاً إذا جاء أجله, وإنما زيادة العمر بالذرية الصالحه يرزقها الله العبد فيدعون له من بعده فيلحقه دعاؤهم في قبره فذلك زيادة العمر".
وقوله: "ويجعلون لله ما يكرهون" أي من البنات ومن الشركاء الذين هم عبيده وهم يأنفون أن يكون عند أحدهم شريك له في ماله.
وقوله: "وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى" إنكار عليهم في دعواهم مع ذلك أن لهم الحسنى في الدنيا وإن كان ثم معاد ففيه أيضاً لهم الحسنى, وإخبار عن قيل من قال منهم, كقوله: " ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة ثم نزعناها منه إنه ليؤوس كفور * ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليقولن ذهب السيئات عني إنه لفرح فخور " وقوله: "ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي وما أظن الساعة قائمة ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى فلننبئن الذين كفروا بما عملوا ولنذيقنهم من عذاب غليظ". وقوله: "أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالاً وولداً" وقال إخباراً عن أحد الرجلين أنه "دخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبداً * وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيراً منها منقلباً" فجمع هؤلاء بين عمل السوء وتمني الباطل بأن يجازوا على ذلك حسناً وهذا مستحيل, كما ذكر ابن إسحاق إنه وجد حجر في أساس الكعبة حين نقضوها ليجددوها مكتوب عليه حكم ومواعظ, فمن ذلك: تعلمون السيئات وتجوزن الحسنات ؟ أجل كما يجتنى من الشوك العنب.
وقال مجاهد وقتادة: "وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى" أي الغلمان. وقال ابن جرير: "أن لهم الحسنى" أي يوم القيامة كما قدمنا بيانه, وهو الصواب, ولله الحمد, ولهذا قال تعالى راداً عليهم في تمنيهم ذلك: "لا جرم" أي حقاً لا بد منه "أن لهم النار" أي يوم القيامة "وأنهم مفرطون" قال مجاهد وسعيد بن جبير وقتادة وغيرهم: منسيون فيها مضيعون وهذا كقوله تعالى: "فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا". وعن قتادة أيضا: مفرطون أي معجلون إلى النار من الفرط, وهو السابق إلى الورد, ولا منافاة لأنهم يعجل بهم يوم القيامة إلى النار وينسون فيها أي يخلدون .
ثم لما حكى سبحانه عن القوم عظيم كفرهم بين سعة كرمه وحلمه حيث لم يعاجلهم بالعقوبة ولم يؤاخذهم بظلمهم، فقال: 61- "ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم" والمراد بالناس هنا الكفار أو جميع العصاة "ما ترك عليها" أي على الأرض وإن لم يذكر فقد دل عليها ذكر الناس وذكر الدابة، فإن الجميع مستقرون على الأرض، والمراد بالدابة الكافر، وقيل كل ما دب، وقد قيل على هذا كيف يعم بالهلاك مع أن فيهم من لا ذنب له؟ وأجيب بإهلاك الظالم انتقاماً منه، وإهلاك غيره إن كان من أهل التكليف فلأجل توفير أجره، وإن كان من غيرهم فبشؤم ظلم الظالمين، ولله الحكمة البالغة "لا يسأل عما يفعل وهم يسألون"، ومثل هذا قوله: "واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة". وفي معنى هذا أحاديث منها ما عند مسلم وغيره من حديث ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "إذا أراد الله بقوم عذاباً أصاب العذاب من كان فيهم ثم بعثوا على نياتهم" وكذلك حديث الجيش "الذين يخسف بهم في البيداء، وفي آخره: أنهم يبعثون على نياتهم" وقد قدمنا عند تفسير قوله سبحانه: "واتقوا فتنة" الآية تحقيقاً حقيقاً بالمراجعة له "ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى" معلوم عنده وهو منتهى حياتهم وانقضاء أعمارهم أو أجل عذابهم، وفي هذا التأخير حكمة بالغة منها الإعذار إليهم وإرخاء العنان معهم، ومنها حصول من سبق في علمه من أولادهم "فإذا جاء أجلهم" الذي سماه لهم حقت عليهم كلمة الله سبحانه في ذلك الوقت من دون تقدم عليه ولا تأخر عنه، والساعة المدة القليلة، وقد تقدم تفسيرها هذا وتحقيقه.
61 - " ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم " ، فيعاجلهم بالعقوبة على كفرهم وعصيانهم ، " ما ترك عليها" ، أي : على الأرض ،كناية عن غير مذكور ،" من دابة " .
وقال قتادة في الآية : قد فعل الله ذلك في زمن نوح ، فأهلك من على الأرض ، إلا من كان في سفينة نوح عليه السلام .
روى أن أبا هريرة سمع رجلاً يقول : إن الظالم لا يضر إلا نفسه ، فقال : بئس ما قلت إن الحبارى تموت في وكرها بظلم الظالم .
وقال ابن مسعود : إن الجعل لتعذب في جحرها بذنب ابن آدم .
وقيل : معنى الآية : لو يؤاخذ الله آباء الظالمين بظلمهم انقطع النسل ، ولم توجد الأبناء ، فلم يبق في الأرض أحد .
" ولكن يؤخرهم إلى أجل " ، يمهلهم بحلمه إلى أجل ، " مسمىً " ، إلى منتهى آجالهم وانقطاع أعمارهم . " فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون " .
61."ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم"بكفرهم ومعاصيهم ."ما ترك عليها"على الأرض ، وإنما أضمرها من غير ذكر لدلالة الناس والدابة عليها."من دابة"قط بشؤم ظلمهم.وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه : كاد الجعل يهلك في حجره بذنب ابن آدم أو من دابة ظالمة . وقيل لو أهلك الآباء بكفرهم لم يكن الأبناء ."ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى"سماه لأعمارهم أو لعذابهم كي يتوالدوا ."فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعةً ولا يستقدمون"بل هلكوا أو عذبوا حينئذ لا محالة ، ولا يلزم من عموم الناس وإضافة الظلم إليهم أن يكونوا كلهم ظالمين حتى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، لجواز أن يضاف إليهم ما شاع فيهم وصدر عن أكثرهم.
61. If Allah were to take mankind to task for their wrong doing, he would not leave hereon a living creature, but He reprieveth them to an appointed term, and when their term cometh they cannot put (it) off an hour nor (yet) advance (it).
61 - If God were to punish men for their wrong doing, he would not leave, on the (earth), a single living creature: but he gives them respite for a stated term: when their term expires, they would not be able to delay (the punishment) for a single hour, just as they would not be able to anticipate it (for a single hour).