61 - (و) أرسلنا (إلى ثمود أخاهم) من القبيلة (صالحاً قال يا قوم اعبدوا الله) وحِّدوه (ما لكم من إله غيره هو أنشأكم) ابتدأ خلقكم (من الأرض) بخلق أبيكم آدم منها (واستعمركم فيها) جعلكم عماراً تسكنون بها (فاستغفروه) من الشرك (ثم توبوا) ارجعوا (إليه) بالطاعة (إن ربي قريب) من خلقه بعلمه (مجيب) لمن سأله
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : وأرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحاً فقال لهم : يا قوم ، اعبدوا الله وحده لا شريك له ، وأخلصوا له العبادة دون ما سواه من الآلهة ، فما لكم من إله غيره يستوجب عليكم العبادة ، ولا تجوز الألوهة إلا له ، "هو أنشأكم من الأرض" ، يقول : هو ابتدأ خلقكم من الأرض .
وإنما قال ذلك ، لأنه خلق آدم من الأرض ، فخرج الخطاب لهم ، إذ كان ذلك فعله بمن هم منه .
"واستعمركم فيها" ، يقول : وجعلكم عماراً فيها ، فكان المعنى فيه : أسكنكم فيها أيام حياتكم .
من قولهم : أعمر فلان فلانا داره ، و هي له عمرى .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن ابي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : "واستعمركم فيها" ، قال : أعمركم فيها .
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن ابي نجيح ، عن مجاهد : "واستعمركم فيها "، يقول :أعمركم .
وقوله : "فاستغفروه" ، يقول : اعملوا عملاً يكون سبباً لستر الله عليكم ذنوبكم ، وذلك الإيمان به ، وإخلاص العبادة له دون ما سواه ، واتباع رسوله صالح ، "ثم توبوا إليه" ، يقول : ثم اتركوا من الأعمال ما يكرهه ربكم ، إلى ما يرضاه ويحبه ، "إن ربي قريب مجيب" ، يقول : إن ربي قريب ممن أخلص له العبادة ورغب إليه في التوبة ، مجيب له إذا دعاه .
فيه خمسة مسائل:
الأولى: قوله تعالى: " وإلى ثمود " أي أرسلنا إلى ثمود " صالحا " أي في النسب. " وإلى ". وقرأ يحيى بن وثاب ( وإلى ثمود) بالتنوين في كل القرآن، وكذلك روي عن الحسن. واختلف سائر القراء فيه فصرفوه في موضع ولم يصرفوه في موضع. وزعم أبو عبيدة أنه لولا مخالفة السواد لكان الوجه ترك الصرف، إذ كان الأغلب عليه التأنيث. قال النحاس : الذي قال أبو عبيده - رحمه الله - من أن الغالب عليه التأنيث كلام مردود، لأن ثموداً يقال له حي، ويقال له قبيلة، وليس الغالب عليه القبيلة، بل الأمر على ضد ما قال عند سيبويه . والأجود عند سيبويه فيما لم يقل فيه بنو فلان الصرف، نحو قريش وثقيف وما أشبههما، وكذلك ثمود، والعلة في ذلك أنه لما كان التذكير الأصل، وكان يقع له مذكر ومؤنث كان الأصل الأخف أولى. والتأنيث جيد بالغ حسن. وأنشد سيبويه في التأنيث:
غلب المساميح الوليد سماحةً وكفى قريش المعضلات وسادها
الثانية: قوله تعالى: " قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره " تقدم. " هو أنشأكم من الأرض " أي ابتداء خلقكم من الأرض، وذلك أن آدم خلق من الأرض على ما تقدم في ( البقرة) و ( الأنعام) وهم منه. وقيل: أنشأكم في الأرض. ولا يجوز إدغام الهاء من ( غيره) في الهاء من ( هو) إلا على لغة من حذف الواو في الأدراج. " واستعمركم فيها " أي جعلكم عمارها وسكانها. قال مجاهد: ومعنى ( استعمركم) أعمركم من قوله: ( أعمر فلان فلاناً داره، فهي له عمرى) وقال قتادة: أسكنكم فيها، وعلى هذين القولين تكون استفعل بمعنى أفعل، مثل استجاب بمعنى أجاب. وقال الضحاك : أطال أعماركم، وكانت أعمارهم من ثلثمائة إلى ألف. ابن عباس: أعاشكم فيها. زيد بن أسلم: أمركم بعمارة ما تحتاجون إليه فيها من بناء مساكن، وغرس أشجار. وقيل: المعنى ألهمكم عمارتها من الحرث الغرس وحفر الأنهار وغيرها.
الثالثة: قال ابن العربي قال بعض علماء الشافعية: الاستعمار طلب العمارة، والطلب المطلق من الله تعالى على الوجوب، قال القاضي أبو بكر : تأتي كلمة استفعل في لسان العرب على معان: منها، استفعل بمنى طلب الفعل كقوله: استحملته أي طلبت منه حملاناً، وبمعنى اعتقد، كقولهم: استسهلت هذا الأمر اعتقدته سهلاً، أو وجدته سهلاً، واستعظمته أي اعتقدته عظيماً ووجدته، ومنه استفعلت بمعنى أصبت، كقولهم: استجدته أي أصبته جيداً. ومنها بمعنى فعل، كقوله: قر في المكان واستقر، وقالوا وقوله: ( يستهزئون) و ( يستسخرون) منه، فقوله تعالى: ( استعمركم فيها) خلقكم لعمارتها، لا على معنى استجدته واستسهلته، أي أصبته جيداً وسهلاً، وهذا يستحيل في الخالق، فيرجع إلى أنه خلق، لأن الفائدة، وقد يعبر عن الشيء بفائدته مجازاً، ولا يصح أن يقال: إنه طلب من الله تعالى لعمارتها، فإن اللفظ لا يجوز في حقه، أما إنه يصح أن يقال: أنه استدعى عمارتها فإنه جاء بلفظ استفعل، وهو استدعاء الفعل بالقول ممن هو دونه إذا كان أمراً، وطلب للفعل إذا كان من الأدنى إلى الأعلى رغبة.
قلت: لم يذكر استفعل بمعنى أفعل، مثل قوله: استوقد بمعنى أوقد، وقد ذكرناه وهي:
الرابعة: ويكون فيها دليل على الإسكان والعمرى وقد مضى القول في ( البقرة) في السكنى والرقبى. وأما العمرى فاختلف العلماء فهيا على ثلاثة أقوال: أحدها: أنها تمليك لمنافع الرقبة حياة المعمر مدة عمره، فإن لم يذكر عقباً فمات المعمر رجعت إلى الذي أعطاها أو لورثته هذا قول القاسم بن محمد ويزيد بن قسيط والليث بن سعد، وهو مشهور مذهب مالك ، وأحد أقوال الشافعي ، وقد تقدم في ( البقرة) حجة هذا القول. الثاني: أنها تمليك الرقبة ومنافعها وهي هبة مبتولة، وهو قول أبي حنيفة و الشافعي وأصحابهما و الثوري و الحسن بن حي و أحمد بن حنبل وابن شبرمة وأبي عبيد، قالوا: من أعمر رجلاً شيئاً حياته فهو له حياته، وبعد وفاته لورثته، لأن قد ملك رقبتها، وشرط المعطي الحياة والعمر باطل، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " العمرى جائزة ". و"العمرى لمن وهبت له ". الثالث: إن قال عمرك ولم يذكر العقب كان كالقول الأول: وإن قال لعقبك كان كالقول الثاني، وبه قال الزهري وأبو ثور وأبو سلمة بن عبد الرحمن وابن أبي ذئب، وقد روي عن مالك ، وهو ظاهر قوله في الموطأ . والمعروف عنه وعن أصحابه أنها ترجع إلى المعمر، إذا انقرضت عقب المعمر، إن كان المعمر حيا، وإلا فإلى من كان حيا من ورثته، وأولى الناس بميراثه. ولا يملك المعمر بلفظ العمرى عند مالك وأصحابه رقبة شيء من الأشياء، وإنما يملك بلفظ العمرى المنفعة دون الرقبة. وقد قال مالك في الحبس أيضاً: إذا حبس على رجل وعقبه أنه لا يرجع إليه. وإن حبس على رجل بعينه حياته رجع إليه، وكذلك العمرى قياساً، وهو ظاهر الموطأ . وفي صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أيما رجل أعمر رجلاً عمرى له ولعقبه فقال قد أعطيتكها وعقبك ما بقي منكم أحد فإنها لمن أعطيها وأنها لا ترجع إلى صاحبها من أجل أنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث ". وعنه قال:إن العمرى التي أجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول: "هي لك ولعقبك"، فأما إذا قال: هل لك ما عشت فإنها ترجع إلى صاحبها، قال معمر: وبذلك كان الزهري يفتي.
قلت: معنى القرآن يجري مع أهل القول الثاني، لأن الله سبحانه قال: ( واستعمركم) بمعنى أعمركم، فأعمر الرجل الصالح فيها مدة حياته بالعمل الصالح، وبعد موته بالذكر الجميل والثناء الحسن، وبالعكس الرجل الفاخر، فالدنيا ظرف لهما حياة وموتاً. وقد يقال: إن الثناء الحسن يجري مجرى العقب. وفي التنزيل: " واجعل لي لسان صدق في الآخرين " ( الشعراء: 84) أي ثناء حسناً. وقيل: هو محمد صلى الله عليه وسلم. وقال: " وجعلنا ذريته هم الباقين " ( الصافات: 77) وقال: " وباركنا عليه وعلى إسحاق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين " ( الصافات: 113).
الخامسة: قوله تعالى: " فاستغفروه " أي سلوه المغفرة من عبادة الأصنام. " ثم توبوا إليه " أي ارجعوا إلى عبادته. " إن ربي قريب مجيب " أي قريب الإجابة لمن دعاه. وقد مضى في ( البقرة) عند قوله: " فإني قريب أجيب دعوة الداع " القول فيه.
يقول تعالى: "و" لقد أرسلنا "إلى ثمود" وهم الذين كانوا يسكنون مدائن الحجر بين تبوك والمدينة وكانوا بعد عاد فبعث الله منهم "أخاهم صالحاً" فأمرهم بعبادة الله وحده ولهذا قال: "هو أنشأكم من الأرض" أي ابتدأ خلقكم منها خلق منها أباكم آدم "واستعمركم فيها" أي جعلكم عماراً تعمرونها وتستغلونها "فاستغفروه" لسالف ذنوبكم "ثم توبوا إليه" فيما تستقبلونه "إن ربي قريب مجيب" كما قال تعالى: "وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان" الاية.
قوله: 61- "وإلى ثمود أخاهم صالحاً" معطوف على ما تقدم، والتقدير: وأرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحاً، والكلام فيه، وفي قوله: "يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره" كما تقدم في قصة هود. وقرأ الحسن ويحيى بن وثاب وإلى ثمود بالتنوين في جميع المواضع. واختلف سائر القراء فيه فصرفوه في موضع ولم يصرفوه في موضع، فالصرف باعتبار التأويل بالحي، والمنع باعتبار التأويل بالقبيلة، وهكذا سائر ما يصح فيه التأويلان، وأنشد سيبويه في التأنيث باعتبار التأويل بالقبيلة:
غلب المساميح الوليد جماعة وكفى قريش المعضلات وسادها
"هو أنشأكم من الأرض" أي ابتدأ خلقكم من الأرض، لأن كل بني آدم من صلب آدم، وهو مخلوق من الأرض "واستعمركم فيها" أي جعلكم عمارها وسكانها، من قولهم: أعمر فلان فلاناً داره فهي له عمرى، فيكون استفعل بمعنى أفعل: مثل استجاب بمعنى أجاب. وقال الضحاك: معناه أطال أعماركم، وكانت أعمارهم من ثلثمائة إلى ألف، وقيل معناه: أمركم بعمارتها من بناء المساكن وغرس الأشجار "فاستغفروه" أي سلوه المغفرة لكم من عبادة الأصنام "ثم توبوا إليه" أي ارجعوا إلى عبادته "إن ربي قريب مجيب" أي قريب الإجابة لمن دعاه، وقد تقدم القول فيه في البقرة عند قوله تعالى: "فإني قريب أجيب دعوة الداع".
61-قوله تعالى: "وإلى ثمود أخاهم صالحاً"، أي: أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا في النسب لا في الدين، "قال يا قوم اعبدوا الله" وحدوا الله عز وجل، "ما لكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرض"، ابتدأ خلقكم، "من الأرض"، وذلك أنهم من آدم عليه السلام وآدم خلق من الأرض، "واستعمركم فيها"، أي: جعلكم عمارها وسكانها، قال الضحاك: أطال عمركم فيها حتى كان الواحد منهم يعيش ثلثمائة سنة إلى ألف سنة، وكذلك قوم عاد.
قال مجاهد: أعمركم من عمري، أي: جعلها لكم ما عشتم. وقال قتادة: أسكنكم فيها.
"فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب"، من المؤمنين، "مجيب" لدعائهم.
61." وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرض "هو كونكم منها لا غيره فإنه خلق آدم ومواد النطف التي خلق نسله منها من التراب ."واستعمركم فيها"عمركم فيها واستبقاكم من العمر ، أو أقدركم على عمارتها وأمركم بها، وقيل هو من العمرى بمعنى أعمركم فيها دياركم ويرثها منكم بعد انصرام أعماركم ، أو جعلكم معمرين دياركم تسكنونها مدة عمركم ثم تتركونها لغيركم ."فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب"قريب الرحمة."مجيب"لداعيه.
61. And unto (the tribe of) Thamud (We sent) their brother Salih.. He said : O my people! Serve Allah, Ye have no other God save Him. He brought you forth from the earth and hath made you husband it. So ask forgiveness of Him and turn unto Him repentant. Lo, my Lord is Nigh, Responsive.
61 - To the Thamud people (we sent) Salih, one of their own brethren. he said O my people worship God: ye have no other God but him. it is he who hath produced you from the earth and settled you therein: then ask forgiveness of him, and turn to him (in repentance): for my Lord is (always) near, ready to answer.