60 - الأمر (ذلك) الذي قصصناه عليك (ومن عاقب) جازى من المؤمنين (بمثل ما عوقب به) ظلما من المشركين أي قاتلهم كما قاتلوه في الشهر المحرم (ثم بغي عليه) منهم أي ظلم بإخراجه من منزله (لينصرنه الله إن الله لعفو) عن المؤمنين (غفور) لهم عن قتالهم في الشهر الحرام
قوله تعالى ومن عاقب بمثل ما عوقب به الآية أخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل أنها نزلت في سرية بعثها النبي صلى الله عليه وسلم فلقوا المشركين لليلتين بقيتا من المحرم فقال المشركون بعضهم لبعض قاتلوا أصحاب محمد فإنهم يحرمون القتال في الشهر الحرام فناشدهم الصحابة وذكروهم بالله أن لا يتعرضوا لقتالهم فإنهم لا يستحلون القتال في الشهر الحرام فأبى المشركون ذلك وقاتلوهم وبغوا عليهم فقاتلهم المسلمون ونصروا عليهم فنزلت هذه الآية
يعني تعالى ذكره بقوله " ذلك " لهذا لهؤلاء الذين هاجروا في سبيل الله ، ثم قتلوا أو ماتوا ، و لهم مع ذلك أيضا أن الله يعدهم النصر على المشركين الذين بغوا عليهم فأخرجوهم من ديارهم .
كما حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا حجاج ، عن ابن جريج " ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به " قال : هم المشركون بغوا على النبي صلى الله عليه و سلم ، فوعده الله أن ينصره ، و قال في القصاص أيضا . و كان بعضهم يزعم أن هذه الآية نزلت في قوم من المشركين لقوا قوما من المسلمين لليلتين بقيتا من المحرم ، و كان المسلمون يكرهون القتال يومئذ في الأشهر الحرم ، فسأل المسلمون المشركين أن يكفوا عن قتالهم من أجل حرمة الشهر ، فأبى المشركون ذلك ، و قاتلوهم فبغوا عليهم ، و ثبت المسلمون لهم ، فنصروا عليهم ، فأنزل الله هذه الآية " ذلك و من عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه " بأن بدئ بالقتال ، و هو له كاره " لينصرنه الله " ، و قوله " إن الله لعفو غفور " يقول تعالى ذكره : إن الله لذو عفو و صفح لمن انتصر ممن ظلمه من بعد ما ظلمه الظالم بحق ، غفور لما فعل ببادئه بالظلم ،مثل الذي فعل به غير معاقبه عليه .
قوله تعالى: " ذلك ومن عاقب " " ذلك " في موضع رفع، أي ذلك الأمر الذي قصصنا عليك. قال مقاتل : نزلت في قوم من مشركي مكة لقوا قوماً من المسلمين لليلتين بقيتا من المحرم فقالوا: إن أصحاب محمد يكرهون القتال في الشهر الحرام فاحملوا عليهم، فناشدهم المسلمون ألا يقاتلوهم في الشهر الحرام، فأبى المشركون إلا القتال، فحملوا عليهم فثبت المسلمون ونصرهم الله على المشركين وحصل في أنفس المسلمين من القتال في الشهر الحرام شيء، فنزلت هذه الآية. وقيل: نزلت في قوم من المشركين، مثلوا بقوم من المسلمين قتلوهم يوم أحد فعاقبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثله. فمعنى " ومن عاقب بمثل ما عوقب به " أي من جازى الظالم بمثل ما ظلمه، فسمى جزاء العقوبة عقوبة لاستواء الفعلين في الصورة، فهو مثل " وجزاء سيئة سيئة مثلها " [الشورى: 40]. ومثل " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم " [البقرة: 194]. وقد تقدم. " ثم بغي عليه " أي بالكلام والإزعاج من وطنه، وذلك أن المشركين كذبوا نبيهم وآذوا من آمن به وأخرجوه وأخرجوهم من مكة، وظاهروا على إخراجهم. " لينصرنه الله " أي لينصرن الله محمداً صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فإن الكفار بغوا عليهم. " إن الله لعفو غفور " أي عفا عن المؤمنين ذنوبهم وقتالهم في الشهر الحرام وستر.
يخبر تعالى عمن خرج مهاجراً في سبيل الله ابتغاء مرضاته وطلباً لما عنده, وترك الأوطان والأهلين والخلان, وفارق بلاده في الله ورسوله, ونصرة لدين الله ثم قتلوا, أي في الجهاد, أو ماتوا أي حتف أنفهم أي من غير قتال على فرشهم, فقد حصلوا على الأجر الجزيل والثناء الجميل, كما قال تعالى: "ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله". وقوله: "ليرزقنهم الله رزقاً حسناً" أي ليجرين عليهم من فضله ورزقه من الجنة ما تقر به أعينهم "وإن الله لهو خير الرازقين * ليدخلنهم مدخلاً يرضونه" أي الجنة كما قال تعالى: " فأما إن كان من المقربين * فروح وريحان وجنة نعيم " فأخبر أنه يحصل له الراحة والرزق وجنة النعيم, كما قال ههنا: " ليرزقنهم الله رزقا حسنا " ثم قال "ليدخلنهم مدخلاً يرضونه وإن الله لعليم" أي بمن يهاجر ويجاهد في سبيله وبمن يستحق ذلك "حليم" أي يحلم ويصفح ويغفر لهم الذنوب, ويكفرها عنهم بهجرتهم إليه وتوكلهم عليه.
فأما من قتل في سبيل الله من مهاجر أو غير مهاجر, فإنه حي عند ربه يرزق كما قال تعالى: "ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون" والأحاديث في هذا كثيرة كما تقدم, وأما من توفي في سبيل الله من مهاجر أو غير مهاجر, فقد تضمنت هذه الاية الكريمة مع الأحاديث الصحيحة إجراء الرزق عليه وعظيم إحسان الله إليه. قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا المسيب بن واضح , حدثنا ابن المبارك عن عبد الرحمن بن شريح عن ابن الحارث ـ يعني عبد الكريم ـ عن ابن عقبة يعني أبا عبيدة بن عقبة قال: قال حدثنا شرحبيل بن السمط : طال رباطنا وإقامتنا على حصن بأرض الروم, فمر بي سلمان يعني الفارسي رضي الله عنه, فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من مات مرابطاً أجرى الله عليه مثل ذلك الأجر, وأجرى عليه الرزق, وأمن من الفتانين, واقرؤوا إن شئتم " والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقا حسنا وإن الله لهو خير الرازقين * ليدخلنهم مدخلا يرضونه وإن الله لعليم حليم "".
وقال أيضاً: حدثنا أبو زرعة , حدثنا زيد بن بشر , أخبرني همام أنه سمع أبا قبيل وربيعة بن سيف المعافري يقولان: كنا برودس ومعنا فضالة بن عبيد الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم, فمر بجنازتين إحداهما قتيل, والأخرى متوفى, فمال الناس على القتيل, فقال فضالة : ما لي أرى الناس مالوا مع هذا وتركوا هذا ؟ فقالوا: هذا القتيل في سبيل الله, فقال: والله ما أبالي من أي حفرتيهما بعثت ؟ اسمعوا كتاب الله "والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا" حتى بلغ آخر الاية, وقال أيضاً: حدثنا أبي , حدثنا عبدة بن سليمان , أنبأنا ابن المبارك , أنبأنا ابن لهيعة , حدثنا سلامان بن عامر الشيباني أن عبد الرحمن بن جحدم الخولاني حدثه أنه حضر فضالة بن عبيد في البحر مع جنازتين أحدهما أصيب بمنجنيق, والاخر توفي, فجلس فضالة بن عبيد عند قبر المتوفى فقيل له: تركت الشهيد فلم تجلس عنده ؟ فقال: ما أبالي من أي حفرتيهما بعثت إن الله يقول: "والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقاً حسناً" الايتين.فما تبتغي أيها العبد إذا أدخلت مدخلاً ترضاه, ورزقت رزقاً حسناً, والله ما أبالي من أي حفرتيهما بعثت.
ورواه ابن جرير عن يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب , أخبرني عبد الرحمن بن شريح عن سلامان بن عامر قال: كان فضالة برودس أميراً على الأرباع, فخرج بجنازتي رجلين, أحدهما قتيل والاخر متوفى, فذكر نحو ما تقدم. وقوله: "ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به" الاية, ذكر مقاتل بن حيان وابن جرير أنها نزلت في سرية من الصحابة لقوا جمعاً من المشركين في شهر محرم, فناشدهم المسلمون لئلا يقاتلوهم في الشهر الحرام, فأبى المشركون إلا قتالهم, وبغوا عليهم, فقاتلهم المسلمون فنصرهم الله عليهم "إن الله لعفو غفور".
والإشارة بقوله: 60- "ذلك" إلى ما تقدم. قال الزجاج: أي الأمر ما قصصنا عليكم من إنجاز الوعد للمهاجرين خاصة إذا قتلوا أو ماتوا، فهو على هذا خبر مبتدأ محذوف، ومعنى "ومن عاقب بمثل ما عوقب به" من جازى الظالم بمثل ما ظلمه، وسمي الابتداء باسم الجزاء مشاكلة كقوله تعالى: "وجزاء سيئة سيئة مثلها" وقوله تعالى: "فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم" والعقوبة في الأصل إنما تكون بعد فعل تكون جزاء عنه، والمراد بالمثلية أنه اقتصر على المقدار الذي ظلم به ولم يزد عليه، ومعنى " ثم بغي عليه " أن الظالم له في الابتداء عاوده بالمظلمة بعد تلك المظلمة الأولى، قيل المراد بهذا البغي: هو ما وقع من المشركين من أزعاج المسلمين من أوطانهم بعد أن كذبوا نبيهم وآذوا من آمن به، واللام في "لينصرنه الله" جواب قسم محذوف: أي لينصرن الله المبغي عليه على الباغي "إن الله لعفو غفور" أي كثير العفو والغفران للمؤمنين فيما وقع منهم من الذنوب. وقيل العفو والغفران لما وقع من المؤمنين من ترجيح الانتقام على العفو، وقيل إن معنى " ثم بغي عليه " أي ثم كان المجازي مبغياً عليه: أي مظلوماً، ومعنى ثم تفاوت الرتبة، لأن الابتداء بالقتال معه نوع ظلم كما قيل في أمثال العرب: البادي أظلم.
وقيل إن هذه الآية مدنية، وهي في القصاص والجراحات،.
60. " ذلك "، أي: الأمر ذلك الذي قصصنا عليكم، " ومن عاقب بمثل ما عوقب به "، جازى الظالم بمثل ما ظلمه. قال الحسن : يعني قاتل المشركين كما قاتلوه، " ثم بغي عليه "، أي: ظلم بإخراجه من منزله يعني: ما أتاه المشركون من البغي على المسلمين حتى أحوجوهم إلى مفارقة أوطانهم، نزلت في قوم من المشركين أتوا قوماً من المسلمين لليلتين بقيتا من المحرم فكره المسلمون قتالهم وسألوهم أن يكفوا عن القتال من أجل الشهر الحرام فأبى المشركون وقاتلوهم فذلك بغيهم عليهم، وثبت المسلمون لهم فنصروا عليهم، قال الله تعالى: " لينصرنه الله "، والعقاب الأول بمعنى الجزاء، " إن الله لعفو غفور "، عفا عن مساوئ المؤمنين وغفر لهم ذنوبهم.
60 ـ " ذلك " أي الأمر ذلك . " ومن عاقب بمثل ما عوقب به " ولم يزد في الاقتصاص ، وإنما سمي الابتداء بالعقاب الذي هو الجزاء للازدواج أو لأنه سببه . " ثم بغي عليه " بالمعاودة إلى العقوبة . " لينصرنه الله " لا محالة . " إن الله لعفو غفور " للمنتصر حيث اتبع هواه في الانتقام وأعرض عما ندب الله إليه بقوله ولمن صبر وغفران ذلك لمن عزم الأمور وفيه تعريض بالحث على العفو والمغفرة ، فإنه تعالى مع كمال قدرته وتعالي شأنه لما كان يعفو ويغفر فغيره بذلك أولى ، وتنبيه على أنه تعالى قادر على العقوبة إذ لا يوصف بالعفو إلا القادر على ضده .
60. That (is so). And whoso hath retaliated with the like of that which he was made to suffer and then hath (again) been wronged, Allah will succour him. Lo! Allah verily is, Mild, Forgiving.
60 - That (is so). And if one has retaliated to no greater extent than the injury be received, and is again set upon inordinately, God will help him: for God is one that blots out (sins) and forgives (again and again).