6 - (وإذا البحار سجرت) بالتخفيف والتشديد اوقدت فصارت نارا
وقوله : " وإذا البحار سجرت " اختلف أهل التأويل في معنى ذلك ، فقال بعضهم : معنى ذلك وإذا البحار اشتعلت ناراً وحميت .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا الحسين بن حريث ، قال : ثنا الفضل بن موسى ، قال : ثنا الحسين بن واقد ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، قال : ثني أبي بن كعب " وإذا البحار سجرت " قال : قالت الجن للإنس : نحن نأتيكم بالخبر ، فانطلقوا إلى البحار ، فإذا هي تأجج ناراً .
حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، عن داود ، عن سعيد بن المسيب ، قال : قال علي رضي الله عنه لرجل من اليهود : أين جهنم ؟ فقال البحر ، فقال : ما أراه إلا صادقاً " والبحر المسجور " [ الطور : 6 ] ، ( وإذا البحار سجرت ) مخففة .
حدثني حوثرة بن محمد المنقري ، قال : ثنا أبو أسامة ، قال : ثنا مجالد ، قال : أخبرني شيخ من بجيلة عن ابن عباس ، في قوله " إذا الشمس كورت " قال : كور الله الشمس والقمر والنجوم في البحر ، فيبعث عليها ريحاً دبوراً ، فتنفخه حتى يصير ناراً ، فذلك قوله " وإذا البحار سجرت " .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله " وإذا البحار سجرت " قال : إنها توقد يوم القيامة ، زعموا ذلك التسجير في كلام العرب .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يعقوب ، عن حفص بن حميد ، عن شمر بن عطية ، في قوله " والبحر المسجور " [ الطور : 6 ] ، قال : بمنزلة المسجور " وإذا البحار سجرت " مثله .
قال : ثنا مهران ، عن سفيان " وإذا البحار سجرت " قال : أوقدت .
وقال آخرون : معنى ذلك : فاضت .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن أبيه ، عن أبي يعلى ، عن ربيع بن خيثم " وإذا البحار سجرت " قال : فاضت .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن أبيه ، عن أبي يعلى ، عن ربيع ، مثله .
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر عن الكلبي ، في قوله " وإذا البحار سجرت " قال : ملئت ، ألا ترى أنه قال : " والبحر المسجور " [ الطور : 6 ] .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله " وإذا البحار سجرت " يقول : فجرت .
وقال آخرون : بل عني بذلك أنه ذهب ماؤها .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " وإذا البحار سجرت " قال : ذهب ماؤها فلم يبق فيها قطرة .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة " وإذا البحار سجرت " قال : غار ماؤها فذهب .
حدثني الحسين بن محمد الذارع ، قال : ثنا المعتمر بن سليمان ، عن أبيه ، عن الحسين ، في هذا الحرف " وإذا البحار سجرت " قال : يبست .
حدثنا الحسين بن محمد ، قال : ثنا يزيد بن زريع ، قال : ثنا أبو رجاء ، عن الحسن ، بمثله .
حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، عن الحسن ، في قوله " وإذا البحار سجرت " قال : يبست .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ، قول من قال : معنى ذلك : ملئت حتى فاضت ، فانفجرت وسالت كما وصفها الله به في الموضع الآخر ، فقال : وإذا البحار فجرت ، والعرب تقول للنهر أو للركي المملوء : ماء مسجور ، ومنه قول لبيد :
فتوسطا عرض السري وصدعا مسجورةً متجاوراً قلامها
ويعني بالمسجور : المملوءة ماء .
واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء المدينة والكوفة " سجرت " : بتشديد الجيم .
وقرأ ذلك بعض قراء البصرة بتخفيف الجيم .
والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان متقاربتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب .
قوله تعالى:" وإذا البحار سجرت" أي ملئت من الماء، والعرب تقول: سجرت الحوض أسجرة سجرا: إذا ملأته، وهو مسجور، والمسجور والساجر في اللغة: الملآن. وروى الربيع بن خيثم: سجرة : فاضت وملئت. وقاله الكلبي ومقاتل والحسن والضحاك. قال ابن أبي زمنين: سجرت: حقيقته ملئت، فيفيض بعضها إلى بعض، فتصير شيئاً واحداً، وهو معنى قول الحسن. وقيل : أرسل عذبها على مالحها، ومالحها على عذبها، حتى امتلأت. عن الضحاك ومجاهد: أي فجرت فصارت بحراً واحداً. القشيري: وذلك بأن يرفع الله الحاجز الذي ذكره في قوله تعالى:" بينهما برزخ لا يبغيان" [الرحمن:20]، فإذا رفع ذلك البرزخ تفجرت مياه البحار، فعمت الأرض كلها، وصارت البحار بحراً واحداً. وقيل : صارت بحراً واحداص من الحميم لأهل النار. وعن الحسن أيضاً وقتادة وابن حيان: تيبس فلا يبقى من مائها قطرة. القشيري: وهو من سجرت التنور أسجره سجرا: إذا أحميته، وإذا سلط عليه الإيقاد نشف ما فيه من الرطوبة، وتسير الجبال حينئذ، وتصير البحار والأرض كلها بساطاً واحداً، بأن يملأ مكان البحار بتراب الجبال. وقال النحاس: وقد تكون الأقوال متفقة، يكون تيبس من الماء بعد أن يفيض، بعضها إلى بعض، فتقلب ناراً.
قلت : ثم تسير الجبال حينئذ، كما ذكر القشيري، والله أعلم. وقال ابن زيد وشمر وعطية وسفيان ووهب وأبي وعلي بن أبي طالب وابن عباس في رواية الضحاك عنه: أوقدت فصارت ناراً. قال ابن عباس : يكور الله الشمس والقمر والنجوم في البحر، ثم يبعث الله عليها ريحاً دبوراً، فتنخه حتى يصير ناراً. وكذا في بعض الحديث: يأمر الله جل ثناؤه الشمس والقمر والنجوم فينتثرون في البحر، ثم يبعث الله جل ثناؤه الدبور فيسجرها ناراً، فتلك نار الله الكبرى، التي يعذب بها الكفار. قال القشيري: قيل في تفسير قول ابن عباس" سجرت " أوقدت، يحتمل أن تكون جهنم في قعور من البحار، فهي الآن غير مسجورة لقوام الدنيا، فإذا انقضت الدنيا سجرت، فصارت كلها ناراً يدخلها الله أهلها. ويحتمل ان تكون تحت البحر نار، ثم يوقد الله البحر كله فيصير ناراً. وفي الخبر:
((البحر نار في نار)) وقال معاوية بن سعيد : بحر الروم وسط الأرض، أسفله آبار مطبقة بنحاس يسجر ناراً يوم القيامة. وقيل: تكون الشمس في البحر، فيكون البحر ناراً بحر الشمس. ثم جميع ما في هذه الآيات يجوز أن يكون في الدنيا قبل يوم القيامة ويكون من أشراطها، ويجوز أن يكون يوم القيامة، وما هذه الآيات فيكون في يوم القيامة.
قلت : روي عن عبد الله بن عمرو: لا يتوضأ بماء البحر لأنه طبق جهنم. وقال أبي بن كعب: ست آيات من قبل يوم القيامة: بينما الناس في أسوقهم ذهب ضوء الشمس وبدت النجوم فتحيروا ودهشوا، فبينما هم كذلك ينظرون إذ تناثرت النجوم وتساقطت، فبينما هم كذلك إذ وقعت الجبال على وجه الأرض، فتحركت واضطربت واحترقت، فصارت هياء منثوراً، ففزعت الإنس إلى الجن والجن إلى الإنس، واختلطت الدواب والوحوش والهوام والطير، وماج بعضها في بعض،فذلك قوله تعالى: " وإذا الوحوش حشرت" ثم قالت الجن للإنس: نحن ناتيكم بالخبر، فانطلقوا إلى البحار فإذا هي نار تأجج، فبينما هم كذلك تصدعت الأرض صدعة واحدة إلى الأرض السابعة السفلى، وإلى السماء السابعة العليا، فبينما هم كذلك إذا جاءتهم ريح فأماتتهم. وقيل : معنى((سجرت)) : هو حمرة مائها، حتى تصير كالدم، مأخوذ من قولهم : عين سجراء: أي حمراء. وقرأ ابن كثير ((سجرت)) وأبو عمرو أيضاً، وإخباراً عن حالها مرة واحدة. وقرأ الباقون بالتشديد إخباراً عن حالها في تكرير ذلك منها مرة بعد أخرى.
قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "إذا الشمس كورت" يعني أظلمت. وقال العوفي عنه: ذهبت. وقال مجاهد : اضمحلت وذهبت, وكذا قال الضحاك وقال قتادة : ذهب ضوؤها, وقال سعيد بن جبير : كورت غورت. وقال الربيع بن خثيم : كورت يعني رمي بها, وقال أبو صالح : كورت ألقيت, وعنه أيضاً: نكست, وقال زيد بن أسلم : تقع في الأرض قال ابن جرير : والصواب من القول عندنا في ذلك أن التكوير جمع الشيء بعضه على بعض, ومنه تكوير العمامة وجمع الثياب بعضها إلى بعض, فمعنى قوله تعالى: "كورت" جمع بعضها إلى بعض ثم لفت فرمي بها, وإذا فعل بها ذلك ذهب ضوؤها وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج وعمرو بن عبد الله الأودي حدثنا أبو أسامة عن مجالد عن شيخ من بجيلة عن ابن عباس "إذا الشمس كورت" قال يكور الله الشمس والقمر والنجوم يوم القيامة في البحر, ويبعث الله ريحاً دبوراً فتضرمها ناراً, وكذا قال عامر الشعبي , ثم قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي حدثنا أبو صالح حدثني معاوية بن صالح عن ابن يزيد بن أبي مريم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في قول الله "إذا الشمس كورت" قال: "كورت في جهنم".
وقال الحافظ أبو يعلى في مسنده حدثنا موسى بن محمد بن حبان حدثنا درست بن زياد حدثنا يزيد الرقاشي حدثنا أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الشمس والقمر نوران عقيران في النار" هذا حديث ضعيف لأن يزيد الرقاشي ضعيف, والذي رواه البخاري في الصحيح بدون هذه الزيادة, ثم قال البخاري حدثنا مسدد حدثنا عبد العزيز بن المختار حدثنا عبد الله الداناج حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "الشمس والقمر يكوران يوم القيامة" انفرد به البخاري , وهذا لفظه وإنما أخرجه في كتاب بدء الخلق وكان جديراً أن يذكره ههنا أو يكرره كما هي عادته في أمثاله, وقد رواه البزار فجود إيراده فقال: حدثنا إبراهيم بن زياد البغدادي حدثنا يونس بن محمد حدثنا عبد العزيز بن المختار عن عبد الله الداناج قال: سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن بن خالد بن عبد الله القسري في هذا المسجد مسجد الكوفة, وجاء الحسن فجلس إليه فحدث قال حدثنا أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الشمس والقمر نوران في النار عقيران يوم القيامة, فقال الحسن: وما ذنبهما ؟ " فقال: أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول: ـ أحسبه قال ـ وما ذنبهما. ثم قال لا يروى عن أبي هريرة إلا من هذا الوجه ولم يرو عبد الله الداناج عن أبي سلمة سوى هذا الحديث.
وقوله تعالى: "وإذا النجوم انكدرت" أي انتثرت كما قال تعالى: "وإذا الكواكب انتثرت" وأصل الانكدار الانصباب. قال الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب قال: ست آيات قبل يوم القيامة, بينا الناس في أسواقهم إذ ذهب ضوء الشمس فبينما هم كذلك إذ تناثرت النجوم فبينما هم كذلك إذ وقعت الجبال على وجه الأرض فتحركت واضطربت واختلطت ففزعت الجن إلى الإنس والإنس إلى الجن, واختلطت الدواب والطير والوحوش فماجوا بعضهم في بعض "وإذا الوحوش حشرت" قال: اختلطت "وإذا العشار عطلت" قال: أهملها أهلها "وإذا البحار سجرت" قال: قالت الجن نحن نأتيكم بالخبر, قال فانطلقوا إلى البحر فإذا هو نار تتأجج, قال فبينما هم كذلك إذ تصدعت الأرض صدعة واحدة إلى الأرض السابعة السفلى وإلى السماء السابعة العليا, قال فبينما هم كذلك إذ جاءتهم الريح فأماتتهم. رواه ابن جرير وهذا لفظه و ابن أبي حاتم ببعضه, وهكذا قال مجاهد والربيع بن خثيم والحسن البصري وأبو صالح وحماد بن أبي سليمان والضحاك في قوله جلا وعلا: "وإذا النجوم انكدرت" أي تناثرت, وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : "وإذا النجوم انكدرت" أي تغيرت. وقال يزيد بن أبي مريم عن النبي صلى الله عليه وسلم: "وإذا النجوم انكدرت" قال "انكدرت في جهنم وكل من عبد من دون الله فهو في جهنم إلا ما كان من عيسى وأمه ولو رضيا أن يعبدا لدخلاها" رواه ابن أبي حاتم بالإسناد المتقدم.
وقوله تعالى: "وإذا الجبال سيرت" أي زالت عن أماكنها ونسفت فتركت الأرض قاعاً صفصفا وقوله: "وإذا العشار عطلت" قال عكرمة ومجاهد : عشار الإبل, قال مجاهد : عطلت تركت وسيبت وقال أبي بن كعب والضحاك , أهملها أهلها, وقال الربيع بن خثيم : لم تحلب ولم تصر تخلى منها أربابها, وقال الضحاك : تركت لا راعي لها والمعنى في هذا كله متقارب, والمقصود أن العشار من الإبل وهي خيارها والحوامل منها التي قد وصلت في حملها إلى الشهر العاشر ـ واحدتها عشراء ولا يزال ذلك اسمها حتى تضع ـ قد اشتغل الناس عنها وعن كفالتها والانتفاع بها بعد ما كانوا أرغب شيء فيها بما دهمهم من الأمر العظيم المفظع الهائل, وهو أمر يوم القيامة وانعقاد أسبابها ووقوع مقدماتها وقيل بل يكون ذلك يوم القيامة يراها أصحابها كذلك لا سبيل لهم إليها, وقد قيل في العشار إنها السحاب تعطل عن المسير بين السماء والأرض لخراب الدنيا وقيل إنها الأرض التي تعشر, وقيل إنها الديار التي كانت تسكن تعطلت لذهاب أهلها. حكى هذه الأقوال كلها الإمام أبو عبد الله القرطبي في كتابه التذكرة ورجح أنها الإبل وعزاه إلى أكثر الناس. "قلت": لا يعرف عن السلف والأئمة سواه والله أعلم.
وقوله تعالى: "وإذا الوحوش حشرت" أي جمعت كما قال تعالى: "وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون" قال ابن عباس : يحشر كل شيء حتى الذباب رواه ابن أبي حاتم , وكذا قال الربيع بن خثيم والسدي وغير واحد, وكذا قال قتادة في تفسير هذه الاية إن هذه الخلائق موافية فيقضي الله فيها ما يشاء, وقال عكرمة حشرها موتها وقال ابن جرير : حدثني علي بن مسلم الطوسي حدثنا عباد بن العوام حدثنا حصين عن عكرمة عن ابن عباس في قوله: "وإذا الوحوش حشرت" قال حشر البهائم موتها, وحشر كل شيء الموت غير الجن والإنس فإنهما يوقفان يوم القيامة, حدثنا أبو كريب حدثنا وكيع عن سفيان عن أبيه عن أبي يعلى عن الربيع بن خثيم "وإذا الوحوش حشرت" قال أتى عليها أمر الله, قال سفيان قال أبي فذكرته لعكرمة فقال قال ابن عباس حشرها موتها, وقد تقدم عن أبي بن كعب أنه قال "وإذا الوحوش حشرت" اختلطت قال ابن جرير والأولى قول من قال حشرت جمعت قال الله تعالى: "والطير محشورة" أي مجموعة.
وقوله تعالى: " وإذا البحار سجرت " قال ابن جرير حدثنا يعقوب حدثنا ابن علية عن داود عن سعيد بن المسيب قال: قال علي رضي الله عنه لرجل من اليهود أين جهنم ؟ قال البحر فقال ما أراه إلا صادقاً والبحر المسجور "وإذا البحار سجرت" وقال ابن عباس وغير واحد يرسل الله عليها الرياح الدبور فتسعرها وتصير ناراً تأجج, وقد تقدم الكلام على ذلك عند قوله تعالى: "والبحر المسجور" وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين بن الجنيد حدثنا أبو طاهر حدثني عبد الجبار بن سليمان أبو سليمان النفاط ـ شيخ صالح يشبه مالك بن أنس ـ عن معاوية بن سعيد قال: إن هذا البحر بركة ـ يعني بحر الروم, وسط الأرض والأنهار كلها تصب فيه والبحر الكبير يصب فيه, وأسفله آبار مطبقة بالنحاس, فإذا كان يوم القيامة أسجر وهذا أثر غريب عجيب وفي سنن أبي داود "لا يركب البحر إلا حاج أو معتمر أو غاز فإن تحت البحر ناراً وتحت النار بحراً" الحديث. وقد تقدم الكلام عليه في سورة فاطر. وقال مجاهد والحسن بن مسلم : سجرت أوقدت وقال الحسن : يبست وقال الضحاك وقتادة : غاض ماؤها فذهب فلم يبق فيها قطرة, وقال الضحاك أيضاً: سجرت فجرت, وقال السدي : فتحت وصيرت, وقال الربيع بن خثيم : سجرت فاضت.
وقوله تعالى: "وإذا النفوس زوجت" أي جمع كل شكل إلى نظيره كقوله تعالى: "احشروا الذين ظلموا وأزواجهم" وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي حدثنا محمد بن الصباح البزار حدثنا الوليد بن أبي ثور عن سماك عن النعمان بن بشير أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ""وإذا النفوس زوجت" ـ قال ـ الضرباء كل رجل مع كل قوم كانوا يعملون عمله" وذلك بأن الله عز وجل يقول: " وكنتم أزواجا ثلاثة * فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة * وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة * والسابقون السابقون " قال هم الضرباء, ثم رواه ابن أبي حاتم من طرق أخر عن سماك بن حرب عن النعمان بن بشير أن عمر بن الخطاب خطب الناس فقرأ "وإذا النفوس زوجت" فقال: تزوجها أن تؤلف كل شيعة إلى شيعتهم, وفي رواية هما الرجلان يعملان العمل فيدخلان به الجنة أو النار, وفي رواية عن النعمان قال: سئل عمر عن قوله تعالى: "وإذا النفوس زوجت" قال: يقرن بين الرجل الصالح مع الرجل الصالح ويقرن بين الرجل السوء مع الرجل السوء في النار فذلك تزويج الأنفس وفي رواية عن النعمان أن عمر قال للناس: ما تقولون في تفسير هذه الاية "وإذا النفوس زوجت" ؟ فسكتوا. قال: ولكن أعلمه هو الرجل يزوج نظيره من أهل الجنة, والرجل يزوج نظيره من أهل النار ثم قرأ "احشروا الذين ظلموا وأزواجهم" وقال العوفي عن ابن عباس في قوله تعالى: "وإذا النفوس زوجت" قال ذلك حين يكون الناس أزواجاً ثلاثة, وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد "وإذا النفوس زوجت" قال, والأمثال من الناس جمع بينهم, وكذا قال الربيع بن خثيم والحسن وقتادة واختاره ابن جرير وهو الصحيح.
(قول آخر) في قوله تعالى: "وإذا النفوس زوجت" قال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين بن الجنيد , حدثنا أحمد بن عبد الرحمن , حدثني أبي عن أبيه عن أشعث بن سرار عن جعفر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: يسيل واد من أصل العرش من ماء فيما بين الصيحتين ومقدار ما بينهما أربعون عاماً, فينبت منه كل خلق بلي من الإنسان أو طير أو دابة, ولو مر عليهم مار قد عرفهم قبل ذلك لعرفهم على وجه الأرض قد نبتوا, ثم ترسل الأرواح فتزوج الأجساد فذلك قول الله تعالى: "وإذا النفوس زوجت" وكذا قال أبو العالية وعكرمة وسعيد بن جبير والشعبي والحسن البصري أيضاً في قوله تعالى: "وإذا النفوس زوجت" أي زوجت بالأبدان. وقيل: زوج المؤمنون بالحور العين وزوج الكافرون بالشياطين حكاه القرطبي في التذكرة.
وقوله تعالى: " وإذا الموؤدة سئلت * بأي ذنب قتلت " هكذا قراءة الجمهور سئلت. والموءودة هي التي كان أهل الجاهلية يدسونها في التراب كراهية البنات, فيوم القيامة تسأل الموءودة على أي ذنب قتلت ليكون ذلك تهديداً لقاتلها, فإنه إذا سئل المظلوم فما ظن الظالم إذاً ؟ وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس " وإذا الموؤدة سئلت " أي سألت. وكذا قال أبو الضحى : سألت أي طالبت بدمها. وعن السدي وقتادة مثله.
وقد وردت أحاديث تتعلق بالموءودة فقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الله بن يزيد . حدثنا سعيد بن أبي أيوب , حدثني أبو الأسود وهو محمد بن عبد الرحمن بن نوفل عن عروة عن عائشة عن جذامة بنت وهب أخت عكاشة قالت: حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ناس وهو يقول: "لقد هممت أن أنهى عن الغيلة فنظرت في الروم وفارس فإذا هم يغيلون أولادهم ولا يضر أولادهم ذلك شيئاً" ثم سألوه عن العزل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الوأد الخفي وهو الموءودة سئلت" ورواه مسلم من حديث أبي عبد الرحمن المقري وهو عبد الله بن يزيد عن سعيد بن أبي أيوب . ورواه أيضاً ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن يحيى بن إسحاق السيلحيني عن يحيى بن أيوب , ورواه مسلم أيضاً و أبو داود والترمذي والنسائي من حديث مالك بن أنس ثلاثتهم عن أبي الأسود به.
وقال الإمام أحمد : حدثنا ابن أبي عدي عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن علقمة عن سلمة بن يزيد الجعفي قال: انطلقت أنا وأخي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: " يا رسول الله إن أمنا مليكة كانت تصل الرحم وتقري الضيف وتفعل, هلكت في الجاهلية فهل ذلك نافعها شيئاً ؟ قال: لا قلنا: فإنها كانت وأدت أختاً لنا في الجاهلية فهل ذلك نافعها شيئاً ؟ قال " الوائدة والموءودة في النار إلا أن يدرك الوائدة الإسلام فيعفو الله عنها" ورواه النسائي من حديث داود ابن أبي هند به. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سنان الواسطي , حدثنا أبو أحمد الزبيري , حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن علقمة وأبي الأحوص عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الوائدة والموءودة في النار" وقال أحمد أيضاً حدثنا إسحاق الأزرق , أخبرنا عوف , حدثتني حسناء ابنة معاوية الصريمية عن عمها قال: قلت يا رسول الله من في الجنة ؟ قال: "النبي في الجنة والشهيد في الجنة والمولود في الجنة والموءودة في الجنة". وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا مسلم بن إبراهيم , حدثنا قرة قال: سمعت الحسن يقول: قيل يا رسول الله من في الجنة ؟ قال: "الموءودة في الجنة" هذا حديث مرسل من مراسيل الحسن ومنهم من قبله. وقال ابن أبي حاتم : حدثني أبو عبد الله الظهراني , حدثنا حفص بن عمر العدني , حدثنا الحكم بن أبان عن عكرمة قال : قال ابن عباس : أطفال المشركين في الجنة فمن زعم أنهم في النار فقد كذب يقول الله تعالى: " وإذا الموؤدة سئلت * بأي ذنب قتلت " قال ابن عباس : هي المدفونة. وقال عبد الرزاق : أخبرنا إسرائيل عن سماك بن حرب عن النعمان بن بشير عن عمر بن الخطاب في قوله تعالى: " وإذا الموؤدة سئلت " قال: جاء قيس بن عاصم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " يا رسول الله إني وأدت بنات لي في الجاهلية قال: أعتق عن كل واحدة منهن رقبة قال: يا رسول الله إني صاحب إبل قال: فانحر عن كل واحدة منهن بدنة" قال الحافظ أبو بكر البزار : خولف فيه عبد الرزاق ولم يكتبه إلا عن الحسين بن مهدي عنه, وقد رواه ابن أبي حاتم فقال: أخبرنا أبو عبد الله الظهراني فيما كتب إلي قال: حدثنا عبد الرزاق فذكره بإسناده مثله, إلا أنه قال وأدت ثمان بنات لي في الجاهلية وقال في آخره "فأهد إن شئت عن كل واحدة بدنة" ثم قال: حدثنا أبي , حدثنا عبد الله بن رجاء حدثنا قيس بن الربيع عن الأغر بن الصباح عن خليفة بن حصين قال: قدم قيس بن عاصم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " يا رسول الله إني وأدت اثنتي عشرة ابنة لي في الجاهلية أو ثلاث عشرة قال: أعتق عددهن نسماً قال: فأعتق عددهن نسما, فلما كان في العام المقبل جاء بمائة ناقة فقال: يا رسول الله هذه صدقة قومي على أثر ما صنعت بالمسلمين قال علي بن أبي طالب : فكنا نريحها ونسميها القيسية ".
وقوله تعالى: "وإذا الصحف نشرت" قال الضحاك : أعطي كل إنسان صحيفته بيمينه أو بشماله, وقال قتادة : يا ابن آدم تملى فيها ثم تطوى ثم تنشر عليك يوم القيامة فلينظر رجل ماذا يملي في صحيفته.
وقوله تعالى: "وإذا السماء كشطت" قال مجاهد : اجتذبت. وقال السدي : كشفت. وقال الضحاك : تنكشط فتذهب. وقوله تعالى: "وإذا الجحيم سعرت" قال السدي : أحميت, وقال قتادة : أوقدت قال: وإنما يسعرها غضب الله وخطايا بني آدم. وقوله تعالى: "وإذا الجنة أزلفت" قال الضحاك وأبو مالك وقتادة والربيع بن خثيم : أي قربت إلى أهلها وقوله تعالى: "علمت نفس ما أحضرت" هذا هو الجواب أي إذا وقعت هذه الأمور حينئذ تعلم كل نفس ما عملت وأحضر ذلك لها كما قال تعالى: "يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً" وقال تعالى: "ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر" وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا عبدة حدثنا ابن المبارك , حدثنا محمد بن مطرف عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: لما نزلت "إذا الشمس كورت" قال عمر : لما بلغ "علمت نفس ما أحضرت" قال: لهذا أجرى الحديث.
6- "وإذا البحار سجرت" أي أوقدت فصارت ناراً تضطرم. وقال الفراء: ملئت بأن صارت بحراً واحداً. وروي عن قتادة وابن حبان أن معنى الآية: يبست ولا يبقى فيها قطرة، يقال سجرت الحوض أسجره سجراً: إذا ملأته. وقال القشيري: هو من سجرت التنور أسجره سجراً: إذا أحميته. قال ابن زيد وعطية وسفيان ووهب وغيرهم: أوقدت فصارت ناراً، وقيل معنى سجرت أنها صارت حمراء كالدم، من قولهم عين سجراء: أي حمراء. قرأ الجمهور "سجرت" بتشديد الجيم. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بتخفيفها.
6- "وإذا البحار سجرت"، قرأ أهل مكة والبصرة بالتخفيف، وقرأ الباقون بالتشديد، قال ابن عباس: أوقدت فصارت ناراً تضطرم، وقال مجاهد ومقاتل: يعني فجر بعضها في بعض، العذب والملح، فصارت البحور كلها بحراً واحداً. وقال الكلبي. ملئت، وهذا أيضاً معناه: "والبحر المسجور" (الطور- 6)، والمسجور: المملوء، وقيل: صارت مياهها بحراً واحداً من الحميم لأهل النار. وقال الحسن: يبست، وهو قول قتادة، قال: ذهب ماؤها فلم يبق فيها قطرة.
وروى أبو العالية عن أبي بن كعب، قال: ست آيات قبل يوم القيامة: بينما الناس في أسواقهم إذ ذهب ضوء الشمس، فبينما هم كذلك إذ تناثرت النجوم، فبينما هم كذلك إذ وقعت الجبال على وجه الأرض فتحركت واضطربت، وفزعت الجن إلى الإنس والإنس إلى الجن، واختلطت الدواب والطير والوحش، وماج بعضهم في بعض، فذلك قوله: "وإذا الوحوش حشرت"، اختلطت، " وإذا العشار عطلت * وإذا الوحوش حشرت * وإذا البحار سجرت "، قال: قالت الجن للإنس نحن نأتيكم بالخبر: فانطلقوا إلى البحر فإذا هو نار تأجج، قال: فبينما هم كذلك إذ تصعدت الأرض صدعة واحدة إلى الأرض السابعة السفلى وانشقت السماء إنشقاقة واحدة، وإلى السماء السابعة العليا، فبينما هم كذلك إذ جاءتهم الريح فأماتتهم.
وعن ابن عباس أيضاً قال: هي اثنتا عشرة خصلة، ستة في الدنيا وستة في الآخرة.
6-" وإذا البحار سجرت " أحميت أو ملئت بتفجير بعضها إلى بعض حتى تعود بحراً واحداً ، من سجر التنور إذا ملأه بالحطب ليحميه ، وقرأ ابن كثير و أبو عمرو و روح بالتخفيف .
6. And when the seas rise,
6 - When the oceans boil over with a swell;