6 - (سواء عليهم أستغفرت لهم) استغني بهمزة الاستفهام عن همزة الوصل (أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إن الله لا يهدي القوم الفاسقين)
ك وأخرج عن عروة قال لما نزلت استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم قال النبي صلى الله عليه وسلم لأزيدن على السبعين فأنزل الله سواء عليهم استغفرت لهم أو لم تستغفر لهم الآية ك وأخرج عن مجاهد وقتادة مثله
ك وأخرج من طريق العوفي عن ابن عباس قال لما نزلت آية براءة قال النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أسمع أني قد رخص لي فيهم فوالله لأستغفرن أكثر من سبعين مرة لعل الله أن يغفر لهم فنزلت
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : سواء يا محمد على هؤلاء المنافقين الذين قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله " أستغفرت لهم " ذنوبهم " أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم " يقول : لن يصفح الله لهم عن ذنوبهم ، بل يعاقبهم عليها " إن الله لا يهدي القوم الفاسقين " يقول : إن الله لا يوفق للإيمان القوم الكاذبين عليه ، الكافرين به ، الخارجين عن طاعته .
وقد" حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله " سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم " قال : نزلت هذه الآية بعد الآية التي في سورة التوبة " إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم " [ التوبة : 80 ] ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : زيادة على سبعين مرة ، فأنزل الله " سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم "" .
قوله تعالى: " سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم " يعنى كل ذلك سواء، لا ينفع استغفارك شيئاً، أن الله لا يغفر لهم. نظيره: " سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون "، " سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين ". وقد تقدم. " إن الله لا يهدي القوم الفاسقين " أي من سبق في علم الله أنه يموت فاسقاً.
يقول تعالى مخبراً عن المنافقين عليهم لعائن الله أنهم "وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رؤوسهم" أي صدوا وأعرضوا عما قيل لهم استكباراً عن ذلك واحتقاراً لما قيل لهم, ولهذا قال تعالى: "ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون" ثم جازاهم على ذلك فقال تعالى: "سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إن الله لا يهدي القوم الفاسقين" كما قال في سورة براءة, وقد تقدم الكلام على ذلك وإيراد الأحاديث المروية هنالك.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا ابن أبي عمر العدني قال: قال سفيان "لووا رؤوسهم" قال ابن أبي عمر: وحول سفيان وجهه على يمينه ونظر شزراً ثم قال: هو هذا. وقد ذكر غير واحد من السلف أن هذا السياق كله نزل في عبد الله بن أبي بن سلول كما سنورده قريباً إن شاء الله تعالى, وبه الثقة وعليه التكلان. وقد قال محمد بن إسحاق في السيرة: ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة, يعني مرجعه من أحد, وكان عبد الله بن أبي بن سلول كما حدثني ابن شهاب الزهري له مقام يقومه كل جمعة, لا ينكر شرفاً له من نفسه ومن قومه, وكان فيهم شريفاً, إذا جلس النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة وهو يخطب الناس قام فقال: أيها الناس, هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهركم, أكرمكم الله به وأعزكم به فانصروه وعزروه واسمعوا له وأطيعوا, ثم يجلس حتى إذا صنع يوم أحد ما صنع, يعني مرجعه بثلث الجيش ورجع الناس, قام يفعل ذلك كما كان يفعله, فأخذ المسلمون بثيابه من نواحيه وقالوا: اجلس, أي عدو الله لست لذلك بأهل وقد صنعت ما صنعت, فخرج يتخطى رقاب الناس وهو يقول: والله لكأنما قلت بجراً أأن قمت أشدد أمره, فلقيه رجال من الأنصار بباب المسجد فقالوا: ويلك مالك ؟ قال: قمت أشدد أمره فوثب علي رجال من أصحابه يجذبونني ويعنفونني, لكأنما قلت بجراً أأن قمت أشدد أمره. قالوا: ويلك ارجع يستغفر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: والله ما أبتغي أن يستغفر لي, وقال قتادة والسدي: أنزلت هذه الاية في عبد الله بن أبي, وذلك أن غلاماً من قرابته انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فحدثه بحديث عنه وأمر شديد, فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يحلف بالله ويتبرأ من ذلك, وأقبلت الأنصار على ذلك الغلام فلاموه وعزلوه, وأنزل الله فيه ما تسمعون, وقيل لعدو الله: لو أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يلوي رأسه, أي لست فاعلاً, وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا أبو الربيع الزهراني, حدثنا حماد بن زيد, حدثنا أيوب عن سعيد بن جبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا نزل منزلاً لم يرتحل حتى يصلي فيه, فلما كانت غزوة تبوك بلغه أن عبد الله بن أبي بن سلول قال: ليخرجن الأعز منها الأذل, فارتحل قبل أن ينزل آخر النهار, وقيل لعبد الله بن أبي: ائت النبي صلى الله عليه وسلم حتى يستغفر لك, فأنزل الله تعالى: " إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون * اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا يعملون * ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون * وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون * وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رؤوسهم " وهذا إسناد صحيح إلى سعيد بن جبير. وقوله: إن ذلك كان في غزوة تبوك فيه نظر بل ليس بجيد, فإن عبد الله بن أبي بن سلول لم يكن ممن خرج في غزوة تبوك, بل رجع بطائفة من الجيش, وإنما المشهور عند أصحاب المغازي والسير أن ذلك في غزوة المريسيع, وهي غزوة بني المصطلق.
وقال يونس بن بكير عن ابن إسحاق: حدثني محمد بن يحيى بن حبان وعبد الله بن أبي بكر وعاصم بن عمر بن قتادة في قصة بني المصطلق, فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقيم هناك اقتتل على الماء جهجاه بن سعيد الغفاري, وكان أجيراً لعمر بن الخطاب وسنان بن وبر قال ابن إسحاق: فحدثني محمد بن يحيى بن حبان قال: ازدحما على الماء فاقتتلا, فقال سنان: يا معشر الأنصار, وقال الجهجاه: يا معشر المهاجرين, وزيد بن أرقم ونفر من الأنصار عند عبد الله بن أبي, فلما سمعها قال: قد ثاورونا في بلادنا, والله ما مثلنا وجلابيب قريش هذه إلا كما قال القائل: سمن كلبك يأكلك, والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل, ثم أقبل على من عنده من قومه وقال: ما صنعتم بأنفسكم, أحللتموهم بلادكم, وقاسمتموهم أموالكم, أما والله لو كففتم عنهم لتحولوا عنكم من بلادكم إلى غيرها, فسمعها زيد بن أرقم رضي الله عنه فذهب بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: وهو غليم عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه, فأخبره الخبر, فقال عمر رضي الله عنه: يا رسول الله مر عباد بن بشر فليضرب عنقه, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "فكيف إذا تحدث الناس يا عمر أن محمداً يقتل أصحابه, لا, ولكن ناد يا عمر الرحيل" فلما بلغ عبد الله بن أبي أن ذلك قد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه فاعتذر إليه, وحلف بالله ما قال, ما قال عليه زيد بن أرقم, وكان عند قومه بمكان فقالوا: يا رسول الله عسى أن يكون هذا الغلام أوهم ولم يثبت ما قال الرجل.
وراح رسول الله صلى الله عليه وسلم مهجراً في ساعة كان لا يروح فيها, فلقيه أسيد بن الحضير رضي الله عنه فسلم عليه بتحية النبوة ثم قال: والله لقد رحت في ساعة منكرة ما كنت تروح فيها, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما بلغك ما قال صاحبك ابن أبي ؟ زعم أنه إذا قدم المدينة سيخرج الأعز منها الأذل" قال: فأنت يا رسول الله العزيز وهو الذليل. ثم قال: ارفق به يا رسول الله, فوالله لقد جاء الله بك وإنا لننظم له الخرز لنتوجه, فإنه ليرى أن قد سلبته ملكاً, فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس حتى أمسوا وليلته حتى أصبحوا, وصدر يومه حتى اشتد الضحى ثم نزل بالناس ليشغلهم عما كان من الحديث, فلم يأمن الناس أن وجدوا مس الأرض فناموا ونزلت سورة المنافقين. وقال الحافظ أبو بكر البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ, أخبرنا أبو بكر بن إسحاق أخبرنا بشر بن موسى, حدثنا الحميدي, حدثنا سفيان, حدثنا عمر بن دينار, سمعت جابر بن عبد الله يقول: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة فكسع رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار: فقال الأنصاري: ياللأنصار! وقال المهاجرين يا للمهاجرين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما بال دعوى الجاهلية ؟ دعوها فإنها منتنة".
وقال عبد الله بن أبي بن سلول: وقد فعلوها, والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل, قال جابر: وكان الأنصار بالمدينة أكثر من المهاجرين حين قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم كثر المهاجرون بعد ذلك, فقال عمر: دعني أضرب عنق هذا المنافق, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "دعه لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه" ورواه الإمام أحمد عن حسين بن محمد المروزي عن سفيان بن عيينة, ورواه البخاري عن الحميدي ومسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره عن سفيان به نحوه.
وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر, حدثنا شعبة عن الحكم, عن محمد بن كعب القرظي عن زيد بن أرقم قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فقال عبد الله بن أبي: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل, قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته, قال: فحلف عبد الله بن أبي أنه لم يكن شيء من ذلك, قال: فلامني قومي وقالوا: ما أردت إلى هذا ؟ قال: فانطلقت فنمت كئيباً حزيناً, قال: فأرسل إلي نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إن الله قد أنزل عذرك وصدقك" قال: فنزلت هذه الاية " هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ولله خزائن السماوات والأرض ولكن المنافقين لا يفقهون * يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل " ورواه البخاري عند هذه الاية عن آدم بن أبي إياس عن شعبة, ثم قال: وقال ابن أبي زائدة عن الأعمش عن عمرو عن ابن أبي ليلى عن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم, ورواه الترمذي والنسائي عندها أيضاً من حديث شعبة به.
(طريق أخرى عن زيد) قال الإمام أحمد رحمه الله: حدثنا يحيى بن آدم ويحيى بن أبي بكير قالا: حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق قال: سمعت زيد بن أرقم, وقال ابن أبي بكير عن زيد بن أرقم قال: خرجت مع عمي في غزاة فسمعت عبد الله بن أبي بن سلول يقول لأصحابه: لا تنفقوا على من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ولئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل, فذكرت ذلك لعمي فذكره عمي لرسول الله صلى الله عليه وسلم, فأرسل إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثته, فأرسل إلى عبد الله بن أبي بن سلول وأصحابه فحلفوا بالله ما قالوا, فكذبني رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدقه فأصابني هم لم يصبني مثله قط, وجلست في البيت فقال عمي: ما أردت إلا أن كذبك رسول الله صلى الله عليه وسلم ومقتك! قال حتى أنزل الله "إذا جاءك المنافقون" قال: فبعث إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم علي ثم قال: "إن الله قد صدقك". ثم قال أحمد أيضاً: حدثنا حسن بن موسى, حدثنا زهير, حدثنا أبو إسحاق أنه سمع زيد بن أرقم يقول: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فأصاب الناس شدة فقال عبد الله بن أبي لأصحابه: لا تنفقوا على من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ينفضوا من حوله, وقال لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل, فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته بذلك فأرسل إلى عبد الله بن أبي فسأله, فاجتهد يمينه ما فعل فقالوا: كذب زيد يا رسول الله, فوقع في نفسي مما قالوا فأنزل الله تصديقي "إذا جاءك المنافقون" قال ودعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستغفر لهم فلووا رؤوسهم.
وقوله تعالى: "كأنهم خشب مسندة" قال كانوا رجالاً أجمل شيء, وقد رواه البخاري ومسلم والنسائي من حديث زهير ورواه البخاري أيضاً والترمذي من حديث إسرائيل كلاهما عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي الهمداني الكوفي عن زيد به.
(طريق أخرى عن زيد) قال أبو عيسى الترمذي: حدثنا عبد بن حميد, حدثنا عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن السدي عن أبي سعيد الأزدي, قال: حدثنا زيد بن أرقم قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم, وكان معنا أناس من الأعراب, فكنا نبتدر الماء وكان الأعراب يسبقوننا إليه فسبق أعرابي أصحابه ليملأ الحوض ويجعل حوله حجارة ويجعل النطع عليه حتى يجيء أصحابه, قال: فأتى رجل من الأنصار الأعرابي فأرخى زمام ناقته لتشرب, فأبى أن يدعه فانتزع حجراً فغاض الماء, فرفع الأعرابي خشبته فضرب بها رأس الأنصاري فشجه, فأتى عبد الله بن أبي رأس المنافقين فأخبره, وكان من أصحابه فغضب عبد الله بن أبي ثم قال: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا من حوله, يعني الأعراب, وكانوا يحضرون رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الطعام, فقال عبد الله لأصحابه: إذا انفضوا من عند محمد فائتوا محمداً بالطعام فليأكل هو ومن معه, ثم قال لأصحابه: لئن رجعتم إلى المدينة فليخرج الأعز منها الأذل.
قال زيد وأنا ردف عمي, قال فسمعت عبد الله بن أبي يقول ما قال, فأخبرت عمي فانطلق فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فحلف وجحد, قال فصدقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذبني, قال فجاء إلي عمي فقال ما أردت إلا أن مقتك رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذبك والمسلمون, قال فوقع علي من الغم ما لم يقع على أحد قط, قال فبينما أنا أسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر, وقد خفقت برأسي من الهم, إذ أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرك أذني وضحك في وجهي, فما كان يسرني أن لي بها الخلد في الدنيا, ثم إن أبا بكر لحقني وقال: ما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قلت: ما قال شيئاً إلا أنه عرك أذني وضحك في وجهي, فقال: أبشر ثم لحقني عمر فقلت له مثل قولي لأبي بكر, فلما أن أصبحنا قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة المنافقين. انفرد بإخراجه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح. وهكذا رواه الحافظ البيهقي عن الحاكم عن أبي العباس محمد بن أحمد المحبوبي عن سعيد بن مسعود عن عبيد الله بن موسى به, وزاد بعد قوله سورة المنافقين " إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله " حتى بلغ " هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا " حتى بلغ " ليخرجن الأعز منها الأذل ".
وقد روى عبد الله بن لهيعة عن أبي الأسود عروة بن الزبير في المغازي, وكذا ذكر موسى بن عقبة في مغازيه أيضاً هذه القصة بهذا السياق, ولكن جعلا الذي بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم كلام عبد الله بن أبي بن سلول إنما هو أوس بن أرقم من بني الحارث بن الخزرج, فلعله مبلغ آخر أو تصحيف من جهة السمع والله أعلم. وقد قال ابن أبي حاتم رحمه الله: حدثنا محمد بن عزيز الأيلي, حدثني سلامة, حدثني عقيل, أخبرني محمد بن مسلم أن عروة بن الزبير وعمرو بن ثابت الأنصاري أخبراه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا غزوة المريسيع, وهي التي هدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها مناة الطاغية التي كانت بين قفا المشلل وبين البحر, فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد فكسر مناة, فاقتتل رجلان في غزوة رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك أحدهما من المهاجرين والاخر من بهز, وهم حلفاء الأنصار, فاستعلى الرجل الذي من المهاجرين على البهزي فقال البهزي: يا معشر الأنصار, فنصره رجال من الأنصار, وقال المهاجري: يا معشر المهاجرين, فنصره رجال من المهاجرين حتى كان بين أولئك الرجال من المهاجرين والرجال من الأنصار شيء من القتال, ثم حجز بينهم فانكفأ كل منافق أو رجل في قلبه مرض إلى عبد الله بن أبي بن سلول فقال: قد كنت ترجى وتدفع فأصبحت لا تضر ولا تنفع, قد تناصرت علينا الجلابيب وكانوا يدعون كل حديث الهجرة الجلابيب, فقال عبد الله بن أبي عدو الله: والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل.
قال مالك بن الدخشن وكان من المنافقين: ألم أقل لكم لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا, فسمع بذلك عمر بن الخطاب فأقبل يمشي حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ائذن لي في هذا الرجل الذي قد أفتن الناس أضرب عنقه, يريد عمر عبد الله بن أبي, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر: "أو قاتله أنت إن أمرتك بقتله ؟" قال عمر: نعم والله لئن أمرتني بقتله لأضربن عنقه, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اجلس" فأقبل أسيد بن حضير وهو أحد الأنصار ثم أحد بني عبد الأشهل حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ائذن لي في هذا الرجل الذي قد أفتن الناس أضرب عنقه, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أو قاتله أنت إن أمرتك بقتله ؟" قال: نعم والله لئن أمرتني بقتله لأضربن بالسيف تحت قرط أذنيه, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اجلس" ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "آذنوا بالرحيل" فهجر بالناس فسار يومه وليلته والغد حتى متع النهار, ثم نزل ثم هجر بالناس مثلها حتى صبح بالمدينة في ثلاث سارها من قفا المشلل.
فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أرسل إلى عمر فدعاه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أي عمر أكنت قاتله لو أمرتك بقتله ؟" قال عمر: نعم, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والله لو قتلته يومئذ لأرغمت أنوف رجال لو أمرتهم اليوم بقتله امتثلوه, فيتحدث الناس أني قد وقعت على أصحابي فأقتلهم صبراً" وأنزل الله عز وجل " هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ولله خزائن السماوات والأرض ولكن المنافقين لا يفقهون * يقولون لئن رجعنا إلى المدينة " الاية. وهذا سياق غريب وفيه أشياء نفيسة لا توجد إلا فيه, وقال محمد بن إسحاق بن يسار: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن عبد الله بن عبد الله بن أبي لما بلغه ما كان من أمر أبيه أتى رسول الله فقال: يا رسول الله إنه بلغني أنك تريد قتل عبد الله بن أبي فيما بلغك عنه, فإن كنت فاعلاً فمرني به فأنا أحمل إليك رأسه, فوالله لقد علمت الخزرج ما كان لها من رجل أبر بوالده مني, إني أخشى أن تأمر به غيري فيقتله فلا تدعني نفسي أنظر إلى قاتل عبد الله بن أبي يمشي في الناس فأقتله فأقتل مؤمناً بكافر فأدخل النار, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بل نترفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا".
وذكر عكرمة وابن زيد وغيرهما أن الناس لما قفلوا راجعين إلى المدينة وقف عبد الله بن عبد الله هذا على باب المدينة, واستل سيفه فجعل الناس يمرون عليه, فلما جاء أبوه عبد الله بن أبي قال له ابنه: وراءك! فقال: مالك ويلك ؟ فقال: والله لا تجوز من ههنا حتى يأذن لك رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه العزيز وأنت الذليل, فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان إنما يسير ساقة فشكا إليه عبد الله بن أبي ابنه, فقال ابنه عبد الله: والله يا رسول الله لا يدخلها حتى تأذن له, فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أما إذا أذن لك رسول الله صلى الله عليه وسلم فجز الان. وقال أبو بكر عبد الله بن الزبير الحميدي في مسنده: حدثنا سفيان بن عيينة, حدثنا أبو هارون المدني قال: قال عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول لأبيه: والله لا تدخل المدينة أبداً حتى تقول: رسول الله صلى الله عليه وسلم الأعز وأنا الأذل, قال وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إنه بلغني أنك تريد أن تقتل أبي فو الذي بعثك بالحق, ما تأملت وجهه قط هيبة له, ولئن شئت أن آتيك برأسه لأتيتك فإني أكره أن أرى قاتل أبي.
6- "سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم" أي الاستغفار وعدمه سواء لا ينفعهم ذلك لإصرارهم على النفاق واستمرارهم على الكفر. قرأ الجمهور "أستغفرت" بهمزة مفتوحة من غير مد، وحذف همزة الاستفهام ثقة بدلالة أم عليها. وقرأ يزيد بن القعقاع بهمزة ثم ألف "لن يغفر الله لهم" أي ما داموا على النفاق "إن الله لا يهدي القوم الفاسقين" أي الكاملين في الخروج عن الطاعة والانهماك في معاصي الله، ويدخل فيهم المنافقون دخولاً أولياً.
6- "سواء عليهم أستغفرت لهم"، يا محمد، "أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إن الله لا يهدي القوم الفاسقين"، ذكر محمد بن إسحاق وغيره عن جماعة، من أصحاب السير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه: أن بني المصطلق يجتمعون لحربه وقائدهم الحارث بن أبي ضرار أبو جويرة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فلما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إليهم حتى لقيهم على ماء من مياههم يقال له المريسيع من ناحية قديد إلى الساحل، فتزاحف الناس واقتتلوا فهزم الله بني المصطلق، وقتل من قتل منهم، ونقل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبناءهم ونساءهم وأموالهم فأفاءها عليهم، فبينما الناس على ذلك الماء إذ وردت واردة الناس ومع عمر بن الخطاب أجير له من بني غفار، يقال له جهجاه بن سعيد الغفاري يقود له فرسه فازدحم جهجاه وسنان بن وبرة الجهني، حليف بني عوف بن الخزرج، على ذلك الماء فاقتتلا، فصرخ الجهني: يا معشر الأنصار! وصرخ الغفاري: يا معشر المهاجرين! وأعان جهجاهاً الغفاري رجل من المهاجرين يقال له جعال، وكان فقيراً، فغضب عبد الله بن أبي بن سلول وعنده رهط من قومه فيهم زيد بن أرقم، غلام حديث السن، فقال ابن أبي: أفعلوها؟ قد نافرونا وكاثرونا في بلادنا، والله ما مثلنا ومثلهم إلا كما قال القائل: سمن كلبك يأكلك، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة لنخرجن الأعز منها الأذل. يعني بالأعز نفسه وبالأذل رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم أقبل على من حضره من قومه فقال: هذا ما فعلتم بأنفسكم، أحللتموهم بلادكم، وقاسمتموهم أموالكم، أما والله لو أمسكتم عن جعال وذويه فضل الطعام لم يركبوا رقابكم، ولتحولوا إلى غير بلادكم، فلا تنفقوا عليهم حتى ينفضوا من حول محمد، فقال زيد بن أرقم: أنت -والله- الذليل القليل المبغض في قومك، ومحمد صلى الله عليه وسلم في عز من الرحمن ومودة من المسلمين، فقال عبد الله بن أبي: اسكت، فإنما كنت ألعب. قال: فمشى زيد بن أرقم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك بعد فراغه من العدو، فأخبره الخبر، وعنده عمر بن الخطاب، فقال: دعني أضرب عنقه يا رسول الله، قال: كيف يا عمر إذا تحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه؟ ولكن أذن بالرحيل وذلك في ساعة لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يرتحل فيها فارتحل الناس.
وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبد الله بن أبي فأتاه فقال: أنت صاحب هذا الكلام الذي بلغني؟ فقال عبد الله: والذي أنزل عليك الكتاب ما قلت شيئاً من ذلك، وإن زيداً لكاذب، وكان عبد الله في قومه شريفاً عظيماً، فقال من حضر من الأنصار من أصحابه يا رسول الله عسى أن يكون الغلام أوهم في حديثه ولم يحفظ ما قاله. فعذره النبي صلى الله عليه وسلم وفشت الملامة في الأنصار لزيد، وكذبوه، وقال له عمه وكان زيد معه: ما أردت إلى أن كذبك رسول الله صلى الله عليه وسلم، والناس مقتوك، وكان زيد يساير النبي صلى الله عليه وسلم فاستحيا بعد ذلك أن يدنو من النبي صلى الله عليه وسلم.
فلما استقل رسول الله صلى الله عليه وسلم وسار لقيه أسيد بن حضير فحياه بتحية النبوة وسلم عليه، ثم قال: يا رسول الله لقد رحت في ساعة منكرة ما كنت تروح فيها.
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو ما بلغك ما قال صاحبكم عبد الله بن أبي؟ قال: وما قال؟ قال: زعم إن رجع إلى المدينة أخرج الأعز منها الأذل. فقال أسيد: فأنت والله يا رسول الله تخرجه إن شئت، هو والله الذليل وأنت العزيز، ثم قال: يا رسول الله ارفق به فوالله لقد جاء الله بك، وإن قومه ينظمون له الخرز ليتوجوه فإنه ليرى أنك قد استلبته ملكاً.
وبلغ عبد الله بن عبد الله بن أبي ما كان من أمر أبيه فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إنه بلغني أنك تريد قتل عبد الله بن أبي، لما بلغك عنه، فإن كنت فاعلاً فمرني به، فأنا أحمل إليك رأسه، فوالله لقد علمت الخزرج ما كان بها رجل أبر بوالديه مني، وإني أخشى أن تأمر به غير فيقتله، فلا تدعني نفسي أن أنظر إلى قاتل عبد الله بن أبي يمشي في الناس فأقتله، فأقتل مؤمناً بكافر، فأدخل النار.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل نرفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا.
قالوا: وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم يومهم ذلك حتى أمسى، وليلتهم حتى أصبح، وصدر يومهم حتى آذتهم الشمس، ثم نزل بالناس فلم يكن إلا أن وجدوا مس الأرض وقعوا نياماً. وإنما فعل ذلك ليشغل الناس عن الحديث الذي كان بالأمس من حديث عبد الله بن أبي.
ثم راح بالناس حتى نزل على ماء بالحجاز فويق النقيع، يقال له نقعاً فهاجت ريح شديدة / آذتهم وتخوفوها وضلت ناقة النبي صلى الله عليه وسلم وذلك ليلاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تخافوا فإنما هبت لموت عظيم من عظماء الكفار توفي بالمدينة، قيل: من هو؟ قال: رفاعة بن زيد بن التابوت، فقال رجل من المنافقين: كيف يزعم أنه يعلم الغيب ولا يعلم مكان ناقته؟ ألا يخبره الذي يأتيه بالوحي! فأتاه جبريل فأخبره بقول المنافق وبمكان الناقة، وأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه، وقال: ما أزعم أني أعلم الغيب وما أعلمه، ولكن الله أخبرني بقول المنافق وبمكان ناقتي، هي في الشعب قد تعلق زمامها بشجرة فخرجوا يسعون قبل الشعب فإذا هي كما قال، فجاؤوا بها وآمن ذلك المنافق.
فلما قدموا المدينة وجدوا رفاعة بن زيد بن التابوت قد مات ذلك اليوم، وكان من عظماء اليهود وكهفاً للمنافقين، فلما وافى رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، قال زيد بن أرقم: جلست في البيت لما بي من الهم والحياء، فأنزل الله تعالى سورة المنافقين في تصديق زيد وتكذيب عبد الله. فلما نزلت أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأذن زيد وقال: يا زيد إن الله صدقك، وأوفى بأذنك.
وكان عبد الله بن أبي بقرب المدينة، فلما أراد أن يدخلها جاءه ابنه عبد الله بن عبد الله حتى أناخ على مجامع طرق المدينة، فلما جاء عبد الله بن أبي قال: وراءك، قال: مالك ويلك؟ قال: لا والله لا تدخلها أبداً إلا بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولتعلمن اليوم من الأعز من الأذل، فشكا عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما صنع ابنه، فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن خل عنه حتى يدخل، فقال: أما إذا جاء أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فنعم، فدخل فلم يلبث إلا أياماً قلائل حتى اشتكى ومات.
قالوا: فلما نزلت الآية وبان كذب عبد الله بن أبي قيل له: يا أبا حباب إنه قد نزل فيك آي شداد فاذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر لك، فلوى رأسه ثم قال: أمرتموني أن أؤمن فآمنت، وأمرتموني أن أعطي زكاة مالي فقد أعطيت فما بقي إلا أن أسجد لمحمد فأنزل الله تعالى: "وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رؤوسهم" الآية.
6-" سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم " لرسوخهم في الكفر . " إن الله لا يهدي القوم الفاسقين " الخارجين عن مظنة الاستصلاح لانهماكهم في الكفر والنفاق .
6. Whether thou ask forgiveness for them or ask not forgiveness for them, Allah will not forgive them. Lo! Allah guideth not the evil living folk.
6 - It is equal to them whether thou pray for their forgiveness or not. God will not forgive them. Truly God guides not rebellious transgressors.