فلعلك باخع) مهلك (نفسك على آثارهم) بعدهم أي بعد توليهم عنك (إن لم يؤمنوا بهذا الحديث) القرآن (أسفا) غيظا وحزنا منك لحرصك على إيمانهم ونصبه على المفعول له
يعني تعالى ذكره بذلك : فلعلك يا محمد قاتل نفسك ومهلكها على آثار قومك الذين قالوا لك " لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً " أم تمرداً منبم على ربهم ، إن هم لم يؤمنوا بهذا الكتاب الذي أنزلته عليك فيصدقوا بأنه من عند الله حزناً وتلهفًا ووجداً ، بإدبارهم عنك ، وإعراضهم عما أتيتهم به وتركهم الإيمان بك ، يقال منه : بخع فلان نفسه يبخعها بخعاً وبخوعاً، ومنه قول ذي الرمة :
ألا أيهذا الباخع الوجد نفسه لشيء نحته عن يديه المقادر
يريد: نحته فخفف .
وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله " باخع " قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ئنا سعيد ، عن قتادة " فلعلك باخع نفسك " يقول : قاتل نفسك .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، مثله .
وأما قوله " أسفاً " فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله ، فقال بعضهم : معناه : فلعلك باخع نفسك إن لم يؤمنوا بهذا الحديث غضباً.
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفاً" قال : غضباً . وقال آخرون : جزعاً .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ح ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، فال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله " أسفا" قال : جزعاً.
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله . وقال آخرون : معناه : حزناً عليهم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا الحسن بن يحيى، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، فيقوله " أسفاً " قال : حزناً عليهم .
وقد بينا معنى الأسف فيما مض من كتابنا هذا، بما أغنى عن إعادته فى هذا الموضع . وهذه معاتبة من الله عز ذكره على وجده بمباعدة قومه إياه فيما دعاهم إليه من الإيمان بالله ، والبراءة من الآلهة والأنداد، وكان بهم رحيما .
وبنحوما قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق " فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا" يعاتبه على حزنه عليهم حين فاته ما كان يرجومنهم : أي لا تفعل .
قوله تعالى : " فلعلك باخع نفسك على آثارهم " ( باخع ) أي مهلك وقاتل، وقد تقدم . ( آثارهم ) جمع أثر ، ويقال إثر . والمعنى على أثر توليهم وإراضهم عنك " إن لم يؤمنوا بهذا الحديث " أي القرآتن " أسفا " أي حزناً وغضباً على كفرهم ، وانتصب على التفسير .
يقول تعالى مسلياً لرسوله صلوات الله وسلامه عليه في حزنه على المشركين لتركهم الإيمان وبعدهم عنه كما قال تعالى: "فلا تذهب نفسك عليهم حسرات" وقال: "ولا تحزن عليهم" وقال: " لعلك باخع نفسك أن لا يكونوا مؤمنين " باخع أي مهلك نفسك بحزنك عليهم, ولهذا قال: "فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث" يعني القرآن "أسفاً" يقول: لا تهلك نفسك أسفاً. قال قتادة : قاتل نفسك غضباً وحزناً عليهم, وقال مجاهد : جزعاً, والمعنى متقارب, أي لا تأسف عليهم, بل أبلغهم رسالة الله, فمن اهتدى فلنفسه, ومن ضل فإنما يضل عليها, ولا تذهب نفسك عليهم حسرات, ثم أخبر تعالى أنه جعل الدنيا داراً فانية مزينة بزينة زائلة, وإنما جعلها دار اختبار لا دار قرار, فقال: "إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملاً" قال قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الدنيا حلوة خضرة, وإن الله مستخلفكم فيها فناظر ماذا تعملون, فاتقوا الدنيا, واتقوا النساء, فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء", ثم أخبر تعالى بزوالها وفنائها وفراغها وانقضائها وذهابها وخرابها, فقال تعالى: "وإنا لجاعلون ما عليها صعيداً جرزاً" أي وإنا لمصيروها بعد الزينة إلى الخراب والدمار, فنجعل كل شيء عليها هالكاً صعيداً جرزاً لا ينبت ولا ينتفع به.
كما قال العوفي عن ابن عباس في قوله تعالى: "وإنا لجاعلون ما عليها صعيداً جرزا" يقول: يهلك كل شيء عليها ويبيد. وقال مجاهد : صعيداً جرزاً بلقعاً, وقال قتادة : الصعيد الأرض التي ليس فيها شجر ولا نبات, وقال ابن زيد : الصعيد الأرض التي ليس فيها شيء, ألا ترى إلى قوله تعالى: "أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز فنخرج به زرعاً تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفلا يبصرون" وقال محمد بن إسحاق : "وإنا لجاعلون ما عليها صعيداً جرزاً" يعني الأرض وأن ما عليها لفان وبائد, وأن المرجع لإلى الله, فلا تأس ولا يحزنك ما تسمع وترى.
ثم سلى رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله: 6- "فلعلك باخع نفسك على آثارهم" قال الأخفش والفراء: البخع الجهد. وقال الكسائي: بخعت الأرض بالزراعة إذا جعلتها ضعيفة بسبب متابعة الحراثة، وبخع الرجل نفسه إذا نهكها. وقال أبو عبيدة: معناه مهلك نفسك، ومنه قول ذي الرمة:
ألا أيها ذا الباخع الوجد نفسه
فيكون المعنى على هذه الأقوال لعلك مجهد نفسك أو مضعفها أو مهلكها "على آثارهم" على فراقهم ومن بعد توليهم وإعراضهم "إن لم يؤمنوا بهذا الحديث" أي القرآن وجواب الشرط محذوف دل عليه ما قبله. وقرئ بفتح أن: أي لأن لم يؤمنوا "أسفاً" أي غيظاً وحزناً وهو مفعول له أو مصدر في موضع الحال كذا قال الزجاج.
6 - " فلعلك باخع نفسك على آثارهم " ، من بعدهم ، " إن لم يؤمنوا بهذا الحديث " ، أي : القرآن ، " أسفاً " ، أي حزناً وقيل غضباً .
6."فلعلك باخع نفسك"قاتلها."على آثارهم"إذا ولوا عن الإيمان ، لما يداخله من الوجد على توليهم بمن فارقته أعزتاه فهو يتحسر على آثارهم ويبخع نفسه وجداً عليهم ، وقرئ"باخع نفسك"على الإضافة . "إن لم يؤمنوا بهذا الحديث "بهذا القرآن . "أسفاً"للتأسف عليهم أو متأسفاً عليهم ، والأسف فرط الحزن والغضب ، وقرئ أن بالفتح على لأن فلا يجوز إعمال باخع إلا إذا جعل حكاية حال ماضية .
6. Yet it may be, if they believe not in this statement, that thou (Muhammad) wilt torment thy soul with grief over their footsteps.
6 - Thou wouldst only, perchance, fret thyself to death, following after them, in grief, if they believe not in this message.