(وتلك القرى) أي أهلها كعاد وثمود وغيرهما (أهلكناهم لما ظلموا) كفروا (وجعلنا لمهلكهم) لإهلاكهم وفي قراءة بفتح الميم أي لهلاكهم (موعدا)
يقول تعالى ذكره : وتلك القرى من عاد وثمود وأصحاب الأيكة أهلكنا أهلها لما ظلموا، فكفروا بالله وآياته ، " وجعلنا لمهلكهم موعدا" يعني ميقاتا وأجلا، حين بلغوه جاءهم عذاب فأهلكناهم به ، يقول : فكذلك جعلنا لهؤلاء المشركين من قومك يا محمد الذين لا يؤمنون بك أبدا موعدا، إذا جاءهم ذلك الموعد أهلكناهم ؟ سنتنا في الذين خلوا من قبلهم من ضربائهم .
كما حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد، قوله " لمهلكهم موعدا" قال : أجلا .
حدثنا القاسم ، قال : ثني الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد، مثله .
واختلفت القراء في قراءة قوله " لمهلكهم " فقرأ ذلك عامة قراء الحجاز والعراق " لمهلكهم " بضم الميم وفتح اللام على توجيه ذلك إلى أنه مصدر من أهلكوا إهلاكا . وقرأه عاصم لمهلكهم بفتح الميم واللام على توجيهه إلى المصدر من هلكوا هلاكا ومهلكا . وأولى القراءتين بالصواب عندي في ذلك قراءة من قرأه لمهلكهم بضم الميم وفتح اللام لإجماع الحجة من القراء عليه ، واستدلالا بقوله " وتلك القرى أهلكناهم " فأن يكون المصدر من أهلكنا، إذ كان قد تقدم قبله أولى . وقيل : أهلكناهم ، وقد قال قبل : " وتلك القرى" ، لأن الهلاك إنما حل بأهل القرى، فعاد إلى المعنى ، وأجرى الكلام عليه دون اللفظ . وقال بعض نحويي البصرة : قال " وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا" يعني أهلها، كما قال " واسأل القرية" ولم يجىء بلفظ القرى، ولكن أجرى اللفظ على القوم ، واجرى اللفظ في القرية عليها إلى قوله " التي كنا فيها" . وقال " أهلكناهم " ولم يقل : أهلكناها؟ حمله على القوم ، كما قال : جاءت تميم ، وجعل الفعل لبني تميم ، ولم يجعله لتميم ، ولو فعل ذلك لقال : جاء تميم ، وهذا لا يحسن في نحو هذا، لأنه قد أراد غير تميم في نحو هذا الموضع ، فجعله اسما، ولم يحتمل إذا اعتل أن يحذف ما قبله كله معنى التاء من جاءت مع بني تميم ، وترك الفعل على ماكان ليعلم أنه قد حذف شيئا قبل تميم . وقال بعضهم : إنما جاز أن يقال : تلك القرى أهلكناهم ، لأن القرية قامت مقام الأهل ، فجاز أن ترد على الأهل مرة وعليها مرة، ولا يجوز ذلك في تميم ، لأن القبيلة تعرف به وليس تميم هو القبيلة، وإنما عرفت القبيلة به ، ولو كانت القبيلة قد سميت بالرجل لجرت عليه ، كما تقول : وقعت في هود، تريد في سورة هود وليس هود اسما للسورة وإنما عرفت السورة به ، فلو سميت السورة بهود لم يجر، فقلت وقعت في هود يا هذا، فلم يجر، وكذلك لو سمي بني تميم تميما لقيل : هذه تميم قد أقبلت . فتاويل الكلام : وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا ، وجعلنا لإهلاكهم موعدا .
قوله تعالى: " وتلك القرى أهلكناهم " " تلك " في موضع رفع بالابتداء. " القرى " نعت أو بدل. و " أهلكناهم " في موضع الخبر محمول على المعنى، لأن المعنى أهل القرى. ويجوز أن تكون " تلك " في موضع نصب على قول من قال: زيداً ضربته، أي وتلك القرى التي قصصنا عليك نبأهم، نحو قرى عاد وثمود ومدين وقوم لوط أهلكناهم لما ظلموا وكفروا. " وجعلنا لمهلكهم موعدا " أي وقتاً معلوماً لم تعده. و " مهلك " من أهلكوا. وقرأ عاصم " مهلكهم " بفتح الميم واللام وهو مصدر هلك. وأجاز الكسائي والفراء " لمهلكهم " بكسر اللام وفتح الميم. النحاس: قال الكسائي وهو أحب إلي لأنه من هلك. الزجاج: اسم للزمان والتقدير: لوقت مهلكهم، كما يقال: أتت الناقة على مضربها.
يقول تعالى: وأي عباد الله أظلم ممن ذكر بآيات الله فأعرض عنها, أي تناساها وأعرض عنها ولم يصغ لها ولا ألقى إليها بالاً, "ونسي ما قدمت يداه" أي من الأعمال السيئة والأفعال القبيحة, "إنا جعلنا على قلوبهم" أي قلوب هؤلاء "أكنة" أي أغطية وغشاوة "أن يفقهوه" أي لئلا يفهموا هذا القرآن والبيان "وفي آذانهم وقراً" أي صمماً معنوياً عن الرشاد "وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذاً أبداً".
وقوله: "وربك الغفور ذو الرحمة" أي ربك يا محمد غفور ذو رحمة واسعة "لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب" كما قال: "ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة" وقال: "وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم وإن ربك لشديد العقاب" والايات في هذا كثيرة شتى, ثم أخبر أنه يحلم ويستر ويغفر, وربما هدى بعضهم من الغي إلى الرشاد, ومن استمر منهم فله يوم يشيب فيه الوليد, وتضع كل ذات حمل حملها, ولهذا قال: "بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلاً" أي ليس لهم عنه محيص ولا محيد ولا معدل. وقوله: "وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا" أي الأمم السالفة والقرون الخالية, أهلكناهم بسبب كفرهم وعنادهم, "وجعلنا لمهلكهم موعداً" أي جعلناه إلى مدة معلومة ووقت معين, لا يزيد ولا ينقص, أي وكذلك أنتم أيها المشركون احذروا أن يصيبكم ما أصابهم, فقد كذبتم أشرف رسول وأعظم نبي, ولستم بأعز علينا منهم, فخافوا عذابي ونذري.
59- "وتلك القرى" أي قرى عاد وثمود وأمثالها "أهلكناهم" هذا خبر اسم الإشارة والقرى صفته، والكلام على حذف مضاف: أي أهل القرى أهلكناهم "لما ظلموا" أي وقت وقوع الظلم منهم بالكفر والمعاصي "وجعلنا لمهلكهم موعداً" أي وقتاً معيناً، وقرأ عاصم "مهلكهم" بفتح الميم واللام، وهو مصدر هلك، وأجاز الكسائي والفراء كسر اللام وفتح الميم، وبذلك قرأ حفص، وقرأ الجمهور بضم الميم وفتح اللام. وقال الزجاج مهلك: اسم للزمان، والتقدير: لوقت مهلكهم.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: "إلا أن تأتيهم سنة الأولين" قال: عقوبة الأولين. وأخرج ابن أبي حاتم عن الأعمش في قوله: "قبلاً" قال: جهاراً. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال فجأة. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: "ونسي ما قدمت يداه" قال: نسي ما سلف من الذنوب الكثيرة. وأخرج أيضاً عن ابن عباس "بما كسبوا" يقول: بما عملوا. وأخرج ابن حاتم عن السدي "بل لهم موعد" قال: الموعد يوم القيامة. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: "موئلاً" قال: ملجأ: وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد "موئلاً" قال: محرزاً.
59 - " وتلك القرى أهلكناهم " ، يعني : قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وغيرهم ، " لما ظلموا " ، كفروا ، " وجعلنا لمهلكهم موعداً " ، أي : أجلاً ، قرأ أبو بكر " لمهلكهم " بفتح الميم واللام ، [ وقرأ حفص بفتح الميم وكسر اللام ، وكذلك في النم " مهلك " أي لوقت هلاكهم ] ، وقرأ الآخرون بضم الميم وفتح اللام أي : لإهلاكهم .
59."وتلك القرى"يعني قرى عاد وثمود وأضرابهم ."وتلك"مبتدأ خبره. "أهلكناهم"أو مفعول مضمر مفسر به ، و"القرى"صفته ولا بد من تقدير مضاف في أحدهما ليكون مرجع الضمائر . "لما ظلموا "كقريش بالتكذيب والمراء وأنواع المعاصي . "وجعلنا لمهلكهم موعداً "لإهلاكهم وقتاً لا يستأخرون عنه ساعة ولا يستقدمون، فليعتبروا بهم ولا يغتروا بتأخير العذاب عنهم ، وقرأ أبو بكرلمهلكهم بفتح الميم واللام أي لهلاكهم ، وحفص بكسر اللام حملاً على ما شذ من مصادر يفعل كالمرجع والمحيض.
59. And (all) those townships! We destroyed them when they did wrong, and We appointed a fixed time for their destruction.
59 - Such were the populations we destroyed when they committed iniquities; but we fixed an appointed time for their destruction.