58 - (فإنما يسرناه) أي سهلنا القرآن (بلسانك) بلغتك لتفهمه العرب منك (لعلهم يتذكرون) يتعظون فيؤمنون بك لكنهم لا يؤمنون
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : فإنما سهلنا قراءة هذا القرآن الذي أنزلناه إليك يا محمد بلسانك ، ليتذكر هؤلاء المشركون الذين أرسلناك إليهم بعبره وحججه ، ويتعظوا بعظاته ، ويتفكروا في آياته إذا أنت تتلوه عليهم ، فينيبوا إلى طاعة ربهم ، ويذعنوا للحق عند تبينهموه .
كما حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " فإنما يسرناه بلسانك " : أي هذا القرآن " لعلهم يتذكرون " .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ،قال : قال ابن زيد ، في قوله : " فإنما يسرناه بلسانك " قال : القرآن ، ويسرناه : أطلق به لسانه .
قوله تعالى : " فإنما يسرناه بلسانك " يعني القرآن ، أي سهلناه بلغتك عليك وعلى من يقرؤه : " لعلهم يتذكرون " أي يتعظون وينزجرون ، ونظيره " ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر " [ القمر : 17 ] ، فختم السورة بالحث على اتباع القرآن وإن لم يكن مذكوراً ، كما قال في مفتتح السورة : إنا أنزلناه في ليلة مباركة ، " إنا أنزلناه في ليلة القدر " [ القدر : سورة البقرة الآية مائتان ] ، على ما تقدم .
لما ذكر تعالى حال الأشقياء عطف بذكر السعداء ولهذا سمي القرآن مثاني, فقال: "إن المتقين" أي لله في الدنيا "في مقام أمين" أي في الاخرة وهو الجنة, قد أمنوا فيها من الموت والخروج, ومن كل هم وحزن وجزع وتعب ونصب ومن الشيطان وكيده وسائر الافات والمصائب "في جنات وعيون" وهذا في مقابلة ما أولئك فيه من شجرة الزقوم وشرب الحميم, وقوله تعالى: "يلبسون من سندس" وهو رفيع الحرير كالقمصان ونحوها "وإستبرق" وهو ما فيه بريق ولمعان وذلك كالريش وما يلبس على أعالي القماش "متقابلين" أي على السرر لا يجلس أحد منهم وظهره إلى غيره. وقوله تعالى: "كذلك وزوجناهم بحور عين" أي هذا العطاء مع ما قد منحناهم من الزوجات الحسان الحور العين اللاتي "لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان" "كأنهن الياقوت والمرجان" " هل جزاء الإحسان إلا الإحسان " قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا نوح بن حبيب, حدثنا نصر بن مزاحم العطار. حدثنا عمر بن سعد عن رجل عن أنس رضي الله عنه رفعه نوح قال: لو أن حوراء بزقت في بحر لجي لعذب ذلك الماء لعذوبة ريقها.
وقوله عز وجل: "يدعون فيها بكل فاكهة آمنين" أي مهما طلبوا من أنواع الثمار أحضر لهم وهم آمنون من انقطاعه وامتناعه بل يحضر إليهم كلما أرادوا. وقوله: "لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى" هذا استثناء يؤكد النفي فإنه استثناء منقطع, ومعناه أنهم لا يذوقون فيها الموت أبداً كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يؤتى بالموت في صورة كبش أملح فيوقف بين الجنة والنار ثم يذبح ثم يقال يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار خلود فلا موت" وقد تقدم الحديث في سورة مريم عليها الصلاة والسلام. وقال عبد الرزاق: حدثنا سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن أبي مسلم الأغر عن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقال لأهل الجنة إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً, وإن لكم أن تعيشوا فلا تموتوا أبداً, وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبداً, وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبداً" رواه مسلم عن إسحاق بن راهويه وعبد بن حميد, كلاهما عن عبد الرزاق به هكذا يقول أبو إسحاق, وأهل العراق يقولون أبو مسلم الأغر, وأهل المدينة يقولون أبو عبد الله الأغر. وقال أبو بكر بن أبي داود السجستاني: حدثنا أحمد بن حفص عن أبيه عن إبراهيم بن طهمان عن الحجاج هو ابن حجاج عن عبادة عن عبيد الله بن عمرو عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من اتقى الله دخل الجنة ينعم فيها ولا يبأس ويحيا فيها فلا يموت, لا تبلى ثيابه, ولا يفنى شبابه".
وقال أبو القاسم الطبراني: حدثنا أحمد بن يحيى, حدثنا عمرو بن محمد الناقد, حدثنا سليم بن عبد الله الرقي, حدثنا مصعب بن إبراهيم, حدثنا عمران بن الربيع الكوفي عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد بن المنكدر عن جابر رضي الله عنه قال: سئل نبي الله صلى الله عليه وسلم: أينام أهل الجنة ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "النوم أخو الموت وأهل الجنة لا ينامون" وهكذا رواه أبو بكر بن مردويه في تفسيره, حدثنا أحمد بن القاسم بن صدقة المصري, حدثنا المقدام بن داود, حدثنا عبد الله بن المغيرة, حدثنا سفيان الثوري عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "النوم أخو الموت وأهل الجنة لا ينامون", وقال أبو بكر البزار في مسنده: حدثنا الفضل بن يعقوب , حدثنا محمد بن يوسف الفريابي عن سفيان عن محمد بن المنكدر عن جابر رضي الله عنه قال: "قيل يا رسول الله: هل ينام أهل الجنة ؟ قال صلى الله عليه وسلم: لا , النوم أخو الموت" , ثم قال: لا نعلم أحداً أسنده عن ابن المنكدر عن جابر رضي الله عنه إلا الثوري ولا عن الثوري إلا الفريابي, هكذا قال, وقد تقدم خلاف ذلك, والله أعلم.
وقوله تعالى: "ووقاهم عذاب الجحيم" أي مع هذا النعيم العظيم المقيم قد وقاهم وسلمهم ونجاهم وزحزحهم عن العذاب الأليم في دركات الجحيم, فحصل لهم المطلوب ونجاهم من المرهوب ولهذا قال عز وجل: "فضلاً من ربك ذلك هو الفوز العظيم" أي إنما كان هذا بفضله عليهم وإحسانه إليهم كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "اعملوا وسددوا وقاربوا واعلموا أن أحداً لن يدخله عمله الجنة قالوا: ولا أنت يا رسول الله ؟ قال صلى الله عليه وسلم: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل", وقوله تعالى: "فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون" أي إنما يسرنا هذا القرآن الذي أنزلناه سهلاً واضحاً بيناً جلياً بلسانك الذي هو أفصح اللغات وأجلاها وأعلاها "لعلهم يتذكرون" أي يتفهمون ويعلمون.
ثم لما كان مع هذا الوضوح والبيان من الناس من كفر وخالف وعاند قال الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم مسلياً له وواعداً له بالنصر, ومتوعداً لمن كذبه بالعطب والهلاك: "فارتقب" أي انتظر "إنهم مرتقبون" أي فسيعملون لمن تكون النصرة والظفر وعلو الكلمة في الدنيا والاخرة, فإنها لك يا محمد ولإخوانك من النبيين والمرسلين ومن اتبعكم من المؤمنين كما قال تعالى: "كتب الله لأغلبن أنا ورسلي" الاية. وقال تعالى: "إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد * يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار".
ثم لما بين سبحانه الدلائل وذكر الوعد والوعيد، قال: 58- "فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون" أي إنما أنزلنا القرآن بلغتك كي يفهمه قومك، فيتذكروا ويعتبروا ويعملوا بما فيه، أو سهلناه بلغتك عليك وعلى من يقرأه لعلهم يتذكرون.
58. " فإنما يسرناه "، سهلنا القرآن، كناية عن غير مذكور، " بلسانك "، أي على لسانك، " لعلهم يتذكرون "، يتعظون.
58-" فإنما يسرناه بلسانك " سهلناه حيث أنزلناه بلغتك وهو فذلكة السورة . " لعلهم يتذكرون " لعلهم يفهمونه فيتذكرون به ما لم يتذكروا .
58. And We have made (this Scripture) easy in thy language only that they may heed.
58 - Verily, We have made this (Quran) easy, in thy tongue, in order that they may give heed.