57 - (فإما) فيه إدغام نون إن الشرطية في ما المزيدة (تثقفنهم) تجدنهم (في الحرب فشرد) فرق (بهم من خلفهم) من المحاربين بالتنكيل بهم والعقوبة (لعلهم) أي الذين خلفهم (يذكرون) يتعظون بهم
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فإما تلقين في الحرب هؤلاء الذين عاهدتهم عهدك مرة بعد مرة من قريظة، فتأسرهم، " فشرد بهم من خلفهم "، يقول: فافعل بهم فعلاً يكون مشرداً من خلفهم من نظرائهم، ممن بينك وبينه عهد وعقد.
و((التشريد))، التطريد والتبديد والتفريق.
وإنما أمر بذلك نبي الله صلى الله عليه وسلم أن يفعل بالناقض العهد بينه وبينهم إذا قدر عليهم، فعلاً يكون أخافةً لمن وراءهم، ممن كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبينه عهد، حتى لا يجترئوا على مثل الذي اجترأ عليه هؤلاء الذين وصف الله صفتهم في هذه الآية من نقض العهد.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي، عن ابن عباس قوله: " فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم "، يعني: نكل بهم من بعدهم.
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: " فشرد بهم من خلفهم "، يقول: نكل بهم من وراءهم.
حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم "، يقول: عظ بهم من سواهم من الناس.
حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي : " فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم "، يقول: نكل بهم من خلفهم، من بعدهم من العدو، لعلهم يحذرون أن ينكثوا فتصنع بهم مثل ذلك.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن أيوب، عن سعيد بن جبير: " فشرد بهم من خلفهم "، قال: أنذر بهم من خلفهم.
حدثنا القاسم قال حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج ، عن عطاء الخراساني ، عن ابن عباس قال: نكل بهم من خلفهم، من بعدهم. قال ابن جريج ، قال عبد الله بن كثير: نكل بهم من وراءهم.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحق :" فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون "، أي: نكل بهم من وراءهم لعلهم يعقلون.
حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك بن مزاحم يقول في قوله: " فشرد بهم من خلفهم "، يقول: نكل بهم من بعدهم.
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قول الله: " فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم "، قال: أخفهم بما تصنع بهؤلاء. وقرأ: " وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم " [الأنفال: 60].
وأما قوله: " لعلهم يذكرون "، فإن معناه: كي يتعظوا بما فعلت بهؤلاء الذين وصفت صفتهم، فيحذروا نقض العهد الذي بينك وبينهم خوف أن ينزل بهم منك ما نزل بهؤلاء إذا هم نقضوه.
شرط وجوابه. ودخلت النون توكيداً لما دخلت ما، هذا قول البصريين. وقال الكوفيون: تدخل النون الثقيلة والخفيفة مع 'ما في المجازاة للفرق بين المجازاة والتخيير. ومعنى تثقفنهم تأسرهم وتجعلهم في ثقاف، أو تلقاهم بحال ضعف، تقدر عليهم فيها وتغلبهم. وهذا لازم من اللفظ، لقوله في الحرب.وقال بعض الناس: تصادفنهم وتلقاهم يقال: ثقفته أثقفته ثقفاً، أي وجدته. وفلان ثقف لقف أي سريع الوجود لما يحاوله ويطلبه. وثقف لقف. وامرأة ثقاف. والقول الأول لأولى، لارتباطه بالآية كما بينا. والمصادف قد يغلب فيمكن التشريد به، وقد لا يغلب. والثقاف في اللغة: ما يشد به القناة ونحوها. ومنه قول النابغة:
تدعوا قعينا وقد عض الحديد بها عض الثقاف على صم الأنابيب
"فشرد بهم من خلفهم" قال سعيد بن جبير: المعنى أنذر بهم من خلفهم. قال أبو عبيد: هي لغة قريش: شرد بهم سمع بهم. وقال الضحاك: نكل بهم. الزجاج: افعل بهم فعلاً من القتل تفرق به من خلفهم. والتشريد في اللغة: التبديد والتفريق، يقال: شردت بني فلان قلعتهم عن مواضعهم وطردتهم عنها حتى فارقوها. وكذلك الواحد، تقول: تركته شريداً عن وطنه وأهله. قال الشاعر من هذيل:
أطوف في الأباطح كل يوم مخافة أن يشرد بي حكيم
ومنه شرد البعير والدابة إذا فارق صاحبه. و من بمعنى الذي، قاله الكسائي: وروي عن ابن مسعود فشرذ بالذال المعجمة، وهما لغتان. وقال قطرب: التشريد (بالذال المعجمة) التنكيل. وبالدال المهملة التفريق، حكاه الثعلبي. وقال المهدوي الذال لا وجه لها، إلا أن تكون بدلاص من الدال المهملة لنقاربهما، ولا يعرف في اللغة فشرذ. وقرىء من خلفهم بكسر الميم والفاء. "لعلهم يذكرون" أي يتذكرون بوعدك إياهم. وقيل: هذا يرجع إلى من خلفهم، لأن من قتل لا يتذكر أي شرد بهم من خلفهم من عمل بمثل عملهم.
أخبر تعالى: أن شر ما دب على وجه الأرض هم الذين كفروا فهم لا يؤمنون, الذين كلما عاهدوا عهداً نقضوه, وكلما أكدوه بالأيمان نكثوه, "وهم لا يتقون" أي لا يخافون من الله في شيء ارتكبوه من الاثام, "فإما تثقفنهم في الحرب" أي تغلبهم وتظفر بهم في حرب, "فشرد بهم من خلفهم" أي نكل بهم, قاله ابن عباس والحسن البصري والضحاك والسدي وعطاء الخراساني وابن عيينة, ومعناه غلظ عقوبتهم وأثخنهم قتلاً, ليخاف من سواهم من الأعداء من العرب وغيرهم, ويصيروا لهم عبرة, "لعلهم يذكرون" وقال السدي: يقول: لعلهم يحذرون أن ينكثوا فيصنع بهم مثل ذلك .
ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشدة والغلظة عليهم، فقال: "فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم" أي فإما تصادفنهم في ثقاف وتلقاهم في حالة تقدر عليهم فيها وتتمكن من غلبهم "فشرد بهم من خلفهم" أي ففرق بقتلهم والتنكيل بهم من خلفهم من المحاربين لك من أهل الشرك حتى يهابوا جانبك ويكفوا عن حربك مخافة أن ينزل بهم ما نزل بهؤلاء. والثقاف في أصل اللغة: ما يشد به القناة أو نحوها ومنه قول النابغة:
تدعو قعيباً وقد غص الحديد بها غص الثقاف على ضم الأنابيب
يقال: ثقفته: وجدته، وفلان ثقف: سريع الوجود لما يحاوله، والتشريد: التفريق مع الاضطراب. وقال أبو عبيدة: "شرد بهم" سمع بهم. وقال الزجاج: افعل بهم فعلاً من القتل تفرق به من خلفهم، يقال: شردت بني فلان: قلعتهم عن مواضعهم وطردتهم عنها حتى فارقوها. قال الشاعر:
أطوف في الأباطح كل يوم مخافة أن يشردني حكيم
ومنه شرد البعير: إذا فارق صاحبه، وروي عن ابن مسعود أنه قرأ: (فشرذ بهم) بالذال المعجمة. قال قطرب: التشريذ بالذال المعجمة هو التنكيل، وبالمهملة هو التفريق. وقال المهدي: الذال المعجمة لا وجه لها إلا أن تكون بدلاً من الدال المهملة لتقاربهما. قال: ولا يعرف فشرذ في اللغة، وقرئ "من خلفهم" بكسر الميم والفاء.
57 - " فإما تثقفنهم " ، تجدنهم ، " في الحرب " ، قال مقاتل : إن أدركتهم في الحرب وأسرتهم ، " فشرد بهم من خلفهم " ، قال ابن عباس : فنكل بهم من وراءهم . وقال سعيد بن جبير : أنذر بهم من خلفهم . وأصل التشريد : التفريق والتبديد ، معناه فرق بهم جمع كل ناقض ، أي : افعل بهؤلاء الذي نقضوا عهدك و جاؤوا لحربك فعلاً من القتل والتنكيل ، يفرق منك ويخافك من خلفهم من أهل مكة واليمن ،" لعلهم يذكرون " ، يتذكرون ويعتبرون فلا ينقضون العهد .
57. "فإما تثقفنهم " فإما تصادفنهم وتظفرن بهم ، " في الحرب فشرد بهم " ففرق عن مناصبتك ونكل عنها بقتلهم والنكاية فيهم " من خلفهم " من وراءهم من الكفرة والتشريد تفريق على اضطراب . وقرئ (فشرد ) بالذال المعجمة وكأنه مقلوب شذر و" من خلفهم " ،والمعنى واحد فإنه إذا شرد من ورائهم فقد فعل التشريد في الوراء . " لعلهم يذكرون " لعل المشدين يتعظون.
57. If thou comest on them in the war, deal with them so as to strike fear in those who are behind them, that haply they may remember.
57 - If ye gain the mastery over them in war, disperse, with them, those who follow them, that they may remember.