56 - (هذا نزلهم) ما أعد لهم (يوم الدين) يوم القيامة
وقوله " هذا نزلهم يوم الدين " يقول تعالى ذكره : هذا الذي وصفت لكم أيها الناس أن هؤلاء المكذبين الضالين يأكلونه من شجر من زقوم يشربون عليه من الحميم هو نزلهم الذي ينزلهم ربهم يوم الدين يعني : يوم يدين الله عباده .
قوله تعالى : " هذا نزلهم يوم الدين " أي رزقهم الذي يعد لهم ، كالنزل الذي يعد للأضياف تكرمة لهم ، وفيه تهكم ، كما في قوله تعالى : " فبشرهم بعذاب أليم " وكقول أبي السعد الضبي :
وكنا إذا الجبار بالجيش ضافنا جعلنا القنا والمرهفات له نزلا
وقرأ يونس بن حبيب و عباس عن أبي عمرو (( هذا نزلهم )) بإسكان الزاي ، وقد مضى في آخر (( آل عمران )) القول فيه . " يوم الدين " يوم الجزاء ، يعني في جهنم .
لما ذكر تعالى حال أصحاب اليمين عطف عليهم بذكر أصحاب الشمال فقال: "وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال" أي أي شيء هم فيه أصحاب الشمال ؟ ثم فسر ذلك فقال: "في سموم" وهو الهواء الحار "وحميم" وهو الماء الحار "وظل من يحموم" قال ابن عباس: ظل الدخان, وكذا قال مجاهد وعكرمة وأبو صالح وقتادة والسدي وغيرهم, وهذه كقوله تعالى:" انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون * انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب * لا ظليل ولا يغني من اللهب * إنها ترمي بشرر كالقصر * كأنه جمالة صفر * ويل يومئذ للمكذبين " ولهذا قال ههنا: "وظل من يحموم" وهو الدخان الأسود "لا بارد ولا كريم" أي ليس طيب الهبوب ولا حسن المنظر كما قال الحسن وقتادة "ولا كريم" أي ولا كريم المنظر, قال الضحاك: كل شراب ليس بعذب فليس بكريم.
وقال ابن جرير: العرب تتبع هذه اللفظة في النفي فيقولون: هذا الطعام ليس بطيب ولا كريم, هذا اللحم ليس بسمين ولا كريم. وهذه الدار ليست بنظيفة ولا كريمة. وكذا رواه ابن جرير من طريقين آخرين عن قتادة به نحوه, ثم ذكر تعالى استحقاقهم لذلك فقال تعالى: "إنهم كانوا قبل ذلك مترفين" أي كانوا في الدار الدنيا منعمين مقبلين على لذات أنفسهم لا يلوون ما جاءتهم به الرسل "وكانوا يصرون" أي يقيمون ولا ينوون توبة "على الحنث العظيم" وهو الكفر بالله وجعل الأوثان والأنداد أرباباً من دون الله. قال ابن عباس الحنث العظيم: الشرك. وكذا قال مجاهد وعكرمة والضحاك وقتادة والسدي وغيرهم. وقال الشعبي: هو اليمين الغموس " وكانوا يقولون أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمبعوثون * أو آباؤنا الأولون " يعني أنهم يقولون ذلك مكذبين به مستبعدين لوقوعه, قال الله تعالى: " قل إن الأولين والآخرين * لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم " أي أخبرهم يا محمد أن الأولين والاخرين من بني آدم سيجمعون إلى عرصات القيامة لا يغادر منهم أحداً, كما قال تعالى: "ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود * وما نؤخره إلا لأجل معدود * يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد" ولهذا قال ههنا: "لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم" أي هو موقت بوقت محدود, لا يتقدم ولا يتأخر ولا يزيد ولا ينقص.
" ثم إنكم أيها الضالون المكذبون *لآكلون من شجر من زقوم * فمالئون منها البطون " وذلك أنهم يقبضون ويسجرون حتى يأكلوا من شجر الزقوم حتى يملأوا منها بطونهم, "فشاربون عليه من الحميم * فشاربون شرب الهيم" وهي الإبل العطاش, واحدها أهيم والأنثى هيماء, ويقال: هائم وهائمة, قال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة: الهيم, الإبل العطاش الظماء, وعن عكرمة أنه قال: الهيم الإبل المراض تمص الماء مصاً ولا تروى. وقال السدي: الهيم داء يأخذ الإبل فلا تروى أبداً حتى تموت, فكذلك أهل جهنم لا يروون من الحميم أبداً. وعن خالد بن معدان أنه كان يكره أن يشرب شرب الهيم غبة واحدة من غير أن يتنفس ثلاثاً, ثم قال تعالى: "هذا نزلهم يوم الدين" أي هذا الذي وصفنا هو ضيافتهم عند ربهم يوم حسابهم, كما قال تعالى في حق المؤمنين: "إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلاً" أي ضيافة وكرامة.
56- "هذا نزلهم يوم الدين" قرأ الجمهور "نزلهم" بضمتين، وروي عن أبي عمرو وابن محيصن بضمة وسكون، وقد تقدم أن النزل ما يعد للضيف، ويكون أول ما يأكله، ويوم الدين يوم الجزاء وهو يوم القيامة، والمعنى: أن ما ذكر من شجر الزقوم وشراب الحميم هو الذي يعد لهم ويأكلونه يوم القيامة، وفي هذا تهكم به، لأن النزل هو ما يعد للأضياف تكرمه لهم، ومثل هذا قوله: "فبشرهم بعذاب أليم".
وقد أخرج الحاكم وصححه، والبيهقي عن أبي أمامة قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: إن الله ينفعنا بالأعراب ومسائلهم،" أقبل أعرابي يوماً فقال: يا رسول الله ذكر في القرآن شجرة مؤذية، وما كنت أرى في الجنة شجرة تؤذي صاحبها: قال: وما هي؟ قال: السدر فإن لها شوكاً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أليس الله يقول: "في سدر مخضود"؟ يخضه الله شوكه، فيجعل مكان كل شوكة ثمرة، فإنها تنبت ثمراً يتفتق الثمر منها عن اثنين وسبعين لوناً من الطعام ما منها لوم يشبه الآخر". وأخرج ابن أبي داود والطبراني وأبو نعيم في الحلية وابن مردويه عن عيينة بن عبد السلمي قال: "كنت جالساً مع النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء أعرابي فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسمعت تذكر في الجنة شجرة لا أعلم شجرة أكثر شوكاً منها: يعني الطلح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله يجعل مكان كل شوكة منها ثمرة مثل خصية التيس الملبود: يعني الخصي منها، فيها سبعون لوناً من الطعام لا يشبه لون آخر" وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: "سدر مخضود" قال: خضده وقره من الحمل. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر من طرق عنه قال: المخضود الذي لا شوك فيه. وأخرج عبد بن حميد عنه أيضاً قال: المخضود الموقر الذي لا شوك فيه. وأخرج عبد الرزاق والفريابي وهناد وعبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه عن علي بن أبي طالب في قوله: "وطلح منضود" قال: هو الموز. وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن المنذر عن أبي هريرة مثله. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي سعيد الخدري مثله. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب أنه قرأ وطلع منضود وأخرج ابن جرير وابن الأنباري في المصاحف عن قيس بن عباد قال: قرأت على علي بن أبي طالب "وطلح منضود" فقال علي: ما بال الطلح، أما تقرأ وطلع؟ ثم قال: " طلع نضيد "، فقيل له: يا أمير المؤمنين أنحكها في المصحف؟ قال: لا يهاج القرآن اليوم. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: "منضود" قال: بعضه على بعض. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها، اقرأوا إن شئتم "وظل ممدود"". وأخرج البخاري وغيره نحوه من حديث أنس. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما نحوه من حديث أبي سعيد. وأخرج أحمد
والترمذي وحسنه والنسائي وغيرهم عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "وفرش مرفوعة" قال: ارتفاعها كما بين السماء والأرض، ومسيرة ما بينهما خمسمائة عام. قال الترمذي بعد إخراجه هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث رشدين بن سعد انتهى، ورشدين ضعيف. وأخرج الفريابي وهناد وعبد بن حميد والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في البعث عن أنس قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: "إنا أنشأناهن إنشاء" قال: إن المنشئات التي كن في الدنيا عجائز عمشاً رمصاً." قال الترمذي: بعد إخراجه غريب، وموسى ويزيد ضعيفان. وأخرج الطيالسي وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه وابن قانع والبيهقي في البعث عن سلمة بن يزيد الجعفي سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول في قوله: "إنا أنشأناهن إنشاء" قال: الثيب والأبكار اللاتي كن في الدنيا. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في الآية قال: خلقهن غير خلقهن الأول. وأخرج ابن أبي حاتم عنه "أبكاراً" قال: عذارى. وأخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقي في البعث من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: "عربا" قال: عواشق "أتراباً" يقول: مستويات. وأخرج ابن أبي حاتم عنه "عربا" قال: عواشق لأزواجهن وأزواجهن لهن عاشقون "أترابا" قال: في سن واحد ثلاثاً وثلاثين سنة. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال: العروب الملقة لزوجها. وأخرج مسدد في مسنده وابن المنذر والطبراني وابن مردويه بسند حسن عن أبي بكرة "عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: " ثلة من الأولين * وثلة من الآخرين " قال: جميعهما من هذه الأمة". وأخرج أبو داود الطيالسي ومسدد وعبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه عن أبي بكرة: في قوله: " ثلة من الأولين * وثلة من الآخرين " قال: هما جميعاً من هذه الأمة. أخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن عدي وابن مردويه. قال السيوطي بسند ضعيف "عن ابن عباس في قوله: " ثلة من الأولين * وثلة من الآخرين " قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هما جميعاً من أمتي". وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس قال: الثلتان جميعاً من هذه الأمة. وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله: "وظل من يحموم" قال: من دخان أسود، وفي لفظ: من دخان جهنم. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "شرب الهيم" قال: الإبل العطاش.
56- "هذا نزلهم"، يعني ما ذكر من الزقوم والحميم، أي رزقهم وغذاؤهم وما أعد لهم، "يوم الدين"، يوم يجازون بأعمالهم.
56-" هذا نزلهم يوم الدين " يوم الجزاء فما ظنك بما يكون لهم بعد ما استقروا في الجحيم ، وفيه تهكم كما في قوله : " فبشرهم بعذاب أليم " لأن النزل ما يعد للنازل تكرمة له ، وقرئ نزلهم بالتخفيف .
56. This will be their welcome on the Day of Judgment
56 - Such will be their entertainment on the Day of Requital!