56 - (إن الذين يجادلون في آيات الله) القرآن (بغير سلطان) برهان (أتاهم إن) ما (في صدورهم إلا كبر) تكبر وطمع أن يعلوا عليك (ما هم ببالغيه فاستعذ) من شرهم (بالله إنه هو السميع) لأقوالهم (البصير) بأحوالهم ونزل في منكري البعث
واخرج عن أبي العالية قال جاءت اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا الدجال فقالوا يكون منا في آخر الزمان فعظموا أمره وقالوا يصنع كذا فأنزل الله إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه فاستعذ بالله فأمر نبيه أن يتعوذ من فتنة الدجال
يقول تعالى ذكره إن الذين يخاصمونك يا محمد فيما أتيتهم به من عند ربك من الآيات بغير سلطان أتاهم : يقول : بغير حجة جاءتهم من عند الله بمخاصمتك فيها " إن في صدورهم إلا كبر " يقول : ما في صدورهم إلا كبر يتكبرون من أجلهم عن اتباعك ، وقبول الحق الذي أتيتهم به حسداً منهم على الفضل الذي آتاك الله ، والكرامة التي أكرمك بها من النبوة "ما هم ببالغيه " يقول : الذي حسدوك عليه أمر ليسوا بمدركيه ولا نائليه ، لأن ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء وليس بالأمر الذي يدرك بالأماني ، وقد قيل : إن معناه : إن في صدورهم إلا عظمة ما هم ببالغي تلك العظمة لأن الله مذلهم .
ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثني أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : " إن في صدورهم إلا كبر " قال : عظمة .
وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله : " إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم " قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم " لم يأتهم بذاك سلطان .
وقوله : " فاستعذ بالله إنه هو السميع البصير " يقول تعالى ذكره : فاستجر بالله يا محمد من شر هؤلاء الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان ، ومن الكبر أن يعرض في قلبك منه شيء " إنه هو السميع البصير " يقول : إن الله هو السميع لما يقول هؤلاء المجادلون في آيات الله وغيرهم من قول البصير بما تعمله جوارحهم ، لا يخفى عليه شيء من ذلك .
قوله تعالى : " إن الذين يجادلون " يخاصمون " في آيات الله بغير سلطان " أي حجة " أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه " قال الزجاج : المعنى ما في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغي إرادتهم فيه .قدرة على الحذف . وقال غيره : المعنى ما هم ببالغي الكبر على غير حذف ، لأن هؤلاء قوم رأوا أنهم إن اتبعوا النبي صلى الله عليه وسلم قل ارتفاعهم ، ونقصت أحوالهم ، وأنهم يرتفعون إذا لم يكونوا تبعاً ، فأعلم الله عز وجل أنهم لا يبلغون الارتفاع الذي أملوه بالتكذيب . والمراد المشركون . وقيل : اليهود ، فالآيةة مدنية على هذا كما تقدم أول السورة . والمعنى : إن تعظموا عن اتباع محمد صلى الله عليه وسلم وقالوا إن الدجال سيخرج عن قريب فيرد الملك إلينا ، وتسير معه الأنهار ، وهو آية من آيات الله فذلك كبر لا يبلغونه فنزلت الآية فيهم . قاله أبو العالية وغيره . وقد تقدم في ( آل عمران ) أنه يخرج ويطأ البلاد كلها إلا مكة والمدينة . وقد ذكرنا خبره مستوفى في كتاب التذكرة . وهو يهودي اسمه صاف ويكنى أبا يوسف . وقيل : كل من كفر بالنبي صلى الله عليه وسلم . وهذا حسن ، لأنه يعم . وقال مجاهد : معناه في صدورهم عظمة ما هم ببالغيها والمعنى واحد . وقيل : المراد بالكبر الأمر الكبير أي يطالبون او أمراً كبيراً يصلون به إليك من القتل ونحوه ، ولا يبلغون ذلك أو يتمنون موتك قبل أن يتم دينك ولا يبلغونه . قوله تعالى : " فاستعذ بالله " قيل : من فتنة الدجال على قول من قال إن الآية نزلت في اليهود . وعلى القول الآخر من شر الكفار .وقيل : من مثل ما ابتلوا به من الكفر والكبر . " إنه هو السميع البصير " ( هو ) يكون فاصلاً ويكون مبتدأ وما بعده خبره والجملة خبر إن على ما تقدم .
قد أورد أبو جعفر بن جرير رحمه الله تعالى عند قوله تعالى: "إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا" سؤالاً فقال قد علم أن بعض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قتله قومه بالكلية كيحيى وزكريا وشعياء ومنهم من خرج من بين أظهرهم إما مهاجراً كإبراهيم, وإما إلى السماء كعيسى فأين النصرة في الدنيا ثم أجاب عن ذلك بجوابين (أحدهما) أن يكون الخبر خرج عاماً والمراد به البعض قال وهذا سائغ في اللغة (الثاني) أن يكون المراد بالنصر والإنتصار لهم ممن آذاهم وسواء كان ذلك بحضرتهم أو في غيبهم أو بعد موتهم كما فعل بقتلة يحيى وزكريا وشعياء سلط عليهم من أعدائهم من أهانهم وسفك دماءهم وقد ذكر أن النمرود أخذه الله تعالى أخذ عزيز مقتدر, وأما الذين راموا صلب المسيح عليه السلام من اليهود فسلط الله تعالى عليهم الروم فأهانوهم وأذلوهم وأظهرهم الله تعالى عليهم ثم قبل يوم القيامة سينزل عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام إماماً عادلاً وحكماً مقسطاً فيقتل المسيح الدجال وجنوده من اليهود ويقتل الخنزير ويكسر الصليب, ويضع الجزية فلا يقبل إلا الإسلام وهذه نصرة عظيمة وهذه سنة الله تعالى في خلقه في قديم الدهر وحديثه أنه ينصر عباده المؤمنين في الدنيا ويقر أعينهم ممن آذاهم ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يقول الله تبارك وتعالى من عادى لي ولياً فقد بارزني بالحرب" وفي الحديث الاخر: "إني لأثأر لأوليائي كما يثأر الليث بالحرب" ولهذا أهلك الله عز وجل قوم نوح وعاد وثمود وأصحاب الرس وقوم لوط وأهل مدين وأشباههم وأضرابهم ممن كذب الرسل وخالف الحق. وأنجى الله تعالى من بينهم المؤمنين فلم يهلك منهم أحداً وعذب الكافرين فلم يفلت منهم أحداً, قال السدي لم يبعث الله عز وجل رسولاً قط إلى قوم فيقتلونه أو قوماً من المؤمنين يدعون إلى الحق فيقتلون فيذهب ذلك القرن حتى يبعث الله تبارك وتعالى لهم من ينصرهم فيطلب بدمائهم ممن فعل ذلك بهم في الدنيا قال فكانت الأنبياء والمؤمنون يقتلون في الدنيا وهم منصورون فيها. وهكذا نصر الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم وأصحابه على من خالفه وناوأه وكذبه وعاداه فجعل كلمته هي العليا ودينه هو الظاهر على سائر الأديان, وأمره بالهجرة من بين ظهراني قومه إلى المدينة النبوية وجعل له فيها أنصاراً وأعواناً, ثم منحه أكتاف المشركين يوم بدر فنصره عليهم وخذلهم له وقتل صناديديهم, وأسر سراتهم فاستاقهم مقرنين في الأصفاد, ثم من عليهم بأخذه الفداء منهم ثم بعد مدة قريبة فتح عليه مكة فقرت عينه ببلده وهو البلد المحرم الحرام المشرف المعظم فأنفذه الله تعالى به مما كان فيه من الكفر والشرك وفتح له اليمن ودانت له جزيرة العرب بكاملها ودخل الناس في دين الله أفواجاً, ثم قبضه الله تعالى إليه لما له عنده من الكرامة العظيمة فأقام الله تبارك وتعالى أصحابه خلفاء بعده فبلغوا عنه دين الله عز وجل ودعوا عباد الله تعالى إلى الله جل وعلا, وفتحوا البلاد والرساتيق والأقاليم والمدائن والقرى والقلوب حتى انتشرت الدعوة المحمدية في مشارق الأرض ومغاربها. ثم لا يزال هذا الدين قائماً منصوراً ظاهراً إلى قيام الساعة ولهذا قال تعالى: "إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد" أي يوم القيامة تكون النصرة أعظم وأكبر وأجل, قال مجاهد: الأشهاد الملائكة. وقوله تعالى: "يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم" بدل من قوله: "ويوم يقوم الأشهاد" وقرأ آخرون يوم بالرفع كأنه فسره به " ويوم يقوم الأشهاد * يوم لا ينفع الظالمين " وهم المشركون "معذرتهم" أي لا يقبل منهم عذر ولا فدية "ولهم اللعنة" أي الإبعاد والطرد من الرحمة "ولهم سوء الدار" وهي النار قاله السدي بئس المنزل والمقيل, وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما "ولهم سوء الدار" أي سوء العاقبة وقوله تعالى: "ولقد آتينا موسى الهدى" وهو ما بعثه الله عز وجل به من الهدى والنور "وأورثنا بني إسرائيل الكتاب" أي جعلنا لهم العاقبة وأورثناهم بلاد فرعون وأمواله وحواصله وأرضه بما صبروا على طاعة الله تبارك وتعالى واتباع رسوله موسى عليه الصلاة والسلام وفي الكتاب الذي أورثوه وهو التوارة "هدى وذكرى لأولي الألباب" وهي العقول الصحيحة السليمة. وقوله عز وجل: "فاصبر" أي يا محمد "إن وعد الله حق" أي وعدناك أنا سنعلي كلمتك ونجعل العاقبة لك ولمن اتبعك والله لا يخلف الميعاد وهذا الذي أخبرناك به حق لا مرية فيه ولا شك وقوله تبارك وتعالى: "واستغفر لذنبك" هذا تهييج للأمة على الاستغفار "وسبح بحمد ربك بالعشي" أي في أواخر النهار وأوائل الليل "والإبكار" وهي أوائل النهار وأواخر الليل. وقوله تعالى: "إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم" أي يدفعون الحق بالباطل ويردون الحجج الصحيحة بالشبه الفاسدة بلا برهان ولا حجة من الله "إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه" أي ما في صدورهم إلا كبر على اتباع الحق واحتقار لمن جاءهم به وليس ما يرومونه من إخماد الحق وإعلاء الباطل بحاصل لهم بل الحق هو المرفوع وقولهم وقصدهم هو الموضوع "فاستعذ بالله" أي من حال مثل هؤلاء "إنه هو السميع البصير" أو من شر مثل هؤلاء المجادلين في آيات الله بغير سلطان هذا تفسير ابن جرير.
وقال كعب وأبو العالية نزلت هذه الاية في اليهود "إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه" قال أبو العالية وذلك أنهم ادعوا أن الدجال منهم وأنهم يملكون به الأرض فقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم آمراً له أن يستعيذ من فتنة الدجال ولهذا قال عز وجل: "فاستعذ بالله إنه هو السميع البصير" وهذا قول غريب وفيه تعسف بعيد وإن كان قد رواه ابن أبي حاتم في كتابه, والله سبحانه وتعالى أعلم.
56- "إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم" أي بغير حجة ظاهرة واضحة جاءتهم من جهة الله سبحانه "إن في صدورهم إلا كبر" أي ما في قلوبهم إلا تكبراً عن الحق يحملهم على تكذيبك، وجملة "ما هم ببالغيه" صفة لكبر قال الزجاج: المعنى ما في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغي إرادتهم فيه، فجعله على حذف المضاف. وقال غيره: ما هم ببالغي الكبر. وقال ابن قتيبة: المعنى إن في صدورهم إلا كبر: أي تكبر على محمد صلى الله عليه وسلم وطمع أن يغلبوه وما هم ببالغي ذلك، وقيل المراد بالكبر الأمر الكبير: أي يطلبون النبوة، أو يطلبون أمراً كبيراً يصلون به إليك من القتل ونحوه ولا يبلغون ذلك. وقال مجاهد: معناه في صدورهم عظمة ما هم ببالغيها. والمراد بهذه الآية المشركون، وقيل اليهود كما سيأتي بيانه آخر البحث إن شاء الله. ثم أمره الله سبحانه بأن يستعيذ بالله من شرورهم فقال: "فاستعذ بالله إنه هو السميع البصير" أي فالتجئ إليه من شرهم وكيدهم وبغيهم عليك إنه السميع لأقوالهم البصير بأفعالهم لا تخفى عليه من ذلك خافية.
56. " إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم "، ما في قلوبهم، والصدر موضع القلب، فكنى به عن القلب لقرب الجوار، " إلا كبر "، قال ابن عباس: ما يحملهم على تكذيبك إلا ما في صدورهم من الكبر والعظمة، " ما هم ببالغيه "، قال مجاهد : ما هم ببالغي مقتضى ذلك الكبر، لأن الله عز وجل مذلهم.
قال ابن قتيبة : إن في صدورهم إلا تكبر على محمد صلى الله عليه وسلم، وطمع في أن يغلبوه وما هم ببالغي ذلك.
قال أهل التفسير: نزلت في اليهود، وذلك أنهم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن صاحبنا المسيح بن داود -يعنون الدجال- يخرج في آخر الزمان، فيبلغ سلطانه في البر والبحر، ويرد الملك إلينا، قال الله تعالى: " فاستعذ بالله "، من فتنة الدجال، " إنه هو السميع البصير ".
56-" إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم " عام في كل مجادل مبطل وإن نزل في مشركي مكة واليهود حين قالوا : لست صاحبنا بل هو المسيح بن داود يبلغ سلطانه البر والبحر وتسير معه الأنهار . " إن في صدورهم إلا كبر " إلا تكبر عن الحق وتعظم عن التفكر والتعلم ، أو إرادة الرياسة أو إن النبوة والملك لا يكونان إلا لهم . " ما هم ببالغيه " ببالغي دفع الآيات أو المراد . " فاستعذ بالله " فالتجئ إليه . " إنه هو السميع البصير " لأقوالكم وأفعالكم .
56. Lo! those who wrangle concerning the revelations of Allah without a warrant having come unto them, there is naught else in their breasts save pride which they will never attain. So take thou refuge in Allah. Lo! He, only He, is the Hearer, the Seer.
56 - Those who dispute about the Signs of God without any authority bestowed on them, there is nothing in their breasts but (the quest of) greatness, which they shall never attain to: seek refuge, then, in God: it is He who hears and sees (all things).