54 - (إن هذا لرزقنا ما له من نفاد) انقطاع والجملة حال من رزقنا أو خبر ثان لان أي دائما أو دائم
وقوله "إن هذا لرزقنا ما له من نفاد" يصول تعالى ذكره : إن هذا- الذي أعطينا هؤلاء المتقين في جنات عدن من الفاكهة الكثيرة والشراب، والقاصرات الطرف، ومكناهم فيها من الوصول إلى اللذات وما اشتهته فيها أنفسهم - لرزقنا، رزقناهم فيها كرامة منا لهم "ما له من نفاد" يقول : ليس له عنهم انقطاع ولا له فناء، وذلك أنهم كلما أخذوا ثمرة من ثمار شجرة من أشجارها، فأكلوها ، عادت مكانها أخرى مثلها، فذلك لهم دائم أبداً، لا ينقطع انقطاع ما كان أهل الدنيا أوتوه في الدنيا، فانقطع بالفناء ، ونفد بالإنفاد.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن الحسين، قال : ثنا أحمد بن المفضل، قال : ثنا أسباط، عن السدي "إن هذا لرزقنا ما له من نفاد" قال : رزق الجنة، كلما أخذ منه شيء عاد مثله مكانه ، ورزق الدنيا له نفاد.
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة "ما له من نفاد" : أي ما له انقطاع.
قوله تعالى : " إن هذا لرزقنا ما له من نفاد " دليل على أن نعيم الجنة دائم لا ينقطع ، كما قال : " عطاء غير مجذوذ " [ هود : 108 ] وقال : " لهم أجر غير ممنون " [ الانشقاق : 25 ] .
يخبر تعالى عن عباده المؤمنين السعداء أن لهم في الدار الاخرة لحسن مآب وهو المرجع والمنقلب ثم فسره بقوله تعالى: "جنات عدن" أي جنات إقامة مفتحة لهم الأبواب والألف واللام ههنا بمعنى الإضافة كأنه يقول مفتحة لهم أبوابها أي إذا جاءوها فتحت لهم أبوابها, قال ابن أبي حاتم حدثنا محمد بن ثواب الهباري حدثنا عبد الله بن نمير حدثنا عبد الله بن مسلم يعني ابن هرمز عن ابن سابط عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن في الجنة قصراً يقال له عدن حوله البروج والمروج له خمسة آلاف باب عند كل باب خمسة آلاف حبرة لا يدخله ـ أو لا يسكنه ـ إلا نبي أو صديق أو شهيد أو إمام عدل" وقد ورد في ذكر أبواب الجنة الثمانية أحاديث كثيرة من وجوه عديدة.
وقوله عز وجل: "متكئين فيها" قيل متربعين على سرر تحت الحجال "يدعون فيها بفاكهة كثيرة" أي مهما طلبوا وجدوا وأحضر كما أرادوا "وشراب" أي من أي أنواعه شاؤوا أتتهم به الخدام "بأكواب وأباريق وكأس من معين" "وعندهم قاصرات الطرف" أي عن غير أزواجهن فلا يلتفتن إلى غير بعولتهن "أتراب" أي متساويات في السن والعمر هذا معنى قول ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وسعيد بن جبير ومحمد بن كعب والسدي "هذا ما توعدون ليوم الحساب" أي هذا الذي ذكرنا من صفة الجنة هي التي وعدها لعباده المتقين التي يصيرون إليها بعد نشورهم وقيامهم من قبورهم وسلامتهم من النار. ثم أخبر تبارك وتعالى عن الجنة أنه لا فراغ لها ولا زوال ولا انقضاء ولا انتهاء فقال تعالى: " إن هذا لرزقنا ما له من نفاد " كقوله عز وجل "ما عندكم ينفد وما عند الله باق" وكقوله جل وعلا "عطاء غير مجذوذ" وكقوله تعالى: "لهم أجر غير ممنون" أي غير مقطوع وكقوله عز وجل: "أكلها دائم وظلها تلك عقبى الذين اتقوا وعقبى الكافرين النار" والايات في هذا كثيرة جداً.
54- "إن هذا لرزقنا" أي إن هذا المذكور من النعم والكرامات لرزقنا الذي أنعمنا به عليكم "ما له من نفاد" أي انقطاع ولا يفنى أبداً، ومثله قوله: "عطاء غير مجذوذ" فنعم الجنة لا تنقطع عن أهلها.
وقد أخرج أحمد في الزهد وابن أبي حاتم وابن عساكر عن ابن عباس قال: إن الشيطان عرج إلى السماء، فقال: يا رب سلطني على أيوب، قال الله: لقد سلطتك على ماله وولده ولم أسلطك على جسده، فنزل فجمع جنوده، فقال لهم: قد سلطت على أيوب فأروني سلطانكم، فصاروا نيراناً ثم صاروا ماء، فبينما هم في المشرق إذا هم بالمغرب، وبينما هم بالمغرب إذا هم بالمشرق. فأرسل طائفة منهم إلى زرعه، وطائفة إلى أهله، وطائفة إلى بقره، وطائفة إلى غنمه وقال: إنه لا يعتصم منكم إلا بالمعروف، فأتوه بالمصائب بعضها على بعض، فجاء صاحب الزرع فقال: يا أيوب ألم تر إلى ربك أرسل على زرعك ناراً فأحرقته؟ ثم جاء صاحب الإبل، فقال، يا أيوب ألم تر إلى ربك أرسل إلى إبلك عدواً فذهب بها؟ ثم جاءه صاحب الغنم فقال: يا أيوب ألم تر إلى ربك أرسل على غنمك عدواً فذهب بها؟ وتفرد هو لبنيه فجمعهم في بيت أكبرهم، فبينما هم يأكلون ويشربون إذا هبت ريح فأخذت بأركان البيت فألقته عليهم، فلو رأيتهم حين اختلطت دماؤهم ولحومهم بطعامهم وشرابهم؟ فقال له أيوب: فأين كنت؟ قال، كنت معهم، قال: فكيف انفلت؟ قال انفلت، قال: أيوب أنت الشيطان، ثم قال أيوب: أنا اليوم كيوم ولدتني أمي، فقام فحلق رأسه وقام يصلي، فرن إبليس رنة سمعها أهل السماء وأهل الأرض، ثم عرج إلى السماء فقال: أي رب إنه قد اعتصم فسلطني عليه فإني لا أستطيعه إلا بسلطانك، قال: قد سلطتك على جسده ولم أسطلك على قلبه، فكانت امرأته تسعى عليه، حتى قالت له: الا ترى يا أيوب قد نزل والله بي من الجهد والفاقة ما إن بعث قروني برغيف فأطعمتك فادع الله أن يشفيك ويريحك قال: ويحك كنا في النعيم سبعين عاماً فاصبري حتى نكون في الضراء سبعين عاماً، فكان في البلاء سبع سنين ودعا فجاء جبريل يوماً فدعا بيده، ثم قال قم، فقام فنحاه عن مكانه وقال: اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب فركض برجله فنبعت عين، فقال اغتسل، فاغتسل منها، ثم جاء أيضاً فقال: اركض برجلك فنبعت عين أخرى فقال له اشرب منها، وهو قوله: "اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب" وألبسه الله حلة من الجنة، فتنحى أيوب فجلس في ناحية وجاءت امرأته فلم تعرفه، فقالت: يا عبد الله أين المبتلى الذي كان ها هنا؟ لعل الكلاب قد ذهبت به أو الذئاب وجعلت تكلمه ساعة، فقال: ويحك أنا أيوب قد رد الله عليه جسدي، ورد عليه ماله وولده عياناً ومثلهم معهم، وأمطر عليه جراداً من ذهب، فجعل يأخذ الجراد بيده ثم يجعله في ثوبه وينشر كساءه ويأخذه فيجعل فيه، فأوحى الله إليه يا أيوب أما شبعت؟ قال: يا رب من ذا الذي يشبع من فضلك ورحمتك. وفي هذا نكارة شديدة فإن الله سبحانه لا يمكن الشيطان من نبي من أنبيائه ويسلط عليه هذا التسليط العظيم.
وأخرج أحمد في الزهد وعبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن عساكر عن ابن عباس قال: إن إبليس قعد على الطريق وأخذ تابوتاً يداوي الناس، فقالت امرأة أيوب: يا عبد الله إن ها هنا مبتلى من أمره كذا وكذا فهل لك أن تداويه قال: نعم بشرط إن أنا شفيته أن يقول أنت شفيتني لا أريد منه أجراً غيره. فأتت أيوب فذكرت له ذلك، فقال: ويحك ذاك الشيطان، لله علي إن شفاني الله أن أجلدك مائة جلدة، فلما شفاه الله أمره أن يأخذ ضغثاً فيضربها به، فأخذ عذقاً فيه مائة شمراخ فضربها ضربة واحدة. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عنه في قوله: "وخذ بيدك ضغثاً" قال: هو الأسل. وأخرج ابن المنذر عنه أيضاً قال: الضغث القبض من المرعى الرطب. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال: الضغث الحزمة. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير والطبراني وابن عساكر من طريق أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال: حملت وليدة في بني ساعدة من زنا، فقيل لها ممن حملك؟ قالت من فلان المقعد، فسئل المقعد فقال صدقت، فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: خذوا عثكولاً فيه مائة شمراخ فاضربوه به ضربة واحدة. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير والطبراني وابن عساكر نحوه من طريق أخرى عن أبي أماة بن سهل بن حنيف عن سعيد بن سعد بن عبادة. وأخرج الطبراني عن سهل بن سعد نحوه. وأخرج ابن عساكر عن ابن مسعود قال: أيوب رأس الصابرين يوم القيامة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن مسعود في قوله: " أولي الأيدي " قال: القوة في العبادة "والأبصار" قال: الفقه في الدين. وأخرج ابن أبي حاتم عنه "أولي الأيدي" قال: النعمة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله: "إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار" قال: أخلصوا بذكر دار الآخرة أن يعملوا لها.
54. " إن هذا لرزقنا ما له من نفاد "، فناء وانقطاع.
54-" إن هذا لرزقنا ما له من نفاد " انقطاع .
54. Lo! this in truth is Our provision, which will never waste away.
54 - Truly such will be our Bounty (to you) it will never fail;