54 - (وهو الذي خلق من الماء بشرا) من المني إنسانا (فجعله نسبا) ذا نسب (وصهرا) ذا صهر بأن يتزوج ذكرا كان أو أنثى طلبا للتناسل (وكان ربك قديرا) قادرا على ما يشاء
يقول تعالى ذكره : والله الذي خلق من المطف بشرا إنسانا فجعله نسبا ، و ذلك سبعة ، و صهرا ، وهو خمسة .
كما حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك ، يقول في قوله " فجعله نسبا وصهرا " النسب : سبع ، قوله " حرمت عليكم أمهاتكم " النساء : 23 .... إلى قوله " وبنات الأخت " النساء : 23 . والصهر خمس ، قوله " وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم " النساء : 23 .... إلى قوله " وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم " النساء : 23 .
وقوله " وكان ربك قديرا " يقول : وربك يا محمد ذو قدرة على خلق ما يشاء من الخلق ، و تصريفهم فيما شاء وأراد .
فيه مسألتان :
الأولى : قوله تعالى : " وهو الذي خلق من الماء بشرا " أي خلق من النطفة إنساناً . " فجعله " أي جعل الإنسان " نسبا وصهرا " . وقيل : " من الماء " إشارة إلى أصل الخلقة في أن كل حي مخلوق من الماء . وفي هذا الآية تعديد النعمة على الناس في إيجادهم بعد العدم ، والتنبيه على العبرة في ذلك .
الثانية : قوله تعالى " فجعله نسبا وصهرا " النسب والصهر معنيان يعمان كل قربى تكون بين آدميين . قال ابن العربي : النسب عبارة عن خلط الماء بين الذكر والأنثى على وجه الشرع ، فإن كان بمعصية كان خلقاً مطلقاً ولم يكن نسباً محققاً ، ولذلك لم يدخل تحت قوله :" حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم " [ النساء : 23 ] بنته من الزنى ، لأنها ليست ببنت له في أصح القولين لعلمائنا وأصح القولين في الدين ، وإذا لم يكن نسب شرعاً فلا صهر شرعاً فلا يحرم الزنى بنت أم ولا أم بنت ، وما يحرم من الحلال لا يحرم من الحرام ، لأن الله امتن بالنسب والصهر على عباده ورفع قدرهما ، وعلق الأحكام في الحل والحرمة عليهما فلا يلحق الباطل بهما ولا يساويهما .
قلت : اختلف الفقهاء في نكاح الرجل ابنته من زنى أو أخته أو بنت ابنه من زنى ، فحرم ذلك قوم من هم ابن القاسم ، وهو قول أبي حنيفة وأصحاب ، وأجاز آخرون منهم عبد الملك بن الماجشون ، وهو قول الشافعي ، وقد مضى هذا في ( النساء ) مجوداً . قلا الفراء : النسب الذي لا يحل نكاحه ، والصهر الذي يحل نكاحه . وقاله الزجاج ، وهو قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه . وإشتقاق الصهر من صهرت الشي إذا خلطته ، فكل واحد من الصهرين قد خالط صاحبه ، فسميت المناكح صهراً لاختلاط الناس بها . وقيل : الصهر قرابة النكاح ، فقرابة الزوجة هم الأختان ، وقرابة الزوج هم الأحماء . والأصهار يقع عاماً لذلك كله ، قاله الأصمعي . وقال ابن العربي : الأختان أبو المرأة وأخوها وعمها _ كما قال الأصمعي _ والصهر زوج ابنة الرجل وأخوه وأبوه وعمه . وقال محمد بن الحسن في رواية أبي سليمان الجوزجاني : أختان الرجل أزواج بناته وأخواته وعماته وخالاته ، وكل ذات محرم منه ، وأصهاره كل ذي رحم محرم من زوجته . قال النحاس : الأولى في هذا أن يكون القول في الأصهار ما قال الأصمعي ، وأن يكون من قبلهما جميعاً . يقال : صهرت الشيء أي خلطته ، فكل واحد منهما قد خلط صاحبه . والأولى في الأختان ما قال حمد بن الحسن لجهتين : إحداهما الحديث المرفوع ، روى محمد بن إسحاق عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن محمد بن أسامة بن زيد عن أبيه قال "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما أنت يا علي فختني وأبو ولدي وأنت مني وأنا منك " فهذا علي أن زوج البنت ختن . والجهة الأخرى أن اشتقاق الختن من ختنه إذا قطعه ، وكأن الزوج قد انقطع عن أهله ، وقطع زوجته عن أهلها . وقال الضحاك : الصهر قرابة الرضاع . قال ابن عطية : وذلك عندي وهم أوجبه أن ابن عباس قال : حرم من النسب سبع ، ومن الصهر خمس . وفي رواية أخرى من الصهر سبع ، يريد قوله عز وجل : " حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت " [ النساء : 23 ] فهذا هو النسب . قم يريد بالصهر قوله تعالى : " وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم " [ النساء : 23] إلى قوله : " وأن تجمعوا بين الأختين " [ النساء : 23 ] ثم ذكر المحصنات . ومحمل هذا أن ابن عباس أراد من الصهر ما ذكر معه ، فقد أشار بما ذكر إلى عظمه وهو الصهر ، لا أن الرضاع صهر ، وإنما الرضاع عديل النسب يحرم منه ما يحرم من النسب بحكم الحديث المأثور فيه . ومن روى : وحرم من الصهر خمس أسقط من الآيتين الجمع بين الأختين والمحصنات ، وهن ذوات الأزواج .
قلت : فابن عطية جعل الرضاع مع ما تقدم نسباً ، وهو قول الزجاج . قال أبو إسحاق : النسب الذي ليس بصهر من قوله حل ثناؤه : " حرمت عليكم أمهاتكم " [ النساء : 23 ] إلى قوله : " وأن تجمعوا بين الأختين " [ النساء : 23 ] والصهر من له التزويج . قال ابن عطية : وحكى الزهراوي قولاً أن النسب من جهة البنين والصهر من جهة البنات .
قلت : وذكر هذا القول النحاس ، وقال : لأن المصاهرة من جهتين تكون . وقال ابن سرين : نزلت هذه الآية في النبي صلى الله عليه وسلم وعلي رضي الله عنه ، لأنه جمعه معه نسب وصهر . قال ابن عطية : فاجتماعهما وكادة حرمة إلى يوم القيامة : " وكان ربك قديرا " على خلق ما يريده .
يقول تعالى: "ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيراً" يدعوهم إلى الله عز وجل, ولكنا خصصناك يا محمد بالبعثة إلى جميع أهل الأرض, وأمرناك أن تبلغهم القرآن "لأنذركم به ومن بلغ" "ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده" "لتنذر أم القرى ومن حولها" "قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً". وفي الصحيحين "بعثت إلى الأحمر والأسود", وفيهما " وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة, وبعثت إلى الناس عامة" ولهذا قال تعالى: "فلا تطع الكافرين وجاهدهم به" يعني القرآن, قاله ابن عباس , "جهاداً كبيراً" كما قال تعالى: "يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين" الاية.
وقوله تعالى: "وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج" أي خلق الماءين: الحلو والملح, فالحلو كالأنهار والعيون والابار, وهذا هو البحر الحلو العذب الفرات الزلال, قاله ابن جريج , واختاره ابن جرير , وهذا المعنى لا شك فيه, فإنه ليس في الوجود بحر ساكن وهو عذب فرات, والله سبحانه وتعالى إنما أخبر بالواقع لينبه العباد على نعمه عليهم ليشكروه, فالبحر العذب هو هذا السارح بين الناس, فرقه الله تعالى بين خلقه لاحتياجهم إليه أنهاراً وعيوناً في كل أرض, بحسب حاجتهم وكفايتهم لأنفسهم وأرضيهم.
وقوله تعالى: "وهذا ملح أجاج" أي مالح مر زعاق لا يستساغ, وذلك كالبحار المعروفة في المشارق والمغارب: البحر المحيط وما يتصل به من الزقاق, وبحر القلزم, وبحر اليمن, وبحر البصرة, وبحر فارس, وبحر الصين والهند, وبحر الروم, وبحر الخزر, وما شاكلها وما شابهها من البحار الساكنة التي لا تجري, ولكن تموج وتضطرب وتلتطم في زمن الشتاء وشدة الرياح, ومنها ما فيه مد وجزر, ففي أول كل شهر يحصل منها مد وفيض, فإذا شرع الشهر في النقصان جزرت حتى ترجع إلى غايتها الأولى, فإذا استهل الهلال من الشهر الاخر شرعت في المد إلى الليلة الرابعة عشرة, ثم تشرع في النقص, فأجرى الله سبحانه وتعالى ـ وهو ذو القدرة التامة ـ العادة بذلك, فكل هذه البحار الساكنة, خلقها الله سبحانه وتعالى مالحة لئلا يحصل بسببها نتن الهواء, فيفسد الوجود بذلك, ولئلا تجوى الأرض بما يموت فيها من الحيوان, ولما كان ماؤها مالحاً, كان هواؤها صحيحاً وميتتها طيبة, ولهذا " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سئل عن ماء البحر: أنتوضأ به ؟ فقال " هو الطهور ماؤه الحل ميتته " " رواه الأئمة مالك والشافعي وأحمد وأهل السنن بإسناد جيد.
وقوله تعالى: "وجعل بينهما برزخاً وحجراً" أي بين العذب والمالح "برزخاً" أي حاجزاً وهو اليبس من الأرض, "وحجراً محجوراً" أي مانعاً من أن يصل أحدهما إلى الاخر, كقوله تعالى: " مرج البحرين يلتقيان * بينهما برزخ لا يبغيان * فبأي آلاء ربكما تكذبان " وقوله تعالى: "أمن جعل الأرض قراراً وجعل خلالها أنهاراً وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزاً أإله مع الله ؟ بل أكثرهم لا يعلمون" وقوله تعالى: "وهو الذي خلق من الماء بشراً" الاية, أي خلق الإنسان من نطفة ضعيفة فسواه وعدله وجعله كامل الخلقة ذكراً وأنثى, كما يشاء, "فجعله نسباً وصهراً" فهو في ابتداء أمره ولد نسيب, ثم يتزوج فيصير صهراً, ثم يصير له أصهار وأختان وقرابات, وكل ذلك من ماء مهين, ولهذا قال تعالى: "وكان ربك قديراً".
فقال: 54- "وهو الذي خلق من الماء بشراً فجعله نسباً وصهراً" والمراد بالماء هنا ماء النطفة: أي خلق من ماء النطفة إنساناً فجعله نسباً وصهراً وقيل المراد بالماء الماء المطلق الذي يراد في قوله: "وجعلنا من الماء كل شيء حي" والمراد بالنسب هو الذي لا يحل نكاحه. قال الفراء والزجاج: واشتقاق الصهر من صهرت الشيء: إذا خلطته، وسميت المناكح صهراً لاختلاط الناس بها. وقيل الصهر قرابة النكاح، فقرابة الزوجة هم الأختان، وقرابة الزوج هم الأحماء، والأصهار تعمهما، قاله الأصمعي. قال الواحدي. قال المفسرون: النسب سبعة أصناف من القرابة يجمعها قوله: "حرمت عليكم أمهاتكم" إلى قوله: "وأمهات نسائكم" ومن هنا إلى قوله: "وأن تجمعوا بين الأختين" تحريم بالصهر، وهو الخلطة التي تشبه القرابة، حرم الله سبعة أصناف من النسب، سبعة من جهة الصهر، قد اشتملت الآية المذكورة على ستة منها، والسابعة قوله: "ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء" وقد جعل ابن عطية والزجاج وغيرهما الرضاع من جملة النسب، ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم: "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب" "وكان ربك قديراً" أي بليغ القدرة عظيمها، ومن جملة قدرته الباهرة خلق الإنسان وتقسيمه إلى القسمين المذكورين.
وقد أخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "ألم تر إلى ربك كيف مد الظل" قال: بعد الفجر قبل أن تطلع الشمس. وأخرج ابن أبي حاتم عنه بلفظ: ألم تر أنك إذا صليت الفجر كان بين مطلع الشمس إلى مغربها ظلا ثم بعث الله عليه الشمس دليلاً فقبض الظل. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً في الآية قال: مد الظل ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس " ولو شاء لجعله ساكنا "قال : دائما " ثم جعلنا الشمس عليه دليلا " يقول : طلوع الشمس "ثم قبضناه إلينا قبضاً يسيراً" قال: سريعاً. وأخرج أهل السنن وأحمد وغيرهم من حديث أبي سعيد قال: "قيل يا رسول الله أنتوضأ من بئر بضاعة؟ وهي بئر يلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب والنتن، فقال: إن الماء طهور لا ينجسه شيء". وفي إسناد هذا الحديث كلام طويل قد استوفيناه في شرحنا على المنتقى. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال: ما من عام بأقل مطراً من عام، ولكن الله يصرفه حيث يشاء، ثم قرأ هذه الآية "ولقد صرفناه بينهم ليذكروا" الآية. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: "وجاهدهم به" قال: بالقرآن. وأخرج ابن جرير عنه "هو الذي مرج البحرين" يعني خلط أحدهما على الآخر فليس يفسد العذب المالح وليس يفسد المالح العذب. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله: "وحجراً محجوراً" يقول: حجر أحدهما عن الآخر بأمره وقضائه. وأخرج عبد بن حميد عن عبد الله بن المغيرة قال: سئل عمر بن الخطاب عن نسباً وصهراً فقال: ما أراكم إلا وقد عرفتم النسب، وأما الصهر: فالأختان والصحابة.
54- "وهو الذي خلق من الماء"، من النطفة، "بشراً فجعله نسباً وصهراً"، أي: جعله ذا نسب وصهر، قيل: النسب: ما لا يحل نكاحه، والصهر: ما يحل نكاحه، فالنسب ما يوجب الحرمة، والصهر ما لا يوجبها، وقيل: -وهو الصحيح-: النسب: من القرابة، والصهر: الخلطة التي تشبه القرابة، وهو السبب المحرم للنكاح، وقد ذكرنا أن الله تعالى حرم بالنسب سبعاً وبالسبب سبعاً، في قوله: "حرمت عليكم أمهاتكم" (النساء-23)، "وكان ربك قديراً".
54ـ " وهو الذي خلق من الماء بشراً " يعني الذي خمر به طينة آدم ، أو جعله جزءاً من مادة البشر لتجتمع لتبشر وتسلس وتقبل الأشكال والهيئات بسهولة ، أو النطفة . " فجعله نسباً وصهراً " أي قسمه قسمين ذوي نسب أي ذكوراً ينسب إليهم ، وذاوت صهر أي إناثاً يصاهر بهن كقوله تعالى : " فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى " . " وكان ربك قديراً " حيث خلق من مادة واحدة بشراً ذا أعضاء مختلفة وطباع متباعدة وجعله قسمين متقابلين ، وربما يخلق من نطفة واحدة توأمين ذكراً وأنثى .
54. And He it is Who hath created man from water, and hath appointed for him kindred by blood and kindred by marriage; for thy Lord is ever Powerful.
54 - It is He Who has created man from water: then has He established relationships of lineage and marriage: for thy Lord has power (over all things).