54 - (ولو أن لكل نفس ظلمت) كفرت (ما في الأرض) جميعاً من الأموال (لافتدت به) من العذاب يوم القيامة (وأسروا الندامة) على ترك الإيمان (لما رأوا العذاب) أخفاها رؤساؤهم عن الضعفاء الذين أضلوهم مخافة التعيير (وقضي بينهم) بين الخلائق (بالقسط) بالعدل (وهم لا يظلمون) شيئاً
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولو أن لكل نفس كفرت بالله، و((ظلمها))، في هذا الموضع، عبادتها غير من تستحق عبادته وتركها طاعة من يجب عليها طاعته، " ما في الأرض "، من قليل أو كثير، " لافتدت به "، يقول: لافتدت بذلك كله من عذاب الله إذا عاينته، وقوله: " وأسروا الندامة لما رأوا العذاب "، يقول: وأخفت رؤساء هؤلاء المشركين من وضعائهم وسفلتهم الندامة، حين أبصروا عذاب الله قد أحاط بهم، وأيقنوا أنه واقع بهم، " وقضي بينهم بالقسط "، يقول: وقضى الله يومئذ بين الأتباع والرؤساء منهم بالعدل، " وهم لا يظلمون "، وذلك أنه لا يعاقب أحداً منهم إلا بجريرته، ولا يأخذه بذنب أحد، ولا يعذب إلا من قد أعذر إليه في الدنيا وأنذر وتابع عليه الحجج.
قوله تعالى: "ولو أن لكل نفس ظلمت" أي أشركت وكفرت. "ما في الأرض" أي ملكاً. "لافتدت به" أي من عذاب الله، يعني ولا يقبل منها، كما قال: "إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به" [آل عمران: 91]. وقد تقدم.
قوله تعالى: "وأسروا الندامة" أي أخفوها، يعني رؤساءهم، أي أخفوا ندامتهم عن أتباعهم. "لما رأوا العذاب" وهذا قبل الإحراق بالنار، فإذا وقعوا في النار ألهتهم النار عن التصنع، بدليل قولهم: "ربنا غلبت علينا شقوتنا" [المؤمنون: 106]. فبين أنهم لا يكتمون ما بهم. وقيل: أسروا أظهروا، والكلمة من الأضداد، ويدل عليه أن الآخرة ليست دار تجلد وتصبر. وقيل: وجدوا ألم الحسرة في قلوبهم، لأن الندامة لا يمكن إظهارها. قال كثير:
فأسررت الندامة يوم نادى برد جمال غاضرة المنادي
وذكر المبرد فيه وجهاً ثالثاً- أنه بدت بالندامة أسرة وجوههم، وهي تكاسير الجبهة، واحدها سرار. والندامة: الحسرة لوقوع شيء أو فوت شيء، وأصلها اللزوم، ومنه النديم لأنه يلازم المجالس. وفلان نادم سادم. والسدم اللهج بالشيء. وندم وتندم بالشيء أي اهتم به. قال الجوهري: السدم (بالتحريك) الندم والحزن، وقد سدم بالكسر أي اهتم وحزن ورجل نادم سادم، وندمان سدمان، وقيل: هو إتباع. وماله هم ولا سدم إلا ذلك. وقيل: الندم مقلوب الدمن، والدمن اللزوم، ومنه فلان مدمن الخمر. والدمن: ما اجتمع في الدار وتلبد في الأبوال والأبعار، سمي به للزومه. والدمنة: الحقد الملازم للصدر، والجمع دمن. وقد دمنت قلوبهم بالكسر، يقال: دمنت على فلان أي ضغنت. "وقضي بينهم بالقسط" أي بين الرؤساء والسفل بالعدل. "وهم لا يظلمون".
يقول تعالى ويستخبرونك "أحق هو" أي المعاد والقيامة من الأجداث بعد صيرورة الأجسام تراباً "قل إي وربي إنه لحق وما أنتم بمعجزين" أي ليس صيرورتكم تراباً بمعجز الله عن إعادتكم كما بدأكم من العدم فـ "إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون" وهذه الاية ليس لها نظير في القرآن إلا آيتان أخريان يأمر الله تعالى رسوله أن يقسم به على من أنكر المعاد في سورة سبأ "وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم" وفي التغابن " زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير " ثم أخبر تعالى أنه إذا قامت القيامة يود الكافر لو افتدى من عذاب الله بملء الأرض ذهباً "وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وقضي بينهم بالقسط" أي بالحق "وهم لا يظلمون".
ثم زاد في التأكيد، فقال: 54- "ولو أن لكل نفس ظلمت ما في الأرض لافتدت به" أي ولو أن لكل نفس من الأنفس المتصفة بأنها ظلمت نفسها بالكفر بالله وعدم الإيمان به ما في الأرض من كل شيء من الأشياء التي تشتمل عليها من الأموال النفيسة والذخائر الفائقة لافتدت به: أي جعلته فدية لها من العذاب، ومثله قوله تعالى: " إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به " وقد تقدم. قوله: "وأسروا الندامة لما رأوا العذاب" الضمير راجع إلى الكفار الذين سياق الكلام معهم، وقيل: راجع إلى الأنفس المدلول عليها بكل نفس. ومعنى أسروا: أخفوا: أي لم يظهروا الندامة بل أخفوها لما قد شاهدوه في ذلك الموطن مما سلب عقولهم، وذهب بتجلدهم، ويمكن أنه بقي فيهم وهم على تلك الحالة عرق ينزعهم إلى العصبية التي كانوا عليها في الدنيا، فأسروا الندامة لئلا يشمت بهم المؤمنون، وقيل: أسرها الرؤساء فيما بينهم دون أتباعهم خوفاً من توبيخهم لهم لكونهم هم الذين أضلوهم وحالوا بينهم وبين الإسلام، ووقوع هذا منهم كان عند رؤية العذاب، وأما بعد الدخول فيه فهم الذين "قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا" وقيل: معنى أسروا: أظهروا، وقيل: وجدوا ألم الحسرة في قلوبهم، لأن الندامة لا يمكن إظهارها، ومنه قول كثير:
فأسررت الندامة يوم نادى برد جمال عاضرة المنادى
وذكر المبرد في ذلك وجهين: الأول: أنها بدت في وجوههم أسرة الندامة، وهي الإنكسار، واحدها سرار، وجمعها أسارير، والثاني: ما تقدم، وقيل معنى "أسروا الندامة" أخلصوها، لأن إخفاءها إخلاصها، و "لما" في قوله: "لما رأوا العذاب" ظرف بمعنى حين منصوب بـ أسروا، أو حرف شرط جوابه محذوف لدلالة ما قبله عليه "وقضي بينهم بالقسط" أي قضى الله بين المؤمنين وبين الكافرين أو بين الرؤساء والأتباع، أو بين الظالمين من الكفار والمظلومين، وقيل: معنى القضاء بينهم: إنزال العقوبة عليهم، والقسط: العدل، وجملة "وهم لا يظلمون" في محل نصب على الحال: أي لا يظلمهم الله فيما فعل بهم من العذاب الذي حل بهم فإنه بسبب ما كسبوا.
54-" ولو أن لكل نفس ظلمت "، أي: أشركت، "ما في الأرض لافتدت به"، يوم القيامة، والافتداء هاهنا: بذل ما ينجو به من العذاب. "وأسروا الندامة"، قال أبو عبيدة: معناه: أظهروا الندامة، لأنه ليس ذلك اليوم يوم تصبر وتصنع. وقيل: معناه أخفوا أي أخفى الرؤساء الندامة من الضعفاء، خوفا من ملامتهم وتعبيرهم، "لما رأوا العذاب وقضي بينهم بالقسط"، فرغ من عذابهم، "وهم لا يظلمون".
54."ولو أن لكل نفس ظلمت"بالشرك أو التعدي على الغير"ما في الأرض"من خزائنها وأمولها."لافتدت به "لجعلته فدية لها من العذاب ، من قولهم افتداه بمعنى فداه."وأسروا الندامة لما رأوا العذاب"لأنهم بهتوا بما عاينوا مما لم يحتسبوه من فظاعة الأمر وهوله فلم يقدروا أن ينطقوا .وقيل"أسروا الندامة"أخلصوها لأن إخفاءها إخلاصها،أو لأنه يقال سر الشيء لخاصته من حيث إنها تخفى ويضن بها .وقيل أظهروها من قولهم أسرر الشيء وأسره إذا أظهره ، "وقضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون" ليس تكريراً.لأن الأول قضاء بين الأنبياء ومكذبيهم والثاني مجازاة المشركين على الشرك أو الحكومة بين الظالمين والمظلومين،والضمير إنما يتناولهم لدلالة الظلم عليهم.
54. And if each soul that doeth wrong had all that is in the earth it would seek to ransom itself therewith; and they will feel remorse within them, when they see the doom. But it hath been judged between them fairly and they are not wronged.
54 - Every soul that hath sinned, if it possessed all that is on earth, would fain give it in ransom: they would declare (their) repentance when they see the penalty: but the judgment between them will be with justice, and no wrong will be done unto them.