ورأى المجرمون النار فظنوا) أي أيقنوا (أنهم مواقعوها) أي واقعون فيها (ولم يجدوا عنها مصرفا) معدلا
وقوله " ورأى المجرمون النار" يقول : وعاين المشركون النار يومئذ " فظنوا أنهم مواقعوها" يقول : فعلمو) أنهم داخلوها .
كما حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله " فظنوا أنهم مواقعوها" قال : علموا.
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني عمرو بن الحارث ، عن دراج ، عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : إن الكافر يرى جهنم فيظن أنها مواقعته من مسيرة أربعين سنة . وقوله " ولم يجدوا عنها مصرفا" يقول : ولم يجدوا عن النار التي رأوا معدلا يعدلون عنها إليه ، يقول : لم يجدوا من مواقعتها بدا، لأن الله قد حتم عليهم ذلك . ومن المصرف بمعنى المعدل قول أبي كبير الهذلي :
أزهيرهل عن شيبة من مصرف أم لا خلود لباذل متكلف
قوله تعالى: " ورأى المجرمون النار " " رأى " أصله رأي، قلبت الياء ألفاً لانفتاحها وانفتاح ما قبلها، ولهذا زعم الكوفيون أن " رأى " يكتب بالياء، وتابعهم على هذا القول بعض البصريين. فأما البصريون الحذاق، منهم محمد بن يزيد فإنهم يكتبونه بالألف. قال النحاس: سمعت علي بن سليمان يقول سمعت محمد بن يزيد يقول: لا يجوز أن يكتب مضى ورمى وكل ما كان من ذوات الياء إلا بالألف، ولا فرق بين ذوات الياء وبين ذوات الواو في الخط، كما أنه لا فرق بينهما في اللفظ، ولو وجب أن يكتب ذوات الياء بالياء لوجب أن يكتب ذوات الواو بالواو، وهم مع هذا يناقضون فيكتبون رمى بالياء ورماه بالألف، فإن كانت العلة أنه من ذوات الياء وجب أن يكتبوا رماه بالياء، ثم يكتبون ضحاً جمع ضحوة، وكساً جمع كسوة، وهما من ذوات الواو بالياء، وهذا ما لا يحصل ولا يثبت على أصل.
" فظنوا أنهم مواقعوها " " فظنوا " هنا بمعنى اليقين والعلم، كما قال:
فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج
أي أيقنوا، وقد تقدم. قال ابن عباس: أيقنوا أنهم مواقعوها. وقيل: رأوها من مكان بعيد فتوهموا أنهم مواقعوها، وظنوا أنها تأخذهم في الحال. وفي الخبر:
" إن الكافر ليرى جهنم ويظن أنها مواقعته من مسيرة أربعين سنة ". والمواقعة ملابسة الشيء بشدة. وعن علقمة أنه قرأ " فظنوا أنهم مواقعوها " أي مجتمعون فيها، واللفف الجمع. " ولم يجدوا عنها مصرفا " أي مهرباً لإحاطتها بهم من كل جانب. وقال القتبي : معدلا ينصرفون إليه. وقيل: ملجأ يلجأون إليه، والمعنى واحد. وقيل ولم تجد الأصنام مصرفاً للنار عن المشركين.
يقول تعالى مخبراً عما يخاطب به المشركين يوم القيامة على رؤوس الأشهاد تقريعاً لهم وتوبيخاً "نادوا شركائي الذين زعمتم" أي في دار الدنيا ادعوهم اليوم ينقذوكم مما أنتم فيه قال تعالى: "ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون" وقوله: "فدعوهم فلم يستجيبوا لهم" كما قال: "وقيل ادعوا شركاءكم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم" الاية, وقال: "ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له" الايتين, وقال تعالى: "واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزاً* كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضداً" وقوله: "وجعلنا بينهم موبقاً" قال ابن عباس وقتادة وغير واحد: مهلكاً, وقال قتادة : ذكر لنا أن عمر البكائي حدث عن عبد الله بن عمرو قال: هو واد عميق فرق به يوم القيامة بين أهل الهدى وأهل الضلالة. وقال قتادة : موبقاً وادياً في جهنم.
وقال ابن جرير : حدثني محمد بن سنان القزاز , حدثنا عبد الصمد , حدثنا يزيد بن درهم , سمعت أنس بن مالك يقول في قول الله تعالى: "وجعلنا بينهم موبقاً" قال: واد في جهنم من قيح ودم, وقال الحسن البصري : موبقاً عداوة, والظاهر من السياق ههنا أنه المهلك, ويجوز أن يكون وادياً في جهنم أو غيره, والمعنى أن الله تعالى بين أنه لا سبيل لهؤلاء المشركين ولا وصول لهم إلى آلهتهم التي كانوا يزعمون في الدنيا, وأنه يفرق بينهم وبينها في الاخرة, فلا خلاص لأحد من الفريقين إلى الاخر, بل بينهما مهلك وهول عظيم وأمر كبير. وأما إن جعل الضمير في قوله بينهم عائداً إلى المؤمنين والكافرين كما قال عبد الله بن عمرو إنه يفرق بين أهل الهدى والضلالة به, فهو كقوله تعالى: "ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون" وقال "يومئذ يصدعون", وقال تعالى: "وامتازوا اليوم أيها المجرمون", وقال تعالى: " ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم فزيلنا بينهم وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون * فكفى بالله شهيدا بيننا وبينكم إن كنا عن عبادتكم لغافلين * هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت وردوا إلى الله مولاهم الحق وضل عنهم ما كانوا يفترون ".
وقوله: "ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفاً" أي أنهم لما عاينوا جهنم حين جيء بها تقاد بسبعين ألف زمام, مع كل زمام سبعون ألف ملك " ورأى المجرمون النار " تحققوا لا محالة أنهم مواقعوها, ليكون ذلك من باب تعجيل الهم والحزن لهم, فإن توقع العذاب والخوف منه قبل وقوعه عذاب ناجز. وقوله: "ولم يجدوا عنها مصرفاً" أي ليس لهم طريق يعدل بهم عنها ولا بد لهم منها. قال ابن جرير : حدثني يونس أخبرنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد , عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الكافر ليرى جهنم فيظن أنها مواقعته من مسيرة أربعمائة سنة". وقال الإمام أحمد : حدثنا حسن, حدثنا ابن لهيعة حدثنا دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ينصب الكافر مقدار خمسين ألف سنة, كما لم يعمل في الدنيا, وإن الكافر ليرى جهنم ويظن أنها مواقعته من مسيرة أربعين سنة".
53- "ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها" المجرمون موضوع موضع الضمير للإشارة إلى زيادة الذم لهم بهذا الوصف المسجل عليهم به، والظن هنا بمعنى اليقين. والمواقعة المخالطة بالوقوع فيها، وقيل إن الكفار يرون النار من مكان بعيد فيظنون ذلك ظناً "ولم يجدوا عنها مصرفاً" أي معدلاً يعدلون إليه، أو انصرافاً، لأن النار قد أحاطت بهم من كل جانب. قال الواحدي: المصرف الموضع الذي ينصرف إليه. وقال القتيبي: أي معدلاً ينصرفون إليه، وقيل ملجأ يلجأون إليه. والمعنى متقارب في الجميع.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: "وترى الأرض بارزة" قال: ليس عليها بناء ولا شجر. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد نحوه. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله: "لا يغادر صغيرة ولا كبيرة" قال: الصغيرة التبسم، والكبيرة الضحك. وزاد ابن أبي الدنيا وابن أبي حاتم عنه قال: الصغيرة التبسم بالاستهزاء بالمؤمنين، والكبيرة القهقهة بذلك. وأقول: صغيرة وكبيرة نكرتان في سياق النفي، فيدخل تحت ذلك كل ذنب يتصف بصغر، وكل ذنب يتصف بالكبر، فلا يبقى من الذنوب شيء إلا أحصاه الله وما كان من الذنوب ملتبساً بين كونه صغيراً أو كبيراً، فذلك إنما هو بالنسبة إلى العباد لا بالنسبة إلى الله سبحانه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ في العظمة والبيهقي في الشعب عن ابن عباس قال: أن من الملائكة قبيلة يقال لهم الجن فكان إبليس منهم، وكان يوسوس ما بين السماء والأرض، فعصى فسخط الله عليه فمسخه الله شيطاناً رجيماً. وأخرج ابن جرير عنه في قوله: "كان من الجن" قال: كان خازن الجنان، فسمي بالجان. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه أيضاً قال: إن إبليس كان من أشرف الملائكة وأكرمهم قبيلة، وكان خازناً على الجنان. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن قال: قاتل الله أقواماً زعموا أن إبليس كان من الملائكة، والله يقول كان من الجن. وأخرج ابن جرير وابن الأنباري عنه أنه قال: ما كان من الملائكة طرفة عين، إنه لأصل الجن كما أن آدم أصل الإنس. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: "ما أشهدتهم خلق السموات والأرض" قال: يقول ما أشهدت الشياطين الذين اتخذتم معي هذا "وما كنت متخذ المضلين عضداً" قال: الشياطين عضداً، قال: ولا اتخذتهم عضداً على شيء عضدوني عليه فأعانوني. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: "وجعلنا بينهم موبقاً" يقول: مهلكاً. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن مجاهد مثله. وأخرج أبو عبيد وهناد وابن المنذر عنه قال: واد في جهنم. وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث عن أنس في الآية قال: واد في جهنم من قيح ودم. وأخرج أحمد في الزهد وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عمرو قال: هو واد عميق في النار فرق الله به يوم القيامة بين أهل الهدى وأهل الضلالة. وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: "فظنوا أنهم مواقعوها" قال: علموا.
53 - " ورأى المجرمون النار " ، أي : المشركون ، " فظنوا " ، أيقنوا ، " أنهم مواقعوها " ، داخلوها وواقعون فيها ، " ولم يجدوا عنها مصرفاً " ، معدلاً ، لأنها أحاطت بهم من كل جانب .
53."ورأى المجرمون النار فظنوا"فأيقنوا ."أنهم مواقعوها"مخالطوها واقعون فيها " ولم يجدوا عنها مصرفا "انصرافاً أو مكاناً ينصرفون إليه.
53. And the guilty behold the Fire and know that they are about to fall therein, and they find no way of escape thence:
53 - And the sinful shall see the fire and apprehend that they have to fall therein: no means will they find to turn away therefrom.