52 - (قالوا) الكفار منهم (يا) للتنبيه (ويلنا) هلاكنا وهو مصدر لا فعل له من لفظة (من بعثنا من مرقدنا) لأنهم كانوا بين النفختين نائمين لم يعذبوا (هذا) البعث (ما) الذي (وعد) به (الرحمن وصدق) فيه (المرسلون) أقروا حين لا ينفعهم الإقرار وقيل يقال لهم ذلك
وقوله: " قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون " يقول تعالى ذكره: قال هؤلاء المشركون لما نفخ في الصور نفخة البعث لموقف القيامة فردت أرواحهم إلى أجسامهم، وذلك بعد نومة ناموها " يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا " وقد قيل: إن ذلك نومة بين النفختين.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن خيثمة، عن الحسن، عن أبي بن كعب، في قوله: " يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا " قال: ناموا نومة قبل البعث.
حدثنا ابن بشار، قال ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن رجل يقال له خيثمة في قوله: " يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا " قال: ينامون نومة قبل البعث.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: " قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا " هذا قول أهل الضلالة. والرقدة: ما بين النفختين.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: " يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا " قال: الكافرون يقولونه.
ويعني بقوله: " من مرقدنا هذا " من أيقظنا من منامنا، وهو من قولهم: بعث فلان ناقته فانبعثت، إذا أثارها فثارت. وقد ذكر أن ذلك في قراءة ابن مسعود ( من أهبنا من مرقدنا هذا). وفي قوله " هذا " وجهان: أحدهما: أن تكون إشارة إلى ( ما) ويكون ذلك كلاماً متبدأ بعد تناهي الخبر الأول بقوله " من بعثنا من مرقدنا " فتكون ما حينئذ مرفوعة بهذا، ويكون معنى الكلام: هذا وعد الرحمن وصدق المرسلون. والوجه الآخر: أن تكون من صفة المرقد، وتكون خفضاً ورداً على المرقد، وعند تمام الخبر عن الأول، فيكون معنى الكلام: من بعثنا من مرقدنا هذا، ثم يبتدىء الكلام فيقال: ما وعد الرحمن، بمعنى: بعثكم وعد الرحمن، فتكون ( ما) حينئذ رفعاً على هذا المعنى.
وقد اختلف أهل التأويل في الذي يقول حينئذ: هذا ما وعد الرحمن، فقال بعضهم: يقول ذلك أهل الإيمان بالله.
ذكر من قال ذلك:
حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد " هذا ما وعد الرحمن " مما سر المؤمنين يقولون هذا حين البعث.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله " هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون " قال: قال أهل الهدى: هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون.
وقال آخرون: بل كلا القولين، أعني " يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون ": من قول الكفار.
ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله " يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا " ثم قال بعضهم لبعض " هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون " كانوا أخبرونا أنا نبعث بعد الموت، ونحاسب ونجازى.
والقول الأول أشبه بظاهر التنزيل، وهو أن يكون من كلام المؤمنين، لأن الكفار في قيلهم " من بعثنا من مرقدنا " دليل على أنهم كانوا بمن بعثهم من مرقدهم جهالاً، ولذلك من جهلهم استثبتوا ومحال أن يكونوا استثبتوا ذلك إلا من غيرهم، ممن خالفت صفته صفتهم في ذلك.
قوله تعالى : " قالوا يا ويلنا " قال ابن الأنباري : < يا ويلنا > وقف حسن ثم تبتدىء " من بعثنا " . وروي عن بعض القراء < يا ويلنا من يعثنا > بكسر من والثاء من البعث . روي ذلك عن علي رضي الله عنه ، فعلى هذا المذهب لا يحسن الوقف على قوله : " يا ويلنا " حتى يقول : " من مرقدنا " . وفي قراءة أبي بن كعب < من هبنا > بالوصل < من مرقدنا > فهذا دليل على صحة مذهب العامة . قال المهدوي : قرأ ابن أبي ليلى : < قالوا يا ويلتنا > بزيادة تاء وهو تأنيث الويل ، ومثله : " يا ويلتى أألد وأنا عجوز " [ هود : 72 ] . وقرأ علي رضي الله عنه < يا ويلنا من يعثنا > فـ < من > متعلقة بالويل أو حال من < ويلتا > فتتعلق بمحذوف ، كأنه قال : يا ويلتا كائناً من يعثنا ، وكما يجوز أن يكون خبراً عنه كذلك يجوز أن يكون حالاً منه . و < من > من قوله : " من مرقدنا " متعلقة بنفس البعث . ثم قيل : كيف قالوا هذا وهم من المعذبين في قبورهم ؟ فالجواب أن أبي بن كعب قال : ينامون نومة . وفي رواية فيقولون : يا ويلتا من أهبنا من مرقدنا . قال أبو بكر الأنباري : لا يحمل هذا الحديث على أن < أهبنا > من لفظ القرآن كما قاله من طعن في القرآن ، ولكنه تفسير < بعثنا > أو معبر عن بعض معانيه . قال أبو بكر : وكذا حفظته < من هبنا > بغير ألف في أهبنا مع تسكين نون من . والصواب فيه على طريق اللغة < من اهبنا > بفتح النون على أن فتحة همزة أهب ألقيت على نون < من > وأسقطت الهمزة ، كما قالت العرب : من أخبرك من اعلمك ؟ وهم يريدون من أخبرك . ويقال : أهببت النائم فهب النائم . أنشدنا أحمد بن يحيى النحوي :
وعاذلة هبت بليل تلومني ولم يعمرني قبل ذاك عذول
وقال أبو صالح : إذا نفخ النفخة الأولى رفع العذاب عن أهل القبور وهجعوا هجعة إلى النفخة الثانية وبينهما أربعون سنة ، فذلك قولهم : < من بعثنا من مرقدنا > وقاله ابن عباس و قتادة . وقال أهل المعاني : إن الكفار إذا عاينوا جهنم وما فيهامن أنواع العذاب صار ما عذبوا به في قبورهم إلى جنب عذابها كالنوم . قال مجاهد : فقال لهم المؤمنون : " هذا ما وعد الرحمن " . قال قتادة : فقال لهم من هدى الله " هذا ما وعد الرحمن " . وقال الفراء : فقال لهم الملائكة : " هذا ما وعد الرحمن " . النحاس : وهذه الأقوال متفقة ، لأن الملائكة من المؤمنين وممن هدى الله عز وجل . وعلى هذا يتأول قول الله عز وجل : " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية " [ البينة : 7 ] وكذا الحديث " المؤمن عند الله خير من كل ما خلق " ويجوز أن تكون الملائكة صلى الله عليهم وغيرهم من المؤمنين قالوا لهم : < هذا ما وعد الرحمن > . وقيل :إن الكفار لما قال بعضهم لبعض : < من بعثنا من مرقدنا > صدقوا الرسل لما عاينوا ما أخبروهم به ، ثم قالوا : < هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون > فكذبنا به ، أقروا حين لم ينفعهم الإقرار . وكان حفص يقف على < من مرقدنا > ثم يبتدىء فيقول : < هذا > . قال أبو بكر بن الأنباري : < من بعثنا من مرقدنا > وقف حسن ، ثم تبتدىء : < هذا ما وعد الرحمن > ويجوز أن تقف على < مرقدنا هذا > فتخفض هذا على الاتباع للمرقد ، وتبتدىء < هذا ما وعد الرحمن > على المعنى بعثكم ما وعد الرحمن ، أي بعثكم وعد الرحمن . النحاس : التمام على < من مرقدنا > و < هذا > في موضع رفع بالابتداء وخبره < ما وعد الرحمن > . ويجوز أن يكون في موضع خفض على النعت لـ < مرقدنا > فيكون التمام < من مرقدنا هذا > . < ما وعد الرحمن > في موضع رفع من ثلاث جهات . ذكر أبو إسحاق منها اثنتين قال : يكون بإضمار هذا . والجهة الثانية أن يكون بمعنى حق ما وعد الرحمن بعثكم . والجهة الثالثة أن يكون بمعنى بعثكم ما وعد الرحمن .
هذه هي النفخة الثالثة, وهي نفخة البعث والنشور للقيام من الأجداث والقبور, ولهذا قال تعالى: "فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون" والنسلان هو المشي السريع كما قال تعالى: " يوم يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون " " قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا " يعنون قبورهم التي كانوا يعتقدون في الدار الدنيا أنهم لا يبعثون منها, فلما عاينوا ما كذبوا به في محشرهم "قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا" وهذا لا ينفي عذابهم في قبورهم, لأنه بالنسبة إلى مابعده في الشدة كالرقاد. قال أبي بن كعب رضي الله عنه و مجاهد والحسن وقتادة : ينامون نومة قبل البعث. قال قتادة : وذلك بين النفختين, فلذلك يقولون من بعثنا من مرقدنا, فإذا قالوا ذلك أجابهم المؤمنون, قاله غير واحد من السلف "هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون" وقال الحسن : إنما يجيبهم بذلك الملائكة, ولا منافاة إذ الجمع ممكن, والله سبحانه وتعالى أعلم.
وقال عبد الرحمن بن زيد : الجميع من قول الكفار "يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا ؟ هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون" نقله ابن جرير , واختار الأول, وهو أصح, وذلك لقوله تبارك وتعالى في الصافات: " وقالوا يا ويلنا هذا يوم الدين * هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون " وقال الله عز وجل: " ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة كذلك كانوا يؤفكون * وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون ".
وقوله تعالى: "إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون" كقوله عز وجل: " فإنما هي زجرة واحدة * فإذا هم بالساهرة " وقال جلت عظمته: "وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب" وقال جل جلاله: "يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثتم إلا قليلاً" أي إنما نأمرهم أمراً واحداً, فإذا الجميع محضرون " فاليوم لا تظلم نفس شيئا " أي من عملها "ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون".
وقالوا: 52- "يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا" أي قالوا عند بعثهم من القبور بالنفخة يا ويلنا: نادوا ويلهم، كأنهم قالوا له احضر فهذا أوان حضورك، وهؤلاء القائون هم الكفار. قال ابن الأنباري: الوقف على يا ويلنا وقف حسن. ثم يبتدئ الكلام بقوله: "من بعثنا من مرقدنا" ظنوا لاختلاط عقولهم بما شاهدوا من الهول، وما داخلهم من الفزع أنهم كانوا نياماً. قرأ الجمهور يا ويلنا وقرأ ابن أبي ليلى يا ويلتنا بزيادة التاء. وقرأ الجمهور "من بعثنا" بفتح ميم من على الاستفهام. وقرأ ابن عباس والضحاك وأبو نهيك بكسر الميم على أنها حرف جر، ورويت هذه القراءة عن علي بن أبي طالب. وعلى هذه القراءة تكون من متعلقة بالويل، وقرأ الجمهور من بعثنا. وفي قراءة أبي من أهبنا من هب من نومه: إذا انتبه، وأنشد ثعلب على هذه القراءة:
وعاذلة هبت بليل تلومني ولم يعتمدني قبل ذاك عذول
وقيل إنهم يقولون ذلك إذا عاينوا جهنم. وقال ابو صالح: إذا نفخ النفخة الأولى رفع العذاب عن أهل القبور وهجعوا هجعة إلى النفخة الثانية، وجملة "هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون" جواب عليهم من جهة الملائكة، أو من جهة المؤمنين. وقيل هو من كلام الكفرة يجيب به بعضهم على بعض. قال بالأول الفراء، وبالثاني مجاهد. وقال قتادة: هي من قول الله سبحانه، و ما في قوله: "ما وعد الرحمن" موصولة وعائدها محذوف والمعنى: هذا الذي وعد الرحمن، وصدق فيه المرسلون قد حق عليهم، ونزل بكم، ومفعولا الوعد والصدق محذوفان: أي وعدكموه الرحمن وصدقكموه المرسلون، والأصل وعدكم به، وصدقكم فيه، أو وعدنا الرحمن، وصدقناه المرسلون على أن هذا من قول المؤمنين، أو من قول الكفار.
52. " قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا "، قال أبي بن كعب، وابن عباس، و قتادة : إنما يقولون هذا لأن الله تعالى يرفع عنهم العذاب بين النفختين، فيرقدون فإذا بعثوا بعد النفخة الأخيرة وعاينوا القيامة دعوا بالويل.
وقال أهل المعاني: إن الكفار إذا عاينوا جهنم وأنواع عذابها صار عذاب القبر في جنبها كالنوم، فقالوا: يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا؟ ثم قالوا: " هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون " [أقروا حين لم ينفعهم الإقرار.
وقيل: قالت الملائكة لهم: (( هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون ))].
قال مجاهد : يقول الكفار: (( من بعثنا من مرقدنا ))؟ فيقول المؤمنون: (( هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون )).
52 -" قالوا يا ويلنا " وقرئ (( يا ويلتنا )) . " من بعثنا من مرقدنا " وقرئ (( من أهبنا )) من هب من نومه إذا انتبه ومن هبنا ، وفيه ترشيح ورمز وإشعار بأنهم لاختلاط عقولهم يظنون أنهم كانوا نياماً ، و " من بعثنا " و (( من هبنا )) على الجارة والمصدر ، وسكت حفص وحده عليها سكتة لطيفة والوقف عليها في سائر القراءات حسن . " هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون " مبتدأ وخبر و " ما " مصدرية ، أو موصولة محذوفة الراجع ، أو " هذا " صفة لـ " مرقدنا " و " ما وعد " خبر محذوف ، أو مبتدأ خبره محذوف أي " هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون " ، أو " ما وعد الرحمن وصدق المرسلون " حق وهو من كلامهم ، وقيل جواب للملائكة أو المؤمنين عن سؤالهم ، معدول عن سننه تذكيراً لكفرهم وتقريعاً لهم عليه وتنبيهاً بأن الذي يهمهم هو السؤال عن البعث دون الباعث كأنهم قالوا : بعثكم الرحمن الذي وعدكم البعث ورسل إليكم الرسل فصدقوكم وليس الأمر كما تظنون ، فإنه ليس يبعث النائم فيهمكم السؤال عن الباعث وإنما هو البعث الأكبر ذو الأهوال .
52. Crying: Woe upon us! Who hath raised us from our place of sleep? This is that which the Beneficent did promise, and the messengers spoke truth,
52 - They will say: Ah woe unto us Who hath raised us up from our beds of repose? (A voice will say:) this is what (God) Most Gracious had promised, and true was the word of the apostles