52 - (وقالوا آمنا به) بمحمد أو القرآن (وأنى لهم التناوش) بواو وبالهمزة بدلها أي تناول الإيمان (من مكان بعيد) عن محله إذ هم في الآخرة ومحله الدنيا
يقول تعالى ذكره: وقال هؤلاء المشركون حين عاينوا عذاب الله آمنا به، يعني: آمنا بالله وبكتابه ورسوله.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله " وقالوا آمنا به " قالوا: آمنا بالله.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة " وقالوا آمنا به " عند ذلك، يعني: حين عاينوا عذاب الله.
حدثن يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله " وقالوا آمنا به " بعد القتل. وقوله " وأنى لهم التناوش " يقول: ومن أي وجه لهم التناوش.
واختلفت قراء الأمصار في ذلك، فقرأته عامة قراء المدينة " التناوش " بغير همز، بمعنى: التناول، وقرأته عامة قراء الكوفة والبصرة ( التناؤش) بالهمز، بمعنى: التنؤش، وهو الإبطاء، يقال منه: تناءشت الشيء: أخذته من بعيد، ونشته: أخذته من قريب، ومن التنؤش قول الشاعر:
تمنى نئيشاً أن يكون أطاعني وقد حدثت بعد الأمور أمور
ومن النوش قول الراجز:
فهي تنوش الحوض نوشاً من علا نوشاً به تقطع أجواز الفلا
ويقال للفوم في الحرب، إذ دنا بعضهم إلى بعض بالرماح ولم يتلاقوا: قد تناوش القوم.
والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إنهما قراءتان معروفتان في قراء الأمصار، متقاربتا المعنى، وذلك أن معنى ذلك: وقالوا آمنا بالله، في حين لا ينفعهم قيل ذلك، فقال الله " وأنى لهم التناوش " أي وأين لهم التوبة والرجعة: أي قد بعدت عنهم، فصاروا منها كموضع بعيد أن يتناولوها، وإنما وصفت ذلك الموضع بالبعيد، لأنهم قالوا ذلك في القيامة، فقال الله: إنى لهم بالتوبة المقبولة، والتوبة المقبولة إنما كانت في الدنيا، وقد ذهبت الدنيا فصارت بعيداً من الآخرة، فبأية القراءتين اللتين ذكرت قرأ القارىء فمصيب الصواب في ذلك.
وقد يجوز أن يكون الذين قرءوا ذلك بالهمز همزوا، وهم يريدون معنى من لم يهمز، ولكنهم همزوه لانضمام الواو فقلبوها، كما قيل ( وإذا الرسل أقتت) ( المرسلات: 11) فجعلت الواو من وقتت، إذ كانت مضمومة همزوه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن عطية، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن التميمي، قال: قلت لابن عباس: أرأيت قول الله " وأنى لهم التناوش " قال: يسألون الرد، وليس بحين رد.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن أبي إسحاق، عن التميمي، عن ابن عباس نحوه.
حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله " وأنى لهم التناوش " يقول: فكيف لهم بالرد.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد " وأنى لهم التناوش " قال: الرد.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد " وأنى لهم التناوش " قال: التناول " من مكان بعيد ".
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال قال ابن زيد، في قوله " وقالوا آمنا به وأنى لهم التناوش من مكان بعيد " قال: هؤلاء قتلى أهل بدر من قتل منهم، وقرأ " ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب * وقالوا آمنا به " ... الآية، قال: التناوش: التناول، وأنى لهم تناول التوبة من مكان بعيد، وقد تركوها في الدنيا، قال: وهذا بعد الموت في الآخرة.
قال: وقال ابن زيد في قوله " وقالوا آمنا به " بعد القتل " وأنى لهم التناوش من مكان بعيد " وقرأ ( ولا الذين يموتون وهم كفار) ( النساء: 18) قال: ليس لهم توبة، وقال: عرض الله عليهم أن يتوبوا مرة واحدة، فيقبلها الله منهم، فأبوا، أو يعرضون التوبة بعد الموت، قال: فهم يعرضونها في الآخرة خمس عرضات، فيأبى الله أن يقبلها منهم، قال: والتائب عند الموت ليست له توبة ( ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا) ( الأنعام: 27) ... الآية، وقرأ ( ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون) ( السجدة: 12).
حدثنا عمرو بن عبد الحميد، قال: ثنا مروان، عن جويبر، عن الضحاك ، في قوله " وأنى لهم التناوش " قال: وأنى لهم الرجعة.
وقوله " من مكان بعيد " يقول: من آخرتهم إلى الدنيا.
كما حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله " من مكان بعيد " من الآخرة إلى الدنيا.
قوله تعالى: "وقالوا آمنا به" أي بالقرآن. وقال مجاهد: بالله عز وجل. الحسن: بالبعث. قتادة: بالرسول صلى الله عليه وسلم. "وأنى لهم التناوش من مكان بعيد" قال ابن عباس و الضحاك: التناوش الرجعة أي يطلبون الرجعة إلى الدنيا ليؤمنوا، وهيهات من ذلك ومنه قول الشاعر:
تمنى أن تؤوب إلي مي وليس إلى تناوشها سبيل
وقال السدي: هي التوبة أي طلبوها وقد بعدت، لأنه إنما تقبل التوبة في الدنيا.
وقيل: التناوش التناول قال ابن السكيت: يقال للرجل إذا تناول رجلاً ليأخذ برأسه ولحيته: ناشه ينوشه نوشاً. وأنشد:
فهي تنوش الحوض نوشاً من علا نوشاً به تقطع أجواز الفلا
أي تتناول ماء الحوض من فوق وتشرب شرباً كثيراً، وتقطع بذلك الشرب فلوات فلا تحتاج إلى ماء آخر. قال: ومنه المناوشة في القتال وذلك إذا تدانى الفريقان. ورجل نووش أي ذو بطش. والتناوش. التناول: والانتياش مثله. قال الراجز:
كانت تنوش العنق انتياشا
قوله تعالى: "وأنى لهم التناوش من مكان بعيد" يقول: أنى لهم تناول الإيمان في الآخرة وقد كفروا في الدنيا. وقرأ أبو عمرو والكسائي والأعمش وحمزة: وأنى لهم التناؤش بالهمز. النحاس: وأبو عبيدة يستبعد هذه القراءة لأن التناؤش بالهمز البعد، فكيف يكون: وأنى لهم البعد من مكان بعيد. قال أبو جعفر: والقراءة جائزة حسنة، ولها وجهان في كلام العرب، ولا يتأول بها هذا المتأول البعيد، فأحد الوجهين أن يكون الأصل غير مهموز، ثم همزت الواو لأن الحركة فيها خفية، وذلك كثير في كلام العرب. وفي المصحف الذي نقلته الجماعة عن الجماعة " وإذا الرسل أقتت " (المرسلات: 11) والأصل وقتت لأنه مشتق من الوقت. ويقال في جمع دار: أدؤر. والوجه الآخر ذكره أبو إسحاق قال: يكون مشتقاً من النئيش وهو الحركة في إبطاء أي من أين لهم الحركة فيما قد بعد، يقال: نأشت الشيء أخذته من بعد والنئيش: الشيء البطيء. قال الجوهري: التناؤش (بالهمز) التأخر والتباعد. وقد نأشت الأمر أنأشه نأشا أخرته فانتأش. ويقال: فعله نئيشاً أي أخيراً. قال الشاعر:
تمنى نئيشاً أن يكون أطاعني وقد حدثت بعد الأمور أمور
وقال آخر:
قعدت زماناًعن طلابك للعلا وجئت نئيشاً بعد ما فاتك الخبر
وقال الفراء: الهمز وترك الهمز في التناؤش متقارب مثل: ذمت الرجل وذأمته أي عبته. "من مكان بعيد " أي من الآخرة. وروى أبو إسحاق عن التميمي عن ابن عباس قال: وأنى لهم قال: الرد، سألوه وليس بحين رد.
يقول تبارك وتعالى: ولو ترى يا محمد إذ فزع هؤلاء المكذبون يوم القيامة, فلا فوت أي فلا مفر لهم ولا وزر لهم ولا ملجأ "وأخذوا من مكان قريب" أي لم يمكنوا أن يمعنوا في الهرب بل أخذوا من أول وهلة. قال الحسن البصري : حين خرجوا من قبورهم. وقال مجاهد وعطية العوفي وقتاده : من تحت أقدامهم. وعن ابن عباس رضي الله عنهما و الضحاك : يعني عذابهم في الدنيا. وقال عبد الرحمن بن زيد : يعني قتلهم يوم بدر, والصحيح أن المراد بذلك يوم القيامة, وهو الطامة العظمى, وإن كان ما ذكر متصلاً بذلك, وحكى ابن جرير عن بعضهم قال: إن المراد بذلك جيش يخسف بهم بين مكة والمدينة في أيام بني العباس رضي الله عنهم. ثم أورد في ذلك حديثاً موضوعاً بالكلية, ثم لم ينبه على ذلك, وهذا أمر عجيب غريب منه "وقالوا آمنا به" أي يوم القيامة يقولون آمنا بالله وملائكته وكتبه ورسله كما قال تعالى: " ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون " ولهذا قال تعالى: "وأنى لهم التناوش من مكان بعيد" أي وكيف لهم تعاطي الإيمان وقد بعدوا عن محل قبوله منهم, وصاروا إلى الدار الأخرة وهي دار الجزاء لا دار الابتلاء, فلو كانوا آمنوا في الدنيا لكان ذلك نافعهم ولكن بعد مصيرهم إلى الدار الأخرة لا سبيل لهم إلى قبول الإيمان, كما لا سبيل إلى حصول الشيء لمن يتناوله من بعيد.
قال مجاهد "وأنى لهم التناوش" قال: التناول لذلك. وقال الزهري : التناوش تناولهم الإيمان وهم في الاخرة وقد انقطعت عنهم الدنيا, وقال الحسن البصري : أما إنهم طلبوا الأمر من حيث لا ينال تعاطوا الإيمان من مكان بعيد. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: طلبوا الرجعة إلى الدنيا والتوبة مما هم فيه وليس بحين رجعة ولا توبة, وكذا قال محمد بن كعب القرظي رحمه الله.
وقوله تعالى: "وقد كفروا به من قبل" أي كيف يحصل لهم الإيمان في الاخرة وقد كفروا بالحق في الدنيا وكذبوا الرسل "ويقذفون بالغيب من مكان بعيد" قال مالك عن زيد بن أسلم "ويقذفون بالغيب" قال: بالظن, قلت: كما قال تعالى: "رجماً بالغيب" فتارة يقولون شاعر, وتارة يقولون كاهن, وتارة يقولون ساحر, وتارة يقولون مجنون إلى غير ذلك من الأقوال الباطلة, ويكذبون بالبعث والنشور والمعاد " إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين " قال قتادة ومجاهد : يرجمون بالظن لا بعث ولا جنة ولانار.
وقوله تعالى: "وحيل بينهم وبين ما يشتهون" قال الحسن البصري والضحاك وغيرهما: يعني الإيمان وقال السدي "وحيل بينهم وبين ما يشتهون" وهي التوبة, وهذا اختيار ابن جرير رحمه الله. وقال مجاهد " وحيل بينهم وبين ما يشتهون " من هذه الدنيا من مال وزهرة وأهل, وروي نحوه عن ابن عمر وابن عباس والربيع بن أنس رضي الله عنهم, وهو قول البخاري وجماعه, والصحيح أنه لا منافاة بين القولين, فإنه قد حيل بينهم وبين شهواتهم في الدنيا وبين ما طلبوه في الأخرة فمنعوا منه.
وقد ذكر ابن أبي حاتم ههنا أثراً غريباً عجيباً جداً فنذكره بطوله, فإنه قال: حدثنا محمد بن يحيى حدثنا بشر بن حجر السامي , حدثنا علي بن منصور الأنباري عن الشرقي بن قطامي عن سعد بن طريف عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله عز وجل: "وحيل بينهم وبين ما يشتهون" إلى آخر الاية, قال: كان رجل من بني إسرائيل فاتحاً أي فتح الله تعالى له مالاً, فمات فورثه ابن له تافه أي فاسد, فكان يعمل في مال الله تعالى بمعاصي الله تعالى عز وجل, فلما رأى ذلك أخوات أبيه, أتوا الفتى فعذلوه ولاموه, فضجر الفتى فباع عقاره بصامت, ثم رحل فأتى عيناً ثجاجة فسرح فيها ماله وابتنى قصراً, فبينما هو ذات يوم جالس إذ حملت عليه ريح بامرأة من أحسن الناس وجهاً وأطيبهم أرجاً, أي ريحاً, فقالت: من أنت يا عبد الله ؟ فقال: أنا امرؤ من بني إسرائيل, قالت: فلك هذا القصر وهذا المال ؟ فقال: نعم. قالت: فهل لك من زوجة ؟ قال: لا. قالت: فكيف يهنيك العيش ولا زوجة لك ؟ قال: قد كان ذاك, قال: فهل لك من بعل ؟ قالت: لا, قال: فهل لك إلا أن أتزوجك ؟ قالت: إني امرأة منك على مسيرة ميل, فإذا كان الغد فتزود زاد يوم وائتني, وإن رأيت في طريقك هولاً فلا يهولنك, فلما كان من الغد تزود زاد يوم وانطلق, فانتهى إلى قصر فقرع رتاجه, فخرج إليه شاب من أحسن الناس وجهاً وأطيبهم أرجاً, أي ريحاً, فقال: من أنت يا عبد الله ؟ فقال: أنا الإسرائيلي, قال: فما حاجتك ؟ قال: دعتني صاحبة القصر إلى نفسها, قال: صدقت, قال: فهل رأيت في الطريق هولاً ؟ قال: نعم ولولا أنها أخبرتني أن لابأس علي لهالني الذي رأيت, قال: ما رأيت ؟ قال: أقبلت حتى إذا انفرج بي السبيل إذا أنا بكلبة فاتحة فاها, ففزعت فوثبت فإذا أنا من ورائها, وإذا جراؤها ينبحن من بطنها, فقال له الشاب: لست تدرك هذا, هذا يكون في آخر الزمان يقاعد الغلام المشيخة في مجلسهم ويسرهم حديثه, قال: ثم أقبلت حتى إذا انفرج بي السبيل إذا أنا بمائة عنز حفل, وإذا فيها جدي يمصها, فإذا أتى عليها وظن أنه لم يترك شيئاً فتح فاه يلتمس الزيادة, فقال: لست تدرك هذا, هذا يكون في آخر الزمان ملك يجمع صامت الناس كلهم حتى إذا ظن أنه لم يترك شيئاً فتح فاه يلتمس الزيادة, قال: ثم أقبلت حتى إذا انفرج بي السبيل إذا أنا بشجر فأعجبني غصن من شجرة منها ناضرة, فأردت قطعه فنادتني شجرة أخرى: يا عبد الله منا فخذ حتى ناداني الشجر أجمع يا عبد الله مني فخذ, فقال: لست تدرك هذا, هذا يكون في آخر الزمان يقل الرجال ويكثر النساء حتى أن الرجل ليخطب المرأة فتدعوه العشر والعشرون إلى أنفسهن, قال: ثم أقبلت حتى إذا انفرج بي السبيل, فإذا أنا برجل قائم على عين يغرف لكل إنسان من الماء, فإذا تصدعوا عنه صب في جرته فلم تعلق جرته من الماء بشيء, فال: لست تدرك هذا, هذا يكون في آخر الزمان القاص يعلم الناس العلم ثم يخالفهم إلى معاصي الله تعالى, قال: ثم أقبلت حتى إذا انفرج بي السبيل إذا أنا بعنز وإذا بقوم قد أخذوا بقوائمها, وإذا رجل قد أخذ بقرنيها, وإذا رجل قد أخذ بذنبها, وإذا راكب قد ركبها, وإذا رجل يحتلبها, فقال: أما العنز فهي الدنيا, والذين أخذوا بقوائمها يتساقطون من عيشها, وأما الذي أخذ بقرنيها فهو يعالج من عيشها ضيقاً, وأما الذي أخذ بدنبها فقد أدبرت عنه, وأما الذي ركبها فقد تركها, وأما الذي يحلبها فبخ بخ ذهب ذلك بها, قال: ثم أقبلت حتى إذا انفرج بي السبيل إذا أنا برجل يمتح على قليب كلما أخرج دلوه صبه في الحوض فانساب الماء راجعاً إلى القليب, قال: هذا رجل رد الله عليه صالح عمله فلم يقبله, قال: ثم أقبلت حتى إذا انفرج بي السبيل إذا أنا برجل يبذر بذراً فيستحصد فإذا حنطة طيبة, قال: هذا رجل قبل الله صالح عمله وأزكاه له. قال: ثم أقبلت حتى إذا انفرج بي السبيل إذا أنا برجل مستلق على قفاه, قال: يا عبد الله ادن مني فخذ بيدي وأقعدني, فوالله ما قعدت منذ خلقني الله تعالى, فأخذت بيده, فقام يسعى حتى ما أراه, فقال له الفتى هذاعمر الأبعد نفد, أنا ملك الموت, وأنا المرأة التي أتتك أمرني الله تعالى بقبض روح الأبعد في هذا المكان, ثم أصيره إلى نار جهنم, قال: ففيه نزلت هذه الاية " وحيل بينهم وبين ما يشتهون " الاية, هذا أثر غريب وفي صحته نظر, وتنزيل الاية عليه وفي حقه بمعنى أن الكفار كلهم يتوفون وأرواحهم متعلقة بالحياة الدنيا, كما جرى لهذا المغرور المفتون, ذهب يطلب مراده فجاءه ملك الموت فجأة بغتة وحيل بينه وبين ما يشتهي.
وقوله تعالى: "كما فعل بأشياعهم من قبل" أي كما جرى للأمم الماضية المكذبة بالرسل لما جاءهم بأس الله تمنوا أن لو آمنوا فلم يقبل منهم " فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين * فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون ". وقوله تبارك وتعالى: "إنهم كانوا في شك مريب" أي كانوا في الدنيا في شك ريبة, فلهذا لم يتقبل منهم الإيمان عند معاينة العذاب, قال قتاده إياكم والشك والريبة, فإن من مات على شك بعث عليه, ومن مات على يقين بعث عليه. آخر تفسير سورة سبأ والله سبحانه وتعالى الموفق للصواب.
52- "وقالوا آمنا به" أي بمحمد، قاله قتاده، أو بالقرآن. وقال مجاهد: بالله عز وجل. وقال الحسن: بالبعث "وأنى لهم التناوش" التناوش التناول، وهوتفاعل ن التناوش الذي هو التناول، والمعنى: كيف لهم أن يتناولوا الإيمان من بعد، يعني في الآخرة وقد تركوه في الدنيا، وهو معنى "من مكان بعيد" وهو تمثيل لحالهم في طلب الخلاص بعد ما فات عنهم. قال ابن السكيت: يقال للرجل إذا تناول رجلاً ليأخذ برأسه أو بلحيته ناشه ينوشه نوشاً، وأنشد:
فهي تنوش الحوض نوشاً من علا نوشا به تقطع أحواز الفلا
أي تناول ماء الحوض من فوق، ومنه المناوشة في القتال، وقيل التناوش الرجعة: أي وأنى لهم الرجعة إلى الدنيا ليؤمنوا، ومنه قول الشاعر:
تمنى أن تئوب إلي مي وليس إلى تناوشها سبيل
52- "وقالوا آمنا به"، حين عاينوا العذاب، قيل: عند اليأس. وقيل: عند البعث. "وأنى"، من أين، "لهم التناوش"، قرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وأبو بكر: التناوش بالمد والهمزة، وقرأ الآخرون بواو صافية من غير مد ولا همز، ومعناه التناول، أي: كيف لهم تناول ما بعد عنهم، وهو الإيمان والتوبة، وقد كان قريباً في الدنيا فضيعوه، ومن همز قيل: معناه هذا أيضاً.
وقيل التناوش بالهمزة من النبش وهو حركة في إبطاء، يقال: جاء نبشاً أي: مبطئاً متأخراً، والمعنى من أين لهم الحركة فيما لا حيلة لهم فيه، وعن ابن عباس قال: يسألون الرد إلى الدنيا فيقال وأنى لهم الرد إلى الدنيا.
"من مكان بعيد"، أي: من الآخرة إلى الدنيا.
52ـ " وقالوا آمنا به " بمحمد عليه الصلاة والسلام ، وقد مر ذكره في قوله : " ما بصاحبكم " . " وأنى لهم التناوش " ومن أين لهم أن يتناولوا الإيمان تناولاً سهلاً . " من مكان بعيد " فإنه في حيز التكليف وقد بعد عنهم ، وهو تمثيل لحالهم في الاستخلاص بالإيمان بعدما فات عنهم أوانه وبعد عنهم ، بحال من يريد أن يتناول الشيء من غلوة تناوله من ذراع في الاستحالة ، وقرأ أبو عمرو والكوفيون غير حفص بالهمز على قلب الواو لضمتها . أو أنه من نأشت الشيء إذا طلبته قال رؤبة :
أقحمني جار أبي الجاموش إليك نأش القدر التؤوش
أم من نأشت إذا تأخرت ومنه قوله :
تمنى نشيشاً أن يكون أطاعني وقد حدثت بعد الأمور أمور
فيكون بمعنى التناول من بعد .
52. And say: We (now) believe therein. But how can they reach (faith) from afar off,
52 - And they will say, We do believe (now) in the (Truth); but how could they receive (Faith) from a position (so) far off,