51 - (وأنذر) خوف (به) أي القرآن (الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه) أي غيره (ولي) ينصرهم (ولا شفيع) يشفع لهم وحملة النفي حال من ضمير يحشروا وهي محل الخوف والمراد بهم المؤمنون العاصون (لعلهم يتقون) الله بإقلاعهم عما هم فيه وعمل الطاعات
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : وأنذر، يا محمد، بالقرآن الذي أنزلناه إليك ، القوم الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ، علما منهم بأن ذلك كائن ، فهم مصدقون بوعد الله ووعيده ، عاملون بما يرضي الله ، دائبون في السعي ، فيما ينقذهم في معادهم من عذاب الله ، "ليس لهم من دونه ولي"، أي ليس لهم من عذاب الله إن عذبهم ، "ولي"، ينصرهم فيستنقذهم منه ، "ولا شفيع"، يشفع لهم عند الله تعالى ذكره فيخلصهم من عقابه ، "لعلهم يتقون"، يقول : أنذرهم كي يتقوا الله في أنفسهم فيطيعوا ربهم ، ويعملوا لمعادهم ، ويحذروا سخطه باجتناب معاصيه .
وقيل : "وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا"، ومعناه ، يعلمون أنهم يحشرون فوضعت المخافة موضع العلم ، لأن خوفهم كان من أجل علمهم بوقوع ذلك ووجوده من غير شك منهم في ذلك .
وهذا أمر من الله تعالى ذكره نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بتعليم أصحابه ما أنزل الله إليه من وحيه ، وتذكيرهم ، والإقبال عليهم بالإنذار، وصد عنه المشركون به ، بعد الإعذار إليهم ، وبعد إقامة الحجة عليهم ، حتى يكون الله هو الحاكم في أمرهم بما يشاء من الحكم فيهم .
قوله تعالى :" وأنذر به " أي بالقرآن. والإنذار الإعلام وقد تقدم في البقرة وقيل به أي بالله وقيل :باليوم الآخر. وخص" الذين يخافون أن يحشروا" لأن الحجة عليهم أوجب، فهم خائفون من عذابه، لا أنهم يترددون في الحشر، فالمعنى يخافون يتوقعون عذاب الحشر. وقيل: "يخافون " يعلمون فإن كان مسلماً أنذر ليترك المعاصي وإن كان من أهل الكتاب أنذر ليتبع الحق ، وقال الحسن: المراد المؤمنون. قال الزجاج: كل من أقر بالبعث من مؤمن كافر وقيل: الآية في المشركين أي أنذرهم بيوم القيامة. والأول أظهر. " ليس لهم من دونه " أي من غير الله " شفيع " هذا رد على اليهود والنصارى في زعمهما أن أباهما يشفع لهما حيث قالوا: "نحن أبناء الله وأحباؤه "[المائدة: 18] والمشركون حيث جعلوا أصنامهم شفعاء لهم عند الله فأعلم الله أن الشفاعة لا تكون للكفار. ومن قال الآية في المؤمنين قال : شفاعة الرسول لهم تكون بإذن الله فهو الشفيع حقيقة إذن وفي التنزيل:" ولا يشفعون إلا لمن ارتضى " [الأنبياء: 28] " ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له" [سبأ:23] " من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه " [البقرة: 255] " لعلهم يتقون " أي في المستقبل وهو الثياب على الإيمان.
يقول الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم "قل لا أقول لكم عندي خزائن الله" أي لست أملكها ولا أتصرف فيها "ولا أعلم الغيب" أي ولا أقول لكم إني أعلم الغيب, إنما ذاك من علم الله عز وجل, ولا أطلع منه إلا على ما أطلعني عليه, "ولا أقول لكم إني ملك" أي ولا أدعي أني ملك, إنما أنا بشر من البشر, يوحى إلي من الله عز وجل, شرفني بذلك وأنعم علي به, ولهذا قال " إن أتبع إلا ما يوحى إلي " أي لست أخرج عنه قيد شبر ولا أدنى منه, "قل هل يستوي الأعمى والبصير" أي هل يستوي من اتبع الحق وهدي إليه, ومن ضل عنه فلم ينقد له, "أفلا تتفكرون" وهذه كقوله تعالى: "أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولو الألباب" وقوله "وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع" أي وأنذر بهذا القرآن يا محمد "الذين هم من خشية ربهم مشفقون" " ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب " " الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم " أي يوم القيامة "ليس لهم" أي يومئذ "من دونه ولي ولا شفيع" أي لا قريب لهم ولا شفيع فيهم, من عذابه إن أراده بهم, "لعلهم يتقون" أي أنذر هذا اليوم الذي لا حاكم فيه, إلا الله عز وجل, "لعلهم يتقون" فيعملون في هذه الدار, عملاً ينجيهم الله به يوم القيامة من عذابه, ويضاعف لهم به الجزيل من ثوابه. وقوله تعالى: "ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه" أي لا تبعد هؤلاء المتصفين بهذه الصفات عنك, بل اجعلهم جلساءك وأخصاءك كقوله " واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا " وقوله "يدعون ربهم" أي يعبدونه ويسألونه "بالغداة والعشي" قال سعيد بن المسيب ومجاهد والحسن وقتادة: المراد به الصلاة المكتوبة, وهذا كقوله "وقال ربكم ادعوني أستجب لكم" أي أتقبل منكم. وقوله "يريدون وجهه" أي يريدون بذلك العمل وجه الله الكريم, وهم مخلصون فيما هم فيه من العبادات والطاعات, وقوله "ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء" كقول نوح عليه السلام: في جواب الذين قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون, قال:وما علمي بما كانوا يعملون إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون, أي إنما حسابهم على الله عز وجل, وليس علي من حسابهم من شيء, كما أنه ليس عليهم من حسابي من شيء, وقوله "فتطردهم فتكون من الظالمين" أي إن فعلت هذا والحالة هذه, قال الإمام أحمد: حدثنا أسباط هو ابن محمد, حدثني أشعث عن كردوس, عن ابن مسعود: قال: مر الملأ من قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده خباب وصهيب وبلال وعمار, فقالوا: يا محمد, أرضيت بهؤلاء فنزل فيهم القرآن " وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع لعلهم يتقون * ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين * وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين " ورواه ابن جرير من طريق أشعث, عن كردوس, عن ابن مسعود, قال: مر الملأ من قريش برسول الله صلى الله عليه وسلم, وعنده صهيب وبلال وعمار وخباب وغيرهم, من ضعفاء المسلمين, فقالوا: يا محمد أرضيت بهؤلاء من قومك ؟ أهؤلاء الذين من الله عليهم من بيننا ؟ أنحن نصير تبعاً لهؤلاء ؟ اطردهم فلعلك إن طردتهم أن نتبعك, فنزلت هذه الاية "ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه" "وكذلك فتنا بعضهم ببعض" إلى آخر الاية, وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيد القطان, حدثنا عمرو بن محمد العنقزي, حدثنا أسباط بن نصر, عن السدي عن أبي سعيد الأزدي ـ وكان قارى الأزد ـ عن أبي الكنود, عن خباب, في قول الله عز وجل: "ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي" قال جاء الأقرع بن حابس التميمي, وعيينة بن حصن الفزاري, فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم, مع صهيب وبلال وعمار وخباب, قاعداً في ناس من الضعفاء من المؤمنين, فلما رأوهم حول النبي صلى الله عليه وسلم حقروهم في نفر في أصحابه فأتوه فخلوا به وقالوا: إنا نريد أن تجعل لنا منك مجلساً تعرف لنا به العرب فضلنا, فإن وفود العرب تأتيك فنستحي أن ترانا العرب مع هذه الأعبد, فإذا نحن جئناك فأقمهم عنا, فإذا نحن فرغنا فاقعد معهم إن شئت, قال: "نعم", قالوا: فاكتب لنا عليك كتاباً, قال: فدعا بصحيفة ودعا علياً ليكتب ونحن قعود في ناحية, فنزل جبريل فقال "ولا تطرد الذين يدعون ربهم" الاية, فرمى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصحيفة من يده, ثم دعانا فأتيناه, ورواه ابن جرير من حديث أسباط به, وهذا حديث غريب, فإن هذه الاية مكية, والأقرع بن حابس وعيينة إنما أسلما بعد الهجرة بدهر, وقال سفيان الثوري عن المقدام بن شريح عن أبيه, قال: قال سعد: نزلت هذه الاية في ستة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم, منهم ابن مسعود, قال: كنا نستبق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وندنو منه, فقالت قريش: تدني هؤلاء دوننا, فنزلت "ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي" رواه الحاكم في مستدركه من طريق سفيان, وقال: على شرط الشيخين, وأخرجه ابن حبان في صحيحه من طريق المقدام بن شريح به.
وقوله "وكذلك فتنا بعضهم ببعض" أي ابتلينا واختبرنا وامتحنا ببعض, " ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا " وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, كان غالب من اتبعه في أول بعثته, ضعفاء الناس من الرجال والنساء والعبيد والإماء, ولم يتبعه من الأشراف إلا قليل, كما قال قوم نوح لنوح "وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي" الاية, وكما سأل هرقل ملك الروم أبا سفيان حين سأله عن تلك المسائل, فقال له: فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم ؟ فقال: بل ضعفاؤهم, فقال: هم أتباع الرسل, والغرض أن مشركي قريش كانوا يسخرون بمن آمن من ضعفائهم, ويعذبون من يقدرون عليه منهم, وكانوا يقولون: أهؤلاء من الله عليهم من بيننا ؟ أي ما كان الله ليهدي هؤلاء إلى الخير, لو كان ما صاروا إليه خيراً ويدعنا, كقولهم "لو كان خيراً ما سبقونا إليه" وكقوله تعالى: "وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للذين آمنوا أي الفريقين خير مقاماً وأحسن ندياً" قال الله تعالى في جواب ذلك "وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثاً ورئياً" وقال في جوابهم حين قالوا: " أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين " أي أليس هو أعلم بالشاكرين له, بأقوالهم وأفعالهم وضمائرهم, فيوفقهم ويهديهم سبل السلام, ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه, ويهديهم إلى صراط مستقيم, كما قال تعالى: "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين" وفي الحديث الصحيح: "إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى ألوانكم, ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم" وقال ابن جرير: حدثنا القاسم, حدثنا الحسين, عن حجاج, عن ابن جريج, عن عكرمة في قوله: "وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم" الاية, قال: جاء عتبة بن ربيعة, وشيبة بن ربيعة, ومطعم بن عدي, والحارث بن نوفل, وقرظة بن عبد عمرو بن نوفل في أشراف من بني عبد مناف, من أهل الكفر, إلى أبي طالب, فقالوا: يا أبا طالب لو أن ابن أخيك محمداً يطرد عنه موالينا وحلفاءنا, فإنما هم عبيدنا وعتقاؤنا, كان أعظم في صدورنا, وأطوع له عندنا, وأدنى لاتباعنا إياه, وتصديقنا له, قال: فأتى أبو طالب النبي صلى الله عليه وسلم فحدثه بذلك, فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لو فعلت ذلك حتى تنظر ما الذي يريدون, وإلى ما يصيرون من قولهم, فأنزل الله عز وجل هذه الاية "وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم" إلى قوله "أليس الله بأعلم بالشاكرين" قال: وكانوا بلالاً وعمار بن ياسر وسالماً مولى أبي حذيفة وصبيحاً مولى أسيد, ومن الحلفاء ابن مسعود والمقداد بن عمرو ومسعود بن القارى, وواقد بن عبد الله الحنظلي وعمرو بن عبد عمرو, وذو الشمالين, ومرثد بن أبي مرثد, وأبو مرثد الغنوي حليف حمزة بن عبد المطلب, وأشباههم من الحلفاء, فنزلت في أئمة الكفر من قريش والموالي والحلفاء, " وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا " الاية, فلما نزلت, أقبل عمر رضي الله عنه, فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فاعتذر من مقالته, فأنزل الله عز وجل "وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا" الاية, وقوله "وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم" أي فأكرمهم برد السلام عليهم, وبشرهم برحمة الله الواسعة الشاملة لهم, ولهذا قال "كتب ربكم على نفسه الرحمة" أي أوجبها على نفسه الكريمة, تفضلاً منه وإحساناً وامتناناً, "أنه من عمل منكم سوءاً بجهالة" قال بعض السلف: كل من عصى الله فهو جاهل, وقال معتمر بن سليمان: عن الحكم بن أبان بن عكرمة, في قوله "من عمل منكم سوءاً بجهالة" قال: الدنيا كلها جهالة, رواه ابن أبي حاتم "ثم تاب من بعده وأصلح" أي رجع عما كان عليه من المعاصي, وأقلع وعزم على أن لا يعود, وأصلح العمل في المستقبل, "فأنه غفور رحيم" قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق, حدثنا معمر, عن همام بن منبه, قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لما قضى الله الخلق كتب في كتاب فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي غلبت غضبي" أخرجاه في الصحيحين, وهكذا رواه الأعمش عن أبي صالح, عن أبي هريرة, ورواه موسى عن عقبة: عن الأعرج, عن أبي هريرة, وكذا رواه الليث وغيره, عن محمد بن عجلان, عن أبيه عن أبي هريرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك, وقد روى ابن مردويه من طريق الحكم بن أبان: عن عكرمة, عن ابن عباس, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا فرغ الله من القضاء بين الخلق, أخرج كتاباً من تحت العرش, إن رحمتي سبقت غضبي, وأنا أرحم الراحمين, فيقبض قبضة أو قبضتين, فيخرج من النار خلقاً لم يعملوا خيراً, مكتوب بين أعينهم عتقاء الله" وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر, عن عاصم بن سليمان, عن أبي عثمان النهدي, عن سلمان في قوله "كتب ربكم على نفسه الرحمة" قال: إنا نجد في التوراة عطفتين, أن الله خلق السموات والأرض, وخلق مائة رحمة, أو جعل مائة رحمة قبل أن يخلق الخلق, ثم خلق الخلق فوضع بينهم رحمة واحدة, وأمسك عنده تسعاً وتسعين رحمة, قال: فبها يتراحمون, وبها يتعاطفون, وبها يتباذلون, وبها يتزاورون, وبها تحن الناقة, وبها تبح البقرة, وبها تثغو الشاة, وبها تتتابع الطير, وبها تتتابع الحيتان في البحر, فإذا كان يوم القيامة, جمع الله تلك الرحمة إلى ما عنده, ورحمته أفضل وأوسع, وقد روي هذا مرفوعاً من وجه آخر, وسيأتي كثير من الأحاديث الموافقة لهذه عند قوله "ورحمتي وسعت كل شيء" ومما يناسب هذه الاية من الأحاديث أيضاً, قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل: "أتدري ما حق الله على العباد ؟ أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً" ثم قال: " أتدري ما حق العباد على الله إذا هم فعلوا ذلك ؟ أن لا يعذبهم" وقد رواه الإمام أحمد: من طريق كميل بن زياد, عن أبي هريرة رضي الله عنه .
قوله: 51- "وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم" الإنذار: الإعلام. والضمير في به راجع إلى ما يوحى، وقيل إلى الله، وقيل إلى اليوم الآخر. وخص الذين يخافون أن يحشروا، لأن الإنذار يؤثر فيهم لما حل بهم من الخوف، بخلاف من لا يخاف الحشر من طوائف الكفر لجحوده به وإنكاره له، فإنه لا يؤثر فيه ذلك. قيل ومعنى يخافون: يعلمون ويتيقنون أنهم محشورون، فيشمل كل من آمن بالبعث من المسلمين وأهل الذمة وبعض المشركين، وقيل معنى الخوف على حقيقته، والمعنى: أنه ينذر به من يظهر عليه الخوف من الحشر عند أن يسمع النبي صلى الله عليه وسلم يذكره وإن لم يكن مصدقاً به في الأصل، لكنه يخاف أن يصح ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، فإن من كان كذلك تكون الموعظة فيه أنجع والتذكير له أنفع. قوله: "ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع" الجملة في محل نصب على الحال: أي أنذر به هؤلاء الذين يخافون الحشر حال كونهم لا ولي لهم يواليهم ولا نصير يناصرهم ولا شفيع يشفع لهم من دون الله، وفيه رد على من زعم من الكفار المعترفين بالحشر أن آباءهم يشفعون لهم، وهم أهل الكتاب، أو أن أصنامهم تشفع لهم، وهم المشركون.
51- قوله عز وجل: " وأنذر به " خوف به أي: القرآن، " الذين يخافون أن يحشروا "، يجمعوا ويبعثوا، " إلى ربهم "، وقيل: يخافون أي يعملون، لأن خوفهم إنما كان من علمهم، " ليس لهم من دونه "، من دون الله، " ولي "، قريب ينفعهم، " ولا شفيع "، يشفع لهم، " لعلهم يتقون "،فينتهون عما نهوا عنه، وإنما نفى الشفاعة لغيرة-مع أن الأنبياء والأولياء يشفعون- لأنهم لا يشفعون إلا بإذنه.
51 " وأنذر به " الضمير لما يوحى إلي . " الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم " هم المؤمنون المفرطون في العمل ، أو المجوزون للحشر مؤمنًا كان أو كافرًا مقرًا به أو متردداً فيه ، فإن الإنذار ينفع فيهم دون الفارغين الجازمين باستحالته . " ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع " في موضع الحال من يحشروا فإن المخوف هو الحشر على هذه الحالة . " لعلهم يتقون " لكي يتقوا .
51. Warn hereby those who fear (because they know) that they will be gathered unto their Lord, for whom there is no protecting friend nor intercessor beside Him, that they may ward off (evil).
51 - Give this warning to those in whose (hearts) is the fear that they will be brought (to judgment) before their lord: except for him they will have no protector nor intercessor: that they may guard (against evil).