5 - (علم الإنسان) الجنس (ما لم يعلم) قبل تعليمه من الهدى والكتابة والصناعة وغيرها
وقوله : " علم الإنسان ما لم يعلم " يقول تعالى ذكره : علم الإنسان الخط بالقلم ، ولم يكن يعلمه مع أشياء غير ذلك ، مما علمه ولم يكن يعلمه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : " علم الإنسان ما لم يعلم "قال : علم الإنسان خطأ بالقلم .
قوله تعالى: " علم الإنسان ما لم يعلم"
قيل:(الإنسان) هنا آدم عليه السلام. علمه أسماء كل شيء، حسب ما جاء به القرآن في قوله تعالى:" وعلم آدم الأسماء كلها " [البقرة:31] فلم يبق شيء إلا وعلم سبحانه آدم اسمه بكل لغة، وذكره آدم للملائكة وحجتهن وامتثلت الملائكة الأمر لما رأت من شرف الحال، ورأت من جلال القدرة، وسمعت من عظيم الأمر. ثم توارثت ذلك ذريته خلفاً بعد سلف، وتناقلوه قوماً عن قوم. وقد مضى هذا في سورة (البقرة) مستوفى والحمدلله. وقيل: (الإنسان)هنا الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، دليله قوله تعالى:" وعلمك ما لم تكن تعلم" [النساء:113] وعلى هذا فالمراد بـ(ـعلمك) المستقبل، فإن هذا من أوئل ما نزل. وقيل: هو عام لقوله تعالى:" والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا" [ النحل:78].
قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: " أول ما بدىء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم, فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح, ثم حبب إليه الخلاء فكان يأتي حراء فيتحنث فيه ـ وهو التعبد ـ الليالي ذوات العدد ويتزود لذلك, ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها حتى فاجأه الوحي وهو في غار حراء فجاءه الملك فيه فقال اقرأ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقلت ما أنا بقارىء ـ قال فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ, فقلت: ما أنا بقارىء, فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ, فقلت ما أنا بقارىء, فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال " اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * اقرأ وربك الأكرم * الذي علم بالقلم * علم الإنسان ما لم يعلم " قال: فرجع بها ترجف بوادره حتى دخل على خديجة فقال: زملوني زملوني فزملوه حتى ذهب عنه الروع فقال: يا خديجة مالي ؟ وأخبرها الخبر وقال: قد خشيت على نفسي".
فقالت له: كلا أبشر فو الله لا يخزيك الله أبداً, إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكل وتقري الضيف, وتعين على نوائب الحق, ثم انطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي وهو ابن عم خديجة أخي أبيها, وكان امرأ قد تنصر في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العربي, وكتب بالعربية من الإنجيل ما شاء الله أن يكتب, وكان شيخاً كبيراً قد عمي فقالت خديجة: " أي ابن عم اسمع من ابن أخيك. فقال ورقة : ابن أخي ما ترى ؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما رأى فقال ورقة: هذا الناموس الذي أنزل على موسى, ليتني فيها جذعاً ليتني أكون حياً حين يخرجك قومك, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو مخرجي هم ؟ فقال ورقة: نعم لم يأت رجل قط بما جئت به إلا عودي وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً " .
ثم لم ينشب ورقة أن توفي وفتر الوحي فترة حتى حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا, حزناً غدا منه مراراً كي يتردى من رؤوس شواهق الجبال, فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي نفسه منه تبدى له جبريل فقال: " يا محمد إنك رسول الله حقاً, فيسكن بذلك جأشه وتقر نفسه فيرجع, فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك فإذا أوفى بذروة الجبل تبدى له جبريل فقال له مثل ذلك " وهذا الحديث مخرج في الصحيحين من حديث الزهري , وقد تكلمنا على هذا الحديث من جهة سنده ومتنه ومعانيه في أول شرحنا للبخاري مستقصى, فمن أراده فهو هناك محرر ولله الحمد والمنة, فأول شيء نزل من القرآن هذه الايات الكريمات المباركات, وهن أول رحمة رحم الله بها العباد وأول نعمة أنعم الله بها عليهم, وفيها التنبيه على ابتداء خلق الإنسان من علقة, وأن من كرمه تعالى أن علم الإنسان مالم يعلم, فشرفه وكرمه بالعلم وهو القدر الذي امتاز به أبو البشرية آدم على الملائكة, والعلم تارة يكون في الأذهان, وتارة يكون في اللسان, وتارة يكون في الكتابة بالبنان ذهني ولفظي ورسمي والرسمي يستلزمهما من غير عكس, فلهذا قال: " اقرأ وربك الأكرم * الذي علم بالقلم * علم الإنسان ما لم يعلم " وفي الأثر: قيدوا العلم بالكتابة, وفيه أيضاً: من عمل بما علم ورثه الله علم مالم يكن يعلم.
5- "علم الإنسان ما لم يعلم" هذه الجملة بدل اشتمال من التي قبلها: أي علمه بالقلم من الأمور الكلية والجزئية ما لم يعلم به منها، قيل المراد بالإنسان هنا آدم كما في قوله: "وعلم آدم الأسماء كلها" وقيل الإنسان هنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. والأولى حمل الإنسان على العموم، والمعنى: أن من علمه الله سبحانه من هذا الجنس بواسطة القلم فقد علمه ما لم يعلم.
5- "علم الإنسان ما لم يعلم"، من أنواع الهدى والبيان. وقيل: علم آدم الأسماء كلها. وقيل: الإنسان ها هنا محمد صلى الله عليه وسلم، بيانه: "وعلمك ما لم تكن تعلم" (النساء- 113).
5-" علم الإنسان ما لم يعلم " بخلق القوى ونصب الدلائل وإنزال الآيات فيعلمك القراءة وإن لم تكن قارئاً ، وقد عدد سبحانه وتعالى مبدأ أمر الإنسان ومنتهاه إظهاراً لما أنعم عليه ، من أن نقله نم أخس المراتب إلى أعلاها تقريراً لربوبيته وتحقيقاً لأكرميته ، وأشار أولاً إلى ما يدل على معرفته عقلاً ثم نبه على ما يدل عليها سمعاً .
5. Teacheth man that which be knew not.
5 - Taught man that which he knew not.