5 - (اليوم أحل لكم الطيبات) المستلذات (وطعام الذين أوتوا الكتاب) أي ذبائح اليهود والنصارى (حل) حلال (لكم وطعامكم) إياهم (حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات) الحرائر (من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) حل لكم أن تنكحوهن (إذا آتيتموهن أجورهن) مهورهن (محصنين) متزوجين (غير مسافحين) معلنين بالزنا بهن (ولا متخذي أخدان) منهن تسرون بالزنا بهن (ومن يكفر بالإيمان) أي يرتد (فقد حبط عمله) الصالح قبل ذلك فلا يعتد به ولا يثاب عليه (وهو في الآخرة من الخاسرين) إذا مات عليه
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله : "اليوم أحل لكم الطيبات"، اليوم أحل لكم ، أيها المؤمنون ، الحلال من الذبائح والمطاعم دون الخبائث منها.
وقوله : "وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم"، وذبائح أهل الكتاب من اليهود والنصارى، وهم الذين أوتوا التوراة والإنجيل وأنزل عليهم ، فدانوا بهما أو بأحدهما ، "حل لكم"، يقول : حلال لكم ، أكله دون ذبائح سائر أهل الشرك الذين لا كتاب لهم من مشركي العرب وعبدة الأوثان والأصنام. فإن من لم يكن منهم ممن أقر بتوحيد الله عز ذكره ودان دين أهل الكتاب ، فحرام عليكم ذبائحهم.
ثم اختلف فيمن عنى الله عز ذكره بقوله : "وطعام الذين أوتوا الكتاب"، من أهل الكتاب.
فقال بعضهم : عنى الله بذلك ذبيحة كل كتابي ممن أنزل عليه التوراة والإنجيل ، أو ممن دخل في ملتهم فدان دينهم ، وحرم ما حرموا، وحلل ما حللوا، منهم ومن غيرهم من سائر أجناس الأمم.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب قال ، حدثنا عبد الواحد قال ، حدثنا خصيف قال ، حدثنا عكرمة قال : سئل ابن عباس عن ذبائح نصارى بني تغلب ، فقرأ هذه الآية: "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود" إلى قوله : "ومن يتولهم منكم فإنه منهم"، الآية [المائدة : 51].
حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا سفيان : عن عاصم الأحول ، عن عكرمة، عن ابن عباس ، مثله.
حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا ابن عثمة قال ، حدثنا سعيد بن بشر، عن قتادة، عن الحسن وعكرمة : أنهما كانا لا يريان بأساً بذبائح نصارى بني تغلب ، وبتزوج نسائهم ، ويتلوان : "ومن يتولهم منكم فإنه منهم" [المائدة : 51]. حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا ابن أبي عدي ، عن سعيد، عن قتادة، عن الحسن وسعيد بن المسيب : أنهما كانا لا يريان بأساً بذبيحة نصارى بني تغلب. حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا سفيان ، عن أبي حصين ، عن الشعبي : أنه كان لا يرى بأساً بذبائح نصارى بني تغلب ، وقرأ: "وما كان ربك نسيا" [مريم : 64].
حدثني ابن بشار وابن المثنى قالا، حدثنا أبو عاصم قال ، أخبرنا ابن جريج قال ، حدثني ابن شهاب عن ذبيحة نصار، العرب ، قال : تؤكل من أجل منهم في الدين أهل كتاب ، ويذكرون اسم الله.
حدثنا ابن بشار وابن المثنى قالا، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا ابن جريج قال ، قال عطاء: إنما يقرون بدين ذلك الكتاب.
حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا ابن علية قال ، حدثنا شعبة قال : سألت الحكم وحماداً وقتادة عن ذبائح نصارى بني تغلب ، فقالوا : لا بأس بها. قال : وقرأ الحكم : "ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني" [البقرة: 78].
حدثني المثنى قال ، حدثنا الحجاج قال ، حدثنا حماد، عن عطاء بن السائب ، عن عكرمة، عن ابن عباس قال : كلوا من ذبائح بني تغلب ، وتزوجوا من نسائهم ، فإن الله قال في كتابه : "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم" [المائدة : 51]، فلو لم يكونوا منهم إلا بالولاية، لكانوا منهم.
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال ، حدثنا ابن علية، عن ابن أبي عروبة، عن قتادة : أن الحسن كان لا يرى بأساً بذبائح نصارى بني تغلب ، وكان يقول : انتحلوا ديناً، فذاك دينهم.
وقال آخرون: إنما عني بالذين أوتوا الكتاب في هذه الآية، الذين أنزل عليهم التوراة والإنجيل من بني إسرائيل وأبنائهم ، فأما من كان دخيلاً فيهم من سائر الأمم ممن دان بدينهم وهم من غير بني إسرائيل، فلم يعن بهذه الآية، وليس هو ممن يحل أكل ذبائحه ، لأنه ليس ممن أوتي الكتاب من قبل المسلمين . وهذا قول كان محمد بن إدريس الشافعي يقوله حدثنا بذلك عنه الربيع - ويتأول في ذلك قول من كره ذبائح نصارى العرب من الصحابة والتابعين .
ذكر من حرم ذبائح نصارى العرب :
حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا ابن علية، عن أيوب ، عن محمد، عن عبيدة قال ، قال علي رضوان الله عليه : لا تأكلوا ذبائح نصارى بني تغلب ، فإنهم إنما يتمسكون من النصرانية بشرب الخمر.
حدثنا يعقوب قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا هشام ، عن ابن سيرين ، عن عبيدة، عن علي قال : لا تأكلوا ذبائح نصارى بني تغلب ، فإنهم لم يتمسكوا بشيء من النصرانية إلا بشرب الخمر.
حدثنا الحسن بن عرفة قال ، حدثنا عبد الله بن بكر قال ، حدثنا هشام ، عن محمد بن سيرين ، عن عبيدة قال : سألت علياً عن ذبائح نصارى العرب ، فقال : لا تؤكل ذبائحهم ، فإنهم لم يتعلقوا من دينهم إلا بشرب الخمر.
حدثني علي بن سعيد الكندي قال ، حدثنا علي بن عابس ، عن عطاء بن السائب ، عن أبي البختري قال : نهانا علي عن ذبائح نصارى العرب.
حدثنا ابن المثنى قال ، حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا شعبة، عن أبي حمزة القصاب قال : سمعت محمد بن علي يحدث ، عن علي : أنه كان يكره ذبائح نصارى بني تغلب .
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا جرير، عن ليث ، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال ، لا تأكلوا ذبائح نصارى العرب ، وذبائح نصارى أرمينية.
قال أبو جعفر: وهذه الأخبار عن علي رضوان الله عليه ، إنما تدل على أنه كان ينهى عن ذبائح نصارى بني تغلب ، من أجل أنهم ليسوا على النصرانية، لتركهم تحليل ما تحلل النصارى، وتحريم ما . تحرم ، غير الخمر. ومن كان منتحلاً ملة هو غير متمسك منها بشيء ، فهو إلى البراءة منها أقرب منه إلى اللحاق بها وبأهلها. فلذلك نهى علي عن أكل ذبائح نصارى بني تغلب ، لا من أجل أنهم ليسوا من بني إسرائيل.
فإذ كان ذلك كذلك ، وكان إجماعاً من الحجة أن لا باس بذبيحة كل نصراني ويهودي دان دين النصراني أو اليهودي ، فأحل ما أحلوا وحرم ما حرموا، من بني إسرائيل كان أو من غيرهم ، فبين خطأ ما قال الشافعي في ذلك ، وتأويله الذي تأوله في قوله : "وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم"، أنه ذبائح الذين أوتوا الكتاب التوراة والإنجيل من بني إسرائيل ، وصواب ما خالف تأويله ذلك ، وقول من قال : إن كل يهودي ونصراني فحلال ذبيحته ، من أي أجناس بني آدم كان .
وأما (الطعام ) الذي قال الله : "وطعام الذين أوتوا الكتاب"، فإنه الذبائح .
وبمثل ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب وابن وكيع قالا، حدثنا ابن إدريس ، عن ليث ، عن مجاهد : "وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم"، قال : الذبائح .
حدثنا ابن حميد قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد في قوله : "وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم"، قال : ذبائحهم .
حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد، مثله.
حدثنا المثنى قال ، حدثنا أبو نعيم وقبيصة قالا، حدثنا سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد، مثله .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا إسحاق بن سليمان الرازي ، عن أبي سنان ، عن ليث ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة، قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم"، قال : ذبيحة أهل الكتاب.
حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا هشيم ، عن مغيرة، عن إبراهيم في قوله : "وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم"، قال : ذبائحهم.
حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا سفيان ، عن المغيرة، عن إبراهيم ، بمثله.
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن مغيرة، عن إبراهيم، مثله .
حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا الثوري ، عن مغيرة، عن إبراهيم، مثله.
حدثنا المثنى قال ، حدثنا أبو نعيم وقبيصة قالا، حدثنا سفيان ، عن مغيرة، عن إبراهيم ، مثله .
حدثنا المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس : "وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم"، قال : ذبائحهم.
حدثني المثنى قال ، حدثنا المعلى بن أسد قال ، حدثنا خالد، عن يونس ، عن الحسن ، مثله .
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله : "وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم"، أي : ذبائحهم .
حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : "وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم"، أما طعامهم ، فهو الذبائح.
حدثت عن الحسين قال ، سمعت أبا معاذ يقول ، حدثنا عبيد قال ، سمعت الضحاك يقول في قوله : "وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم"، قال : أحل الله لنا طعامهم ونساءهم .
حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : أما قوله : "وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم"، فإنه أحل لنا طعامهم ونساءهم.
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، سألته -يعني ابن زيد- عما ذبح للكنائس وسمي عليها، فقال : أحل الله لنا طعام أهل الكتاب ، ولم يستثن منه شيئاً.
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، حدثني معاوية، عن أبي الزاهرية حدير بن كريب ، عن أبي الأسود، عن عمير بن الأسود: أنه سأل أبا الدرداء عن كبش ذبح لكنيسة يقال لها (جرجس)، أهدوه لها، أنأكل منه؟ فقال أبو الدرداء : اللهم عفواً! إنما هم أهل كتاب ، طعامهم حل لنا، وطعامنا حل لهم ! وأمره بأكله.
وأما قوله : "وطعامكم حل لهم"، فإنه يعني : ذبائحكم ، أيها المؤمنون ، حل لأهل الكتاب.
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله : "والمحصنات من المؤمنات"، أحل لكم ، أيها المؤمنون ، المحصنات من المؤمنات - وهن الحرائر منهن - أن تنكحوهن ، "والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم"، يعني : والحرائر من الذين أعطوا الكتاب ، وهم اليهود والنصارى الذين دانوا بما في التوراة والإنجيل من قبلكم ، أيها المؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم من العرب وسائر الناس ، أن تنكحوهن أيضاً، "إذا آتيتموهن أجورهن"، يعني : إذا أعطيتم من نكحتم من محصناتكم ومحصناتهم ، "أجورهن"، وهي مهورهن.
واختلف أهل التأويل في المحصنات اللاتي عناهن الله عز ذكره بقوله : "والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم".
فقال بعضهم : عنى بذلك الحرائر خاصة، فاجرةً كانت أو عفيفةً. وأجاز قائلو هذه المقالة نكاح الحرة، مؤمنة كانت أو كتابية من اليهود والنصارى، من أي أجناس الناس كانت ، بعد أن تكون كتابية، فاجرة كانت أو عفيفةً. وحرموا إماء أهل الكتاب أن يتزوجن بكل حال ، لأن الله جل ثناؤه شرط في نكاح الإماء الإيمان بقوله : "ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات" [النساء: 25].
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبو داود، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد: "والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب"، قال : الحرائر.
حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم"، قال : من الحرائر.
حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا سفيان ، عن قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب : أن رجلاً طلق امرأته وخطبت إليه أخته ، وكانت قد أحدثت ، فأتى عمر فذكر ذلك ل منها، فقال عمر: ما رأيت منها؟ قال : ما رأيت منها إلا خيراً! فقال : زوجها ولا تخبر.
حدثنا ابن أبي الشوارب قال ، حدثنا عبد الواحد قال ، حدثنا سليمان الشيباني قال ، حدثنا عامر قال : زنت امرأة منا من همدان ، قال : فجلدها مصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم الحد، ثم تابت . فأتوا عمر فقالوا : نزوجها، وبئس ما كان من أمرها! قال عمر: لئن بلغني أنكم ذكرتم شيئاً من ذلك ، لأعاقبنكم عقوبةً شديدة.
حدثنا ابن المثنى قال ، حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا شعبة، عن قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب : أن رجلاً أراد أن يزوج أخته ، فقالت : إني أخشى أن أفضح أبي ، فقد بغيت ! فأتى عمر، فقال: أليس قد تابت ؟ قال : بلى! قال : فزوجها.
حدثنا ابن المثنى قال ، حدثنا أبو داود قال ، حدثنا شعبة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي: أن نبيشة، امرأةً من همدان ، بغت ، فأرادت أن تذبح نفسها، قال : فأدركوها، فداووها فبرئت ، فذكروا ذلك لعمر، فقال : أنكحوها نكاح العفيفة المسلمة.
حدثنا ابن المثنى قال ، حدثنا عبد الوهاب قال ، حدثنا داود عن عامر: أن رجلاً من أهل اليمن أصابت أخته فاحشة، فأمرت الشفرة على أوداجها، فأدركت ، فدووي جرحها حتى برئت . ثم إن عمها انتقل بأهله حتى قدم المدينة، فقرأت القرآن ونسكت ، حتى كان من أنسك نسائهم . فخطبت إلى عمها، وكان يكره أن يدلسها، ويكره أن يفشي على ابنة أخيه . فأتى عمر فذكر ذلك له ، فقال عمر: لو أفشيت عليها لعاقبتك ! إذا أتاك رجل صالح ترضاه فزوجها إياه.
حدثنا ابن المثنى قال ، حدثنا عبد الأعلى قال ، حدثنا داود، عن عامر: أن جارية باليمن يقال لها : (نبيشة)، أصابت فاحشة، فذكر نحوه.
حدثنا تميم بن المنتصر قال ، أخبرنا يزيد قال ، أخبرنا إسماعيل ، عن عامر قال : أتى رجل عمر فقال : إن ابنة لي كانت وئدت في الجاهلية، فاستخرجتها قبل أن تموت ، فأدركت الإسلام ، فلما أسلمت أصابت حداً من حدود الله ، فعمدت إلى الشفرة لتذبح بها نفسها، فأدركتها وقد قطعت بعض أوداجها، فداويتها حتى برئت ، ثم إنها أقبلت بتوبة حسنة، فهي تخطب إلي يا أمير المؤمنين ، فأخبر من شأنها بالذي كان ؟ فقال عمر: أتخبر بشأنها؟ تعمد إلى ما ستره الله فتبديه ! والله لئن أخبرت بشأنها أحداً من الناس لأجعلنك نكالاً لأهل الأمصار، بل أنكحها بنكاح العفيفة المسلمة.
حدثنا أحمد بن منيع قال ، حدثنا مروان ، عن إسماعيل ، عن الشعبي قال : جاء رجل إلى عمر، فذكر نحوه .
حدثنا مجاهد قال ، حدثنا يزيد قال ، أخبرنا يحيى بن سعيد، عن أبي الزبير: أن رجلاً خطب من رجل أخته ، فأخبره أنها قد أحدثت . فبلغ ذلك عمر بن الخطاب ، فضرب الرجل وقال : مالك والخبر! أنكح واسكت.
حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا سليمان بن حرب قال ، حدثنا أبو هلال ، عن قتادة، عن الحسن قال : قال عمر بن الخطاب : لقد هممت أن لا أدع أحداً أصاب فاحشة في الإسلام أن يتزوج محصنة! فقال له أبي بن كعب : يا أمير المؤمنين ، الشرك أعظم من ذلك ، وقد يقبل منه إذا تاب!
وقال آخرون : إنما عنى الله بقوله : "والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم"، العفائف من الفريقين ، إماء كن أو حرائر. فأجاز قائلو هذه المقالة نكاح إماء أهل الكتاب الدائنات دينهم بهذه الآية، وحرموا البغايا من المؤمنات وأهل الكتاب.
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا ابن إدريس ، عن ليث ، عن مجاهد في قوله : "والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم"، قال : العفائف .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا جرير، عن ليث ، عن مجاهد، مثله .
حدثنا ابن حميد وابن وكيع قالا، حدثنا جرير، عن مطرف ، عن عامر: "والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم"، قال : إحصان اليهودية والنصرانية : أن لا تزني ، وأن تغتسل من الجنابة.
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن فضيل ، عن مطرف، عن عامر: "والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم"، قال : إحصان اليهودية والنصرانية : أن تغتسل من الجنابة، وأن تحصن فرجها.
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا حكام ، عن عنبسة، عن مطرف ، عن رجل ، عن الشعبي في قوله : "والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم"، قال : إحصان اليهودية والنصرانية: أن لا تزني ، وأن تغتسل من الجنابة.
حدثنا المثنى قال ، حدثنا عمرو بن عون قال ، أخبرنا هشيم ، عن مطرف ، عن الشعبي في قوله : "والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم"، قال : إحصانها: أن تغتسل من الجنابة، وأن تحصن فرجها من الزنا.
حدثني المثنى قال ، حدثنا معلى بن أسد قال ، حدثنا خالد قال ، أخبرنا مطرف ، عن عامر، بنحوه .
حدثنا المثنى قال ، حدثنا سويد قال ، أخبرنا ابن المبارك قال : سمعت سفيان يقول قي قوله : "والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب"، قال : العفائف.
حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : "والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم"، قال : أما (المحصنات)، فهن العفائف.
حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا عبد الأعلى قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة: أن امرأة اتخذت مملوكها، وقالت : تأولت كتاب الله : "وما ملكت أيمانكم"، قال : فأتي بها عمر بن الخطاب ، فقال له ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : تأولت آية من كتاب الله على غير وجهها. قال فغرب العبد وجز رأسه . وقال : أنت بعده حرام على كل مسلم .
حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا شعبة، عن إبراهيم أنه قال في التي تزني قبل أن يدخل بها، قال : ليس لها صداق ، ويفرق بينهما.
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا ابن إدريس قال ، حدثنا أشعث ، عن الشعبي ، في البكر تفجر، قال : تضرب مئة سوط ، وتنفى سنة، وترد على زوجها ما أخذت منه .
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا ابن إدريس قال ، حدثنا أشعث ، عن أبي الزبير، عن جابر، مثل ذلك .
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا ابن إدريس قال ، أخبرنا أشعث عن الحسن، مثل ذلك .
حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا ابن علية، عن يونس : أن الحسن كان يقول : إذا رأى الرجل من امرأته فاحشة فاستيقن ، فإنه لا يمسكها.
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن أبي ميسرة قال : مملوكات أهل الكتاب يمنزلة حرائرهم .
ثم اختلفت أهل التأويل في حكم قوله عز ذكره : "والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم"، أعام أم خاص؟
فقال بعضهم : هو عام في العفائف منهن ، لأن (المحصنات )، العفائف . وللمسلم أن يتزوج كل حرة وأمة كتابية، حربيةً كانت أو ذميةً.
واعتلوا في ذلك بظاهر قوله تعالى : "والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم"، وأن المعني بهن العفائف ، كائنة من كانت منهن. وهذا قول من قال : عني ب (المحصنات) في هذا الموضع : العفائف .
وقال آخرون : بل اللواتي عنى بقوله جل ثناؤه : "والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم"، الحرائر منهن ، والآية عامة في جميعهن . فنكاح جميع الحرائر اليهود النصارى جائز، حربيات كن أو ذميات ، من أي أجناس اليهود والنصارى كن . وهذا قول جماعة من المتقدمين والمتأخرين.
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا ابن أبي عدي ، عن سعيد، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب والحسن : أنهما كانا لا يريان بأساً بنكاح نساء اليهود والنصارى، وقالا: أحله الله على علم .
وقال آخرون منهم : بل عنى بذلك نكاح بني إسرائيل الكتابيات منهن خاصة، دون سائر أجناس الأمم الذين دانوا باليهودية والنصرانية . وذلك قول الشافعي ومن قال بقوله.
وقال آخرون : بل ذلك معني به نساء أهل الكتاب الذين لهم من المسلمين ذمة وعهد. فأما أهل الحرب ، فإن نساءهم حرام على المسلمين.
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا محمد بن عقبة، قال ، حدثنا الفزاري ، عن سفيان بن حسين ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس قال : من نساء أهل الكتاب من يحل لنا، ومنهم من لا يحل لنا، ثم قرأ: "قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية" [التوبة : 29]. فمن أعطى الجزية حل لنا نساؤه ، ومن لم يعط الجزية لم يحل لنا نساؤه . قال الحكم : فذكرت ذلك لإبراهيم ، فأعجبه.
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب ، قول من قال : عنى بقوله : "والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم"، حرائر المؤمنين وأهل الكتاب. لأن الله جل ثناؤه لم يأذن بنكاح الإماء الأحرار في الحال التي أباحهن لهم ، إلا أن يكن مؤمنات ، فقال عز ذكره : "ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات" [النساء:25]، فلم يبح منهن إلا المؤمنات . فلو كان مراداً بقوله : "والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب"، العفائف ، لدخل العفائف من إمائهم في الإباحة ، وخرج منها غير العفائف من حرائرهم وحرائر أهل الإيمان . وقد أحل الله لنا حرائر المؤمنات ، وإن كن قد أتين بفاحشة بقوله : "وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم" [التوبة : 29]. وقد دللنا على فساد قول من قال : (لا يحل نكاح من أتى الفاحشة من نساء المؤمنين وأهل الكتاب للمؤمنين)، في موضع غير هذا، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .
فنكاح حرائر المسلمين وأهل الكتاب حلال للمؤمنين ، كن قد أتين بفاحشة أو لم يأتين بفاحشة، ذمية كانت أو حربيةً، بعد أن تكون بموضع لا يخاف الناكح فيه على ولده أن يجبر على الكفر، بظاهر قول الله جل وعز: "والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم".
فأما قول الذي قال : (عني بذلك نساء بني إسرائيل ، الكتابيات منهن خاصة)، فقول لا يوجب التشاغل بالبيان عنه ، لشذوذه والخروج عما عليه علماء الأمة، من تحليل نساء جميع اليهود والنصارى. وقد دللنا على فساد قول قائل هذه المقالة من جهة القياس في غير هذا الموضع بما فيه الكفاية، فكرهنا إعادته.
وأما قوله : "إذا آتيتموهن أجورهن"، فإن (الأجر) : العوض الذي يبذله الزوج للمرأة للاستمتاع بها، وهو المهر، كما :
حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال ، حدثني معاوية، عن علي ، عن ابن عباس في قوله : "آتيتموهن أجورهن"، يعني : مهورهن .
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه : أحل لكم المحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ، وأنتم محصنون غير مسافحين ولا متخذي أخدان.
ويعني بقوله جل ثناؤه : "محصنين"، أعفاء، "غير مسافحين"، يعني : لا معالنين بالسفاح بكل فاجرة، وهو الفجور، "ولا متخذي أخدان"، يقول : ولا منفردين ببغية واحدة، قد خادنها وخادنته ، واتخذها لنفسه صديقة يفجر بها.
وقد بينا معنى (الإحصان) ووجوهه ، ومعنى (السفاح) و (الخدن) في غير هذا الموضع ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع ، وهو كما:
حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله قال ، حدثني معاوية، عن علي ، عن ابن عباس قوله : "محصنين غير مسافحين"، يعني : ينكحوهن بالمهر والبينة، غير مسافحين متعالنين بالزنا، "ولا متخذي أخدان"، يعني : يسرون بالزنا.
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قال : أحل الله لنا محصنتين : محصنة مؤمنة، ومحصنة من أهل الكتاب ، "ولا متخذي أخدان": ذات الخدن ، ذات الخليل الواحد .
حدثني المثنى قال ، حدثنا سويد قال ، أخبرنا ابن المبارك ، عن سليمان بن المغيرة، عن الحسن قال : سأله رجل : أيتزوج الرجل المرأة من أهل الكتاب ؟ قال : ما له ولأهل الكتاب ، وقد أكثر الله المسلمات! فإن كان لا لد بد فاعلاً فليعمد إليها حصاناً غير مسافحة. قال الرجل: وما المسافحة؟ قال: هي التي إذا لمح الرجل إليها بعينه اتبعته.
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه : "ومن يكفر بالإيمان"، ومن يجحد ما أمر الله بالتصديق به ، من توحيد الله ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به من عند الله ، وهو (الإيمان)، الذي قال الله جل ثناؤه : "ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله"، يقول : فقد بطل ثواب عمله الذي كان يعمله في الدنيا، يرجو أن يدرك به منزلة عند الله ، "وهو في الآخرة من الخاسرين"، يقول : وهو في الآخرة من الهالكين ، الذين غبنوا أنفسهم حظوظها من ثواب الله بكفرهم بمحمد، وعملهم بغير طاعة الله.
وقد ذكر أن قوله : "ومن يكفر بالإيمان"، عني به أهل الكتاب ، وأنه أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل قوم تحرجوا نكاح نساء أهل الكتاب لما قيل لهم : "أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم".
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قال : ذكر لنا أن ناساً من المسلمين قالوا: كيف نتزوج نساءهم يعني : نساء أهل الكتاب - وهم على غير ديننا؟ فأنزل الله عز ذكره : "ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين"، فأحل الله تزويجهن على علم.
وبنحو الذي قلنا في تأويل (الإيمان) قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا مؤمل قال ، حدثنا سفيان ، عن ابن جريج ، عن عطاء: "ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله"، قال: (الله)، الإيمان.
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا يحيى بن يمان ، عن واصل ، عن عطاء: "ومن يكفر بالإيمان"، قال: (الإيمان)، التوحيد.
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن ابن جريج ، عن مجاهد: "ومن يكفر بالإيمان"، قال : بالله .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا يحيى، عن سفيان ، عن ابن جريج ، عن مجاهد، مثله.
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا حكام ، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد في قوله : "ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله"، قال : من يكفر بالله.
حدثنا محمد قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : "ومن يكفر بالإيمان"، قال : من يكفر بالله.
حدثنا محمد قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : "ومن يكفر بالإيمان"، قال : الكفر بالله.
حدثنا المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله قال ، حدثني معاوية، عن علي ، عن ابن عباس قوله : "ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله"، قال : أخبر الله سبحانه أن (الإيمان) هو العروة الوثقى، وأنه لا يقبل عملاً إلا به ، ولا يحرم الجنة إلا على من تركه .
فإن قال لنا قائل : وما وجه تأويل من وجه قوله : "ومن يكفر بالإيمان"، إلى معنى: ومن يكفر بالله؟
قيل : وجه تأويله ذلك كذلك ، أن (الإيمان) هو التصديق بالله وبرسله وما ابتعثهم به من دينه ، و(الكفر) جحود ذلك . قالوا : فمعنى (الكفر بالإيمان)، هو جحود الله وجحود توحيده. ففسروا معنى الكلمة بما أريد بها، وأعرضوا عن تفسير الكلمة على حقيقة ألفاظها وظاهرها في التلاوة.
فإن قال قائل : فما تأويلها على ظاهرها وحقيقة ألفاظها؟
قيل : تأويلها: ومن يأب الإيمان بالله ، ويمتنع من توحيده والطاعة له فيما أمره به ونهاه عنه ، فقد حبط عمله . وذلك أن (الكفر) هو الجحود في كلام العرب ، و (الإيمان) التصديق والإقرار. ومن أبى التصديق بتوحيد الله والإقرار به ، فهو من الكافرين . فذلك تأويل الكلام على وجهه.
فيه عشرة مسائل :
الأولى - قوله تعالى :" اليوم أحل لكم الطيبات " أي " اليوم أكملت لكم دينكم " و" اليوم أحل لكم الطيبات " فأعاد تأكيداً أي أحل لكم الطيبات التي سألتم عنها وكانت الطيبات أبيحت للمسلمين قبل نزول هذه الآية، فهذا جواب سؤالهم إذ قالوا: ماذا أحل لنا ؟ وقيل: أشار بذكر اليوم إلى قوت محمد صلى الله عليه وسلم كما يقال : هذه أيام فلان أي هذا أوان ظهوركم وشيوع الإسلام فقد أكملت بهذا دينك وأحللت لكم الطيبات وقد تقدم ذكر الطيبات في الآية قبل هذا .
الثانية - قوله تعالى:" وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم " ابتداء وخبر والطعام اسم لما يؤكل والذبائح منه وهو هنا خاص بالذبائح عند كثير من أهل العلم بالتأويل وأما ما حرم علينا من طعامهم فليس بداخل تحت عموم الخطاب قال ابن عباس : قال الله تعالى : " ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه " [ الأنعام : 121] ثم استثنى فقال : " وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم " يعني ذبيحة اليهودي والنصراني وإن كان النصراني يقول عند الذبح : باسم المسيح واليهودي يقول : باسم عزير وذلك لأنهم يذبحوه على الملة ، وقال عطاء: كل من ذبيحة النصراني وإن قال باسم المسيح لأن الله جل وعز قد أباح ذبائحهم وقد علم ما يقولون وقال القاسم بن مخيمرة كل من ذبيحته وإن قال باسم سرجس اسم كنيسة لهم وهو قول الزهري وربيعة والشعبي ومكحول وروي عن صحابيين عن أبي الدرداء وعبادة بن الصامت وقالت طائفة : إذا سمعت الكتابي يسمي غير اسم الله عز وجل فلا تأكل وقال بهذا من الصحابة علي وعائشة وابن عمر وهو قول طاوس والحسن متمسكين بقوله تعالى :" ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق " [ الأنعام : 121] وقال مالك: أكره ذلك ولم يحرمه .
قلت: العجب من الكيا الطبري الذي حكي الاتفاق على جواز ذبيحة أهل الكتاب ثم أخذ يستدل بذلك على أن التسمية على الذبيحة ليست بشرط فقال: ولا شك أنهم لا يسمون على الذبيحة إلا الإله الذي ليس معبوداً حقيقة مثل المسيح وعزير، ولو سموا الإله حقيقة لم تكن تسميتهم على طريق العبادة وإنما كان على طريق آخر، واشتراط التسمية لا على وجه العبادة لا يعقل ووجود التسمية من الكافر وعدمها بمثابة واحدة إذا لم تتصور منه العبادة ولأن النصراني إنما يذبح على اسم المسيح وقد حكم الله بحل ذبائحهم مطلقاً وفي ذلك دليل على أن التسمية لا تشترط أصلاً كما يقول الشافعي: وسيأتي ما في هذا للعلماء في الأنعام إن شاء الله تعالى .
الثالثة- ولا خلاف بين العلماء أن ما لا يحتاج إلى ذكاة كالطعام الذي لا محالة فيه كالفاكهة والبر جائز أكله إذ لا يضر فيه تملك أحد والطعام الذي تقع فيه محاولة على ضربين أحدهما ما فيه محاولة صنعة لا تعلق للدين بها كخبز الدقيق، وعصر الزيت ونحو فهذا أن تجنب من الذمي فعلى وجه التقزز، والضرب الثاني هي التذكية التي ذكرنا أنها هي التي تحتاج إلى الدين والنية فلما كان القياس ألا تجوز ذبائحهم كما نقول إنهم لا صلاة لهم ولا عبادة مقبولة رخص الله تعالى في ذبائحهم على هذه الأمة وأخرجها النص عن القياس على ما ذكرناه من قول ابن عباس والله أعلم .
الرابعة - واختلف العلماء أيضاً فيما ذكوه هل تعمل الذكاة فيما حرم عليهم أو لا ؟ على قولين فالجمهور على أنها عاملة في كل الذبيحة ما حل له منها وما حرم عليه، لأنه مذكى وقالت جماعة من أهل العلم، إنما حل لنا من ذبيحتهم ما حل لهم لأن ما لا يحل لهم لا تعمل فيه تذكيتهم فمنعت هذه الطائفة الطريف والشحوم المحضة من ذبائح أهل الكتاب وقصرت لفظ الطعام على البعض وحملته الأولى على العموم في جميع ما يؤكل وهذا الخلاف موجود في مذهب مالك قال أبو عمر: وكره مالك شحوم اليهود وأكل ما نحروا من الإبل، وأكثر أهل العلم لا يرون بذلك بأساً وسيأتي هذا في الأنعام إن شاء الله تعالى وكان مالك رحمه الله يكره ما ذبحوه إذا وجد ما ذبحه المسلم وكره أن يكون لهم أسواق يبيعون فيها ما يذبحون وهذا منه رحمه الله تنزه .
الخامسة- وأما المجوس فالعلماء مجمعون إلا من شذ نمهم على أن ذبائحهم لا تؤكل ولا يتزوج منهم لأنهم ليسوا أهل ليسوا أهل الكتاب على المشهور عند العلماء ولا بأس بكل طعام من لا كتاب له كالمشركين وعبده والأوثان ما لم يكن من ذبائحهم ولم يحتج إلى ذكاة إلا الجبن لما فيه من إنفحة الميتة فإن كان أبو الصبي مجوسياً وأمة كتابية فحكمه حكم أبيه عند مالك وعند غيره لا تؤكل ذبيحة الصبي إذا كان أحد أبويه ممن لا تؤكل ذبيحته .
السادسة- وأما ذبيحة نصارى بني تغلب وذبائح كل دخيل في اليهودية والنصرانية فكان علي رضي الله عنه ينهى عن ذبائح بني تغلب لأنهم عرب ويقول: إنهم لم يتمسكوا بشيء من النصرانية إلا بشرب الخمر وهو قول الشافعي وعلى هذا فليس ينهى عن ذبائح النصارى المحققين منهم وقال جمهور الأمة إن ذبيحة كل نصراني حلال سواء كان من بني تغلب أو غيرهم وكذلك اليهودي، واحتج ابن عباس بقوله تعالى :" ومن يتولهم منكم فإنه منهم " [ المائدة : 51] فلو لم تكن بنو تغلب من النصارى إلا بتوليهم إياهم لأكلت ذبائحهم .
السابعة - ولا بأس بالأكل والشرب والطبخ في آنية الكفار كلهم، ما لم تمكن ذهباً أو فضة أو جلد خنزير بعد أن تغسل وتغلى ، لأنهم لا يتوقون النجاسات ويأكلون الميتات فإذا طبخوا في تلك القدور تنجست، وربما سرت النجاسات في أجزاء قدور الفخار فإذا طبخ فيها بعد ذلك توقع مخالطة تلك الأجزاء النجسة للمطبوخ في القدر ثانية فاقتضى الورع الكف عنا وروي عن ابن عباس أنه قال : إن كان الإناء من نحاس أو حديد غسل وإن كان من فخار أغلي فيه الماء ثم غسل - هذا إذا احتيج إليه- وقاله مالك فأما ما يستعملونه لغير الطبخ فلا بأس باستعماله من غير غسل، لما روى الدارقطني عن عمر أنه توضأ من بيت نصراني في حق نصرانية وهو صحيح وسيأتي في الفرقان بكماله وفي صحيح مسلم "من حديث أبي ثعلبة الخشني قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت:
يا رسول الله إنا أرض يوم من أهل كتاب نأكل في آنيتهم وأرض صيد أصيد بقوسي وأصيد بكلبي المعلم، وأصيد بكلبي الذي ليس بمعلم فاخبرني ما الذي يحل لنا من ذلك قال : أما ما ذكرت أنكم بأرض قوم أنكم بأرض قوم من أهل الكتاب تأكلون في آنيتهم فإن وجدتم غير آنيتهم فلا تأكلوا فيها وإن لم تجدوا فاغسلوها ثم كلوا فيها " ثم ذكر الحديث.
الثامنة - قوله تعالى :" وطعامكم حل لهم " دليل على أنهم يخاطبون بتفاصيل شرعنا أي إذا اشتروا منها اللحم يحل لهم اللحم ويحل لنا الثمن المأخوذ منهم .
التاسعة - وقوله تعالى :" والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم" الآية قد تقدم معناها في البقرة والنساء والحمد لله وروي عن ابن عباس في قوله تعالى : " والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب " هو على العهد دون دار الحرب فيكون خاصاً وقال غيره : يجوز نكاح الذمية والحربية لعموم الآية وروي عن ابن عباس أنه قال : المحصنات العفيفات العاقلات وقال الشعبي: هو أن تحصن فرجها فلا تزني وتغتسل من الجنابة وقرأ الشعبي والمحصنات بكسر الصاد وبه قرأ الكسائي وقال مجاهد: المحصنات الحرائر قال أبو عبيد : يذهب إلى أنه لا يحل نكاح إماء أهل الكتاب لقوله تعالى :" فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات " [ النساء: 25] وهذا القول الذي عليه جلة العلماء .
العاشرة - قوله تعالى :" ومن يكفر بالإيمان " قيل: لما قال تعالى :" والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب " قال نساء أهل الكتاب: لولا أن الله تعالى رضي ديننا لم يبح لكم نكاحنا فنزلت " ومن يكفر بالإيمان " أي بما أنزل على محمد وقال أبو الهيثم: الباء صلة أي ومن يكفر الإيمان يجحده " فقد حبط عمله " وقرأ ابن السميقع فقد حبط بفتح الباء وقيل: لما ذكرت فرائض وأحكام يلزم القيام بها ذكر الوعيد على مخالفتها لما في ذلك من تأكيد الزجر عن تضييعها وروي عن ابن عباس ومجاهد أن المعنى : ومن يكفر باله قال الحسن بن الفضل: إن صحت هذه الرواية فمعناها برب الإيمان وقال الشيخ أبو الحسن الأشعري: ولا يجوز أن يسمى الله إيماناً خلافاً للحشوية والسالمية، لأن الإيمان مصدر آمن يؤمن إيماناً، واسم الفاعل منه مؤمن، والإيمان التصديق، والتصديق لا يكون إلا كلاماً، ولا يجوز أن يكون الباري تعالى كلاماً.
لما ذكر تعالى ما حرمه على عباده المؤمنين، من الخبائث وماأحله لهم من الطيبات . قال بعده "اليوم أحل لكم الطيبات" ثم ذكر حكم ذبائح أهل الكتابين، من اليهود والنصارى فقال "وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم" قال ابن عباس وأبو أمامة ومجاهد وسعيد بن جبير، وعكرمة وعطاء والحسن، ومكحول وإبراهيم النخعي، والسدي ومقاتل بن حيان: يعني ذبائحهم، وهذا أمر مجمع عليه بين العلماء، أن ذبائحهم حلال للمسلمين، لأنهم يعتقدون تحريم الذبح لغير الله، ولايذكرون على ذبائحهم إلا اسم الله، وإن اعتقدوا فيه تعالى ما هو منزه عنه، تعالى وتقدس .
وقد ثبت في الصحيح: عن عبد الله بن مغفل، قال: أدلي بجراب من شحم يوم خيبر فحضنته وقلت: لا أعطي اليوم من هذا أحداً، والتفت فإذا النبي صلى الله عليه وسلم يبتسم، فاستدل به الفقهاء، على أنه يجوز تناول ما يحتاج إليه من الأطعمة ونحوها من الغنيمة، قبل القسمة، وهذا ظاهر، واستدل به الفقهاء الحنفية والشافعية والحنابلة، على أصحاب مالك في منعهم، أكل ما يعتقد اليهود تحريمه من ذبائحهم، كالشحوم ونحوها مما حرم عليهم، فالمالكية لا يجوزون للمسلمين أكله، لقوله تعالى: "وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم" قالوا: وهذا ليس من طعامهم، واستدل عليهم الجمهور بهذا الحديث، وفي ذلك نظر، لأنه قضية عين، ويحتمل أن يكون شحماً، يعتقدون حله كشحم الظهر والحوايا ونحوهما، والله أعلم، وأجود منه في الدلالة، ما ثبت في الصحيح، أن أهل خيبر أهدوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة مصلية، وقد سموا ذراعها وكان يعجبه الذراع، فتناوله فنهش منه نهشة فأخبره الذراع أنه مسموم فلفظه، وأثر ذلك في ثنايا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي أبهره، وأكل معه منها بشر بن البراء بن معرور فمات فقتل اليهودية التي سمتها، وكان اسمها زينب، ووجه الدلالة منه أنه عزم على أكلها ومن معه، ولم يسألهم هل نزعوا منها ما يعتقدون تحريمه من شحمها أم لا .
وفي الحديث الآخر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أضافه يهودي، على خبز شعير وإهالة سنخة، يعني ودكاً زنخاً، وقال ابن أبي حاتم: قرىء على العباس بن الوليد بن مزيد، أخبرنا محمد بن شعيب، أخبرني النعمان بن المنذر، عن مكحول قال: أنزل الله "ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه" ثم نسخه الرب عز وجل، ورحم المسلمين فقال "اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب" فنسخها بذلك، وأحل طعام أهل الكتاب، وفي هذا الذي قاله مكحول رحمه الله نظر، فإنه لا يلزم من إباحته طعام أهل الكتاب، إباحة أكل مالم يذكر اسم الله عليه لأنهم يذكرون اسم الله على ذبائحهم وقرابينهم، وهم متعبدون بذلك، ولهذا لم يبح ذبائح من عداهم من أهل الشرك، ومن شابههم، لأنهم لا يذكرون اسم الله على ذبائحهم، بل ولا يتوقفون فيما يأكلونه من اللحم على ذكاة، بل يأكلون الميتة بخلاف أهل الكتابين ومن شاكلهم من السامرة والصابئة ومن يتمسك بدين إبراهيم وشيث وغيرهما من الأنبياء، على أحد قولي العلماء ونصارى العرب، كبني تغلب وتنوخ وبهرا وجذام ولخم وعاملة ومن أشبههم، لا تؤكل ذبائحهم عند الجمهور .
وقال أبو جعفر بن جرير: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا ابن علية، عن أيوب، عن محمد بن عبيدة، قال: قال علي: لا تأكلوا ذبائح بني تغلب، لأنهم إنما يتمسكون من النصرانية بشرب الخمر، وكذا قال غير واحد من الخلف والسلف . وقال سعيد بن أبي عروبة: عن قتادة، عن سعيد بن المسيب والحسن، أنهما كانا لا يريان بأساً، بذبيحة نصارى بني تغلب . وأما المجوس، فإنهم وإن أخذت منهم الجزية تبعاً وإلحاقاً لأهل الكتاب، فإنهم لا تؤكل ذبائحهم ولا تنكح نساؤهم، خلافاً لأبي ثور إبراهيم بن خالد الكلبي، أحد الفقهاء من أصحاب الشافعي وأحمد بن حنبل. ولما قال ذلك واشتهر عنه، أنكر عليه الفقهاء ذلك، حتى قال عنه الإمام أحمد: أبو ثور كاسمه، يعني في هذه المسألة، وكأنه تمسك بعموم حديث روي مرسلاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "سنوا بهم سنة أهل الكتاب" ولكن لم يثبت بهذا اللفظ، وإنما الذي في صحيح البخاري، عن عبد الرحمن بن عوف، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخذ الجزية من مجوس هجر، ولو سلم صحة هذا الحديث، فعمومه مخصوص بمفهوم هذه الآية "وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم" فدل بمفهومه مفهوم المخالفة على أن طعام من عداهم من أهل الأديان، لا يحل . وقوله تعالى: "وطعامكم حل لهم" أي ويحل لكم أن تطعموهم من ذبائحكم، وليس هذا إخباراً عن الحكم عندهم، اللهم إلا أن يكون خبراً عما أمروا به، من الأكل من كل طعام، ذكر اسم الله عليه، سواء كان من أهل ملتهم أو غيرها، والأول أظهر في المعنى، أي ولكم أن تطعموهم من ذبائحكم كما أكلتم من ذبائحهم، وهذا من باب المكافأة والمقابلة والمجازاة، كما ألبس النبي صلى الله عليه وسلم ثوبه لعبد الله بن أبي ابن سلول، حين مات ودفنه فيه، قالوا: لأنه كان قد كسا العباس حين قدم المدينة ثوبه، فجازاه النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بذلك، فأما الحديث الذي فيه "لا تصحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي" فمحمول على الندب والاستحباب، والله أعلم .
وقوله: "والمحصنات من المؤمنات" أي وأحل لكم نكاح الحرائر العفائف من النساء المؤمنات، وذكر هذا توطئة لما بعده، وهو قوله تعالى: "والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم" فقيل أراد بالمحصنات الحرائر، دون الإماء، حكاه ابن جرير عن مجاهد، وإنما قال مجاهد: المحصنات الحرائر، فيحتمل أن يكون أراد ما حكاه عنه، ويحتمل أن يكون أراد بالحرة العفيفة، كما قال في الرواية الأخرى عنه، وهو قول الجمهور ههنا، وهو الأشبه، لئلا يجتمع فيها أن تكون ذمية، وهي مع ذلك غير عفيفة، فيفسد حالها بالكلية ويتحصل زوجها على ما قيل في المثل: "حشفاً وسوء كيلة" والظاهر من الآية أن المراد من المحصنات العفيفات عن الزنا، كما قال تعالى في الآية الأخرى "محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان" ثم اختلف المفسرون والعلماء في قوله تعالى: "والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم" هل يعم كل كتابية عفيفة، سواء كانت حرة أو أمة، حكاه ابن جرير عن طائفة من السلف، ممن فسر المحصنة بالعفيفة, وقيل: المراد بأهل الكتاب ههنا الإسرائيليات، وهو مذهب الشافعي. وقيل: المراد بذلك الذميات دون الحربيات، لقوله: "قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر" الآية، وقد كان عبد الله بن عمر لا يرى التزويج بالنصرانية، ويقول: لا أعلم شركاً أعظم من أن تقول إن ربها عيسى، وقد قال الله تعالى: "ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن" الآية .
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا محمد بن حاتم بن سليمان المؤدب، حدثنا القاسم بن مالك يعني المزني، حدثنا إسماعيل بن سميع عن أبي مالك الغفاري، قال نزلت هذه الآية "ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن" قال فحجز الناس عنهن حتى نزلت الآية التي بعدها "والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم" فنكح الناس نساء أهل الكتاب، وقد تزوج جماعة من الصحابة من نساء النصارى، ولم يروا بذلك بأساً أخذاً بهذه الآية الكريمة "والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم" فجعلوا هذه مخصصة للتي في سورة البقرة "ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن" إن قيل بدخول الكتابيات في عمومها، وإلا فلا معارضة بينها وبينها، لأن أهل الكتاب قد انفصلوا في ذكرهم عن المشركين في غير موضع، كقوله تعالى: "لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة" وكقوله: "وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا" الآية .
وقوله: "إذا آتيتموهن أجورهن" أي مهورهن، أي كما هن محصنات عفائف فابذلوا لهن المهور عن طيب نفس، وقد أفتى جابر بن عبد الله وعامر الشعبي وإبراهيم النخعي والحسن البصري، بأن الرجل إذا نكح امرأة فزنت قبل دخوله بها أنه يفرق بينهما، وترد عليه ما بذل لها من المهر، رواه ابن جرير عنهم .
وقوله: "محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان" فكما شرط الإحصان في النساء، وهي العفة عن الزنا، كذلك شرطها في الرجال، وهو أن يكون الرجل أيضاً محصناً عفيفاً، ولهذا قال: غير مسافحين، وهم الزناة الذين لا يرتدعون عن معصية ولا يردون أنفسهم عمن جاءهم، ولا متخذي أخدان، أي ذوي العشيقات الذين لا يفعلون إلا معهن، كما تقدم في سورة النساء سواء، ولهذا ذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله إلى أنه لا يصح نكاح المرأة البغي حتى تتوب، وما دامت كذلك لا يصح تزويجها من رجل عفيف، وكذلك لا يصح عنده عقد الرجل الفاجر على عفيفة حتى يتوب ويقلع عما هو فيه من الزنا لهذه الآية وللحديث "لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله"، وقال ابن جرير: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا أبو هلال عن قتادة، عن الحسن، قال: قال عمر بن الخطاب: لقد هممت أن لا أدع أحداً أصاب فاحشة في الإسلام أن يتزوج محصنة، فقال له أبي بن كعب: يا أمير المؤمنين، الشرك أعظم من ذلك، وقد يقبل منه إذا تاب، وسيأتي الكلام على هذه المسألة مستقصى عند قوله: "الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة، والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين"، ولهذا قال تعالى ههنا "ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين" .
قوله: 5- "اليوم أحل لكم الطيبات" هذه الجملة مؤكدة للجملة الأولى، وهي قوله: "أحل لكم الطيبات" وقد تقدم بيان الطيبات. قوله: "وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم" الطعام: اسم لما يؤكل، ومنه الذبائح، وذهب أكثر أهل العلم إلى تخصيصه هنا بالذبائح. وفي هذه الآية دليل على أن جميع طعام أهل الكتب من غير فرق بين اللحم وغيره حلال للمسلمين وإن كانوا لا يذكرون على ذبائحهم اسم الله، وتكون هذه الآية مخصصة لعموم قوله: "ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه". وظاهر هذا أن ذبائح أهل الكتاب حلال، وإن ذكر اليهودي على ذبيحته اسم عزير، وذكر النصراني على ذبيحته اسم المسيح. وإليه ذهب أبو الدرداء وعبادة بن الصامت وابن عباس والزهري وربيعة والشعبي ومكحول. وقال علي وعائشة وابن عمر: إذا سمعت الكتابي يسمي غير الله فلا تأكل، وهو قول طاوس والحسن وتمسكوا بقوله تعالى: "ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه" ويدل عليه أيضاً قوله: "وما أهل لغير الله به". وقال مالك: إنه يكره ولا يحرم. فهذا الخلاف إذا علمنا أن أهل الكتاب ذكروا على ذبائحهم اسم غير الله، وأما مع عدم العلم فقد حكى الكيا الطبري وابن كثير الإجماع على حلها لهذه الآية، ولما ورد في السنة من أكله صلى الله عليه وسلم من الشاة المصلية التي أهدتها إليه اليهودية، وهو في الصحيح، وكذلك الجراب الشحم الذي أخذه بعض الصحابة من خيبر وعلم بذلك النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الصحيح أيضاً وغير ذلك. والمراد بأهل الكتاب هنا اليهود والنصارى. وأما المجوس، فذهب الجمهور إلى أنها لا تؤكل ذبائحهم ولا تنكح نساؤهم لأنهم ليسوا بأهل كتاب على المشهور عند أهل العلم، وخالف في ذلك أبو ثور، وأنكر عليه الفقهاء ذلك حتى قال أحمد بن حنبل: أبو ثور كاسمه، يعني في هذه المسألة، وكأنه تمسك بما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً أنه قال في المجوس: سنوا بهم سنة أهل الكتاب، ولم يثبت بهذا اللفظ، وعلى فرض أن له أصلاً ففيه زيادة تدفع ما قاله، وهي قوله غير آكلي ذبائحهم ولا ناكحي نسائهم. وقد رواه بهذه الزيادة جماعة ممن لا خبرة له بفن الحديث من المفسرين والفقهاء، ولم يثبت الأصل ولا الزيادة، بل الذي ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر، وأما بنو تغلب فكان علي بن أبي طالب ينهى عن ذبائحهم لأنهم عرب، وكان يقول: إنهم لم يتمسكوا بشيء من النصرانية إلا بشرب الخمر، وهكذا سائر العرب المتنصرة كتنوخ وجذام ولحم وعاملة ومن أشبههم. قال ابن كثير: وهو قول غير واحد من السلف والخلف. وروي عن سعيد بن المسيب والحسن البصري أنهما كانا لا يريان بأساً بذبيحة نصارى بني تغلب. وقال القرطبي: وقال جمهور الأمة إن ذبيحة كل نصراني حلال سواء كان من بني تغلب أو من غيرهم، وكذلك اليهود. قال: ولا خلاف بين العلماء أن ما لا يحتاج إلى ذكاة كالطعام يجوز أكله. قوله: "وطعامكم حل لهم" أي وطعام المسلمين حلال لأهل الكتاب، وفيه دليل على أنه يجوز للمسلمين أن يطعموا أهل الكتاب من ذبائحهم، وهذا من باب المكافأة والمجازاة وإخبار المسلمين بأن ما يأخذونه منهم من أعراض الطعام حلال لهم بطريق الدلالة الالتزامية. قوله: "والمحصنات من المؤمنات" اختلف في تفسير المحصنات هنا، فقيل العفائف، وقيل الحرائر، وقرأ الشعبي بكسر الصاد، وبه قرأ الكسائي. وقد تقدم الكلام في هذا مستوفى في البقرة والنساء. والمحصنات مبتدأ، ومن المؤمنات وصف له والخبر محذوف أي حل لكم، وذكرهن هنا توطئة وتمهيداً لقوله: "والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم" والمراد بهن الحرائر دون الإماء، هكذا قال الجمهور، وحكى ابن جرير عن طائفة من السلف أن هذه الآية تعم كل كتابية حرة أو أمة، وقيل المراد بأهل الكتاب هنا الإسرائيليات، وبه قال الشافعي، وهو تخصيص بغير مخصص. وقال عبد الله بن عمر: لا تحل النصرانية، قال: ولا أعلم شركاً أكبر من أن تقول ربها عيسى، وقد قال الله: "ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن" الآية، ويجاب عنه بأن هذه الآية مخصصة للكتابيات من عموم المشركات فيبنى العام على الخاص. وقد استدل من حرم نكاح الإماء الكتابيات بهذه الآية لأنه حملها على الحرائر، وبقوله تعالى: "فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات" وقد ذهب إلى هذا كثير من أهل العلم وخالفهم من قال: إن الآية تعم أو تخص العفائف كما تقدم. والحاصل أنه يدخل تحت هذه الآية الحرة العفيفة من الكتابيات على جميع الأقوال إلا على قول ابن عمر في النصرانية، ويدخل تحتها الحرة التي ليست بعفيفة والأمة العفيفة، على قول من يقول: إنه يجوز استعمال المشرك في كلا معنييه، وأما من لم يجوز ذلك فإن حمل المحصنات هنا على الحرائر لم يقل بجواز نكاح الأمة عفيفة كانت أو غير عفيفة إلا بدليل آخر ويقول بجواز نكاح الحرة العفيفة كانت أو غير عفيفة، وإن حمل المحصنات هنا على العفائف قال بجواز نكاح الحرة العفيفة والأمة العفيفة دون غير العفيفة منهما. قوله: "إذا آتيتموهن أجورهن" أي مهورهن وجواب إذا محذوف: أي فهن حلال، أو هي ظرف الخبر المحصنات المقدر: أي حل لكم قوله: "محصنين" منصوب على الحال: أي حال كونكم أعفاء بالنكاح، وكذا قوله: "غير مسافحين" منصوب على الحال من الضمير في محصنين أو صفة لمحصنين، والمعنى: غير مجاهرين بالزنا. قوله: "ولا متخذي أخدان" معطوف على "غير مسافحين" أو على "مسافحين". "ولا" مزيدة للتأكيد، والخدن يقع على الذكر والأنثى: أي لم يتخذوا معشوقات، فقد شرط الله في الرجال العفة وعدم المجاهرة بالزنا وعدم اتخاذ أخدان، كما شرط في النساء أن يكن محصنات "ومن يكفر بالإيمان" أي بشرائع الإسلام "فقد حبط عمله" أي بطل "وهو في الآخرة من الخاسرين" وقرأ ابن السميفع فقد حبط بفتح الباء. اهـ.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في سننه "عن أبي رافع: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بقتل الكلاب في الناس، فقالوا: يا رسول الله ماذا يحل لنا من هذه الأمة التي أمرت بقتلها؟ فسكت النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله: "يسألونك ماذا أحل لهم" الآية". وأخرج ابن جرير عن عكرمة نحوه. أخرج أيضاً عن محمد بن كعب القرظي نحوه. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير أن عدي بن حاتم وزيد بن المهلهل الطائيين سألا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا يا رسول الله إنا قوم نصيد بالكلاب والبزاة، فنزلت. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الشعبي: أن عدي بن حاتم الطائي أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله، فذكر نحوه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله: "وما علمتم من الجوارح مكلبين" قال: هي الكلاب المعلمة، والبازي والجوارح يعني الكلاب والفهود والصقور وأشباهها. أخرج ابن جرير عنه قال: آية المعلم أن يمسك صيده فلا يأكل منه حتى يأتي صاحبه. وأخرج عنه أيضاً قال: إذا أكل الكلب فلا تأكل، فإنما أمسك على نفسه. وأخرج عبد بن حميد عنه نحوه، وزاد: وإذا أكل الصقر فلا تأكل، لأن الكلب تستطيع أن تضربه والصقر لا تستطيع. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عنه في قوله: "وطعام الذين أوتوا الكتاب" قال: ذبائحهم، وفي قوله: "والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم" قال: حل لكم "إذا آتيتموهن أجورهن" يعني مهورهن "محصنين" يعني تنكحونهن بالمهر والبينة "غير مسافحين" غير متغالين بالزنا "ولا متخذي أخدان" يعني يسرون بالزنا. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله: "والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب" قال: أحل الله لنا محصنتين محصنة مؤمنة ومحصنة من أهل الكتاب، نساؤنا عليهم حرام، ونساؤهم لنا حلال. وأخرج ابن جرير عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فتزوج نساء أهل الكتاب ولا يتزوجون نساءنا". وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن عمر بن الخطاب قال: المسلم يتزوج النصرانية ولا يتزوج النصراني المسلمة. وأخرج الطبراني والحاكم وصححه عن ابن عباس قال: إنما أحلت ذبائح اليهود والنصارى من أجل أنهم آمنوا بالتوراة والإنجيل. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله: "والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب" قال الحرائر. وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك قال: العفائف.
5- قوله عز وجل : " اليوم أحل لكم الطيبات " ، يعني : الذبائح على اسم الله عز وجل ، " وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم " ، يريد ذبائح اليهود والنصارى ومن دخل غي دينهم من سائر الأمم قبل مبعث النبي محمد صلى الله عليه وسلم حلال لكم ، فأما من دخل في دينهم بعد مبعث محمد صلى الله عليه وسلم فلا تحل ذبيحته ، ولو ذبح يهودي أو نصراني على اسم غير الله كالنصراني يذبح باسم المسيح فاخلفوا فيه ، قال عمر : لا يحل ، وهو قول ربيعة ، وذهب أكثر أهل العلم إلى أنه يحل ، وهو قول الشعبي و عطاء و الزهري و مكحول ، سئل الشعبي و مكحول عن النصراني يذبح باسم المسيح ، قالا : يحل فإن الله تعالى قد أحل ذبائحهم و هو يعلم ما يقولون ، وقال الحسن : إذا ذبح اليهودي أو النصراني فذكر اسم غير الله و أنت تسمع فلا تأكله فإذا غاب عنك فكل فقد أحل الله لك .
قوله عز وجل : " وطعامكم حل لهم " ، فإذا قيل : كيف شرع لهم حل طعامنا وهم كفار ليسوا من أهل الشرع ؟ قال الزجاج : معناه حلال لكم أن تطعموهم فيكون خطاب الحل مع المسلمين ، وقيل : لأنه ذكر عقيبه حكم النساء ، ولم يذكر حل المسلمات لهم فكأنه قال حلال لكم أن تطعموهم حرام عليكم أن تزوجوهم .
قوله عز وجل : " والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم " ، هذا راجع إلى الأول منقطع عن قوله : " وطعامكم حل لهم " .
اختلفوا في معنى" المحصنات " : فذهب أكثر العلماء إلى أن المراد منهن الحرائر ، وأجازوا نكاح كل حرة ، مؤمنة كانت أو كتابية ، فاجرة كانت أو عفيفة ، وهو قول مجاهد ، وقال هؤلاء : لا يجوز للمسلم نكح الأمة الكتابية لقوله تعالى : " فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات " ( سورة النساء ، 25) جوز نكاح الأمة بشرط أن تكون مؤمنة ، وجوز أكثرهم نكاح الأمة الكتابية الحربية ، وقال ابن عباس : لا يجوز وقرأ " قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله " إلى قوله " حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون " ( التوبة ، 29) ، فمن أعطى الجزية حل لنا نساؤه ومن لم يعطها فلا يحل لنا نساؤه.
وذهب قوم إلى أن المراد من المحصنات في الآية : العفائف من الفريقين حرائر كن أو إماء وأجاز نكاح الأمة الكتابية ، وحرموا البغايا من المؤمنات والكتابيات ، وهو قول الحسن ، وقال الشعبي : إحصان الكتابية أن تستعف وتغتسل م الجنابة .
" إذا آتيتموهن أجورهن " مهورهن " محصنين غير مسافحين " غير معالنين بالزنا، " ولا متخذي أخدان " ، أي : يسرون بالزنا ، قال الزجاج : حرم الله الجماع على جهة السفاح وعلى جهة اتخاذ الصديقة ، وأحله على جهة الإحصان وهو التزوج.
" ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين " ، قال مقاتل بن حيان : يقول ليس إحصان المسلمين من الكفر أو يغني عنهن شيئاً وهي للناس عامة : " ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين " .
قال ابن عباس و مجاهد في معنى قوله تعالى : " ومن يكفر بالإيمان " أي : بالله الذي يجب الإيمان به .
وقال الكلبي : بالإيمان أي : بكلمة التوحيد وهي شهادة أن لا أله إلا الله .
وقال مقاتل : بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم وهو القرآن ، وقيل : من يكفر بالإيمان أي : يستحل الحرام ويحرم الحلال فقد حبط عمله ، وهو في الآخرة من الخاسرين قال ابن عباس : خسر الثواب .
5" اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم " يتناول الذبائح وغيرها، ويعم الذين أوتوا الكتاب اليهود والنصارى واستثنى علي رضي الله عنه نصارى بني تغلب وقال: ليسوا على النصرانية، ولم يأخذوا منها إلا شرب الخمر. ولا يلحق بهم المجوس في ذلك وإن ألحقوا بهم في التقرير على الجزية لقوله عليه الصلاة والسلام: "سنوا بهم سنة أهلا الكتاب، غير ناكحي نسائهم ولا آكلي ذبائحهم" " وطعامكم حل لهم " فلا عليكم أن تطعموه وتبيعوه منهم ولو حرم عليهم لم يجز ذلك " والمحصنات من المؤمنات " أي الحرائر أو العفائف، وتخصيصهن بعث على ما هو الأولى. " والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم " وإن كن حربيات وقال ابن عباس لا تحل الحربيات. " إذا آتيتموهن أجورهن " مهورهن وتقييد الحل بإيتائها لتأكيد وجوبها والحث على ما هو الأولى. وقيل المراد بإيتائها التزامها " محصنين " أعفاء بالنكاح. " غير مسافحين " غير مجاهرين بالزنا. " ولا متخذي أخدان " مسرين به، والخدن الصديق يقع على الذكر والأنثى. " ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين " يريد بالإيمان شرائع الإسلام وبالكفر إنكاره والامتناع عنه.
5. This day are (all) good things made lawful for you. The food of those who have received the Scripture is lawful for you, and your food is lawful for them. And so are the virtuous women of the believers and the virtuous women of those who received the Scripture before you (lawful for you) when ye give them their marriage portions and live with them in honor, not in fornication, nor taking them as secret concubines. Whoso denieth the faith, his work is vain and he will be among the losers in the Hereafter.
5 - This day are (all) things good and pure made lawful unto you. the food of the people of the book is lawful unto you and yours is lawful unto them. (lawful) unto in marriage) are (not only) chaste women who are believers, but chaste women among the people of the book, revealed before your time, when you give them their due dowers, and desire chastity, not lewdness, nor secret intrigues. if any one rejects faith, fruitless is his work, and in the hereafter he will be in the ranks of those who have lost (all spiritual good).