5 - (ولو أنهم صبروا) أنهم في محل رفع بالابتداء وقيل فاعل لفعل مقدر أي ثبت (حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم والله غفور رحيم) لمن تاب منهم ونزل في الوليد بن عقبة وقد بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى بني المصطلق مصدقا فخافهم لترة كانت بينه وبينهم في الجاهلية فرجع وقال إنهم منعوا الصدقة وهموا بقتله فهم النبي صلى الله عليه وسلم بغزوهم فجاؤوا منكرين ما قاله عنهم
وقوله " ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم " يقول تعالى ذكره : ولو أن هؤلاء الذين ينادونك يا محمد من وراء الحجرات صبروا فلم ينادوك حتى تخرج إليهم إذا خرجت ، لكان خيرا لهمم عند الله ، لأن الله قد أمرهم بتوقيرك وتعظيمك ، فهم بتركهم ندائك تاركون ما قد نهاهم الله عنه ، " والله غفور رحيم " يقول تعالى ذكره : الله ذو عفو عمن ناداك من وراء الحجاب ، إن هو تاب من معصية الله بندائك كذلك ، وراجع أمر الله في ذلك وفي غيره ، رحيم به أن يعاقبه على ذنبه من بعد توبته منه .,.
قوله تعالى : " ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم والله غفور رحيم "
أي لو انتظروا خروجك لكان أصلح لهم في دينهم ودنياهم ، وكان صلى الله عليه وسلم لا يحتجب عن الناس إلا في أوقات يشتغل فيها بمهمات نفسه ، فكان إزعاجه في تلك الحالة من سوء الأدب وقيل : كانوا جاءوا شفعاء في أساري بني عنبر فأعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم نصفهم ، وفادى علىالنصف ، ولو صبروا لأعتق جميعهم بغير فداء ، " والله غفور رحيم " .
ثم إنه تبارك وتعالى ذم الذين ينادونه من وراء الحجرات وهي بيوت نسائه, كما يصنع أجلاف الأعراب فقال: "أكثرهم لا يعقلون" ثم أرشد تعالى إلى الأدب في ذلك فقال عز وجل: "ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيراً لهم" أي لكان لهم في ذلك الخيرة والمصلحة في الدنيا والاخرة. ثم قال جل ثناؤه داعياً لهم إلى التوبة والإنابة "والله غفور رحيم" وقد ذكر أنها نزلت في الأقرع بن حابس التميمي رضي الله عنه فيما أورده غير واحد. قال الإمام أحمد: حدثنا عفان, حدثنا وهيب, حدثنا موسى بن عقبة عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن الأقرع بن حابس رضي الله عنه, أنه نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم من وراء الحجرات فقال: يا محمد يا محمد, وفي رواية: يا رسول الله, فلم يجبه فقال: يا رسول الله إن حمدي لزين, وإن ذمي لشين, فقال صلى الله عليه وسلم: "ذاك الله عز وجل" وقال ابن جرير: حدثنا أبو عمار الحسين بن حريث المروزي, حدثنا الفضل بن موسى عن الحسين بن واقد, عن أبي إسحاق عن البراء في قوله تبارك وتعالى: "إن الذين ينادونك من وراء الحجرات" قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد, إن حمدي زين وذمي شين, فقال صلى الله عليه وسلم: "ذاك الله عز وجل" وهكذا ذكره الحسن البصري وقتادة مرسلاً.
وقال سفيان الثوري عن حبيب بن أبي عمرة قال: كان بشر بن غالب ولبيد بن عطارد أو بشر بن عطارد ولبيد بن غالب, وهما عند الحجاج جالسان, فقال بشر بن غالب للبيد بن عطارد: نزلت في قومك بني تميم "إن الذين ينادونك من وراء الحجرات" قال: فذكرت ذلك لسعيد بن جبير, فقال: أما إنه لو علم بآخر الاية أجابه "يمنون عليك أن أسلموا" قالوا: أسلمنا ولم يقاتلك بنو أسد, وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا عمرو بن علي الباهلي. حدثنا المعتمر بن سليمان قال: سمعت داود الطفاوي يحدث عن أبي مسلم البجلي عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: اجتمع أناس من العرب فقالوا: انطلقوا بنا إلى هذا الرجل فإن يك نبياً فنحن أسعد الناس به, وإن يك ملكاً نعش بجناحه. قال: فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما قالوا فجاؤوا إلى حجرة النبي صلى الله عليه وسلم فجعلوا ينادونه وهو في حجرته: يا محمد يا محمد, فأنزل الله تعالى: "إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون" قال: فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأذني, فمدها فجعل يقول "لقد صدق الله تعالى قولك يا زيد, لقد صدق الله قولك يا زيد" ورواه ابن جرير عن الحسن بن عرفة, عن المعتمر بن سليمان به.
5- "ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيراً لهم" أي لو انتظروا خروجك ولم يعجلوا بالمناداة لكان أصلح لهم في دينهم ودنياهم، لما في ذلك من رعاية حسن الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورعاية جانبه الشريف والعمل بما يستحقه من التعظيم والتجليل. وقيل إنهم جاءوا شفعاء في أسارى، فأعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم نصفهم وفادى نصفهم، ولو صبروا لأعتق الجميع، ذكر معناه مقاتل "والله غفور رحيم" كثير المغفرة والرحمة بليغهما لا يؤاخذ مثل هؤلاء فيما فرط منهم من إساءة الأدب.
5. " ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيراً لهم "، قال مقاتل : لكان خيراً لهم لأنك كنت تعتقهم جميعاً وتطلقهم بلا فداء، " والله غفور رحيم ".
وقال قتادة : نزلت في ناس من أعراب بني تميم جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنادوا على الباب.
ويروى ذلك عن جابر قال: جاءت بنو تميم فنادوا على الباب: اخرج إلينا يا محمد، فإن مدحنا زين، وذمنا شين، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: إنما ذلكم الله الذي مدحه زين وذمه شين ، فقالوا: نحن ناس من بني تميم جئنا بشعرائنا وخطبائنا لنشاعرك ونفاخرك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما بالشعر بعثت ولا بالفخار أمرت، ولكن هاتوا ، فقام شاب منهم فذكر فضله وفضل قومه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس بن شماس، وكان خطيب النبي صلى الله عليه وسلم: قم فأجبه، فأجابه، وقام شاعرهم فذكر أبياتاً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت: أجبه فأجابه، فقام الأقرع بن حابس، فقال: إن محمداً لمؤتىً له والله ما أدري هذا الأمر، تكلم خطيبنا فكان خطيبهم أحسن قولاً، وتكلم شاعرنا فكان شاعرهم أشعر وأحسن قولاً، ثم دنا من النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما يضرك ما كان قبل هذا ثم أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما أعطاهم، وأزرى به بعضهم وارتفعت الأصوات وكثرت اللغط عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزل فيهم: " يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم " الآيات الأربع إلى قوله: " غفور رحيم ".
وقال زيد بن أرقم: جاء ناس منالعرب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم لبعض: انطلقوا بنا إلى هذا الرجل فإن يكن نبياً فنحن أسعد الناس به، وإن يكن ملكاً نعش في جنابه، فجاؤوا فجعلوا ينادونه، يا محمد يا محمد، فأنزل الله: " إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون * ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم والله غفور رحيم ".
5-" ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم " أي ولو ثبت صبرهم وانتظارهم حتى تخرج إليهم ، فإن أن وإن دلت في حيزها على المصدر دلت بنفسها على الثبوت ، ولذلك وجب إضمار الفعل وحتى تفيد أن الصبر ينبغي أن يكون مغنياً بخروجه ، فإن مختصة بغاية الشيء في نفسه ولذلك تقول : أكلت السمكة حتى رأسها ، ولا تقول حتى نصفها ، بخلاف إلى فإنها عامة ." إليهم " إشعار بأنه لو خرج لا لأجلهم ينبغي أن يصبروا حتى يفاتحهم الكلام أو يتوجه إليهم . " لكان خيراً لهم " لكان الصبر خيراً لهم من الاستعجال لما فيه من حفظ الأدب وتعظيم الرسول الموجبين للثناء والثواب ، والإسعاف بالمسؤول إذ روي إنهم وفدوا شافعين في أسارى بني العنبر فأطلق النصف وفادى النصف . " والله غفور رحيم " حيث اقتصر على النصح والتقريع لهؤلاء المسيئين الأدب التاركين تعظيم الرسول عليه الصلاة والسلام .
5. And if they had patience till thou camest forth unto them, it had been better for them. And Allah is Forgiving, Merciful.
5 - If only they had patience until thou couldst come out to them, it would be best for them: but God is Oft Forgiving, Most Merciful.