(ولا تؤتوا) أيها الأولياء (السفهاء) المبذرين من الرجال والنساء والصبيان (أموالكم) أي أموالهم التي في أيديكم (التي جعل الله لكم قياماً) مصدر قام ، أي تقوم بمعاشكم وصلاح أولادكم فيضعوها في غير وجهها ، وفي قراءة {قِيَماً} جمع قيمة ، ما تُقَوَّمُ به الأمتعة (وارزقوهم فيها) أطعموهم منها (واكسوهم وقولوا لهم قولاً معروفاً) عُدوهم عِدة جميلة بإعطائهم أموالهم إذا رشدوا
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في "السفهاء" الذين نهى الله جل ثناؤه عباده أن يؤتوهم أموالهم.
فقال بعضهم: هم النساء والصبيان.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال ، حدثنا إسرائيل ، عن عبد الكريم ، عن سعيد بن جبير قال : اليتامى والنساء.
حدثنا المثنى قال ، حدثنا عمرو بن عون قال ، حدثنا هشيم ، عن يونس ، عن الحسن في قوله: "ولا تؤتوا السفهاء أموالكم"، قال : لا تعطوا الصغار والنساء.
حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا يزيد بن زريع، عن يونس، عن الحسن قال: المرأة والصبي.
حدثني المثنى قال ، حدثنا عمرو بن عون قال ، أخبرنا هشيم ، عن شريك ، عن أبي حمزة، عن الحسن قال: النساء والصغار، والنساء أسفه السفهاء.
حدثنا الحسن بن يحيى قال ، حدثنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر، عن الحسن في قوله: "ولا تؤتوا السفهاء أموالكم"، قال: "السفهاء" ابنك السفيه ، وامرأتك السفيهة. وقد ذكر "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : اتقوا الله في الضعيفين ، اليتيم والمرأة".
حدثنا المثنى قال ، حدثنا الحماني قال ، حدثنا حميد، عن عبد الرحمن الرؤاسي، عن السدي- قال: يرده إلى عبد الله- قال: النساء والصبيان.
حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي: "ولا تؤتوا السفهاء أموالكم"، أما "السفهاء"، فالولد والمرأة.
حدثت عن الحسين بن الفرج قال ، سمعت أبا معاذ يقول ، أخبرنا عبيد بن سليمان، عن الضحاك قوله: "ولا تؤتوا السفهاء أموالكم"، يعني بذلك : ولد الرجل وامرأته، وهي أسفه السفهاء.
حدثني يحيى بن أبي طالب قال ، حدثنا يزيد قال ، أخبرنا جويبر، عن الضحاك في قوله: "ولا تؤتوا السفهاء أموالكم"، قال: "السفهاء" الولد، والنساء أسفه السفهاء، فيكونوا عليكم أرباباً.
حدثنا أحمد بن حازم الغفاري قال ، حدثنا أبو نعيم قال ، حدثنا سفيان ، عن سلمة بن نبيط، عن الضحاك، قال: أولادكم ونساؤكم.
حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال ، حدثنا أبي ، عن سلمة، عن الضحاك قال: النساء والصبيان.
حدثنا أحمد بن حازم قال، حدثنا أبو نعيم قال ، حدثنا سفيان ، عن حميد الأعرج، عن مجاهد: "ولا تؤتوا السفهاء أموالكم"، قال : النساء والولدان.
حدثنا أحمد قال، حدثنا أبو نعيم ، حدثنا ابن أبي غنية، عن الحكم: "ولا تؤتوا السفهاء أموالكم"، قال : النساء والولدان.
حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما"، أمر الله بهذا المال أن يخزن فتحسن خزانته ، ولا يملكه المرأة السفيهة والغلام السفيه.
حدثني المثنى قال ، حدثنا الحماني قال ، حدثنا ابن المبارك، عن إسمعيل، عن أبي مالك قال: النساء والصبيان.
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو صالح قال ، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس : "ولا تؤتوا السفهاء أموالكم"، قال: امرأتك وبنيك ، وقال : "السفهاء"، الولدان ، والنساء أسفه السفهاء.
وقال آخرون: بل السفهاء، الصبيان خاصة.
ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى قال ، حدثنا سويد بن نصر قال ، أخبرنا ابن المبارك ، عن شريك، عن سالم، عن سعيد بن جبير في قوله: "ولا تؤتوا السفهاء أموالكم"، قال : هم اليتامى.
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثني أبي ، عن شريك ، عن سالم ، عن سعيد قال: "السفهاء"، اليتامى.
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا يونس، عن الحسن في قوله: "ولا تؤتوا السفهاء أموالكم"، يقول : لا تنحلوا الصغار.
وقال آخرون: بل عني بذلك : السفهاء من ولد الرجل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا سعيد بن يحيى الأموي قال ، أخبرنا ابن المبارك ، عن إسمعيل بن أبي خالد، عن أبي مالك قوله : "ولا تؤتوا السفهاء أموالكم"، قال : لا تعط ولدك السفيه مالك فيفسده ، الذي هو قوامك بعد الله تعالى.
حدثنا محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس: "ولا تؤتوا السفهاء أموالكم"، يقول : لا تسلط السفيه من ولدك ، فكان ابن عباس يقول : نزل ذلك في السفهاء، وليس اليتامى من ذلك في شيء.
حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا شعبة، عن فراس، عن الشعبي ، عن أبي بردة، عن أبي موسى الأشعري أنه قال: ثلاثة يدعون الله فلا يستجيب لهم : رجل كانت له امرأة سيئة الخلق فلم يطلقها، ورجل أعطى ماله سفيهاً وقد قال الله: "ولا تؤتوا السفهاء أموالكم"، ورجل كان له على رجل دين فلم يشهد عليه.
حدثنا يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، سمعت ابن زيد: "ولا تؤتوا السفهاء أموالكم"، الآية، قال: لا تعط السفيه من ولدك رأساً ولا حائطاً، ولا شيئاً هو لك قيماً من مالك.
وقال آخرون: بل "السفهاء"، في هذا الموضع ، النساء خاصة دون غيره.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه ، قال: زعم حضرمي أن رجلاً عمد فدفع ماله إلى امرأته ، فوضعته في غير الحق ، فقال الله تبارك وتعالى: "ولا تؤتوا السفهاء أموالكم".
حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا سفيان ، عن حميد، عن مجاهد: "ولا تؤتوا السفهاء أموالكم"، قال: النساء.
حدثني يونس بن عبد الأعلى قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، حدثنا سفيان ، عن الثوري ، عن حميد، عن قيس ، عن مجاهد في قوله: "ولا تؤتوا السفهاء أموالكم"، قال: هن النساء.
حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تبارك وتعالى: "ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما"، قال: نهى الرجال أن يعطوا النساء أموالهم ، وهن سفهاء من كن، أزواجاً أو أمهات أو بنات.
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا عبد الأعلى قال ، حدثنا هشام ، عن الحسن قال: المرأة.
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا جويبر، عن الضحاك قال: النساء من أسفه السفهاء.
حدثني المثنى قال ، حدثنا سويد قال ، أخبرنا ابن المبارك ، عن أبي عوانة، عن عاصم ، عن مورق قال : مرت امرأة بعبد الله بن عمر لها شارة وهيئة، فقال لها ابن عمر: "ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما".
وقال أبو جعفر: والصواب من القول في تأويل ذلك عندنا، أن الله جل ثناؤه عم بقوله: "ولا تؤتوا السفهاء أموالكم"، فلم يخصص سفيهاً دون سفيه . فغير جائز لأحد أن يؤتي سفيهاً ماله، صبياً صغيراً كان أو رجلاً كبيراً كان أو أنثى.
والسفيه الذي لا يجوز لوليه أن يؤتيه ماله ، هو المستحق الحجر بتضييعه ماله وفساده وإفساده وسوء تدبيره ذلك.
وإنما قلنا ما قلنا، من أن المعني بقوله : "ولا تؤتوا السفهاء" هو من وصفنا دون غيره ، لأن الله جل ثناؤه قال في الآية التي تتلوها : "وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم"، فأمر أولياء اليتامى بدفع أموالهم إليهم إذا بلغوا النكاح وأونس منهم الرشد، وقد يدخل في "اليتامى" الذكور والإناث، فلم يخصص بالأمر بدفع ما لهم من الأموال ، الذكور دون الإناث ، ولا الإناث دون الذكور.
وإذ كان ذلك كذلك ، فمعلوم أن الذين أمر أولياؤهم بدفعهم أموالهم ، إليهم ، وأجيز للمسلمين مبايعتهم ومعاملتهم ، غير الذين أمر أوليائهم بمنعهم أموالهم ، وحظر على المسلمين مداينتهم ومعاملتهم.
فإذ كان ذلك كذلك ، فبين أن "السفهاء" الذين نهى الله المؤمنين أن يؤتوهم أموالهم ، هم المستحقون الحجر والمستوجبون أن يولى عليهم أموالهم ، وهم من وصفنا صفتهم فبل ، وأن من عدا ذلك فغير سفيه ، لأن الحجر لا يستحقه من قد بلغ وأونس رشده.
وأما قول من قال: عني بالسفهاء النساء خاصة، فإنه جعل اللغة على غير وجهها. وذلك أن العرب لا تكاد تجمع فعيلاً على فعلاء إلا في جمع الذكور، أو الذكور والإناث . وأما إذا أرادوا جمع الإناث خاصة لا ذكران معهم ، جمعوه على : فعائل و فعيلات، مثل: غريبة، تجمع غرائب و غريبات ، فأما الغرباء ، فجمع غريب.
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله : "أموالكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم".
فقال بعضهم : عنى بذلك : لا تؤتوا السفهاء من النساء والصبيان -على ما ذكرنا من اختلاف من حكينا قوله قبل- أيها الرشداء، أموالكم التي تملكونها، فتسلطوهم عليها فيفسدوها ويضيعوها، ولكن ارزقوهم أنتم منها إن كانوا تلزمكم نفقته ، واكسوهم، وقولوا لهم قولاً معروفاً.
وقد ذكرنا الرواية عن جماعة ممن قال ذلك ، منهم : أبو موسى الأشعري ، وابن عباس ، والحسن، ومجاهد، وقتادة، وحضرمي، وسنذكر قول الآخرين الذين لم يذكر قولهم فيما مضى قبل.
حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط، عن السدي: "ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها"، يقول: لا تعط امرأتك وولدك مالك ، فيكونوا هم الذين يقومون عليك ، وأطعمهم من مالك واكسهم.
حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : "ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا"، يقول : لا تسلط السفيه من ولدك على مالك ، وأمره أن يرزقه منه ويكسوه.
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "ولا تؤتوا السفهاء أموالكم"، قال: لا تعط السفيه من مالك شيئاً هو لك.
وقال آخرون : بل معنى ذلك : ولا تؤتوا السفهاء أموالهم، ولكنه أضيف إلى الولاة، لأنهم قوامها ومدبروها.
ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى قال ، حدثنا سويد بن نصر قال ، حدثنا ابن المبارك، عن شريك، عن سالم، عن سعيد بن جبير في قوله : "ولا تؤتوا السفهاء أموالكم"، هو مال اليتيم يكون عندك ، يقول: لا تؤته إياه ، وأنفقه عليه حتى يبلغ . وإنما أضاف إلى الأولياء فقال : "أموالكم"، لأنهم قوامها ومدبروها.
قال أبو جعفر: وقد يدخل في قوله : "ولا تؤتوا السفهاء أموالكم"، أموال المنهيين عن أن يؤتوهم ذلك ، وأموال "السفهاء". لأن قوله : "أموالكم" غير مخصوص منها بعض الأموال دون بعض. ولا تمنع العرب أن تخاطب قوماً خطاباً، فيخرج الكلام بعضه خبر عنهم ، وبعضه عن غيب ، وذلك نحو أن يقولوا : أكلتم يا فلان أموالكم بالباطل، فيخاطب الواحد خطاب الجمع ، بمعنى : أنك وأصحابك أو وقومك أكلتم أموالكم . فكذلك قوله : "ولا تؤتوا السفهاء"، معناه : لا تؤتوا، أيها الناس ، سفهاءكم أموالكم التي بعضها لكم وبعضها لهم ، فيضيعوها.
وإذ كان ذلك كذلك ، وكان الله تعالى ذكره قد عم بالنهى عن إيتاء السفهاء الأموال كلها، ولم يخصص منها شيئاً دون شيء ، كان بيناً بذلك أن معنى قوله : "التي جعل الله لكم قياما"، إنما هو التي جعل الله لكم ولهم قياماً، ولكن السفهاء دخل ذكرهم في ذكر المخاطبين بقوله: "لكم".
وأما قوله: "التي جعل الله لكم قياما"، فإن قياماً وقيماً وقواماً في معنى واحد. وإنما القيام أصله القوام، غير أن القاف التي قبل الواو لما كانت مكسورة ، جعلت الواو ياء لكسرة ما قبلها، كما يقال: صمت صياماً، وصلت صيالاً، ويقال منه : فلان قوام أهل بيته و قيام أهل بيته.
واختلفت القرأة في قراءة ذلك.
فقرأ بعضهم: التي جعل الله لكم قيماً بكسر القاف وفتح الياء بغير ألف.
وقرأة آخرون: قياماً بألف.
قال محمد: والقراءة التي نختارها: "قياما" بالألف ، لأنها القراءة المعروفة في قراءة أمصار الإسلام، وإن كانت الأخرى غير خطأ ولا فاسد. وإنما اخترنا ما اخترنا من ذلك ، لأن القراآت إذا اختلفت في الألفاظ واتفقت في المعنى، فأعجبها إلينا ما كان أظهر وأشهر في قرأة أمصار الإسلام.
وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله: "قياما" قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا سعيد بن يحيى الأموي قال ، حدثنا ابن المبارك ، عن إسمعيل بن أبي خالد، عن أبي مالك: "أموالكم التي جعل الله لكم قياما"، التي هي قوامك بعد الله.
حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط ، عن السدي: "أموالكم التي جعل الله لكم قياما"، فإن المال هو قيام الناس ، قوام معايشهم . يقول : كن أنت قيم أهلك ، فلا تعط امرأتك وولدك مالك ، فيكونوا هم الذين يقومون عليك.
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله : "ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما"، يقول الله سبحانه: لا تعمد إلى مالك وما خولك الله وجعله لك معيشة، فتعطيه امرأتك أو بنيك ، ثم تنظر إلى ما في أيديهم . ولكن أمسك مالك وأصلحه، وكن أنت الذي تنفق عليهم في كسوتهم ورزقهم ومؤونتهم. قال: وقوله "قياما"، بمعنى: قوامكم في معايشكم.
حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر، عن الحسن قوله: "قياما"، قال: قيام عيشك.
حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحق قال ، حدثنا بكر بن شرود، عن مجاهد: أنه قرأ : "التي جعل الله لكم قياما"، بالألف ، يقول : قيام عيشك.
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله: "أموالكم التي جعل الله لكم قياما"، قال : لا تعط السفيه من ولدك شيئاً، هو لك قيم من مالك.
وأما قوله: "وارزقوهم فيها واكسوهم"، فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله. فأما الذين قالوا: إنما عنى الله جل ثناؤه بقوله: "ولا تؤتوا السفهاء أموالكم"، أموال أولياء السفهاء، لا أموال السفهاء، فإنهم قالوا: معنى ذلك: وارزقوا، أيها الناس ، سفهاءكم من نسائكم وأولادكم ، من أموالكم طعامهم ، وما لا بد لهم منه من مؤنهم وكسوتهم.
وقد ذكرنا بعض قائلي ذلك فيما مض ، وسنذكر من لم يذكر من قائليه.
حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: أمروا أن يرزقوا سفهاءهم -من أزواجهم وأمهاتهم وبناتهم- من أموالهم.
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله.
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج عن ابن جريج قال ، قال ابن عباس قوله: "وارزقوهم" ، قال، يقول : أنفقوا عليهم.
حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي: "وارزقوهم فيها واكسوهم"، يقول: أطعمهم من مالك واكسهم.
وأما الذين قالوا: إنما عنى بقوله: "ولا تؤتوا السفهاء أموالكم"، أموال السفهاء أن لا يؤتيهموها أولياؤهم ، فإنهم قالوا: معنى قوله: "وارزقوهم فيها واكسوهم"، وارزقوا، أيها الولاة ولاة أموال السفهاء، سفهاءكم من أموالهم ، طعامهم وما لا بد لهم من مؤنهم وكسوتهم. وقد مضى ذكر ذلك.
قال أبو جعفر: وأما الذي نراه صواباً في قوله: "ولا تؤتوا السفهاء أموالكم" من التأويل، فقد ذكرناه، ودللنا على صحة ما قلنا في ذلك بما أغنى عن إعادته.
فتأويل قوله: "وارزقوهم فيها واكسوهم"، على التأويل الذي قلنا في قوله: "ولا تؤتوا السفهاء أموالكم"، وأنفقوا على سفهائكم من أولادكم ونسائكم الذين تجب عليكم نفقتهم من طعامهم وكسوتهم في أموالكم ، ولا تسلطوهم على أموالكم فيهلكوها، وعلى سفهائكم منهم ، ممن لا تجب عليكم نفقته ، ومن غيرهم الذين تلون أنتم أمورهم ، من أموالهم فيما لا بد لهم من مؤنهم في طعامهم وشرابهم وكسوتهم . لأن ذلك هو الواجب من الحكم في قول جميع الحجة، لا خلاف بينهم في ذلك ، مع دلالة ظاهر التنزيل على ما قلنا في ذلك.
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم : معنى ذلك : عدهم عدة جميلة من البر والصلة.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "وقولوا لهم قولا معروفا"، قال : أمروا أن يقولوا لهم قولاً معروفاً في البر والصلة، يعني النساء، وهن السفهاء عنده.
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج، عن مجاهد: "وقولوا لهم قولا معروفا"، قال: عدةً تعدهم.
وقال آخرون: بل معنى ذلك : ادعوا لهم.
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله: "وقولوا لهم قولا معروفا"، إن كان ليس من ولدك ولا ممن يجب محليك أن تنفق عليه ، فقل لهم قولاً معروفاً، قل لهم: عافانا الله وإياك، بارك الله فيك.
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال في ذلك بالصحة، ما قاله ابن جريج. وهو أن معنى قوله: "وقولوا لهم قولا معروفا"، أي: قولوا، يا معشر ولاة السفهاء قولاً معروفاً للسفهاء: إن صلحتم ورشدتم سلمنا إليكم أموالكم، وخلينا بينكم وبينها، فاتقوا الله في أنفسكم وأموالكم، وما أشبه ذلك من القول الذي فيه حث على طاعة الله ، ونهي عن معصيته.
فيه عشرة مسائل:
الأولى- لما أمر الله تعالى بدفع أموال اليتامى إليهم في قوله :" وآتوا اليتامى أموالهم" [النساء :2] وإيصال الصدقات إلى الزوجات بين أن السفيه وغير البالغ لا يجوز دفع ماله إليه. فدلت على ثبوت الوصي والولي والكفيل للأيتام. وأجمع أهل العلم على أن الوصية إلى المسلم الحر الثقة العدل جائزة. واختلفوا في الوصية إلى المرأة الحرة، فقال عوام أهل العلم: الوصية لها جائزة واحتج أحمد بأن عمر رضي الله عنه أوصى إلى حفصة. وروي عن عطاء بن أبي رباح أنه قال في رجل أوصى إلى امرأته قال : لا تكون المرأة وصياً، فإن فعل حولت إلى رجل من قومه، واختلفوا في الوصية إلى العبد. فمنعه الشافعي وأبو ثور ومحمد ويعقوب وأجازه مالك والأوزاعي وابن عبد الحكم، وهو قول النخعي إذا أوصى إلى عبد. وقد مضى القول في هذا في البقرة مستوفى.
الثانية- قوله تعالى:" السفهاء" قد مضى في البقرة معنى السفه لغة. واختلف العلماء في هؤلاء السفهاء من هم؟ فروى سالم الأفطس عن سعيد بن جبير قال: هم اليتامى لا تؤتوهم أموالكم قال النحاس: وهذا من أحسن ما قيل في الآية. وروى إسماعيل بن أبي خالد عن أبي مالك قال: هم الأولاد الصغار، لا تعطوهم أموالكم فيفسدها وتبقوا بلا شيء. وروى سفيان عن حميد الأعرج عن مجاهد قال: هم نساء قال النحاس وغيره وهذا القول لا يصح، إنما تقول العرب في النساء سفائه أو سفيهات لأنه الأكثر في جمع فعيلة ويقال: لا تدفع إلى مالك مضاربة ولا إلى وكيل لا يحسن التجارة. وروي عن عمر أنه قال : من لم يتفقه فلا يتجر في سوقنا، فذلك قوله تعالى: " ولا تؤتوا السفهاء أموالكم" يعني الجهال بالأحكام. ويقال: لا تدفع إلى الكفار، ولهذا كره العلماء أن يوكل المسلم ذمياً بالشراء والبيع، أو يدفع إليه مضاربه. وقال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: السفهاء هنا كل من يستحق الحجر. وهذا جامع. وقال ابن خويز منداد: وأما الحجر على السفيه فالسفيه له أحوال: حال يحجر عليه لصغره، وحالة لعدم عقله بجنون أو غيره، وحالة لسوء نظره لنفسه في ماله. فأما المغمى عليه فاستحسن مالك إلا يحجر عليه لسرعة زوال ما به. والحجر يكون مرة في حق الإنسان ومرة في حق غيره، فأما المحجور عليه في حق نفسه من ذكرنا، والمحجور عليه في حق غيره العبد والمديان والمريض في الثلثين، والمفلس وذات الزوج لحق الزوج، والبكر في حق نفسها. فأما الصغير والمجنون فلا خلاف في الحجر عليهما، وأما الكبير فلأنه لا يحسن النظر لنفسه في ماله، ولا يؤمن منه إتلاف ماله في غير وجه، فأشبه الصبي وفيه خلاف يأتي. ولا فرق بين أن يتلف ماله في المعاصي أو في القرب والمباحات. واختلف أصحابنا إذا أتلف ماله في القرب، فمنهم من حجر عليه، ومنهم من لم يحجر عليه.
والعبد لا خلاف فيه. والمديان ينزع ما بيده لغرمائه لإجماع الصحابة، وفعل عمر ذلك بأسيفع جهينة، ذكره مالك في الموطأ والبكر ما دامت في الخدر محجور عليها، لأنها لا تحسن النظر لنفسها.حتى إذا تزوجت ودخل إليها الناس وخرجت وبرز وجهها عرفت المضار من المنافع. وأما ذات الزوج "فلأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
لا يجوز لامرأة ملك زوجها عصمتها قضاء في مالها إلا في ثلثها ".
قلت: وأما الجاهل بالأحكام وإن كان غير محجور عليه لتنميته لماله وعدم تدبيرة فلا يدفع إليه المال، لجهله بفاسد البياعات وصحيحها وما يحل وما يحرم منها. وكذلك الذمي مثله في الجهل بالبياعات ولما يخاف من معاملته بالربا وغيره. والله أعلم واختلفوا في وجه إضافة المال المخاطبين على هذا وهي للسفهاء فقيل: أضافها إليهم لأنها بأيديهم وهم الناظرون فيها فنسبت إليهم اتساعاً كقوله تعالى:" فسلموا على أنفسكم" [النور :61] وقوله " فاقتلوا أنفسكم" [البقرة :54] وقيل: أضافها إليهم لأنها من جنس أموالهم فإن الأموال جعلت مشتركة بين الخلق تنتقل من يد إلى يد ، ومن ملك إلى ملك، أي هي لهم إذا احتاجوها كأموالكم التي تقي أعراضكم وتصونكم وتعظم أقداركم، وبها قوام أمركم. وقول ثان قاله أبو موسى الأشعري وابن عباس والحسن وقتادة: أن المراد أموال المخاطبين حقيقة. قال ابن عباس: لا تدفع مالك الذي هو سبب معيشتك إلى امرأتك وابنك وتبقى فقيراً إليهم وإلى ما في أيديهم، بل كن أنت الذي تنفق عليهم. فالسفهاء على هذا هم النساء والصبيان، صغار ولد الرجل وامرأته وهذا يخرج مع قول مجاهد وأبي مالك في السفهاء .
الثالثة- ودلت الآية على جواز الحجر على السفيه لأمر الله عز وجل بذلك في وقوله : " ولا تؤتوا السفهاء أموالكم " وقال:" فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا" فأثبت الولاية على السفيه كما أثبتها على الضعف وكان معنى الضعيف راجعاً إلى الصغير ومعنى السفيه إلى الكبير البالغ، لأن السفه اسم ذم ولا يذم الإنسان على ما لم يكتسبه، والقلم مرفوع عن غير البالغ، فالذم والحرج منفيان عنه قاله الخطابي.
الرابعة: واختلف العلماء في أفعال السفيه قبل الحجر عليه، فقال مالك وجميع أصحابه غير ابن القاسم: إن فعل السفيه وأمره كله جائز حتى يضرب الإمام على يده. وهو قول الشافعي وأبي يوسف. وقال ابن القاسم: أفعاله غير جائزة وإن لم يضرب عليه الإمام .وقال أصبغ: إن كان ظاهر السفه فأفعاله مردودة وإن كان غير ظاهر السفه فلا ترد أفعاله حتى يحجر عليه الإمام واحتاج سحنون لقول مالك بأن قال: لو كانت أفعال السفيه مردودة قبل احجر ما احتاج السلطان أن يحجر على أحد وحجة ابن القاسم ما رواه البخاري "من حديث جابر:
أن رجلاً أعتق عبداً ليس له مال غيره فرده النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكمن حجر عليه قبل ذلك "
الخامسة- واختلفوا في الحجر على الكبير، فقال مالك وجمهور الفقهاء: يحجر عليه وقال أبو حنيفة: لا يحجر على من بلغ عاقلاً إلا أن يكون مفسداً لماله، فإذا كان كذلك منع من تسليم المال إليه حتى يبلغ خمساً وعشرين سنة، فإذا بلغها سلم إليه بكل حال، سواء كان مفسداً أو غير مفسد، لأنه يحبل منه لاثنتي عشرة سنة، ثم يولد له لستة أشهر فيصير جداً وأباً، وأنا أستحي أن أحجر على من يصلح أن يكون جداً. وقيل عنه: إن في مدة المنع من المال إذا بلغ مفسداً ينفذ تصرفه على الإطلاق وإنما يمنع من تسليم المال احتياطاً. وهذا كله ضعيف في النظر والأثر. وقد روى الدارقطني: حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن الصواف أخبرنا حامد بن شعيب أخبرنا شريح بن يونس أخبرنا يعقوب بن إبراهيم- هو أبو يوسف القاضي- أخبرنا هشام بن عروة عن أبيه أن عبد الله بن جعفر أتى الزبير فقال: إني اشتريت بيع كذا وكذا، وإن علياً يريد أن يأتي أمير المؤمنين فيسأله أن يحجر علي فيه فقال الزبير: أنا شريكك في البيع فأتى علي عثمان فقال: إن ابن جعفر اشترى بيع كذا وكذا فاحجر عليه فقال الزبير: فأنا شريكه في البيع فقال عثمان: كيف أحجر على رجل في بيع شريكه في الزبير؟ قال يعقوب: أنا آخذ بالحجر وأراه، وأحجر وأبطل بيع المحجور عليه وشراءه وإذا اشترى أو باع قبل الحجر أجزت بيعه، قال يعقوب بن إبراهيم: وإن أبا حنيفة لا يحجر ولا يأخذ بالحجر. فقول عثمان: كيف أحجر على رجل، دليل على جواز الحجر على الكبير، فإن عبد الله بن جعفر ولدته أمه بأرض الحبشة وهو أول مولود ولد في الإسلام بها، وقدم مع أبيه على النبي صلى الله عليه وسلم عام خيبر فسمع منه وحفظ عنه. وكانت خيبر سنة خمس من الهجرة. وهذا يرد على أبي حنيفة قوله . وستأتي حجته إن شاء الله تعالى.
السادسة- قوله تعالى:" التي جعل الله لكم قياما" أي لمعاشكم وصلاح دينكم. وفي التي ثلاث لغات التي واللت بكسر التاء واللت بإسكانها ، وفي تثنيتها أيضاً ثلاث لغات : اللتان واللتا بحذف النون واللتان بشد النون. وأما الجمع فتأتي لغاته في موضعه من هذه السورة إن شاء الله تعالى. والقيام والقوام: ما يقيمك بمعنى. يقال: فلان يقال أهله وقوام بيته، وهو الذي يقيم شأنه، أي يصلحه. ولما انكسرت القاف من قوام أبدلوا والواو ياء, وقراءة أهل المدينة قيما بغير ألف. قال الكسائي والفراء. قيماً وقواماً بمعنى قياماً وانتصب عندهما على المصدر، أي ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي تصلح بها أموركم فيقوموا بها قياماً، وقال الأخفش: المعنى قائمة بأموركم يذهب إلى أنها جمع. وقال البصريون : قيما جمع قيمة كديمة وديم أي جعلها الله قيمة للأشياء، وخطأ أبو علي هذا القول وقال: هي مصدر كقيام وقوام وأصلها قوم، ولكن شذت في الرد إلى الياء كما شد قولهم: جياد في جمع جواد ونحوه. وقوماً وقواماً وقياماً معناها ثباتاً في صلاح الحال ودواماً في ذلك، وقرأ الحسن والنخعي اللاتي جعل على جمع التي، وقراءة العامة التي على لفظ الجماعة قال الفراء : الأكثر في كلام العرب النساء اللواتي والأموال التي وكذلك غير الأموال ذكره النحاس .
السابعة- قوله تعالى:" وارزقوهم فيها واكسوهم" قيل: معناه اجعلوا لهم فهيا أو افرضوا لهم فيها، وهذا فيمن يلزم الرجل نفقته وكسوته من زوجته وبنية الأصاغر. فكان هذا دليلاً على وجوب نفقة الولد على الولد والزوجة على زوجها. وفي البخاري "عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم :
أفضل الصدقة ما ترك غني واليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول، تقول المرأة إما أن تطعمني وإما أن تطلقني ويقول العبد أطعمني واستعملني ويقول الابن أطعمني إلى من تدعني؟" فقالوا: يا أبا هريرة سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا هذا من كيس أبي هريرة! قال المهلب: النفقة على الأهل والعيال واجبة بإجماع وهذا الحديث حجة في ذلك .
الثامنة- قال ابن المنذر: واختلفوا في نفقة من بلغ من الأبناء ولا مال له ولا كسب فقالت طائفة: على الأب أن ينفق على ولده الذكور حتى يحتلموا، وعلى النساء حتى يتزوجن ويدخل بهن فإن طلقها بعد البناء أو مات عنها فلا نفقة لها على أبيها وإن طلقها قبل البناء فهي على نفقتها .
التاسعة- ولا نفقة لولد الولد على الجد، هذا قول مالك وقالت طائفة: ينفق على ولد ولده حتى يبلغوا الحلم والمحيض. ثم لا نفقة عليه أن يكونوا زمنى وسواء في ذلك الذكور والإناث ما لم يكن لهم أموال، وسوءا في ذلك ولده أو ولد ولده وإن سفلوا ما لم يكن لهم أب دونه يقدر على النفقة عليهم هذا قول الشافعي وأوجبت طائفة النفقة لجميع الأطفال والبالغين من الرجال والنساء إذا لم يكن لهم أموال يستغنون بها عن نفقة الوالد، على ظاهر "قوله عليه السلام لهند:
خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف" و"في حديث أبي هريرة :
يقول الابن أطعمني إلى من تدعني" يدل على أنه إنما يقول ذلك من لا طاقة له على الكسب والتحرف ومن بلغ سن الحلم فلا يقول ذلك لأنه قد بلغ حد السعي على نفسه والكسب لها ، بدليل قوله تعالى: " حتى إذا بلغوا النكاح" [النساء:6] الآية. فجعل بلوغ النكاح حداً في ذلك و"في قوله: تقول المرأة إما أن تطعمني وإما أن تطلقني " لا يفرق بالإعسار ويلزم المرأة الصبر، وتتعلق النفقة بذمته، بحكم الحاكم. هذا قول عطاء والزهري وإليه ذهب الكوفيون متمسكين بقوله تعالى:" وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة" [البقرة :280] قالوا: فوجب أن ينظر إلى أن يوسر وقوله تعالى:" وأنكحوا الأيامى منكم"[ النور: 32] قالوا: فندب تعالى إلى نكاح الفقير، فلا يجوز أن يكون الفقر سبباً للفرقة وهو مندوب معه إلى النكاح. ولا حجة لهم في هذه الآية على ما يأتي بيانه في موضعها. والحديث نص في موضع الخلاف. وقيل: الخطاب لولي اليتيم لينفق عليه من ماله الذي له تحت نظره، على ما تقدم من الخلاف في إضافة المال فالوصي ينفق على اليتيم على قدر ماله وحاله، فإن كان صغيراً وماله كثير اتخذ له ظئراً وحواضن ووسع عليه في النفقة وإن كان كبيراً قدر له ناعم اللباس وشهي الطعام والخدم وإن كان دون ذلك فبحسبه، وإن كان دون فخشن الطعام واللباس قدر الحاجة فإن كان اليتيم فقيراً لا مال له وجب على الإمام القيام به من بيت المال، فإن لم يفعل الإمام وج ذلك على المسلمين الأخص به فالأخص وأمه أخص به فيجب عليها إرضاعه والقيام به ولا ترجع عليه ولا على أحد وقد مضى في البقرة عند قوله :" والوالدات يرضعن أولادهن " [البقرة :233].
العاشرة- قوله تعالى: " وقولوا لهم قولا معروفا" أراد تليين الخطاب والوعد الجميل. واختلف في القول المعروف، فقيل: معناه ادعوا لهم: بارك الله فيكم، وحاطكم وصنع لكم، وأنا ناظر لك، وهذا الاحتياط يرجع نفعه إليك. وقيل: معناه وعدوهم وعداً حسناً، أي إن رشدتم دفعنا إليكم أموالكم. ويقول الأب لابنه: مالي إليك مصيره، وأنت إن شاء الله صاحبه إذا ملكت رشدك وعرفت تصرفك .
ينهى سبحانه وتعالى عن تمكين السفهاء من التصرف في الأموال التي جعلها الله للناس قياماً, أي تقوم بها معايشهم من التجارات وغيرها ومن ههنا يؤخذ الحجر على السفهاء وهم أقسام, فتارة يكون الحجر للصغر, فإن الصغير مسلوب العبارة, وتارة يكون الحجر للجنون, وتارة لسوء التصرف لنقص العقل أو الدين, وتارة للفلس, وهو ما إذا أحاطت الديون برجل وضاق ماله عن وفائها, فإذا سأل الغرماء الحاكم الحجر عليه, حجر عليه, وقال الضحاك عن ابن عباس, في قوله "ولا تؤتوا السفهاء أموالكم" قال: هم بنوك والنساء, وكذا قال ابن مسعود والحكم بن عيينة والحسن والضحاك: هم النساء والصبيان, وقال سعيد بن جبير: هم اليتامى, وقال مجاهد وعكرمة وقتادة: هم النساء, وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا هشام بن عمار, حدثنا صدقة بن خالد, حدثنا عثمان بن أبي العاتكة عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "وإن النساء السفهاء إلا التي أطاعت قيمها" ورواه ابن مردويه مطولاً وقال ابن أبي حاتم: ذكر عن مسلم بن إبراهيم, حدثنا حرب بن سريح, عن معاوية بن قرة, عن أبي هريرة "ولا تؤتوا السفهاء أموالكم" قال: هم الخدم, وهم شياطين الإنس, وقوله: "وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولاً معروفاً". قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس, يقول: لا تعمد إلى مالك وما خولك الله وجعله لك معيشة فتعطيه امرأتك أو بنيك ثم تنظر إلى ما في أيديهم ولكن أمسك مالك وأصلحه وكن أنت الذي تنفق عليهم من كسوتهم ومؤونتهم ورزقهم, وقال ابن جرير: حدثنا ابن المثنى, حدثنا محمد بن جعفر, حدثنا شعبة عن فراس, عن الشعبي, عن أبي بردة, عن أبي موسى, قال: ثلاثة يدعون الله فلا يستجيب لهم: رجل كانت له امرأة سيئة الخلق فلم يطلقها, ورجل أعطى ماله سفيهاً, وقد قال: "ولا تؤتوا السفهاء أموالكم", ورجل كان له على رجل دين فلم يشهد عليه, وقال مجاهد: "وقولوا لهم قولاً معروفاً", يعني في البر والصلة, وهذه الاية الكريمة تضمنت الإحسان إلى العائلة ومن تحت الحجر بالفعل من الإنفاق في الكساوي والأرزاق والكلام الطيب وتحسين الأخلاق, وقوله تعالى: "وابتلوا اليتامى" قال ابن عباس ومجاهد والحسن والسدي ومقاتل بن حيان: أي اختبروهم "حتى إذا بلغوا النكاح" قال مجاهد: يعني الحلم, قال الجمهور من العلماء البلوغ في الغلام تارة يكون بالحلم, وهو أن يرى في منامه ما ينزل به الماء الدافق الذي يكون منه الولد, وفي سنن أبي داود عن علي قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يتم بعد احتلام ولا صمات يوم إلى الليل" وفي الحديث الاخر عن عائشة وغيرها من الصحابة رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رفع القلم عن ثلاثة, عن الصبي حتى يحتلم, وعن النائم حتى يستقيظ, وعن المجنون حتى يفيق", أو يستكمل خمس عشرة سنة وأخذوا ذلك من الحديث الثابت في الصحيحين عن ابن عمر, قال: عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة فلم يجزني, وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة فأجازني, فقال عمر بن عبد العزيز لما بلغه هذا الحديث: إن هذا الفرق بين الصغير والكبير واختلفوا في إنبات الشعر الخشن حول الفرج, وهي الشعرة, هل تدل على بلوغ أم لا ؟ على ثلاثة أقوال, يفرق في الثالث بين صبيان المسلمين فلا يدل على ذلك لاحتمال المعالجة, وبين صبيان أهل الذمة فيكون بلوغاً في حقهم لأنه لا يتعجل بها إلى ضرب الجزية عليه. فلا يعالجها, والصحيح أنها بلوغ في حق الجميع لأن هذا أمر جبلي يستوي فيه الناس واحتمال المعالجة بعيد, ثم قد دلت السنة على ذلك في الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن عطية القرظي رضي الله عنه, قال: عرضنا على النبي صلى الله عليه وسلم يوم قريظة, فكان من أنبت قتل ومن لم ينبت خلى سبيله, فكنت فيمن لم ينبت فخلي سبيلي, وقد أخرجه أهل السنن الأربعة بنحوه, وقال الترمذي: حسن صحيح وإنما كان كذلك لأن سعد بن معاذ كان قد حكم فيهم بقتل المقاتلة وسبي الذرية, وقال أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الغريب: حدثنا ابن علية عن إسماعيل بن أمية, عن محمد بن يحيى بن حبان, عن عمر, أن غلاماً ابتهر جارية في شعره, فقال عمر رضي الله عنه: انظروا إليه فلم يوجد أنبت فدرأ عنه الحد, قال أبو عبيد: ابتهرها أي قذفها, والابتهار أن يقول فعلت بها وهو كاذب, فإن كان صادقاً فهو الابتيار, قال الكميت في شعره:
قبيح بمثلي نعت الفتاة إما ابتهاراً وإما ابتياراً
وقوله عز وجل: "فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم" قال سعيد بن جبير: يعني صلاحاً في دينهم وحفظاً لأموالهم. وكذا روي عن ابن عباس والحسن البصري وغير واحد من الأئمة وهكذا قال الفقهاء: متى بلغ الغلام مصلحاً لدينه وماله انفك الحجر عنه فيسلم إليه ماله الذي تحت يد وليه بطريقه, وقوله: "ولا تأكلوها إسرافاً وبداراً أن يكبروا" ينهى تعالى عن أكل أموال اليتامى من غير حاجة ضرورية "إسرافاً وبداراً" أي مبادرة قبل بلوغهم, ثم قال تعالى: "ومن كان غنياً فليستعفف" من كان في غنى عن مال اليتيم فليستعفف عنه ولا يأكل منه شيئا, وقال الشعبي هو عليه كالميتة والدم "ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف" قال ابن أبي حاتم حدثنا الأشج, حدثنا عبد الله بن سليمان, حدثنا هشام عن أبيه عن عائشة, "ومن كان غنياً فليستعفف" نزلت في مال اليتيم وحدثنا الأشج وهارون بن إسحاق قالا حدثنا عبدة بن سليمان عن هشام عن أبيه عن عائشة "ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف" نزلت في والي اليتيم الذي يقوم عليه ويصلحه إذا كان محتاجاً أن يأكل منه, وحدثنا أبي, حدثنا محمد بن سعيد الأصبهاني, حدثنا علي بن مسهر عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت: أنزلت هذه الاية في والي اليتيم "ومن كان غنياً فليستعفف ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف" بقدر قيامه عليه. ورواه البخاري عن إسحاق عن عبد الله بن نمير عن هشام به, قال الفقهاء: له أن يأكل أقل الأمرين: أجرة مثله أو قدر حاجته, واختلفوا هل يرد إذا أيسر ؟ على قولين (أحدهما) لا, لأنه أكل بأجرة عمله وكان فقيراً, وهذا هو الصحيح عند أصحاب الشافعي, لأن الاية أباحت الأكل من غير بدل, قال أحمد: حدثنا عبد الوهاب, حدثنا حسين عن عمرو بن شعيب عن أبيه, عن جده: أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ليس لي مال ولي يتيم ؟ فقال: "كل من مال يتيمك غير مسرف ولا مبذر ولا متأثل مالاً ومن غير أن تقي مالك ـ أو قال ـ تفدي مالك بماله" شك حسين, وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج, حدثنا أبو خالد الأحمر, حدثنا حسين المكتب عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن عندي يتيماً عنده مال وليس عنده شيء ما. آكل من ماله ؟ قال: "بالمعروف غير مسرف" ورواه أبو دواد والنسائي وابن ماجه من حديث حسين المعلم به وروى ابن حبان في صحيحه وابن مردويه في تفسيره من حديث يعلى بن مهدي عن جعفر بن سليمان عن أبي عامر الخزاز, عن عمرو بن دينار, عن جابر أن رجلاً قال: يا رسول الله فيم أضرب يتيمي ؟ قال: "ما كنت ضارباً منه ولدك غير واق مالك بماله ولا متأثل منه مالاً" وقال ابن جرير: حدثنا الحسن بن يحيى, أخبرنا عبد الرزاق, أخبرنا الثوري عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد قال: جاء أعرابي إلى ابن عباس فقال: إن في حجري أيتاماً وإن لهم إبلاً ولي إبل, وأنا أمنح في إبلي وأفقر, فماذا يحل لي من ألبانها ؟ فقال: إن كنت تبغي ضالتها وتهنأ جرباها وتلوط حوضها وتسقي عليها فاشرب غير مضر بنسل, ولا ناهك في الحلب, ورواه مالك في موطئه عن يحيى بن سعيد به, وبهذا القول وهو عدم أداء البدل, يقول عطاء بن أبي رباح وعكرمة وإبراهيم النخعي وعطية العوفي والحسن البصري. (والثاني) نعم, لأن مال اليتيم على الحظر, وإنما أبيح للحاجة فيرد بدله كأكل مال الغير للمضطر عند الحاجة, وقد قال ابن أبي الدنيا: حدثنا ابن خيثمة, حدثنا وكيع عن سفيان وإسرائيل, عن أبي إسحاق, عن حارثة بن مضرب قال: قال عمر رضي الله عنه: إني أنزلت نفسي من هذا المال بمنزلة والي اليتيم, إن استغنيت استعففت, وإن احتجت استقرضت, فإذا أيسرت قضيت.
(طريق أخرى) قال سعيد بن منصور: حدثنا أبو الأحوص, عن أبي إسحاق, عن البراء قال: قال عمر رضي الله عنه: إني أنزلت نفسي من مال الله بمنزلة والي اليتيم, إن احتجت أخذت منه, فإذا أيسرت رددته, وإن استغنيت استعففت, إسناد صحيح وروى البيهقي عن ابن عباس نحو ذلك, وهكذا رواه ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس في قوله: "ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف" يعني القرض, قال وروي عن عبيدة وأبي العالية, وأبي وائل, وسعيد بن جبير في إحدى الروايات ومجاهد والضحاك والسدي نحو ذلك, وروي من طريق السدي عن عكرمة عن ابن عباس في قوله "فليأكل بالمعروف" قال: يأكل بثلاث أصابع, ثم قال: حدثنا أحمد بن سنان, حدثنا ابن مهدي عن سفيان عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس "ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف" قال: يأكل من ماله يقوت على يتيمه حتى لا يحتاج إلى مال اليتيم, قال وروي عن مجاهد وميمون بن مهران في إحدى الروايات والحكم نحو ذلك, وقال عامر الشعبي: لا يأكل منه إلا أن يضطر إليه كما يضطر إلى الميتة فإن أكل منه قضاه, رواه ابن أبي حاتم وقال ابن وهب: حدثنا نافع بن أبي نعيم القارى قال: سألت يحيى بن سعيد الأنصاري وربيعة عن قول الله تعالى: "ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف" الاية, فقالا: ذلك في اليتيم إن كان فقيراً أنفق عليه بقدر فقره, ولم يكن للولي منه شيء, وهذا بعيد من السياق, لأنه قال "ومن كان غنيا فليستعفف" يعني من الأولياء. "ومن كان فقيراً" أي منهم "فليأكل بالمعروف" أي بالتي هي أحسن كما قال في الاية الأخرى "ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده" أي لا تقربوه إلا مصلحين له, فإن احتجتم إليه أكلتم منه بالمعروف وقوله: "فإذا دفعتم إليهم أموالهم" يعني بعد بلوغهم الحلم وإيناسكم الرشد منهم فحينئذ سلموا إليهم أموالهم فإذا دفعتم إليهم أموالهم "فأشهدوا عليهم" وهذا أمر من الله تعالى للأولياء أن يشهدوا على الأيتام إذا بلغوا الحلم وسلموا إليهم أموالهم لئلا يقع من بعضهم جحود وإنكار لما قبضه وتسلمه, ثم قال: " وكفى بالله حسيباً" أي وكفى بالله محاسباً وشهيداً ورقيباً على الأولياء في حال نظرهم للأيتام وحال تسليمهم للأموال هل هي كاملة موفرة أو منقوصة مبخوسة مدخلة, مروج حسابها, مدلس أمورها ؟ الله عالم بذلك كله , ولهذا ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يا أبا ذر إني أراك ضعيفاً وإني أحب لك ما أحب لنفسي لا تأمرن على اثنين ولا تلين مال يتيم".
هذا رجوع إلى بقية الأحكام المتعلقة بأموال اليتامى. وقد تقدم الأمر بدفع أموالهم إليهم في قوله تعالى "وآتوا اليتامى أموالهم" فبين سبحانه ها هنا أن السفيه وغير البالغ لا يجوز دفع ماله إليه. وقد تقدم في البقرة معنى السفيه لغة.
واختلف أهل العلم في هؤلاء السفهاء من هم؟ فقال سعيد بن جبير: هم اليتامى لا تؤنوهم أموالكم. قال النحاس: وهذا من أحسن ما قيل في الآية. وقال مالك: هم الأولاد الصغار لا تعطوهم أموالكم فيفسدوها وتبقوا بلا شيء. وقال مجاهد: هم النساء. قال النحاس وغيره: وهذا القول لا يصح إنما تقول العرب سفائه أو سفيهات. واختلفوا في وجه إضافة الأموال إلى المخاطبين وهي للسفهاء، فقيل: أضافها إليهم لأنها بأيديهم وهم الناظرون فيها كقوله "فسلموا على أنفسكم"، وقوله "فاقتلوا أنفسكم" أي: ليسلم بعضكم على بعض، وليقتل بعضكم بعضاً، وقيل: أضافها إليهم لأنها من جنس أموالهم، فإن الأموال جعلت مشتركة بين الخلق في الأصل، وقيل: المراد أموال المخاطبين حقيقة، وبه قال أبو موسى الأشعري وابن عباس والحسن وقتادة. والمراد النهي عن دفعها إلى من لا يحسن تدبيرها كالنساء والصبيان، ومن هو ضعيف الإدراك لا يهتدي إلى وجوه النفع التي تصلح المال، ولا يتحنب وجوه الضرر التي تهلكه وتذهب به. قوله 5- " التي جعل الله لكم قياما " المفعول الأول محذوف، والتقدير التي جعلها الله لكم، وقيماً قراءة أهل المدينة وأبي عامر، وقرأ غيرهم "قياماً" وقرأ عبد الله بن عمر قواماً والقيام والقوام: ما يقيمك، يقال: فلان قيام أهله وقوام بيته وهو الذي يقيم شأنه: أي يصلحه، ولما انكسرت القاف في قوام أبدلوا الواو ياءً. قال الكسائي والفراء: قيماً وقواماً بمعنى قياماً، وهو منصوب على المصدر: أي لا تؤتوا السفهاء أموالكم التي تصلح بها أموركم فتقومون بها قياماً وقال الأخفش: المعنى قائمة بأموركم فذهب إلى أنها جمع. وقال البصريون قيماً جمع قيمة كديمة وديم: أي جعلها الله قيمة للأشياء. وخطأ أبو علي الفارسي هذا القول وقال: هي مصدر كقيام وقوام. والمعنى: أنها صلاح للحال وثبات له، فأما على قول من قال إن المراد أموالهم على ما يقتضيه ظاهر الإضافة فالمعنى واضح. وأما على قول من قال إنها أموال اليتامى فالمعنى أنها من جنس ما تقوم معايشكم ويصلح به حالكم من الأموال. وقرأ الحسن والنخعي " التي جعل " قال الفراء: الأكثر في كلام العرب النساء اللواتي والأموال التي، وكذلك غير الأموال، ذكره النحاس. قوله "وارزقوهم فيها واكسوهم" أي: اجعلوا لهم فيها رزقاً أو افرضوا لهم وهذا فيمن تلزم نفقته وكسوته من الزوجات والأولاد ونحوهم. وأما على قول من قال إن الأموال هي أموال اليتامى، فالمعنى اتجروا فيها حتى تربحوا وتنفقوهم من الأرباح، أو اجعلوا لهم من أموالهم رزقاً ينفقونه على أنفسهم ويكتسون به. وقد استدل بهذه الآية على جواز الحجر على السفهاء، وبه قال الجمهور. وقال أبو حنيفة لا يحجر على من بلغ عاقلاً، واستدل بها أيضاً على وجوب نفقة القرابة، والخلاف في ذلك معروف في مواطنه. قوله "وقولوا لهم قولاً معروفاً" قيل ادعوا لهم: بارك الله فيكم، وحاطكم، وصنع لكم، وقيل معناه: عدوهم وعداً حسناً قولوا لهم: إن رشدتم دفعنا إليكم أموالكم، ويقول الأب لابنه: مالي سيصير إليك، وأنت إن شاء الله صاحبه ونحو ذلك. والظاهر من الآية ما يصدق عليه مسمى القول الجميل ففيه إرشاد إلى حسن الخلق مع الأهل والأولاد أو مع الأيتام المكفولين. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي".
5-قوله تعالى:"ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياماً"، اختلفوا في هؤلاء السفهاء فقال قوم: هم النساء، وقالالضحاك : النساء من أسفه السفهاء، وقالمجاهد: نهى الرجال أن يؤتوا النساء أموالهم وهن سفهاء، من كن ، أزواجاً أو بنات أو أمهات، وقال الآخرون : هم الأولاد ، قال الزهري : يقول لا تعط ولدك السفيه مالك الذي هو قيامك بعد الله تعالى فيفسده ، وقال بعضهم : هم النساء والصبيان ، وقال الحسن: هي امرأتك السفيهة وابنك السفيه، وقال ابن عباس: لا تعمد إلى مالك الذي خولك الله وجعله لك معيشة فتعطيه امرأتك أو بنيك فيكونوا هم الذين يقومون عليك، ثم تنظر إلى ما في أيديهم ،ولكن أمسك مالك وأصلحه وكن أنت الذي تنفق عليهم في رزقهم ومؤنتهم ، قال الكلبي:إذا علم الرجل أن امرأته سفيهة مفسدة وأن ولده سفيه مفسد فلا ينبغي أن يسلط واحداً منهما على ماله فيفسده. وقال سعيد بن جبير وعكرمة: هو مال اليتيم كيون عندك ، يقول لا تؤته إياه وأنفق عليه حتى يبلغ، وإنما أضاف إلى الأولياء فقال:" أموالكم" لأنهم قوامها ومدبروها.
والسفيه الذي لا يجوز لوليه أن يؤتيه ماله هو المستحق للحجر عليه، وهو أن يكون مبذراً في ماله أو مفسداً في دينه ، فقال جل ذكره:" ولا تؤتوا السفهاء"أي: الجهال بموضع الحق أموالكم التي جعل الله لكم قياماً.
قرأنافعوابن عامر "قيماً" بلا ألف ، وقرأ الآخرون"قياماً" وأصله : قواماً، فانقلبت الواو ياءً لانكسار ما قبلها ، وهو ملاك الأمر وما يقوم به الأمر. وأراد ههنا قوام عيشكم الذي تعيشون به. قال الضحاك. به يقام الحج والجهاد وأعمال البر وبه فكاك الرقاب من النار.
"وارزقوهم فيها"/أي: أطعموهم،"واكسوهم"، لمن يجب عليكم رقه ومؤنته، وإنما قال "فيها" ولم يقل: منها ،لأنه أراد: اجعلوا لهم فيها رزقاً فإن الرزرق من الله : العطية من غير حد ، ومن العباد إجراء مؤقت محدود."وقولوا لهم قولاً معروفاً" عدة جميلة، وقال عطاء: إذا ربحت أعطيتك وإن غنمت جعلت لك حظاً، وقيل: هو الدعاء، وقال ابن زيد:إن لم يكن ممن تجب عليكم نفقته ، قل له: عافاك الله وإيانا ، بارك الله فيك، وقيل: قولاً ليناً تطيب به أنفسهم.
5" ولا تؤتوا السفهاء أموالكم " نهي للأولياء عن أن يؤتوا الذين لا رشد لهم أموالهم فيضيعوها، وإنما أضاف الأموال إلى الأولياء لأنها في تصرفهم وتحت ولايتهم، وهو الملائم للآيات المتقدمة والمتأخرة. وقيل نهي لكل أحد أن يعمد إلى ما خوله الله تعالى من المال فيعطي امرأته وأولاده، ثم ينظر إلى أيديهم. وإنما سماهم سفهاء استخفافاً بعقولهم واستهجاناً لجعلهم قواماً على أنفسهم وهو أوفق لقوله: " التي جعل الله لكم قياما " أي تقومون بها وتنتعشون، وعلى الأول يؤول بأنها التي من جنس ما جعل الله لكم قياماً سمي ما به القيام قياماً للمبالغة. وقرأ نافع و ابن عامر " قيما " بمعناه كعوذ بمعنى عياذ. وقرئ " قواما " وهو ما يقام به. " وارزقوهم فيها واكسوهم " واجعلوها مكناً لرزقهم وكسوتهم بأن تتجروا فيها وتحصلوا من نفعها ما يحتاجون إليه. " وقولوا لهم قولا معروفا " عدة جميلة تطيب بها نفوسهم، والمعروف ما عرفه الشرع أو العقل بالحسن، والمنكر ما أنكره أحدهما لقبحه.
5. Give not unto the foolish (what is in) your (keeping of their) wealth, which Allah hath given you to maintain; but feed and clothe them from it, and speak kindly unto them.
5 - To those weak of understanding make not over your property, which God hath made a means of support for you, but feed and clothe them therewith, and speak to them words of kindness and justice.