5 - (والأنعام) الإبل والبقر والغنم ونصبه بفعل مقدر يفسره (خلقها لكم) من جملة الناس (فيها دفء) ما تستدفئون به من الأكسية والأردية من أشعارها وأصوافها (ومنافع) من النسل والدر والركوب (ومنها تأكلون) قدم الظرف للفاصلة
يقول تعالى ذكره : ومن حججه عليكم أيها الناس ما خلق لكم من الأنعام ، فسخرها لكم ، وجعل لكم من أصوافها وأوبارها وأشعارها ملابس تدفئون بها ، ومنافع من ألبانها ، وظهورها تركبونها "ومنها تأكلون" يقول : ومن الأنعام ما تأكلون لحمه كالإبل والبقر والغنم ، وسائر ما يؤكل لحمه ، وحذفت ما من الكلام لدلالة من عليها .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى وعلي بن داود ، قال المثنى : أخبرنا ، وقال ابن داود : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله "والأنعام خلقها لكم فيها دفء" يقول : الثياب .
حدثني محمد بن سعد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ،عن ابيه ، عن ابن عباس ، قوله "والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون" يعني بالدفء : الثياب ، والمنافع : ما ينتفعون به من الأطعمة والأشربة .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، وحدثني المثنى ، قال : أخبرنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله تعالى "لكم فيها دفء" ، قال : لباس ينسج ، ومنها مركب ولبن ولحم .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عنابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "لكم فيها دفء" ، لباس ينسج ، ومنافع : مركب ولحم ولبن .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد، مثله .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ،عن ابن عباس ، قوله "لكم فيها دفء ومنافع" ، قال : نسل كل دابة .
حدثنا أحمد ، قال :حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا إسرائيل بإسناده ، عن ابن عباس ، مثله .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : "والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع" يقول : لكم فيها لباس ومنفعة وبلغة .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، قال : قال ابن عباس "والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون" قال : هو منافع ومآكل .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : "والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع" قال : دفء اللحف التي جعلها الله منها .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، عن ابن جريج ، قال : بلغني عن مجاهد : "والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع" قال : نتاجها وركوبها وألبانها ولحومها .
فيه ثلاث مسائل:
الأولى - قوله تعالى: " والأنعام خلقها لكم " لما ذكر الإنسان ذكر ما من به عليه. والأنعام: الإبل والبقر والغنم. وأكثر ما يقال: نعم وأنعام للإبل، ويقال للمجموع ولا يقال للغنم مفردة. قال حسان:
عفت ذات الأصابع فالجواء إلى عذراء منزلها خلاء
ديار من بني الحسحاس قفر تعفيها الروامس والسماء
وكانت لا يزال بها أنيس خلال مروجها نعم وشاء
فالنعم هنا الإبل خاصة. وقال الجوهري : والنعم واحد الأنعام وهي الماء الراعية، وأكثر ما يقع هذا الاسم على الإبل. قال الفراء: هو ذكر لا يؤنث، يقولون: هذا نعم وارد، ويجمع على نعمان مثل حمل وحملان. والأنعام تذكر وتؤنث، قال الله تعالى: " مما في بطونه " ( النحل: 66). وفي موضع " مما في بطونها " ( المؤمنون: 21). وانتصب الأنعام عطفاً على الإنسان، أو بفعل مقدر، وهو أوجه.
الثانية: - قوله تعالى: " دفء " الدفء: السخانة، وهو ما استدفيء به من أصوافها وأوبارها وأشعارها، ملابس ولحف وقطف. وروي عن ابن عباس: دفؤها نسلها، والله أعلم قال الجوهري في الصحاح: الدفء نتاج الإبل وألبانها وما ينتفع به منها، قال الله تعالى: ( لكم فيها دفء). وفي الحديث: " لنا من دفئهم ما سلموا بالميثاق ". والدفء أيضاً: السخونة، تقول منه: دفيء الرجل دفاءة مثل كره كراهة. وكذلك دفيء دفأ مثل ظميء ظمأ. والاسم الدفء ( بالكسر) وهو الشيء الذي يدفئك، والجمع الأدفاء. تقول: ما عليه دفء، لأنه اسم. ولا تقول: ما عليك دفاءة، لأنه مصدر. وتقول: اقعد في دفء هذا الحائط أي كنه. ورجل دفء على فعل إذا لبس ما يدفئه. وكذلك رجل دفآن وامرأة دفآى. وقد أدفأه الثوب وتدفأ هو بالثوب واستدفأ به، وادفأ به وهو افتعل، أي لبس ما يدفئه. ودفؤت ليلتنا، ويوم دفيء على فعيل وليلة دفيئة، وكذلك الثوب والبيت. والمدفئة الإبل الكثيرة، لأن بعضها يدفيء بعضهاً بانفاسها، وقد يشدد. والمدفأة الإبل الكثيرة الأوبار والشحوم، عن الأصمعي . وأنشد الشماخ:
وكيف يضيع صاحب مدفآت على أثباجهن من الصقيع
قوله تعالى: " ومنافع " قال ابن عباس: المنافع نسل كل دابة. مجاهد: الركوب والحمل والألبان واللحوم والسمن. " ومنها تأكلون " أفرد منفعة الأكل بالذكر لأنها معظم المنافع. وقيل: المعنى ومن لحومها تأكلون عند الذبح.
الثالثة - دلت هذه الآية على لباس الصوف، وقد لبسه رسول الله صلى الله عليه وسلم والأنبياء قبله كموسى وغيره. وفي حديث المغيرة: " فغسل وجهه وعليه جبة من صوف شامية ضيقة الكمين .... " الحديث، خرجه مسلم وغيره. قال ابن العربي : وهو شعار المتقين ولباس الصالحين وشارة الصحابة والتابعين، واختيار الزهاد والعارفين، وهو يلبس ليناً وخشناً وجيداً ومقارباً ورديئاً، وإليه نسب جماعة من الناس الصوفية، لأنه لباسهم في الغالب، فالياء للنسب والهاء للتأنيث. وقد أنشدني بعض أشياخهم بالبيت المقدس طهره الله:
تشاجر الناس في الصوفي واختلفوا فيه وظنوه مشتقاً من الصوف
ولست أنحل هذا الاسم غير فتىً صافى فصوفي حتى سمي الصوفي
يمتن تعالى على عباده بما خلق لهم من الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم, كما فصلها في سورة الأنعام إلى ثمانية أزواج, وبما جعل لهم فيها من المصالح والمنافع من أصوافها وأوبارها وأشعارها يلبسون ويفترشون, ومن ألبانها يشربون ويأكلون من أولادها, وما لهم فيها من الجمال وهو الزينة, ولهذا قال: "ولكم فيها جمال حين تريحون" وهو وقت رجوعها عشياً من المرعى فإنها تكون أمده خواصر وأعظمه ضروعاً وأعلاه أسنمة "وحين تسرحون" أي غدوة حين تبعثونها إلى المرعى "وتحمل أثقالكم" وهي الأحمال الثقيلة التي تعجزون عن نقلها وحملها "إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس" وذلك في الحج والعمرة والغزو والتجارة وما جرى مجرى ذلك, تستعملونها في أنواع الاستعمال من ركوب وتحميل, كقوله: " وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونها ولكم فيها منافع كثيرة ومنها تأكلون * وعليها وعلى الفلك تحملون ", وقال تعالى: "الله الذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها ومنها تأكلون * ولكم فيها منافع ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم وعليها وعلى الفلك تحملون * ويريكم آياته فأي آيات الله تنكرون", ولهذا قال ههنا بعد تعداد هذه النعم " إن ربكم لرؤوف رحيم " أي ربكم الذي قيض لكم هذه الأنعام وسخرها لكم, كقوله: " أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون * وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون ", وقال: "وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون * لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين * وإنا إلى ربنا لمنقلبون" قال ابن عباس: "لكم فيها دفء" أي ثياب, "ومنافع" ما تنتفعون به من الأطعمة والأشربة. وقال عبد الرزاق: أخبرنا إسرائيل عن سماك عن عكرمة, عن ابن عباس: دفء ومنافع نسل كل دابة. وقال مجاهد: لكم فيها دفء أي لباس ينسج, ومنافع مركب ولحم ولبن. وقال قتادة: دفء ومنافع, يقول: لكم فيها لباس ومنفعة وبلغة, وكذا قال غير واحد من المفسرين بألفاظ متقاربة.
ثم عقب ذكر خلق الإنسان بخلق الأنعام لما فيها من النفع لهذا النوع، فالامتنان بها أكمل من الامتناع بغيرها، فقال: "والأنعام خلقها لكم" وهي الإبل والبقر والغنم، وأكثر ما يقال نعم وأنعام للإبل، ويقال للمجموع، ولا يقال للغنم مفردة، ومنه قول حسان:
وكانت لا يزال بها أنيس خلال مروجها نعم وشاء
فعطف الشاء على النعم، وهي هنا الإبل خاصة. قال الجوهري: والنعم واحد الأنعام، وأكثر ما يقع هذا الاسم على الإبل. ثم لما أخبر سبحانه بأنه خلقها لبني آدم بين المنفعة التي فيها لهم فقال: "فيها دفء" الدفء: السخانة، وهو ما استدفئ به من أصوافها وأوبارها وأشعارها، والجملة في محل نصب على الحال "ومنافع" معطوف على دفء، وهي درها وركوبها ونتاجها والحراثة بها ونحو ذلك. وقد قيل إن الدفء: النتاج واللبن. قال في الصحاح: الدفء نتاج الإبل وألبانها وما ينتفع به منها، ثم قال: والدفء أيضاً السخونة، وعلى هذا فإن أريد بالدفء المعنى الأول فلا بد من حمل المنافع على ما عداه مما ينتفع به منها، وإن حمل على المعنى الثاني كان تفسير المنافع بما ذكرناه واضحاً، وقيل المراد بالمنافع النتاج خاصة، وقيل الركوب "ومنها تأكلون" أي من لحومها وشحومها، وخص هذه المنفعة بالذكر مع دخولها تحت المنافع لأنها أعظمها، وقيل خصها لأن الانتفاع بلحمها وشحمها تعدم عنده عينها بخلاف غيره من المنافع التي فيها، وتقديم الظرف المؤذن بالاختصاص للإشارة إلى أن الأكل منها هو الأصل، وغيره نادر.
5. قوله تعالى "والأنعام خلقها"، يعني الإبل والبقر والغنم، " لكم فيها دفء" يعني: من أوبارها وأشعارها وأصوافها ملابس ولحفاً تستدفئون بها،" ومنافع"، بالنسل والدر والركوب والحمل وغيرها " ومنها تأكلون "،يعني لحومها.
5."والأنعام"الإبل والبقر والغنم وانتصابها بمضمر يفسره . "خلقها لكم"أو بالعطف على الإنسان ن وخلقها لكم بيان ما خلقت لأجله وما بعده تفصيل له."فيها دفء"ما يدفأ به فيقي البرد. "ومنافع"نسلها وجرها وظهورها ، وإنما عبر عنها بالمنافع ليتناول عوضها . "ومنها تأكلون"أي تأكلون ما يؤكل منها من اللحوم والشحوم والألبان ، وتقديم الظرف للمحافظة على رؤوس الآي ، أو لأن الأكل منها هو المعتاد المعتمد عليه في المعاش ، وأما الأكل من سائر الحيوانات المأكولة فعلى سبيل التداوي أو التفكه.
5. And the cattle hath He created, whence ye have warm clothing and uses, and whereof ye eat.
5 - And cattle he has created for you (men): from them ye derive warmth, and numerous benefits, and of their (meat) ye eat.