5 - (في جيدها) عنقها (حبل من مسد) أي ليف ، وهذه الجملة حال من حمالة الحطب الذي هو نعت لامرأته أو خبر مبتدأ مقدر
وقوله : " في جيدها حبل من مسد " يقول : في عنقها ، والعرب تسمي العنق جيداً ، ومنه قول ذي الرمة :
فعيناك عيناها ولونك لونها وجيدك إلا أنها غير عاطل
وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال : ابن زيد ، في قول الله : " في جيدها حبل " قال : في رقبتها .
وقوله : " حبل من مسد " اختلف أهل التأويل في ذلك : ، فقال بعضهم : هي حبال تكون بمكة .
ذكر من قال ذلك :
حدثت عن الحسن ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله " في جيدها حبل من مسد " قال : حبل من شجر ، وهو الحبل الذي كانت تحتطب به .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس " حبل من مسد " قال : هي حبال تكون بمكة . ويقال : المسد : العصا التي تكون في البكرة ، ويقال المسد : قلادة من ودع .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال :قال ابن زيد ، في قوله " حبل من مسد " قال : حبال من شجر تنبت في اليمن لها مسد ، وكانت تفتل ، وقال " حبل من مسد " : حبل من نار في رقبتها .
وقال آخرون : السد : الليف .
ذكر من قال ذلك :
حدثني أبو كريب ، قال :ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن السدي ، عن يزيد ، عن عروة " في جيدها حبل من مسد " قال : لسلسلة من حديد ، ذرعها سبعون ذراعاً .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن السدي ، عن رجل يقال له يزيد عن عروة بن الزبير " في جيدها حبل من مسد " قال : سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عب الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن يزيد ، عن عروة بن الزبير " في جيدها حبل من مسد " قال : سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن أبيه ، عن الأعمش ، عن مجاهد " من مسد " قال : من حديد .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان " في جيدها حبل من مسد " قال : حبل في عنقها في النار مثل طوق ، طوله سبعون ذراعاً .
وقال آخرون : المسد : الحديد الذي يكون في البكرة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال :ثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد " في جيدها حبل من مسد " قال : الحديدة تكون في البكرة .
حدثني محمد بن عمرو ، قال :ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد " حبل من مسد " قال : عود البكرة من حديد .
حدثني الحارث ، قال :ثنا الحسن ، قال :ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد " حبل من مسد " قال : الحديدة للبكرة .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر عن قتادة قال : ثنا المعتمر بن سليمان ، قال : قال أبو المعتمر : زعم محمد أن عكرمة قال : " في جيدها حبل من مسد " إنه الحديدة التي في وسط البكرة .
وقال آخرون : هو قلاة من ودع في عنقها .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشر ، قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " في جيدها حبل من مسد " قال : قلادة من ودع .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال :ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة " حبل من مسد " قال : قلادة من ودع .
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب ، قول من قال : هو حبل جمع من أنواع مختلفة ، ولذلك اختلف أهل التأويل في تأويله على النحو الذي ذكرنا ، ومما يدل على صحة ما قلنا في ذلك قول الراجز :
ومسد أمر من أيانق صهب عتاق عتاق ذات مخ زاهق .
فجعل إمراره من شتى ، وكذلك المسد الذي في جيد امرأة أبي لهب ، أمر من أشياء شتى ، من ليف وحديد ولحاء ، وجعل في عنقها طوقاً كالقلادة من ودع ، ومنه قول الأعشى .
تمسي فيصرف بابها من دوننا غلقاً صريف محالة الأمساد
يعني بالأساد : جمع مسد ، وهي الحبال .
قوله تعالى:" في جيدها حبل من مسد"
قوله تعالى:" في جيدها" أي عنقها. وقال امرؤ القيس:
وجيد كجيد الريم ليس بفاحش إذا هي نصته ولا بمعطل
" حبل من مسد" أي من ليف، قال النابغة:
مقذوفة بدخيس النحض بازلها له صريف صريف القعو بالمسد
وقال آخر:
يا مسد الخوص تعوذ مني إن كنت لدنا ليناً فإني
ما شئت ن أشمط مقسئن
وقد يكون من جلود الإبل، أو من أوبارها، قال الشاعر:
ومسد أمر من أيانق لسن بأنياب ولا حقائق
وجمع الجيد أجياد، والمسد أمساد. أبو عبيدة: هي حبل يكون من صوف. قال الحسن: هي حبال من شجر تنبت باليمن تسمى المسد، وكانت تفتل. قال الضحاك وغيره: هذا في الدنيا، فكانت تعير النبي صلى الله عليه وسلم بالفقر وهي تحتطب في حبل تجعله في جيدها من ليف، فخنقها الله جل وعز به فأهلكها، وهو في الآخرة حبل من نار. وقال ابن عباس في رواية أبي صالح:" في جيدها حبل من مسد" قال: سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً- وقاله مجاهد وعروة بن الزبير: تدخل من فيها، وتخرج من أسفلها، ويلوى سائرها على عنقها. وقال قتادة.(حبل من مسد) قال: قلادة من ودع. الودع: خرز بيض تخرج من البحر، تتفاوت في الصغر والكبر.قال الشاعر:
والحلم حلم صبي يمرث الودعة
والجمع: ودعات. الحسن: إنما كان خرزاً في عنقها. سعيد بن المسيب: كانت لها قلادة فاخرة من جوهر، فقالت : واللات والعزى لأنفقها في عداوة محمد. ويكون ذلك عذاباً في جيدها يوم القيامة. وقيل: إن ذلك اشارة إلى الخذلان، يعني أنها مربوطة عن الإيمان بما سبق لها من الشقاء، كالمربوط في جيده بحبل من مسد. والمسد: القتل. يقال: مسد حبله يمسده مسداً، أي أجاد قتله. قال:
يمسد أعلى لحمه ويأرمه
يقول: إن البقل يقوي ظهر هذا الحمار ويشده. ودابة ممسودة الخلق: إذا كانت شديدة الأسر قال الشاعر:
ومسد أمر من أيانق صهب عتاق ذات مخ زاهق
لسن بأنياب ولا حقائق
ويروى:
ولا ضعاف محهن زاهق
قال الفراء: هو مرفوع والشعر مكفأ. يقول: بل مخهن مكتنز، رفعه على الابتداء. قال: ولا يجوز ان يريد ولاضعاف زاهق مخهن. كما لايجوز ان تقول: مررت برجل أبوه قائم، بالخفض. وقال غيره: الزاهق هنا: بمعنى الذاهب، كأنه قال: ولا ضعاف مخهن، ثم رد الزاهق. على الضعاف. ورجل ممسود: أي مجدول الخلق. وجارية حسنة المسد والعصب والجدل والأرم، وهي ممسودة ومعصوبة ومجدولة ومأرومة. والمساد، على فعال: لغة في المساب، وهي نحن السمن، وسقاء العسل. قال جميعه الجوهري. وقد اعترض فقيل : إن كان ذلك حبلها الذي تحتطب به، فكيف يبقى في النار؟ وأجيب عنه بأن الله عز وجل قادر على تجديده كلما احترق. والحكم ببقاء أبي لهب وامرأته في النار مشروط ببقائهما على الكفر إلى الموافاة، فلما ماتا على الكفر صدق الإخبار عنهما. ففيه معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم.فامرأته خنقها الله بحبلها، أبو لهب رماه الله بالعدسة بعد وقعة بدر بسبع ليال، بعد ان شجته ام الفضل. وذلك أنه لما قدم الحيسمان مكة يخبر خبر بدر، قال أبو لهب: أخبرني خبر الناس. قال: نعم، والله ما هو إلا أن لقينا القوم، فمنحناهم أكتافنا، يضعون السلاح منا حيث شاؤوا، ومع ذلك ما لمست الناس. لقينا رجالاً بيضا على خيل بلق، لا والله ما تبقي منا، يقول: ما تبقي شيئاً. قال أبو رافع: وكنت غلاما للعباس أنحت الأقداح في صفة زمزم، وعندي ام الفضل جالسة، وقد سرنا ما جاءنا من الخبر، فرفعت طنب الحجرة، فقلت: تلك والله الملائكة. قال : فرفع ابو لهب يده، فضرب وجهي ضربة منكرة، وثاورتة وكنت رجلاً ضعيفاً، فاحتملني، فضرب بي الأرض وبرك على صدري يضربني وتقدمت ام الفضل الى عمود من عمد الحجرة، فتأخذه وتقول : استضعفته أن غاب عنه سيده! وتضربه بالعمود على رأسه فتفلقه شجة منكرة. فقام يجر رجليه ذليلاً، ورماه الله بالعدسة، فمات واقام ثلاثة ايام لم يدفن حتى انتن ثم إن ولده غسلوه بالماء قذفاً من بعيد، مخافة عدوى العدسة وكانت قريش تتقيها كما يتقى الطاعون. ثم احتملوه إلى أعلى مكة، فأسندوه إلى جدار، ثم رضموا عليه الحجارة.
قال البخاري : حدثنا محمد بن سلام , حدثنا أبو معاوية , حدثنا الأعمش عن عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى البطحاء فصعد الجبل فنادى: يا صباحاه فاجتمعت إليه قريش فقال: أرأيتم إن حدثتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم أكنتم تصدقوني ؟ ـ قالوا: نعم, قال: ـ فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد فقال أبو لهب: ألهذا جمعتنا ؟ تباً لك فأنزل الله: "تبت يدا أبي لهب وتب" إلى آخرها وفي رواية فقام ينفض يديه وهو يقول: تباً لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا ؟ فأنزل الله: "تبت يدا أبي لهب وتب" الأول دعاء عليه والثاني خبر عنه " , فأبو لهب هذا هو أحد أعمام رسول الله صلى الله عليه وسلم, واسمه عبد العزى بن عبد المطلب, وكنيته أبو عتيبة وإنما سمي أبا لهب لإشراق وجهه, وكان كثير الأذية لرسول الله صلى الله عليه وسلم والبغضة له والازدراء به والتنقص له ولدينه.
قال الإمام أحمد : حدثنا إبراهيم بن أبي العباس , حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه قال: أخبرني رجل يقال له ربيعة بن عباد من بني الديل وكان جاهلياً فأسلم قال: " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في الجاهلية في سوق ذي المجاز وهو يقول: يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا والناس مجتمعون عليه ووراءه رجل وضيء الوجه أحول ذو غديرتين يقول: إنه صابىء كاذب, يتبعه حيث ذهب, فسألت عنه فقالوا هذا عمه أبو لهب " , ثم رواه عن سريج عن ابن أبي الزناد عن أبيه فذكره قال أبو الزناد قلت لربيعة كنت يومئذ صغيراً ؟ قال: لا والله إني يومئذ لأعقل أني أزفر القربة, تفرد به أحمد .
وقال محمد بن إسحاق : حدثني حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس قال: سمعت ربيعة بن عباد الديلي يقول: " إني لمع أبي رجل شاب أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبع القبائل ووراءه رجل أحول وضيء الوجه ذو جمة, يقف رسول الله صلى الله عليه وسلم. على القبيلة فيقول: يا بني فلان إني رسول الله إليكم آمركم أن تعبدوا الله لا تشركوا به شيئاً وأن تصدقوني وتمنعوني حتى أنفذ عن الله ما بعثني به وإذا فرغ من مقالته قال الاخر من خلفه: يا بني فلان هذا يريد منكم أن تسلخوا اللات والعزى, وحلفاءكم من الجن من بني مالك بن أقيش إلى ما جاء به من البدعة والضلالة, فلا تسمعوا له ولا تتبعوه, فقلت لأبي: من هذا ؟ قال: عمه أبو لهب " , رواه أحمد أيضاً و الطبراني بهذا اللفظ, فقوله تعالى: "تبت يدا أبي لهب" أي خسر وخاب وضل عمله وسعيه "وتب" أي وقد تب تحقق خسارته وهلاكه.
وقوله تعالى: "ما أغنى عنه ماله وما كسب" قال ابن عباس وغيره "وما كسب" يعني ولده, وروي عن عائشة ومجاهد وعطاء والحسن وابن سيرين مثله, وذكر عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دعا قومه إلى الإيمان, قال أبو لهب: إن كان ما يقول ابن أخي حقاً فإني أفتدي نفسي يوم القيامة من العذاب الأليم بمالي وولدي فأنزل الله تعالى "ما أغنى عنه ماله وما كسب" وقوله تعالى: "سيصلى ناراً ذات لهب" أي ذات لهب وشرر وإحراق شديد "وامرأته حمالة الحطب" وكانت زوجته من سادات نساء قريش وهي أم جميل, واسمها أروى بنت حرب بن أمية, وهي أخت أبي سفيان وكانت عوناً لزوجها على كفره وجحوده وعناده. فلهذا تكون يوم القيامة عوناً عليه في عذابه في نار جهنم, ولهذا قال تعالى: " حمالة الحطب * في جيدها حبل من مسد " يعني تحمل الحطب فتلقي على زوجها ليزداد على ما هو فيه, وهي مهيأة لذلك مستعدة له "في جيدها حبل من مسد" قال مجاهد وعروة : من مسد النار, وعن مجاهد وعكرمة والحسن وقتادة والثوري والسدي "حمالة الحطب" كانت تمشي بالنميمة واختاره ابن جرير .
وقال العوفي عن ابن عباس وعطية الجدلي والضحاك وابن زيد : كانت تضع الشوك في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال ابن جرير : كانت تعيرالنبي صلى الله عليه وسلم بالفقر, وكانت تحتطب فعيرت بذلك, كذا حكاه ولم يعزه إلى أحد, والصحيح الأول والله أعلم. قال سعيد بن المسيب : كانت لها قلادة فاخرة فقالت لأنفقنها في عداوة محمد يعني فأعقبها الله بها حبلاً في جيدها من مسد النار. وقال ابن جرير : حدثنا أبو كريب حدثنا وكيع عن سليم مولى الشعبي عن الشعبي قال: المسد الليف, وقال عروة بن الزبير : المسد سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً, وعن الثوري : هي قلادة من نار طولها سبعون ذراعاً, وقال الجوهري : المسد الليف, والمسد أيضاً حبل من ليف أو خوص وقد يكون من جلود الإبل أو أوبارها, ومسدت الحبل أمسده مسداً إذا أجدت فتله.
قال مجاهد "في جيدها حبل من مسد" أي طوق من حديد, ألا ترى أن العرب يسمون البكرة مسداً ؟ وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي وأبو زرعة قالا حدثنا عبد الله بن الزبير الحميدي , حدثنا سفيان حدثنا الوليد بن كثير عن أبي بدرس عن أسماء بنت أبي بكر قالت: لما نزلت "تبت يدا أبي لهب" أقبلت العوراء أم جميل بنت حرب, ولها ولولة وفي يدها فهر وهي تقول:
مذمماً أبينا ودينه قلينا وأمره عصينا
ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد, ومعه أبو بكر , فلما رآها أبو بكر قال: يا رسول الله لقد أقبلت وأنا أخاف عليك أن تراك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنها لن تراني وقرأ قرآناً اعتصم به " كما قال تعالى: " وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا " فأقبلت حتى وقفت على أبي بكر ولم تر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا أبا بكر إني أخبرت أن صاحبك هجاني, فقال: لا ورب هذا البيت ما هجاك, فولت وهي تقول: قد علمت قريش أني ابنة سيدها قال: وقال الوليد في حديثه أو غيره: فعثرت أم جميل في مرطها وهي تطوف بالبيت فقالت: تعس مذمم, فقالت أم حكيم بنت عبد المطلب: إني لحصان فما أكلم, وثقاف فما أعلم, وكلتانا من بني العم, وقريش بعد أعلم.
وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا إبراهيم بن سعيد وأحمد بن إسحاق قالا: حدثنا أبو أحمد , حدثنا عبد السلام بن حرب , عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما نزلت "تبت يدا أبي لهب" جاءت امرأة أبي لهب ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس ومعه أبو بكر , فقال له أبو بكر : لو تنحيت لا تؤذيك بشيء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه سيحال بيني وبينها " فأقبلت حتى وقفت على أبي بكر فقالت: يا أبا بكر هجانا صاحبك, فقال أبو بكر , لا ورب هذه البنية ما ينطق بالشعر ولا يتفوه به, فقالت: إنك لمصدق, فلما ولت قال أبو بكر : ما رأتك ؟ قال: "لا , ما زال ملك يسترني حتى ولت" ثم قال البزار : لا نعلمه يروى بأحسن من هذا الإسناد عن أبي بكر رضي الله عنه. وقد قال بعض أهل العلم في قوله تعالى: "في جيدها حبل من مسد" أي في عنقها حبل من نار جهنم ترفع به إلى شفيرها ثم ترمى إلى أسفلها, ثم كذلك دائماً, قال أبو الخطاب بن دحية في كتاب التنوير, وقد روى ذلك وعبر بالمسد عن حبل الدلو, كما قال أبو حنيفة الدينوري في كتاب النبات: كل مسد رشاء, وأنشد في ذلك:
وبكرة ومحوراً صراراً ومسداً من أبق مغاراً
قال: والأبق القنب. وقال الاخر:
يامسد الخوص تعوذ مني إن تك لدناً ليناً فإني
ماشئت من أشمط مقسئن
قال العلماء: وفي هذه السورة معجزة ظاهرة ودليل واضح على النبوة, فإنه منذ نزل قوله تعالى: " سيصلى نارا ذات لهب * وامرأته حمالة الحطب * في جيدها حبل من مسد " فأخبر عنهما بالشقاء وعدم الإيمان لم يقيض لهما أن يؤمنا ولا واحد منهما لا باطناً ولا ظاهراً, لا مسراً ولا معلناً, فكان هذا من أقوى الأدلة الباهرة الباطنة على النبوة الظاهرة, آخر تفسير السورة, ولله الحمد والمنة.
5- "في جيدها حبل من مسد" الجملة في محل نصب على الحال من امرأته، والجيد العنق، والمسد الليف الذي تفتل منه الحبال، ومنه قول النابغة:
مقذوفة بدحيض النحض نازلها له صريف صريف القعواء بالمسد
وقول الآخر:
يا مســـد الخــــوص تعـــوذ مــني إن كــنت لدنــاً لينــاً فإنــي
وقال أبو عبيدة: المسد هو الحبل يكون من صوف. وقال الحسن: هي حبال تكون من شجر ينبت باليمن تسمى بالمسد. وقد تكون الحبال من جلود الإبل أو من أوبارها. قال الضحاك: وغيره: هذا في الدنيا، كانت تعير النبي صلى الله عليه وسلم بالفقير وهي تحتطب في حبل تجعله في عنقها فخنفها الله به فأهلكها، وهو في الآخر حبل من نار. وقال مجاهد وعروة بن الزبير: هو سلسلة من نار تدخل في فيها وتخرج من أسفلها. وقال قتادة: هو قلادة من ودع كانت لها. قال الحسن: إنما كان خرزاً في عنقها. وقال سعيد بن المسيب: كانت لها قلادة فاخرة من جوهر، فقالت: واللات والعزى لأنفقتها في عداوة محمد، فيكون ذلك عذاباً في جسدها يوم القيامة. والمسد الفتل يقال: مسد حبله يمسده مسداً: أجاد فتله اهـ.
وقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عباس قال: "لما نزلت "وأنذر عشيرتك الأقربين" خرج النبي صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا فهتف يا صباحاه فاجتمعوا إليه، فقال: أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدقي؟ قالوا: ما جربنا عليك كذباً، قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد، فقال أبو لهب: تباً لك إنما جمعتنا لهذا؟ ثم قام فنزلت هذه السورة "تبت يدا أبي لهب وتب"". وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: "تبت يدا أبي لهب" قال: خسرت. وأخرج ابن أبي حاتم عن عائشة قالت: إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإن ابنه من كسبه، ثم قرأت "ما أغنى عنه ماله وما كسب" قالت: وما كسب ولده. وأخرج عبد الرزاق والحاكم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: "وما كسب" قال: كسبه ولده. وأخرج ابن جرير والبيهقي في الدلائل وابن عساكر عن ابن عباس في قوله: "وامرأته حمالة الحطب" قال: كانت تحمل الشوك فتطرحه على طريق النبي صلى الله عليه وسلم ليعقره وأصحابه، وقال: "حمالة الحطب" نقالة الحديث "حبل من مسد" قال: هي حبال تكون بمكة. ويقال: المسد العصا التي تكون في البكرة. ويقال: المسد قلادة من ودع. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو زرعة عن أسماء بنت أبي بكر قالت "لما نزلت "تبت يدا أبي لهب" أقبلت العوراء أم جميل بنت حرب ولها ولولة، وفي يدها فهر، وهي تقول:
مذمماً أبينا ودينه قلينا وأمره عصينا
ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد ومعه أبو بكر، فلما رآها أبو بكر قال يا رسول الله قد أقبلت وأنا أخاف أن تراك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنها لن تراني وقرأ قرآناً اعتصم به كما قال تعالى: "وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستوراً" فأقبلت حتى وقفت على أبي بكر ولم تر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا أبا بكر إني أخبرت أن صاحبك هجاني، قال: لا ورب البيت ما هجاك، فولت وهي تقول: قد علمت قريش أني ابنة سيدها" وأخرجه البزار بمعناه، وقال: لا نعلمه يروى بأحسن من هذا الإسناد.
5- "في جيدها"، في عنقها، وجمعه أجياد، "حبل من مسد"، واختلفوا فيه، قال ابن عباس، وعروة بن الزبير: سلسلة من حديد ذرعها سبعون ذراعاً، تدخل في فيها وتخرج من دبرها، ويكون سائرها في عنقها، وأصله من المسد وهو الفتل، و المسد ما فتل وأحكم من أي شيء كان، يعني: السلسلة التي في عنقها فقتلت من الحديد فتلاً محكماً.
وروى الأعمش عن مجاهد: من مسد أي من حديد، والمسد: الحديدة التي تكون في البكرة، يقال لها المحور.
وقال الشعبي ومقاتل: من ليف. قال الضحاك وغيره: في الدنيا من ليف، وفي الآخرة من نار. وذلك الليف هو الحبل الذي كانت تحتطب به، فبينما هي ذات يوم حاملة حزمة فأعيت فقعدت على حجر تستريح فأتاها ملك فجذبها من خلفها فأهلكها.
قال ابن زيد: حبل من شجر ينبت باليمن يقال له مسد.
قال قتادة: قلادة من ودع. وقال الحسن: كانت خرزات في عنقها فاخرة وقال سعيد بن المسيب: كانت لها قلادة في عنقها فاخرة، فقالت: لأنفقنها في عداوة محمد صلى الله عليه وسلم.
5-" في جيدها حبل من مسد " أي مما مسد أي فتل ، ومنه رجل ممسود الخلق أي مجدوله ، وهو ترشيح للمجاز أو تصوير لها بصورة الخطابة التي تحمل الحزمة وتربطها في جيدها تحقيراً لشأنها ، أو بياناً لحالها في نار جهنم حيث يكون على ظهرها حزمة من حطب جهنم كالزقوم ، والضريع وفي جيدها سلسلة من النار ، والظرف في موضع الحال أو الخبر وحبل مرتفع به .
عن النبي صلى الله عليه وسلم " من قرأ سورة تبت رجوت أن لا يجمع الله بينه وبين أبي لهب في دار واحدة " .
5. Will have upon her neck a halter of palm fibre.
5 - A twisted rope of palm leaf fibre round her (own) neck!