48 - (وإذا دعوا إلى الله ورسوله) المبلغ عنهم (ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون) عن المجيء إليه
قوله تعالى وإذا دعوا الآية أخرج ابن أبي حاتم من مرسل الحسن قال كان الرجل إذا كان بينه وبين الرجل منازعة فدعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو محق أذعن وعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم سيقضي له بالحق وإذا أراد أن يظلم فدعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم أعرض فقال انطلق إلى فلان فأنزل الله وإذا دعوا إلى الله ورسوله الآية
وقوله " وإذا دعوا إلى الله ورسوله " يقول : وإذا دعي هؤلاء المنافقون إلى كتاب الله و إلى رسوله " ليحكم بينهم " فيما اختصموا فيه بحكم الله " إذا فريق منهم معرضون " عن قبول الحق ، والرضا بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فيه أربع مسائل:
الأولى: قوله تعالى: " وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم " قال الطبري وغيره: إن رجلاً من المنافقين اسمه بشر كانت بينه وبين رجل من اليهود خصومة في أض، فدعاه اليهودي إلى التحاكم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان المنافق مبطلاً، فأبى من ذلك وقال: إن محمداً يحيف علينا، فلنحكم كعب بن الأشرف، فنزلت الآية فيه. وقيل: نزلت في المغيرة بن وائل من بني أمية، كان بينه وبين علي بن أبي طالب رضي الله عنه خصومة في ماء وأرض فامتنع المغيرة أن يحاكم علياً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: إنه يبغضني، فنزلت الآية، ذكره الماوردي . وقال: " ليحكم " ولم يقل ليحكما لأن المعنى به الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما بدأ بذكر الله إعظاماً لله واستفتاح كلام.
يخبر تعالى عن صفات المنافقين الذين يظهرون خلاف ما يبطنون, يقولون قولاً بألسنتهم "آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك" أي يخالفون أقوالهم بأعمالهم فيقولون ما لا يفعلون, ولهذا قال تعالى: "وما أولئك بالمؤمنين". وقوله تعال: "وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم" الاية, أي إذا طلبوا إلى اتباع الهدى فيما أنزل الله على رسوله أعرضوا عنه واستكبروا في أنفسهم عن اتباعه, وهذه كقوله تعالى: " ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا * وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا ". وفي الطبراني من حديث روح بن عطاء عن أبي ميمونة عن أبيه عن الحسن عن سمرة مرفوعاً "من دعي إلى سلطان فلم يجب, فهو ظالم لا حق له".
وقوله تعالى: "وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين" أي وإذا كانت الحكومة لهم لا عليهم جاؤوا سامعين مطيعين, وهو معنى قوله "مذعنين" وإذا كانت الحكومة عليه أعرض ودعا إلى غير الحق, وأحب أن يتحاكم إلى غير النبي صلى الله عليه وسلم ليروج باطله ثم فإذعانه أولاً لم يكن عن اعتقاد منه أن ذلك هو الحق, بل لأنه موافق لهواه, ولهذا لما خالف الحق قصده عدل عنه إلى غيره, ولهذا قال تعالى: "أفي قلوبهم مرض" الاية, يعني لا يخرج أمرهم عن أن يكون في القلوب مرض لازم لها أو قد عرض لها شك في الدين, أو يخافون أن يجور الله ورسوله عليهم في الحكم, وأيا ما كان فهو كفر محض, والله عليم بكل منهم وما هو منطو عليه من هذه الصفات.
وقوله تعالى: "بل أولئك هم الظالمون" أي بل هم الظالمون الفاجرون, والله ورسوله مبرآن مما يظنون ويتوهمون من الحيف والجور تعالى الله ورسوله عن ذلك. قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا موسى بن إسماعيل , حدثنا مبارك , حدثنا الحسن قال: كان الرجل إذا كان بينه وبين الرجل منازعة فدعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو محق, أذعن وعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم سيقضي له بالحق, وإذا أراد أن يظلم فدعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم أعرض وقال: انطلق إلى فلان, فأنزل الله هذه الاية فقال النبي صلى الله عليه وسلم "من كان بينه وبين أخيه شيء فدعي إلى حكم من أحكام المسلمين فأبى أن يجيب, فهو ظالم لا حق له" وهذا حديث غريب, وهو مرسل.
ثم أخبر تعالى عن صفة المؤمنين المستجيبين لله ولرسوله الذين لا يبغون ديناً سوى كتاب الله وسنة رسوله, فقال "إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا" أي سمعاً وطاعة.ولهذا وصفهم تعالى بالفلاح, وهو نيل المطلوب والسلامة من المرهوب, فقال تعالى: "وأولئك هم المفلحون" وقال قتادة في هذه الاية "أن يقولوا سمعنا وأطعنا" ذكر لنا أن عبادة بن الصامت , وكان عقبياً بدرياً أحد نقباء الأنصار, أنه لما حضره الموت قال لابن أخيه جنادة بن أبي أمية : ألا أنبئك بماذا عليك وماذا لك ؟ قال: بلى. قال: فإن عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثرة عليك, وعليك أن تقيم لسانك بالعدل, وأن لا تنازع الأمر أهله إلا أن يأمروك بمعصية الله بواحاً, فما أمرت به من شيء يخالف كتاب الله, فاتبع كتاب الله.
وقال قتادة : ذكر لنا أن أبا الدرداء قال: لا إسلام إلا بطاعة الله, ولا خير إلا في جماعة, والنصيحة لله ولرسوله وللخليفة وللمؤمنين عامة, قال: وقد ذكر لنا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يقول: عروة الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله, وإقام الصلاة, وإيتاء الزكاة, والطاعة لمن ولاه الله أمر المسلمين, رواه ابن أبي حاتم , والأحاديث والاثار في وجوب الطاعة لكتاب الله وسنة رسوله وللخلفاء الراشدين والأئمة إذا أمروا بطاعة الله كثير جداً أكثر من أن تحصر في هذا المكان.
وقوله "ومن يطع الله ورسوله" أي فيما أمراه به, وترك ما نهياه عنه, ويخش الله فيما مضى من ذنوبه ويتقه فيما يستقبل. وقوله "فأولئك هم الفائزون" يعني الذين فازوا بكل خير وأمنوا من كل شر في الدنيا والاخرة.
ثم وصف هؤلاء المنافقين بأن فريق منهم يعرضون عن إجابة الدعوة إلى الله وإلى رسوله في خصوماتهم، فقال:48- "وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم" أي ليحكم الرسول بينهم، فالضمير راجع إليه لأنه المباشر للحكم وإن كان الحكم في الحقيقة لله سبحانه، ومثل ذلك قوله تعالى: "والله ورسوله أحق أن يرضوه" و "إذا" في قوله "إذا فريق منهم معرضون" هي الفجائية: أي فاجأ فريق منهم الإعراض عن المحاكمة إلى الله والرسول، ثم ذكر سبحانه أن إعراضهم إنما هو إذا كان الحق عليهم.
وقال: 48- "وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم"، الرسول بحكم الله، "إذا فريق منهم معرضون"، أي عن الحكم. وقيل عن الإجابة.
48 -" وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم " أي ليحكم النبي صلى الله عليه وسلم في الحقيقة حكم الله تعالى " إذا فريق منهم معرضون " فاجأ فريق منهم الإعراض إذا كان الحق عليهم لعلمهم بأنك لا تحكم لهم ، وهو شرح للتولي ومبالغة فيه .
48. And when they appeal unto Allah and His messenger to judge between them, lo! a faction of them are averse;
48 - When they are summoned to God and His Apostle, in order that he may judge between them, behold, some of them decline (to come).