- (قل اللهم) بمعنى يا الله (فاطر السماوات والأرض) مبدعها (عالم الغيب والشهادة) ما غاب وما شوهد (أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون) من أمر الدين اهدني لما اختلفوا فيه من الحق
يقول تعالى ذكره لنبية محمد صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد ، الله خالق السماوات والأرض " عالم الغيب والشهادة " الذي لا تراه الأبصار ولا تحسه العيون ، والشهادة الذي تشهده أبصار خلقه ، وتراه أعينهم " أنت تحكم بين عبادك " فتفصل بينهم بالحق يوم تجمعهم لفصل القضاء بينهم " فيما كانوا فيه " في الدنيا " يختلفون " من القول فيك ، وفي عظمتك وسلطانك وغير ذلك من اختلافهم بينهم ، فتقضي يومئذ بيننا وبين هؤلاء المشركين الذين إذا ذكرت وحدك اشمأزت قلوبهم ، وإذا ذكر من دونك استبشروا بالحق .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد ، قال : ثنا احمد ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي في قوله : " فاطر السماوات والأرض " فاطر : قال خالق . وفي قوله : " عالم الغيب " قال : ما غاب عن العباد فهو يعلمه ، " والشهادة " : ما عرف العباد وشهدوا ، فهو يعلمه .
قوله تعالى : " قل اللهم فاطر السماوات والأرض " نصب لأنه نداء مضاف وكذا " عالم الغيب " ولا يجوز عند سيبويه أن يكون نعتاً . " أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون " وفي صحيح مسلم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال : سألت عائشة رضي الله عنها بأي شيء كان النبي صلى الله عليه وسلم يستفتح صلاته إذا قالم من الليل ؟ قالت : كان إذا قام من الليل وافتتح صلاته ( اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل " فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون " اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم ) ولما بلغ الربيع بن خيثم قتل الحسين بن علي رضي الله عنهم قرأ : " قل اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون " . وقال سعيد بن جبير : إني لأعرف آية ما قرأها أحد قط فسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه ، قوله تعالى: " قل اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون " .
يقول تبارك وتعالى بعد ما ذكر عن المشركين ما ذكر من المذمة لهم في حبهم الشرك ونفرتهم عن التوحيد "قل اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة" أي ادع أنت الله وحده لا شريك له الذي خلق السموات والأرض وفطرها أي جعلها على غير مثال سبق "عالم الغيب والشهادة" أي السر والعلانية " أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون " أي في دنياهم ستفصل بينهم يوم معادهم ونشورهم وقيامهم من قبورهم. قال مسلم في صحيحه: حدثنا عبد بن حميد حدثنا عمر بن يونس حدثنا عكرمة بن عمار حدثنا يحيى بن أبي كثير حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن قال: سألت عائشة رضي الله عنها بأي شيء كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح صلاته إذا قام من الليل ؟ قالت رضي الله عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل افتتح صلاته "اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم". وقال الإمام أحمد: حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة أخبرنا سهيل عن أبي صالح وعبد الله بن عثمان بن خثيم عن عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قال اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة إني أعهد إليك في هذه الدنيا أني أشهد أن لا إله إلا لله أنت وحدك لا شريك لك وأن محمداً عبدك ورسولك فإنك إن تكلني إلى نفسي تقربني من الشر وتباعدني من الخير, وإني لا أثق إلا برحمتك فاجعل لي عندك عهداً توفينيه يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد, إلا قال عز وجل لملائكته يوم القيامة: إن عبدي قد عهد إلي عهداً فأوفوه إياه فيدخله الله الجنة" قال سهيل: فأخبرت القاسم بن عبد الرحمن أن عوناً أخبر بكذا وكذا فقال: ما فينا جارية إلا وهي تقول هذا في خدرها انفرد به الإمام أحمد, وقال الإمام أحمد حدثنا حسن حدثنا ابن لهيعة حدثني حيي بن عبد الله أن أبا عبد الرحمن حدثه قال أخرج لنا عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قرطاساً وقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا نقول: اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت رب كل شيء وإله كل شيء أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك وأن محمداً عبدك ورسولك والملائكة يشهدون, أعوذ بك من الشيطان وشركه, وأعوذ بك من أن أقترف على نفسي إثماً أو أجره إلى مسلم. قال أبو عبد الرحمن رضي الله عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمه عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن يقول ذلك حين يريد أن ينام, تفرد به أحمد أيضاً.
وقال الإمام أحمد أيضاً: حدثنا خلف بن الوليد حدثنا ابن عياش عن محمد بن زياد الألهاني عن أبي راشد الحبراني قال: أتيت عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فقلت له حدثنا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم فألقى بين يدي صحيفة فقال:هذا ما كتب لي رسول الله فنظرت فيها فإذا فيها أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال: يا رسول الله علمني ما أقول إذا أصبحت وإذا أمسيت فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا بكر قل اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة لا إله إلا أنت رب كل شيء ومليكه أعوذ بك من شر نفسي وشر الشيطان وشركه أو أقترف على نفسي سوءاً أو أجره إلى مسلم" ورواه الترمذي عن الحسن بن عرفة عن إسماعيل بن عياش به وقال حسن غريب من هذا الوجه. وقال الإمام أحمد: حدثنا هاشم حدثنا شيبان عن ليث عن مجاهد قال: قال أبو بكر الصديق: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقول إذا أصبحت وإذا أمسيت وإذا أخذت مضجعي من الليل: اللهم فاطر السموات والأرض إلخ. وقوله عز وجل: "ولو أن للذين ظلموا" وهم المشركون "ما في الأرض جميعاً ومثله معه" أي ولو أن جميع ما في الأرض وضعفه معه "لافتدوا به من سوء العذاب" أي الذي أوجبه الله تعالى لهم يوم القيامة ومع هذا لا يقبل منهم الفداء ولو كان ملء الأرض ذهباً كما قال في الاية الأخرى: "وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون" أي وظهر لهم من الله من العذاب والنكال بهم ما لم يكن في بالهم ولا في حسابهم "وبدا لهم سيئات ما كسبوا" أي وظهر لهم جزاء ما اكتسبوا في الدار الدنيا من المحارم والمآثم "وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون" أي وأحاط بهم من العذاب والنكال ما كانوا يستهزئون به في الدار الدنيا.
ولما لم يقبل المتمردون من الكفار ما جاءهم به صلى الله عليه وسلم من الدعاء إلى الخير وصمموا على كفرهم، أمره الله سبحانه أن يرد الأمر فقال: 46- " قل اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون " وقد تقدم تفسير فاطر السموات، وتفسير عالم الغيب والشهادة، وهما منصوبان على النداء ومعنى "تحكم بين عبادك" تجازي المحسن بإحسانه وتعاقب المسيء بإساءته، فإنه بذلك يظهر من هو المحق ومن هو المبطل، ويرتفع عنده خلاف المختلفين وتخاصم المتخاصمين.
46. " قل اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون "، أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي ، أخبرنا أبو نعيم الإسفرايني ، أخبرنا أبو عوانة ، حدثنا السلمي ، حدثنا النضر بن محمد ، حدثنا عكرمة بن عمار، أخبرنا يحيى بن أبي كثير ، حدثنا أبو سلمة قال: سألت عائشة رضي الله عنها بم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح الصلاة من الليل؟ قالت: كان يقول: " اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض عالم الغيب أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم ".
46-" قل اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة " التجئ إلى الله بالدعاء لما تحيرت في أمرهم وضجرت من عنادهم وشدة شكيمتهم ، فإنه القادر على الأشياء والعالم بالأحوال كلها ." أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون " فأنت وحدك تقدر أن تحكم بيني وبينهم .
46. Say: O Allah! Creator of the heavens and the earth! Knower of the invisible and the visible! Thou wilt judge between Thy slaves concerning that wherein they used to differ.
46 - Say: O God. Creator of the heavens and the earth. Knower of all that is hidden and open. it is Thou that wilt judge between Thy Servants in those matters about which they have differed.