45 - (يطاف عليهم) على كل منهم (بكأس) هو الإناء بشرابه (من معين) من خمر يجري على وجه الأرض كأنهار الماء
وقوله "يطاف عليهم بكأس من معين" يقول تعالى ذكره : يطوف الخدم عليهم بكأس من خمر جارية ظاهرة لأعينهم غير غائرة.
كما حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة "يطاف عليهم بكأس من معين" قال : كأس من خمر جارية، والمعين : هي الجارية.
حدثنا محمد بن بشار، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا سفيان ، عن سلمة بن نبيط ، عن الضحاك بن مزاحم ، في قوله "بكأس من معين" قال : كل كأس في القرآن فهو خمر.
حدثنا ابن بشار، قال : ثنا عبد الله بن داود، عن سلمة بن نبيط ، عن الضحاك بن مزاحم ، قال : كل كأس في القرآن فهو خمر.
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد، قال : ثنا أسباط ، عن السدي ، في قوله "بكأس من معين" قال : الخمر. والكأس عند العرب : كل إناء فيه شراب ، فإن لم يكن فيه شراب لم يكن كأساً ولكنه يكون إناء.
قوله تعالى : " يطاف عليهم بكأس من معين " لما ذكر مطاعمهم ذكر شرابهم . والكأس عند أهل اللغة أسم شامل لكل إناء مع شرابه ، فإن كان فارغاً فليس بكأس . قال الضحاك و السدي : كل كأس في القرآن فهي الخمر ، والعرب تقول للإناء إذا كان فيه خمر كأس ، فإذا لم يكن فيه خمر قالوا إناء وقدح . النحاس : وحكى من يوثق به من أهل اللغة أن العرب تقول للقدح إذا كان فيه خمر : كأس فإذا لم يكن عليه طعام لم تقل له مائدة . قال أبو الحسن بن كيسان : ومنه ظعينة للهودج إذا كان فيه المرأة . وقال الزجاج : < بكأس من معين > أي من خمر تجري كما تجري العيون على وجه الأرض . والمعين : الماء الجاري الظاهر .
يقول تعالى مخاطباً للناس: " إنكم لذائقوا العذاب الأليم * وما تجزون إلا ما كنتم تعملون " ثم استثنى من ذلك عباده المخلصين كما قال تعالى: " والعصر * إن الإنسان لفي خسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات " وقال عز وجل: "لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم * ثم رددناه أسفل سافلين * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات" وقال تعالى: "وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتماً مقضياً * ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثياً" وقال تعالى: " كل نفس بما كسبت رهينة * إلا أصحاب اليمين " ولهذا قال جل وعلا ههنا "إلا عباد الله المخلصين" أي ليسوا يذوقون العذاب الأليم ولا يناقشون في الحساب بل يتجاوز عن سيئاتهم إن كان لهم سيئات ويجزون الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة إلى ما شاء الله تعالى من التضعيف. وقوله جل وعلا: "أولئك لهم رزق معلوم" قال قتادة والسدي يعني الجنة ثم فسره بقوله تعالى: "فواكه" أي متنوعة "وهم مكرمون" أي يخدمون ويرفهون وينعمون "في جنات النعيم * على سرر متقابلين" قال مجاهد لا ينظر بعضهم إلى قفا بعض. وقال ابن أبي حاتم حدثنا يحيى بن عبدك القزويني حدثنا حسان بن حسان حدثنا إبراهيم بن بشر حدثنا يحيى بن معين حدثنا إبراهيم القرشي عن سعيد بن شرحبيل عن زيد بن أبي أوفى رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلا هذه الاية "على سرر متقابلين" ينظر بعضهم إلى بعض حديث غريب. وقوله تعالى: "يطاف عليهم بكأس من معين * بيضاء لذة للشاربين * لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون" كما قال عز وجل في الاية الأخرى " يطوف عليهم ولدان مخلدون * بأكواب وأباريق وكأس من معين * لا يصدعون عنها ولا ينزفون " نزه الله سبحانه وتعالى خمر الجنة عن الافات التي في خمر الدنيا من صداع الرأس ووجع البطن وهو الغول وذهابها بالعقل جملة فقال تعالى ههنا: "يطاف عليهم بكأس من معين" أي بخمر من أنهار جارية لا يخافون انقطاعها ولا فراغها قال مالك عن زيد بن أسلم: خمر جارية بيضاء أي لونها مشرق حسن بهي لا كخمر الدنيا في منظرها البشع الرديء من حمرة أو سواد أو اصفرار أو كدورة إلى غير ذلك مما ينفر الطبع السليم. وقوله عز وجل: "لذة للشاربين" أي طعمها طيب كلونها وطيب الطعم دليل على طيب الريح بخلاف خمر الدنيا في جميع ذلك وقوله تعالى: "لا فيها غول" يعني لا تؤثر فيها غولاً وهو وجع البطن قاله ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وقتادة وابن زيد كما تفعله خمر الدنيا من القولنج ونحوه لكثرة مائيتها, وقيل المراد بالغول ههنا صداع الرأس وروي هكذا عن ابن عباس رضي الله عنهما وقال قتادة هو صداع الرأس ووجع البطن وعنه وعن السدي لا تغتال عقولهم كما قال الشاعر:
فما زالت الكأس تغتالنا وتذهب بالأول الأول
وقال سعيد بن جبير لا مكروه فيها ولا أذى, والصحيح قول مجاهد أنه وجع البطن, وقوله تعالى: "ولا هم عنها ينزفون" قال مجاهد لا تذهب عقولهم وكذا قال ابن عباس ومحمد بن كعب والحسن وعطاء بن أبي مسلم الخراساني والسدي وغيرهم وقال الضحاك عن ابن عباس في الخمر أربع خصال السكر والصداع والقيء والبول فذكر الله خمر الجنة فنزهها عن هذه الخصال كما ذكر في سورة الصافات وقوله تعالى: "وعندهم قاصرات الطرف" أي عفيفات لا ينظرن إلى غير أزواجهن كذا قال ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وزيد بن أسلم وقتادة والسدي وغيرهم. وقوله تبارك وتعالى: "عين" أي حسان الأعين وقيل ضخام الأعين وهو يرجع إلى الأول وهي النجلاء العيناء فوصف عيونهن بالحسن والعفة كقول زليخا في يوسف عليه الصلاة والسلام حين جملته وأخرجته على تلك النسوة فأعظمنه وأكبرنه وظنن أنه ملك من الملائكة لحسنه وبهاء منظره قالت: "فذلكن الذي لمتنني فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم" أي هو مع هذا الجمال عفيف تقي نقي وهكذا الحور العين "خيرات حسان". ولهذا قال عز وجل: "وعندهم قاصرات الطرف عين" وقوله جل جلاله: "كأنهن بيض مكنون" وصفهن بترافة الأبدان بأحسن الألوان قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما "كأنهن بيض مكنون" يقول اللؤلؤ المكنون وينشد ههنا بيت أبي دهبل الشاعر وهو قوله في قصيدة له:
هي زهراء مثل لؤلؤة الغوا ص ميزت من جوهر مكنون
وقال الحسن: "كأنهن بيض مكنون" يعني محصون لم تمسه الأيدي, وقال السدي: البيض في عشه مكنون وقال سعيد بن جبير "كأنهن بيض مكنون" يعني بطن البيض وقال عطاء الخراساني هو السحاء الذي يكون بين قشرته العليا ولباب البيضة, وقال السدي "كأنهن بيض مكنون" يقول بياض البيض حين نزع قشرته واختاره ابن جرير لقوله مكنون قال والقشرة العليا يمسها جناح الطير والعش وتنالها الأيدي بخلاف داخلها والله أعلم. وقال ابن جرير حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب حدثنا محمد بن الفرج الصدفي الدمياطي عن عمرو بن هاشم عن ابن أبي كريمة عن هشام عن الحسن عن أمه عن أم سلمة رضي الله عنها قالت قلت يا رسول الله أخبرني عن قول الله عز وجل: "حور عين" قال: "العين الضخام العيون شفر الحوراء بمنزلة جناح النسر" قلت يا رسول الله أخبرني عن قول الله عز وجل "كأنهن بيض مكنون" قال: رقتهن "كرقة الجلدة التي رأسها في داخل البيضة التي تلي القشر وهي الغرقىء". وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا أبو غسان النهدي حدثنا عبد السلام بن حرب عن ليث عن الربيع بن أنس عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا أول الناس خروجاً إذا بعثوا, وأنا خطيبهم إذا وفدوا, وأنا مبشرهم إذا حزنوا, وأنا شفيعهم إذا حبسوا, لواء الحمد يومئذ بيدي, وأنا أكرم ولد آدم على الله عز وجل ولا فخر, يطوف علي ألف خادم كأنهن البيض المكنون ـ أو اللؤلؤ المكنون ـ", والله تعالى أعلم بالصواب.
ثم ذكر سبحانه صفة أخرى لهم فقال: 45- "يطاف عليهم بكأس من معين" ويجوز أن تكون هذه الجملة مستأنفة جواباً عن سؤال مقدر، ويجوز أن تكون في محل نصب على الحال من ضمير متقابلين، والكأس عند أهل اللغة اسم شامل لكل إناء فيه الشراب، فإن كان فارغاً فليس بكأس. وقال الضحاك والسدي: كل كأس في القرآن فهي الخمر. قال النحاس: وحكى من يوثق به من أهل اللغة أن العرب تقول لقدح إذا كان فيه خمر كأس، فإذا لم يكن فيه خمر فهو قدح كما يقال للخوان إذا كان عليه طعام مائدة، فإذا لم يكن عليه طعام لم يقل له مائدة فإذا لم يكن عليه طعام لم يقل له مائدة، ومن معين متعلق بمحذوف هو صفة لكأس. قال الزجاج: بكأس من معين: أي من خمر تجري كما تجري العيون على وجه الأرض، والمعين الماء الجاري.
45. " يطاف عليهم بكأس "، إناء فيه شراب ولا يكون كأساً حتى يكون فيه شراب، وإلا فهو إناء، " من معين "، خمر جارية في الأنهار ظاهرة تراها العيون.
45-" يطاف عليهم بكأس " بإناء فيه خمر أو خمر كقوله :
وكأس شربت على لذة
" من معين " من شراب معين أو نهو معين أي ظاهر للعيون ، أو خارج من العيون وهو صفة للماء من عان الماء إذا نبع . وصف به خمر الجنة لأنها تجري كالماء ، أو للإشعار بأن ما يكون لهم بمنزلة الشراب جامع لما يطلب من أنواع الأشربة لكمال اللذة ، وكذلك قوله :
45. A cup from a gushing spring is brought round for them,
45 - Round will be passed to them a Cup from a clear flowing fountain,