45 - (فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف) بحذف إحدى التاءين في الأصل تبتلع (ما يأفكون) يقلبونه بتمويههم فيخيلون حبالهم وعصيهم أنها حيات تسعى
يقول تعالى ذكره : " فألقى موسى عصاه " حين ألقت السحرة حبالهم و عصيهم " فإذا هي تلقف ما يأفكون " يقول : فإذا عصا موسى تزدرد ما يأتون به من الفرية و السحر الذي لا حقيقة له ، و إنما هو مخابيل و خدعة " فألقي السحرة ساجدين " يقول : فلما تبين السحرة أن الذي جاءهم به موسى حق لا سحر ، وأنه مما لا يقدر عليه غير الله الذي فطر السماوات و الأرض من غير أصل ، خروا لوجوههم سجدا لله ، مذعنين له بالطاعة ، مقرين لموسى بالذي أتاهم به من عند الله أنه هو الحق ، و أن ما كانوا يعملونه من السحر باطل ، قائلين " آمنا برب العالمين " الذي دعانا موسى إلى عبادته دون فرعون وملئه " رب موسى وهارون * قال آمنتم له قبل أن آذن لكم " يقول حل ثناؤه : قال فرعون للذين كانوا سحرته فآمنوا : آمنتم لموسى بأن ما جاء به حق قبل أن آذن لكم في الإيمان به " إنه لكبيركم الذي علمكم السحر " يقول : إن موسى لرئيسكم في السحر ، وهو الذي علمكموه ، ولذلك آمنتم به ، " فلسوف تعلمون " عند عقابي إياكم وبال ما فعلتم ، و خطأ ما صنعتم من الإيمان به .
يقول " لأقطعن أيديكم وأرجلكم " مخالفا في قطع ذلك منكم بين قطع الأيدي والأرجل ، وذلك أن أقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى ، ثم اليد اليسرى والرجل اليمنى ، ونحو ذلك من قطع اليد من جانب ، ثم الرجل من الجانب الآخر ، وذلك هو القطع من خلاف " ولأصلبنكم أجمعين " فوكد ذلك بأجمعين إعلاما منه أنه غير مستبق منهم أحدا . " قالوا لا ضير " يقول تعالى ذكره : قالت السحرة لا ضير علينا وهو مصدر من قول القائل : قد ضار فلانا فهو يضير ضيرا ، ومعناه : لا ضرر .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل :
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " لا ضير " قال : يقول : لا يضرنا الذي تقول ، وإن صنعته بنا وصلبتنا " إنا إلى ربنا منقلبون " يقول : إنا إلى ربنا راجعون ، وهو مجازينا من قول القائل : قد ضار فلانا فهو يضير ضيرا ، ومعناه : لا ضرر .
قوله تعالى : " فألقى موسى عصاه " من يده فكان ما أخبر الله من قصته . وقد تقدم بيان ذلك وشرحه9 في ( الأعراف ) إلى آخر القصة . وقال السحرة لما توعدهم فرعون بقطع الأيدي والأرجل " لا ضير " أي لا ضرر علينا فيما يلحقنا من عذاب الدنيا ، أي إنما عذابك ساعة فنصير لها وقد لقينا الله مؤمنين . وهذا يدل على شدة استبصارهم وقوة إيمانهم . قال مالك : دعا موسى عليه السلام فرعون أربعين سنة إلى الإسلام ، وأن السحرة آ منوا به في يوم واحد . يقال : لا ضير ولا ضور ولا ضر ولا ضرر ولا ضارورة بمعنى واحد ، قاله الهروي . وأنشد أبو عبيدة :
فإنك لا يضورك بعد حول أظبي كان أمك أم حمار
وقال الجوهري : ضارة يضوره ويضيره ضيراً وضوراً أي ضره . قال الكسائي : سمعت بعضهم يقول لا ينفعني ذلك ولا يضورني . والتضور الصياح والتلوي عند الضرب أو الجوع . والضورة بالضم الرجل الحقير الصغير الشأن . " إنا إلى ربنا منقلبون " يريد نتقلب إلى رب كريم رحيم " إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا أن كنا أول المؤمنين " " أن " في موضع نصب أي لأن كنا . وأجاز الفراء كسرها على أن تكون مجازاة . ومعنى : " أول المؤمنين " أي عند ظهور الآية ممن كان في جانب فرعون . الفراء : أول مؤمني زماننا . وأنكره الزجاج وقال : قد روي أنه آمن معه ستمائة ألف وسبعون ألفا ، وهم الشرذمة القليلون الذين قال فيهم فرعون : " إن هؤلاء لشرذمة قليلون " روي ذلك عن ابن مسعود وغيره .
ذكر الله تعالى هذه المناظرة الفعلية بين موسى عليه السلام والقبط في سورة الأعراف, وفي سورة طه, وفي هذه السورة, وذلك أن القبط أرادوا أن يطفئوا نور الله بأفواههم, فأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون, وهذا شأن الكفر والإيمان ما تواجها وتقابلا إلا غلبه الإيمان "بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون" "وقل جاء الحق وزهق الباطل" الاية, ولهذا لما جاء السحرة وقد جمعوهم من أقاليم بلاد مصر, وكانوا إذ ذاك من أسحر الناس وأصنعهم وأشدهم تخييلاً في ذلك, وكان السحرة جمعاً كثيراً وجماً غفيراً, قيل: كانوا اثني عشر ألفاً, وقيل خمسة عشر ألفاً, وقيل سبعة عشر ألفاً, وقيل تسعة عشر ألفاً, وقيل بضعة وثلاثين ألفاً, وقيل ثمانين ألفاً, وقيل غير ذلك, والله أعلم بعدتهم. قال ابن إسحاق : وكان أمرهم راجعاً إلى أربعة منهم وهم رؤساؤهم, وهم: سابور, وعاذور, وحطحط, ويصفى, واجتهد الناس في الاجتماع ذلك اليوم, وقال قائلهم "لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين" ولم يقولوا نتبع الحق سواء كان من السحرة أو من موسى, بل الرعية على دين ملكهم "فلما جاء السحرة" أي إلى مجلس فرعون, وقد ضربوا له وطاقاً, وجمع خدمه وحشمه ووزراءه ورؤساء دولته وجنود مملكته, فقام السحرة بين يدي فرعون يطلبون منه الإحسان إليهم والتقرب إليه إن غلبوا, أي هذا الذي جمعتنا من أجله, فقالوا "أإن لنا لأجراً إن كنا نحن الغالبين * قال نعم وإنكم إذاً لمن المقربين" أي وأخص مما تطلبون أجعلكم من المقربين عندي وجلسائي, فعادوا إلى مقام المناطرة "قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى * قال بل ألقوا" وقد اختصر هذا ههنا, فقال لهم موسى "ألقوا ما أنتم ملقون * فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون" وهذا كما تقول الجهلة من العوام إذا فعلوا شيئاً هذ بثواب فلان, وقد ذكر الله تعالى في سورة الأعراف أنهم " سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاؤوا بسحر عظيم ". وقال في سورة طه " فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى * فأوجس في نفسه خيفة موسى * قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى * وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى " وقال ههنا "فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون" أي تخطفه وتجمعه من كل بقعة وتبتلعه فلم تدع منه شيئاً. قال الله تعالى: " فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون * فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين * وألقي السحرة ساجدين * قالوا آمنا برب العالمين * رب موسى وهارون " فكان هذا أمراً عظيماً جداً, وبرهاناً قاطعاً للعذر, وحجة دامغة, وذلك أن الذي استنصر بهم وطلب منهم أن يغلبوا, غلبوا وخضعوا, وآمنوا بموسى في الساعة الراهنة, سجدوا لله رب العالمين الذي أرسل موسى وهارون بالحق وبالمعجزة الباهرة, فغلب فرعون غلباً لم يشاهد العالم مثله, وكان وقحاً جريئاً, عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين, فعدل إلى المكابرة والعناد ودعوى الباطل, فشرع يتهددهم ويتوعدهم ويقول "إنه لكبيركم الذي علمكم السحر" وقال "إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة" الاية.
45- " فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون " قد تقدم تفسير هذا مستوفى. والمعنى: أنها تلقف ما صدر منهم من الإفك بإخراج الشيء عن صورته الحقيقية.
45- "فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون".
45 -" فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف " تبتلع ، وقرأ حفص (( تلقف )) بالتخفيف . " ما يأفكون " ما يقلبونه في وجهه بتمويههم وتزويرهم فيخيلون حبالهم وعصيهم أنها حيات تسعى ، أو إفكهم تسمية للمأفوك به مبالغة .
45. Then Moses threw his staff and lo! it swallowed that which they did falsely show.
45 - Then Moses threw his rod, when, behold, it straightway swallows up all the falsehoods which they fake!