45 - (وسكنتم) فيها (في مساكن الذين ظلموا أنفسهم) بالكفر من الأمم السابقة (وتبين لكم كيف فعلنا بهم) من العقوبة فلم تنزجروا (وضربنا) بينا (لكم الأمثال) في القرآن فلم تعتبروا
يقول تعالى ذكره : وسكنتم في الدنيا في مساكن الذين كفروا بالله ، فظلموا بذلك أنفسهم من الأمم التي كانت قبلكم ، وتبين لكم كيف فعلنا بهم . يقول : وعلمتم كيف أهلكناهم حين عتوا على ربهم ، وتمادوا في طغيانهم وكفرهم "وضربنا لكم الأمثال" يقول : ومثلنا لكم فيما كنتم عليه من الشرك بالله مقيمين الأشباه ، فلم تنيبوا ولم تتوبوا من كفركم ، فالآن تسألون التأخير للتوبة حين نزل بكم ما قد نزل بكم من العذاب ، إن ذلك لغير كائن .
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : "وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم" ، يقول :سكن الناس في مساكن قوم نوح وعاد وثمود ، وقرون بين ذلك كثيرة ممن هلك من الأمم "وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال" ، قد والله بعث رسله ، وأنزل كتبه ، ضرب لكم الأمثال ، فلا يصم فيها إلا أصم ، ولا يخيب فيها إلا الخائب ، فاعقلوا عن الله أمره .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : "وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم" قال : سكنوا في قراهم مدين والحجر والقرى التي عذب الله أهلها ، وتبين لكم كيف فعل الله بهم ، وضرب لهم الأمثال .
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن ابي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : "الأمثال" قال : الأشباه .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
قوله تعالى: " وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال " أي في بلاد ثمود ونحوها فهلا اعتبرتم بمساكنهم، بعد ما تبين لكم ما فعلنا بهم، وبعد أن ضربنا لكم الأمثال في القرآن. وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي ( ونبين لكم) بنون والجزم على أنه مستقبل ومعناه الماضي، وليناسب قوله: ( كيف فعلنا بهم). وقراءة الجماعة، ( وتبين) وهي مثلها في المعنى، لأن ذلك لا يتبين لهم إلا بتبيين الله إياهم.
يقول تعالى مخبراً عن الذين ظلموا أنفسهم عند معاينة العذاب: "ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل" كقوله "حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون" الاية, وقال تعالى "يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم" الايتين, وقال تعالى مخبراً عنهم في حال محشرهم " ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم " الاية, وقال: "ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا" الاية, وقال تعالى: "وهم يصطرخون فيها" الاية, قال تعالى رداً عليهم في قولهم هذا " أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال " أي أو لم تكونوا تحلفون من قبل هذه الحالة أنه لا زوال لكم عما أنتم فيه وأنه لا معاد ولا جزاء فذوقوا هذا بذلك, قال مجاهد وغيره "ما لكم من زوال" أي ما لكم من انتقال من الدنيا إلى الاخرة, كقوله "وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت" الاية, "وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال" أي قد رأيتم وبلغكم ما أحللنا بالأمم المكذبة قبلكم ومع هذا لم يكن لكم فيهم معتبر, ولم يكن فيما أوقعنا بهم لكم مزدجر " حكمة بالغة فما تغن النذر " وقد روى شعبة عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن أن علياً رضي الله عنه قال في هذه الاية "وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال" قال: أخذ ذاك الذي حاج إبراهيم في ربه نسرين صغيرين, فرباهما حتى استغلظا واستفحلا وشبا, قال: فأوثق رجل كل واحد منهما بوتد إلى تابوت وجوعهما, وقعد هو ورجل آخر في التابوت, قال: ورفع في التابوت عصاً على رأسه اللحم فطارا, وجعل يقول لصاحبه: انظر ما ترى ؟ قال: أرى كذا وكذا حتى قال أرى الدنيا كلها كأنها ذباب. قال: فصوب العصا, فصوبها فهبطا جميعاً, قال: فهو قوله عز وجل: " وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال ".
قال أبو إسحاق: وكذلك هي في قراءة عبد الله " وإن كان مكرهم " قلت: وكذا روي عن أبي بن كعب وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما أنهما قرآ "وإن كاد" كما قرأ علي, وكذا رواه سفيان الثوري وإسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن أذنان عن علي فذكر نحوه, وكذا روي عن عكرمة أن سياق هذه القصة للنمروذ ملك كنعان أنه رام أسباب السماء بهذه الحيلة والمكر, كما رام فرعون ملك القبط في بناء الصرح فعجزا وضعفا, وهما أقل وأحقر وأصغر وأدحر, وذكر مجاهد هذه القصة عن بختنصر وأنه لما انقطع بصره عن الأرض وأهلها, نودي أيها الطاغية أين تريد ؟ ففرق ثم سمع الصوت فوقه, فصوب الرماح فصوبت النسور, ففزعت الجبال من هدتها, وكادت الجبال أن تزول من حس ذلك, فذلك قوله: "وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال".
ونقل ابن جريج عن مجاهد أنه قرأها "لتزول منه الجبال" بفتح اللام الأولى وضم الثانية, وروى العوفي عن ابن عباس في قوله: "وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال" يقول: ما كان مكرهم لتزول منه الجبال, وكذا قال الحسن البصري, ووجهه ابن جرير بأن هذا الذي فعلوه بأنفسهم من شركهم بالله وكفرهم به, ما ضر شيئاً من الجبال ولا غيرها, وإنما عاد وبال ذلك عليهم, قلت: ويشبه هذا قول الله تعالى: "ولا تمش في الأرض مرحاً إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولاً", والقول الثاني في تفسيرها ما رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال" يقول: شركهم كقوله: "تكاد السموات يتفطرن منه" الاية, وهكذا قال الضحاك وقتادة.
45- "وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم" أي استقررتم، يقال سكن الدار وسكن فيها، وهي بلاد ثمود ونحوهم من الكفار الذين ظلموا أنفسهم بالكفر بالله والعصيان له "وتبين لكم كيف فعلنا بهم" قرأ عبد الرحمن السلمي نبين بالنون والفعل المضارع. وقرأ من عداه بالتاء الفوقية والفعل الماضي: أي تبين لكم بمشاهدة الآثار كيف فعلنا بهم من العقوبة والعذاب الشديد بما فعلوه من الذنوب، وفاعل تبين ما دلت عليه الجملة المذكورة بعده: أي تبين لكم فعلنا العجيب بهم "وضربنا لكم الأمثال" في كتب الله وعلى ألسن رسله إيضاحاً لكم وتقريراً وتكميلاً للحجة عليكم.
"وسكنتم"، في الدنيا، "في مساكن الذين ظلموا أنفسهم"، بالكفر والعصيان، قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم. "وتبين لكم كيف فعلنا بهم"، أي: عرفتم عقوبتنا إياهم، "وضربنا لكم الأمثال"، أي: بينا أن مثلكم كمثلهم.
45."وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم"بالكفر والمعاصي كعاد وثمود ، وأصل سكن أن يعدى بفي كقر وغني وأقام ، وقد يستعمل بمعنى التبوء فيجري مجراه كقولك سكنت الدار."وتبين لكم كيف فعلنا بهم"بما تشاهدونه في منازلهم من آثار ما نزل بهم وما تواتر عندكم من أخبارهم ."وضربنا لكم الأمثال"من أحوالهم أي بينا لكم أنكم مثلهم في الكفر واستحقاق العذاب، أو صفات ما فعلوا وفعل بهم التي هي في الغرابة كالأمثال المضروبة.
45. And (have ye not) dwelt in the dwellings of those who wronged themselves (of old) and (hath it not) become plain to you how We dealt with them, and made examples for you?
45 - And ye dwelt in the dwellings of men who wronged their own souls; ye were clearly shown how we dealt with them; and we put forth (many) parables in your behoof