45 - (ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني) كنعان (من أهلي) وقد وعدتني بنجاتهم (وإن وعدك الحق) الذي لاخلف فيه (وأنت أحكم الحاكمين) أعلمهم وأعدلهم
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : ونادى نوح ربه فقال : رب إنك وعدتني أن تنجيني من الغرق والهلاك وأهلي ،وقد هلك ابني ، وابني من أهلي ، "وإن وعدك الحق" ، الذي لا خلف له ، "وأنت أحكم الحاكمين" ، بالحق ، فاحكم لي بأن تفي لي بما وعدتني ، من أن تنجي لي أهلي ، وترجع إلي ابني ، كما :
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : "وأنت أحكم الحاكمين" ، قال : أحكم الحاكمين بالحق .
فيه خمس مسائل:
الأولى: قوله تعالى: " ونادى نوح ربه " أي دعاه. " فقال رب إن ابني من أهلي " أي من أهلي الذين وعدتهم أن تنجيهم من الغرق، ففي الكلام حذف. " وإن وعدك الحق " يعني الصدق. وقال علماؤنا: وإنما سأل نوح ربه ابنه لقوله: ( وأهلك) وترك قوله: " إلا من سبق عليه القول " فلما كان عنده من أهله قال: " رب إن ابني من أهلي " يدل على ذلك قوله: " ولا تكن مع الكافرين " أي لا تكن ممن لست منهم، لأنه كان عنده مؤمناً في ظنه، ولم يك نوح يقول لربه: ( إن ابني من أهلي) إلا وذلك عنده كذلك، إذ محال أن يسأل هلاك الكفار، ثم يسأل في إنجاء بعضهم، وكان ابنه يسر الكفر ويظهر الإيمان، فأخبر الله تعالى نوحاً بما هو منفرد به من علم الغيوب، أي علمت من حال ابنك ما لم تعلمه أنت. وقال الحسن: كان منافقاً، ولذلك استحل نوح أن يناديه. وعنه أيضاً: كان ابن امرأته، دليله قراءة علي ( ونادى نوح ابنها). " وأنت أحكم الحاكمين " ابتداء وخبر. أي حكمت على قوم بالنجاة، وعلى قوم بالغرق.
هذا سؤال استعلام وكشف من نوح عليه السلام عن حال ولده الذي غرق "قال رب إن ابني من أهلي" أي وقد وعدتني بنجاة أهلي ووعدك الحق الذي لا يخلف فكيف غرق وأنت أحكم الحاكمين "قال يا نوح إنه ليس من أهلك" أي الذين وعدت إنجاءهم لأني إنما وعدتك بنجاة من آمن من أهلك, ولهذا قال: "وأهلك إلا من سبق عليه القول منهم" فكان هذا الولد ممن سبق عليه القول بالغرق لكفره ومخالفته أباه نبي الله نوحاً عليه السلام, وقد نص غير واحد من الأئمة على تخطئة من ذهب في تفسير هذا إلى أنه ليس بابنه وإنما كان ابن زنية, ويحكى القول بأنه ليس بابنه وإنما كان ابن امرأته عن مجاهد والحسن وعبيد بن عمير وأبي جعفر الباقر وابن جرير, واحتج بعضهم بقوله: "إنه عمل غير صالح" وبقوله: "فخانتاهما" فممن قاله الحسن البصري احتج بهاتين الايتين وبعضهم يقول ابن امرأته وهذا يحتمل أن يكون أراد ما أراد الحسن أو أراد أنه نسب إليه مجازاً لكونه كان ربيباً عنده فالله أعلم. وقال ابن عباس وغير واحد من السلف: ما زنت امرأة نبي قط قال: وقوله: "إنه ليس من أهلك" أي الذين وعدتك نجاتهم, وقول ابن عباس في هذا هو الحق الذي لا محيد عنه فإن الله سبحانه أغير من أن يمكن امرأة نبي من الفاحشة ولهذا غضب الله على الذين رموا أم المؤمنين عائشة بنت الصديق زوج النبي صلى الله عليه وسلم وأنكر على المؤمنين الذين تكلموا بهذا وأشاعوه ولهذا قال تعالى: " إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرىء منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم * لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين * لولا جاؤوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون * ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسكم في ما أفضتم فيه عذاب عظيم * إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم ".
وقال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن قتادة وغيره عن عكرمة عن ابن عباس قال: هو ابنه غير أنه خالفه في العمل والنية قال عكرمة في بعض الحروف إنه عمل عملاً غير صالح, والخيانة تكون على غير باب, وقد ورد في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ بذلك فقال الإمام أحمد حدثنا يزيد بن هارون حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ "إنه عمل غير صالح" وسمعته يقول: "يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً" ولا يبالي "إنه هو الغفور الرحيم" وقال أحمد أيضاً حدثنا وكيع حدثنا هارون النحوي عن ثابت البناني عن شهر بن حوشب عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأها "إنه عمل غير صالح" أعاده أحمد أيضاً في مسنده, أم سلمة هي أم المؤمنين والظاهر والله أعلم أنها أسماء بنت يزيد فإنها تكنى بذلك أيضاً. وقال عبد الرزاق أيضاً أنبأنا الثوري عن ابن عيينة عن موسى بن أبي عائشة عن سليمان بن قبة قال سمعت ابن عباس سئل وهو إلى جنب الكعبة عن قول الله: "فخانتاهما" قال: أما إنه لم يكن بالزنا ولكن كانت هذه تخبر الناس أنه مجنون, وكانت هذه تدل على الأضياف ثم قرأ "إنه عمل غير صالح" قال ابن عيينة وأخبرني عمار الدهني أنه سأل سعيد بن جبير عن ذلك فقال: كان ابن نوح إن الله لا يكذب. قال تعالى: "ونادى نوح ابنه" قال وقال بعض العلماء: ما فجرت امرأة نبي قط. وكذا روي عن مجاهد أيضاً وعكرمة والضحاك وميمون بن مهران وثابت بن الحجاج وهو اختيار أبي جعفر بن جرير وهو الصواب الذي لا شك فيه .
معنى: 45- "ونادى نوح ربه" دعاه، والمراد أراد دعاءه بدليل الفاء في "فقال رب إن ابني من أهلي" وعطف الشيء على نفسه غير سائغ، فلا بد من التقدير المذكور، ومعنى قوله: "إن ابني من أهلي" أنه من الأهل الذين وعدتني بتنجيتهم بقولك: "وأهلك". فإن قيل: كيف طلب نوح عليه السلام إنجاز ما وعده الله بقوله: "وأهلك" وهو المستثنى منه، وترك ما يفيده الاستثناء، وهو "إلا من سبق عليه القول"؟ فيجاب: بأنه لم يعلم إذ ذاك أنه ممن سبق عليه القول، فإنه كان يظنه من المؤمنين "وإن وعدك الحق" الذي لا خلف فيه، وهذا منه "وأنت أحكم الحاكمين" أي أتقن المتقنين لما يكون به الحكم، فلا يتطرق إلى حكمك نقض، وقيل: أراد بأحكم الحاكمين أعلمهم وأعدلهم: أي أنت أكثر علماً وعدلاً من ذوي الحكم، وقيل: إن الحاكم بمعنى ذي الحكمة كدارع.
45-قوله تعالى: "ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي"، وقد وعدتني أن تنجيني وأهلي؟ "وإن وعدك الحق"، لا خلف فيه، "وأنت أحكم الحاكمين"، حكمت على قوم بالنجاة وعلى قوم بالهلاك.
45."ونادى نوح ربه"وأراد نداءه بدليل عطف قوله:"فقال رب إن ابني من أهلي"فإنه النداء ."وإن وعدك الحق"وإن كل وعد تعده حق لا يتطرق إليه الخلف ،وقد وعدت أن تنجي أهلي فما حاله ،أو فما له لم ينج ،ويجوز أن يكون هذا النداء قبل غرقه." وأنت أحكم الحاكمين "لأنك أعلمهم و أعدلهم ، أو لأنك أكثر حكمة من ذوي الحكم على أن الحاكم من الحكمة كالدارع من الدرع.
45. And Noah cried unto his Lord and said : My Lord! Lo! my son is of my household! Surely Thy promise is the Truth and Thou art the Most Just of Judges.
45 - And Noah called upon his Lord, and said: O my Lord surely my son is of my family and thy promise is true, and thou art the justest of judges