44 - (خاشعة) ذليلة (أبصارهم ترهقهم) تغشاهم (ذلة ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون) ذلك مبتدأ وما بعده الخبر ومعناه يوم القيامة
وقوله" خاشعة أبصارهم " يقول : خاضعة أبصارهم للذي هم فيه من الخزي والهوان " ترهقهم ذلة " يقول : تغشاهم ذلة " ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون "يقول غز وجل : هذا اليوم الذي وصفت صفته ، وهو يوم القيامة الذي كان مشركو قريش يوعدون في الدنيا أنهم لا قوة في الآخرة ، كانوا يكذبون به .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال :ثنا سعيد عن قتادة " ذلك اليوم " يوم القيامة " الذي كانوا يوعدون " .
قوله تعالى: "خاشعة أبصارهم" أي ذليلة خاضعة، لا يرفعونها لما يتوقعونه من عذاب الله. "ترهقهم ذلة" المعارج: أي يغشاهم الهوان. قال قتادة: هو سواد الوجوه. والرهق: الغشيان، ومنه غلام مراهق إذا غشى الاحتلام. رهقه بالكسر يرهقه رهقاً أي غشيه، ومنه قوله تعالى: "ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة" يونس:26 . "ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون" أي يوعدونه في الدنيا أن لهم فيه العذاب. وأخرج الخبر بلفظ الماضي لأن ما وعد الله له يكون ولا محالة.
يقول تعالى منكراً على الكفار الذين كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وهم مشاهدون له ولما أرسله الله به من الهدى وما أيده الله به من المعجزات الباهرات, ثم هم مع هذاكله فارون منه متفرقون عنه, شاردون يميناً وشمالاً فرقاً فرقاً, وشيعاً شيعاً, كما قال تعالى: "فما لهم عن التذكرة معرضين * كأنهم حمر مستنفرة * فرت من قسورة" الاية. وهذه مثلها فإنه قال تعالى: " فمال الذين كفروا قبلك مهطعين " أي فما لهؤلاء الكفار الذين عندك يا محمد مهطعين أي مسرعين نافرين منك, كما قال الحسن البصري : مهطعين أي منطلقين "عن اليمين وعن الشمال عزين" واحدها عزة أي متفرقين, وهو حال من مهطعين أي في حال تفرقهم واختلافهم كما قال الإمام أحمد في أهل الأهواء فهم مخالفون للكتاب مختلفون في الكتاب متفقون على مخالفة الكتاب وقال العوفي عن ابن عباس " فمال الذين كفروا قبلك مهطعين ", قال قبلك ينظرون "عن اليمين وعن الشمال عزين" قال: العزين العصب من الناس عن يمين وشمال معرضين يستهزئون به, وقال ابن جرير : حدثنا ابن بشار حدثنا أبو عامر , حدثنا قرة عن الحسن في قوله: "عن اليمين وعن الشمال عزين" أي متفرقين يأخذون يميناً وشمالاً يقولون: ما قال هذا الرجل ؟
وقال قتادة "مهطعين" عامدين "عن اليمين وعن الشمال عزين" أي فرقاً حول النبي صلى الله عليه وسلم لا يرغبون في كتاب الله ولا في نبيه صلى الله عليه وسلم وقال الثوري وشعبة وعبثر بن القاسم وعيسى بن يونس ومحمد بن فضيل ووكيع ويحيى القطان وأبو معاوية , كلهم عن الأعمش , عن المسيب بن رافع , عن تميم بن طرفة , عن جابر بن سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عليهم وهم حلق فقال: "ما لي أراكم عزين ؟" رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي وابن جرير من حديث الأعمش به, وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن بشار , حدثنا مؤمل , حدثنا سفيان عن عبد الملك بن عمير , عن أبي سلمة , عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه وهم حلق فقال: "ما لي أراكم عزين ؟" وهذا إسناده جيد ولم أره في شيء من الكتب الستة من هذا الوجه.
وقوله تعالى: " أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم * كلا " أي: أيطمع هؤلاء والحالة هذه من فرارهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ونفارهم عن الحق أن يدخلوا جنات النعيم ؟ كلا بل مأواهم جهنم. ثم قال تعالى مقرراً لوقوع المعاد والعذاب بهم الذي أنكروا كونه واستبعدوا وجوده مستدلاً عليهم بالبداءة التي الإعادة أهون منها, وهم معترفون بها, فقال تعالى: "إنا خلقناهم مما يعلمون" أي من المني الضعيف, كما قال تعالى: "ألم نخلقكم من ماء مهين" وقال: " فلينظر الإنسان مم خلق * خلق من ماء دافق * يخرج من بين الصلب والترائب * إنه على رجعه لقادر * يوم تبلى السرائر * فما له من قوة ولا ناصر " ثم قال تعالى: "فلا أقسم برب المشارق والمغارب" أي الذي خلق السموات والأرض وجعل مشرقاً ومغرباً وسخر الكواكب تبدو من مشارقها وتغيب في مغاربها. وتقدير الكلام ليس الأمر كما تزعمون أن لا معاد ولا حساب ولا بعث ولا نشور, بل كل ذلك واقع وكائن لا محالة, ولهذا أتى بلا في ابتداء القسم ليدل على أن المقسم عليه نفي, وهو مضمون الكلام وهو الرد على زعمهم الفاسد في نفي يوم القيامة. وقد شاهدوا من عظيم قدرة الله تعالى ما هو أبلغ من إقامة القيامة, وهو خلق السموات والأرض وتسخير ما فيهما من المخلوقات من الحيوانات والجمادات وسائر صنوف الموجودات, ولهذا قال تعالى: "لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون".
وقال تعالى: " أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير " وقال تعالى في الاية الأخرى: " أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم * إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون " وقال ههنا: " فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون * على أن نبدل خيرا منهم " أي يوم القيامة نعيدهم بأبدان خير من هذه فإن قدرته صالحة لذلك "وما نحن بمسبوقين" أي بعاجزين كما قال تعالى: " أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه * بلى قادرين على أن نسوي بنانه " وقال تعالى: " نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين * على أن نبدل أمثالكم وننشئكم في ما لا تعلمون " واختار ابن جرير "على أن نبدل خيراً منهم" أي: أمة تطيعنا ولا تعصينا وجعلها كقوله: "وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم" والمعنى الأول أظهر لدلالة الايات الأخر عليه والله سبحانه وتعالى أعلم.
ثم قال تعالى: "فذرهم" أي يا محمد "يخوضوا ويلعبوا" أي دعهم في تكذيبهم وكفرهم وعنادهم "حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون" أي فسيعلمون غب ذلك ويذوقون وباله "يوم يخرجون من الأجداث سراعاً كأنهم إلى نصب يوفضون" أي: يقومون من القبور إذا دعاهم الرب تبارك وتعالى لموقف الحساب ينهضون سراعاً كأنهم إلى نصب يوفضون, قال ابن عباس ومجاهد والضحاك : إلى علم يسعون, وقال أبو العالية ويحيى بن أبي كثير إلى غاية يسعون إليها, وقد قرأ الجمهور إلى نصب بفتح النون وإسكان الصاد وهو مصدر بمعنى المنصوب, وقرأ الحسن البصري نصب بضم النون والصاد وهو الصنم أي كأنهم في إسراعهم إلى الموقف كما كانوا في الدنيا يهرولون إلى النصب إذا عاينوه, يوفضون يبتدرون أيهم يستلمه أول. وهذا مروي عن مجاهد ويحيى بن أبي كثير ومسلم البطين وقتادة والضحاك والربيع بن أنس وأبي صالح وعاصم بن بهدلة وابن زيد وغيرهم, وقوله تعالى: "خاشعة أبصارهم" أي خاضعة "ترهقهم ذلة" أي في مقابلة ما استكبروا في الدنيا عن الطاعة "ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون". آخر تفسير سورة سأل سائل, ولله الحمد والمنة.
وانتصاب 44- "خاشعة أبصارهم" على الحال من ضمير يوفضون وأبصارهم مرتفة به، والخشوع الذلة والخضوع: أي لا يرفعونها لما يتوقعونه من العذاب "ترهقهم ذلة" أي تغشاهم ذلة شديدة. قال قتادة: هي سواد الوجوه، ومنه غلام مراهق: إذا غشيه الاحتلام، يقال رهقه بالكسر يرهقه رهقاً: أي غشيه، ومثل هذا قوله: "ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة" والإشارة بقوله: "ذلك" إلى ما تقدم ذكره. وهو مبتدأ وخبره "اليوم الذي كانوا يوعدون" أي الذي كانوا يوعدونه في الدنيا على ألسنة الرسل قد حاق بهم وحضر ووقع بهم من عذابه ما وعدهم الله به، وإن كان مستقبلاً، فهو في حكم الذي قد وقع لتحقق وقوعه.
وقد أخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "فلا أقسم برب المشارق والمغارب" قال: للشمس كل يوم مطلع تطلع فيه، ومغرب تغرب فيه غير مطلعها بالأمس وغير مغربها بالأمس. وأخرج ابن جرير عنه "إلى نصب يوفضون" قال: إلى علم يستبقون.
44- "خاشعةً"، ذليلة خاضعة، "أبصارهم ترهقهم ذلة"، يغشاهم هوان، "ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون"، يعني يوم القيامة.
44-" خاشعةً أبصارهم ترهقهم ذلةً " مر تفسيره " ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون " في الدنيا .
عن النبي صلى الله عليه وسلم " من قرأ سورة " سأل سائل " أعطاه الله ثواب الذين هم " لأماناتهم وعهدهم راعون " " .
44. With eyes aghast, abasement stupefying them: Such is the Day which they are promised.
44 - Their eyes lowered in dejection, ignominy covering them (all over)! Such is the Day the which they are promised!